شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [16]


الحلقة مفرغة

أحوال المريض

تقدم لنا شيء من أقسام الإمامة والائتمام، وذكرنا من ذلك موقف المأموم، وذكرنا أن المأموم لا يخلو أن يكون رجلاً أو امرأةً، فإن كان رجلاً فإن موقفه عن يمين الإمام إن كان واحداً، وذكرنا حكم ما إذا وقف عن يسار الإمام هل تصح صلاته أو لا تصح صلاته؟ وإن كان أكثر من واحد فذكرنا أن السنة أن يقف خلف الإمام، وإن وقفوا عن جانبيه يمينه وشماله فإن هذا صحيح.

وتكلمنا أيضاً عن حكم التقدم على الإمام، وكذلك أيضاً حكم الصلاة منفرداً خلف الصف، وأن الأقرب في هذه المسألة أنه تسقط المصافة بالعجز عنها، كما لو كان الصف مكتملاً.

وأيضاً تكلمنا عن موقف المرأة مع الرجال، وموقف المرأة مع النساء.. إلى آخره، وكذلك أيضاً إمامة النساء أين تقف، وكذلك أيضاً إمام العراة أين يقف إلى آخره.

وحكم ما إذا اجتمع الرجال والصبيان والنساء فمن يقدم للأمام.. إلى آخره، وهل تدرك الركعة بإدراك الركوع.. إلى آخره.

ثم بعد ذلك شرعنا في صلاة المريض، وذكرنا أن المريض له أحوال:

الحالة الأولى: أن يتمكن من الصلاة قائماً، فهذا هو الواجب؛ لقول الله عز وجل: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] .

وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم لـعمران بن حصين : ( صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب ).

ثم بعد ذلك الحالة الثانية: أن يصلي جالساً، وذكرنا كيفية الجلوس وأنه يتربع في موضع القيام، وما عدا ذلك فيفترش في موضع الافتراش، ويتورك في موضع التورك، وذكرنا أنه يومئ بالركوع، وأما السجود فإنه يسجد سجوداً تاماً.

ثم بعد ذلك الحالة الثالثة: أن يصلي على جنب، إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يصلي قاعداً فإنه يصلي على جنبه، ودليل ذلك حديث عمران رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب ).

الحالة الثالثة: أن يصلي على جنبه، وكما سلف ينتقل من القعود إلى الصلاة على الجنب في حالتين:

الحالة الأولى: إذا لم يستطع أن يصلي قاعداً.

الحالة الثانية: إذا كان في صلاته قاعداً مشقة ظاهرة تلحقه بحيث يقلق ويتعب ويريد أن يضطجع فنقول هنا: يصلي على جنبه.

وهل الأفضل أن يصلي على الجنب الأيمن أو الجنب الأيسر؟

قال بعض العلماء: الأفضل: أن يكون على جنبه الأيمن؛ لورود ذلك في حديث علي ، لكن هذا الحديث ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وعلى هذا نقول: الأفضل للمريض أن يفعل ما هو الأرفق به والأيسر عليه، فإذا كان الأرفق به أن يصلي على الأيسر صلى على الجانب الأيسر، وإن كان الأرفق أن يصلي على الأيمن صلى على الجانب الأيمن؛ لأن صلاة المريض على هذه الكيفية إنما شرعت تخفيفاً وتيسيراً ورفقاً بالمريض، وعلى هذا فنقول: بأنه يفعل ما هو الأرفق به.

صلاة المريض على ظهره

قال المؤلف رحمه الله: [فإن شق عليه فعلى ظهره].

هل هذه مرتبة مستقلة أو أنها داخلة في المرتبة الثالثة؟

الصلاة على الظهر، كون المريض يصلي على ظهره ورجلاه إلى القبلة هل هذه مرتبة مستقلة بحيث إنه لا يصلي على ظهره حتى يعجز عن الصلاة على جنبه، أو يشق عليه الصلاة على جنبه، أو أن له أن يصلي على ظهره وهو قادر؟

هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله، فمن العلماء من جعلها مرتبةً مستقلة، وأن المريض ليس له أن يصلي على ظهره حتى يعجز عن الصلاة على جنبه، أو تلحقه مشقة ظاهرة، وبعض العلماء لم يجعلها مرتبةً مستقلة فرخص للمريض أن يصلي على جنبه، وإن شاء أن يصلي على ظهره فله ذلك، وهذا القول هو الأقرب؛ لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فإن لم يستطع فعلى جنبه )، الظهر قريب من الجنب، فالهيئة واحدة.

وعلى هذا نقول: إذا كان الإنسان مريضاً وكان الأرفق به أن يصلي على ظهره ورجلاه إلى القبلة فإن هذا جائز ولا بأس به.

العجز عن الركوع والسجود

قال المؤلف رحمه الله: [فإن عجز عن الركوع والسجود أومأ إيماءً].

إذا صلى قاعداً فإنه بالنسبة للركوع يومئ إيماءً؛ لأنه لا يستطيع القيام أو يشق عليه القيام، بالنسبة للسجود يسجد سجوداً تاماً، إن عجز عن السجود فإنه يومئ أيضاً بالسجود، إذا صلى على جنبه فإنه يومئ بالسجود والركوع، ويكون إيماؤه إلى صدره.

صلاة المريض بالإيماء

المرتبة الرابعة أضاف بعض العلماء: إذا لم يستطع الإيماء فإنه يصلي بطرفه، يعني: يصلي بعينيه، إن كان لا يستطيع أن يومئ برأسه فقال بعض العلماء: يومئ بطرفه يعني: بعينه، فيفتح عينيه، ثم بعد ذلك في حال الركوع يغلقهما قليلاً، ثم في حال السجود يغلقهما أكثر.. وهكذا يومئ بطرفه.

ولكن حديث علي الوارد بالإيماء بالطرف هذا ضعيف، وعلى هذا لا توجد عندنا هذه الحالة، ما دام أنه لم يثبت فيها سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم نقول: هذه الحالة لا ترد علينا، فالصلاة بالطرف هذه لا وجود لها في الشرع.

كذلك أيضاً بعض العامة يضيف الصلاة بالإصبع، وأنه يصلي بإصبعه ويحرك إصبعه عند الركوع ويحركه عند السجود إلى آخره، وهذه الصفة لا وجود لها لا في الشرع ولا في كلام العلماء رحمهم الله، فالصلاة بالإصبع هذه ليس لها وجود.

وعلى هذا نقول: إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يومئ برأسه فإنه يصلي بقلبه، فيستحضر بقلبه أنه ركع، ثم يتلفظ إن قدر أن يحرك لسانه بألفاظ الركوع حركها، إذا لم يقدر فإنه يستحضر أقوال الصلاة، يستحضر أنه قام، وأنه ركع، وأنه سجد.. إلى آخره، الأذكار إن كان يستطيع أن يأتي بها في لسانه أتى بها في لسانه، إذا لم يستطع فإنه أيضاً يستحضرها.

فأصبحت عندنا المرتبة الرابعة: الصلاة بالقلب، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله خلافاً لـأبي حنيفة رحمه الله فإنه لا يرى هذه الحالة، والصواب: إثباتها، وأن الصلاة لا تسقط ما دام عقل المكلف باقياً، وهذا يدل على عظم الصلاة، وأن الإنسان يؤدي الصلاة على حسب استطاعته في هذه المراحل الأربع، ويدل أيضاً على يسر الشريعة ورحمتها بالمكلف، ويدل أيضاً على عظم شأن الوقت، فتلخص لنا أن صلاة المريض لها أربع حالات:

الحالة الأولى: أن يصلي قائماً.

الحالة الثانية: أن يصلي قاعداً.

الحالة الثالثة: أن يصلي على جنبه.

الحالة الرابعة: أن يصلي في قلبه.

قضاء المغمى عليه ما فاته من الصلاة

قال المؤلف رحمه الله: [وعليه قضاء ما فاته من الصلوات في إغمائه].

لو أن الإنسان أغمي عليه لمدة يوم أو يومين أو شهر أو شهرين إلى آخره، فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله كما ذكر المؤلف أن عليه أن يقضي كل الصلوات التي أغمي فيها، وسواء كان الإغماء باختياره أو بغير اختياره، باختياره كما لو تناول دواءً كالبنج مثلاً ثم بعد ذلك أغمي عليه لمدة يوم أو يومين فإنه إذا أفاق من بنجه فإنه يقضي الصلوات التي عليه، أو كان بغير اختياره مثل ما يحدث الآن لبعض المصابين -نسأل الله لنا ولهم السلامة والعافية- في الحوادث تجد أن الإنسان يصاب بحادث ثم يظل أسبوعاً أو أسبوعين إلى آخره وهو مغمىً عليه، أو قد يجلس شهراً أو شهرين… إلى آخره وهو مغمىً عليه ثم يفيق بعد ذلك.

فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه يجب عليه أن يقضي، سواء طالت المدة أو قصرت، وسواء كان الإغماء باختياره، أو كان بغير اختياره.

واستدلوا بالقياس على النائم، فكما أن النائم يجب عليه القضاء فكذلك أيضاً المغمى عليه يجب عليه القضاء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في النائم: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها )، وكذلك أيضاً قالوا: بأن عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه أغمي عليه لمدة ثلاث أيام ثم قضى.

وعند أبي حنيفة رحمه الله أنه إن أغمي عليه لأكثر من يوم وليلة، يعني صلوات أكثر من يوم وليلة فهذا لا يجب عليه القضاء، وإن أغمي عليه لمدة يوم وليلة فهذا يجب عليه القضاء.

والرأي الثالث: رأي الشافعية، التفصيل بين الإنسان الذي يغمى عليه باختياره، والذي يغمى عليه بغير اختياره، فالذي يغمى عليه باختياره كما لو تناول دواءً كبنج ونحو ذلك فهذا يجب عليه القضاء، أما إذا كان الإغماء بغير اختياره كما لو سقط أو أصابه حادث فإنه لا يجب عليه القضاء إلا الصلاة التي أفاق في وقتها، يعني أدرك من وقتها قدر ركعة وهو مفيق، أو أغمي في وقتها وهو لم يصلها، أدرك من وقتها قدر ركعة فهذا يجب عليه القضاء؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة في الصحيحين: ( من أدرك ركعةً من الصلاة فقد أدرك الصلاة ).

وهذا القول هو الأقرب، فنقول: إن أغمي على الإنسان في حال الاختيار يجب عليه أن يقضي، إن أغمي عليه في غير حال الاختيار نقول: لا يجب عليه القضاء إلا إن أغمي عليه في وقت الصلاة، بحيث أدرك من وقتها قدر ركعة، أو أفاق في وقت الصلاة بحيث أدرك من وقتها قدر ركعة لعموم حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها )، ( من أدرك ركعةً من الصلاة فقد أدرك الصلاة ).

وفرق بين المغمى عليه والنائم، فإن النائم يستيقظ بالإيقاظ بخلاف المغمى عليه، فإنه لا يستيقظ بالإيقاظ فحاله قريب من حال فاقد العقل، وفاقد العقل لا تثريب عليه، وعلى هذا ذكرنا أن الأقرب أنه إذا أغمي عليه بغير اختياره أنه لا قضاء عليه.

تقدم لنا شيء من أقسام الإمامة والائتمام، وذكرنا من ذلك موقف المأموم، وذكرنا أن المأموم لا يخلو أن يكون رجلاً أو امرأةً، فإن كان رجلاً فإن موقفه عن يمين الإمام إن كان واحداً، وذكرنا حكم ما إذا وقف عن يسار الإمام هل تصح صلاته أو لا تصح صلاته؟ وإن كان أكثر من واحد فذكرنا أن السنة أن يقف خلف الإمام، وإن وقفوا عن جانبيه يمينه وشماله فإن هذا صحيح.

وتكلمنا أيضاً عن حكم التقدم على الإمام، وكذلك أيضاً حكم الصلاة منفرداً خلف الصف، وأن الأقرب في هذه المسألة أنه تسقط المصافة بالعجز عنها، كما لو كان الصف مكتملاً.

وأيضاً تكلمنا عن موقف المرأة مع الرجال، وموقف المرأة مع النساء.. إلى آخره، وكذلك أيضاً إمامة النساء أين تقف، وكذلك أيضاً إمام العراة أين يقف إلى آخره.

وحكم ما إذا اجتمع الرجال والصبيان والنساء فمن يقدم للأمام.. إلى آخره، وهل تدرك الركعة بإدراك الركوع.. إلى آخره.

ثم بعد ذلك شرعنا في صلاة المريض، وذكرنا أن المريض له أحوال:

الحالة الأولى: أن يتمكن من الصلاة قائماً، فهذا هو الواجب؛ لقول الله عز وجل: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] .

وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم لـعمران بن حصين : ( صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب ).

ثم بعد ذلك الحالة الثانية: أن يصلي جالساً، وذكرنا كيفية الجلوس وأنه يتربع في موضع القيام، وما عدا ذلك فيفترش في موضع الافتراش، ويتورك في موضع التورك، وذكرنا أنه يومئ بالركوع، وأما السجود فإنه يسجد سجوداً تاماً.

ثم بعد ذلك الحالة الثالثة: أن يصلي على جنب، إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يصلي قاعداً فإنه يصلي على جنبه، ودليل ذلك حديث عمران رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب ).

الحالة الثالثة: أن يصلي على جنبه، وكما سلف ينتقل من القعود إلى الصلاة على الجنب في حالتين:

الحالة الأولى: إذا لم يستطع أن يصلي قاعداً.

الحالة الثانية: إذا كان في صلاته قاعداً مشقة ظاهرة تلحقه بحيث يقلق ويتعب ويريد أن يضطجع فنقول هنا: يصلي على جنبه.

وهل الأفضل أن يصلي على الجنب الأيمن أو الجنب الأيسر؟

قال بعض العلماء: الأفضل: أن يكون على جنبه الأيمن؛ لورود ذلك في حديث علي ، لكن هذا الحديث ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وعلى هذا نقول: الأفضل للمريض أن يفعل ما هو الأرفق به والأيسر عليه، فإذا كان الأرفق به أن يصلي على الأيسر صلى على الجانب الأيسر، وإن كان الأرفق أن يصلي على الأيمن صلى على الجانب الأيمن؛ لأن صلاة المريض على هذه الكيفية إنما شرعت تخفيفاً وتيسيراً ورفقاً بالمريض، وعلى هذا فنقول: بأنه يفعل ما هو الأرفق به.