خطب ومحاضرات
مقدمة في الفقه - ثناء العلماء على الإمام الشافعي [2]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخوتي الكرام! تقدم معنا أن الإمام الشافعي حجة في العربية، وأنه ما لحن قط بسبب بركة نبينا عليه الصلاة والسلام عندما تفل في فمه، ودهن شفتيه ولسانه بريقه عليه صلوات الله وسلامه في المنام، فما لحن قط، وأئمة العربية قرروا هذا في كتبهم وقالوا: كلام الشافعي حجة في اللغة، يُنقل هذا عن إمام العربية الإمام عبد الملك بن هشام ، توفي سنة ثماني عشرة ومائتين, انظروا ترجمته الطيبة في السير في الجزء العاشر صفحة تسع وعشرين وأربعمائة، لما قدم الإمام الشافعي مصر قيل للإمام ابن هشام ، وهو إمام العربية في زمانه: لو لقيت الإمام الشافعي واتصلت به، فكأنه استصغره دون أن يعلم حاله وخبره، فتثاقل الذهاب إليه، ثم بعد فترة ذهب إليه ورآه، فقال: ما ظننت أن الله جل وعلا يخلق مثل الإمام الشافعي!
يقول: هذا نموذج غريب، ما كنت أظن أن الله يخلق مثل هذه الشخصية المباركة، وقال كما في توالي التأسيس صفحة ست وتسعين: هو حجة في اللغة ما سمعته لحن قط، ما سمعت منه لحنةً قط.
قال الإمام الذهبي معلقاً على كلام الإمام ابن هشام : أنى يكون ذلك -أي: اللحن من الإمام الشافعي - وبمثله في الفصاحة يُضرب المثل. وكان الشافعي أفصح قريش في زمانه، وممن يؤخذ عنه اللغة, فكيف ستعثر له على لحن وزلة رحمة الله ورضوانه عليه.
وهذا الأمر قد شهد له به أئمة العربية، ابن هشام النحوي ، والإمام ثعلب إمام العربية الذي تقدم معنا خبره أيضاً، شهد بأن كلام الإمام الشافعي حجة في اللغة كما في السير في الجزء الرابع عشر صفحة خمسة، وانظروه في توالي التأسيس صفحة ثلاث ومائة، قال: إنما تؤخذ اللغة عن الإمام الشافعي لأنه من أهلها. والإمام ثعلب توفي سنة إحدى وتسعين ومائتين، وهو علامة محدث، إمام النحو، أبو العباس أحمد بن يحيى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا.
لِما تقدم من صفات في هذا الإمام المبارك، قال أئمتنا فيه ما قالوه في الإمامين قبله: إن حبه دين نتقرب بذلك إلى رب العالمين. حبه من السنة، تقدم معنا أنه قيل هذا في سيدنا الإمام أبي حنيفة وسيدنا الإمام مالك، وهكذا في سيدنا الإمام الشافعي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، ففي توالي التأسيس صفحة تسع وتسعين عن حوثرة بن محمد ، وهو أبو الأزهر البصري الوراق ، صدوق.
فائدة: إخوتي الكرام! عندنا تصحيفان وغلطان نحو هذا الاسم فانتبهوا له، فقد ضُبط في توالي التأسيس (جُويرية بن محمد)، وهذا حال الطابعين والمصحفين في هذا الحين، نشر الكتاب بعض الناس ممن يزاولون التحقيق في هذه الأيام، وينسخون الكتب، فضبط (حوثرة) جويرية، ولذلك كم أتعبني فقد نظرت في كتب التراجم من أولها لآخرها التي عندي لأرى جويرية بن محمد ولم يوجد، بعد ذلك قلت: لعله تصحيف في الاسم، وخلال القراءة اهتديت إلى كتاب الانتقاء، وقد قرأت الترجمة من أولها لآخرها ترجمة الإمام الشافعي ، فقلت: أعيد النظر، فمرَّ معي هذا الثناء لـحوثرة ، فقلت: أرجع لكتب التراجم، فوجدت حوثرة مترجماً له، فقلت: سبحان ربي العظيم! حوثرة بن محمد صحفها إلى جويرية.
التصحيف الثاني في تقريب التهذيب في الطبعة الأخيرة المحققة على تعبيرهم بمجلد واحد رمز له (د)، أي: أنه من رجال أبي داود ، وهذا أيضاً خطأ، فهو من رجال الإمام ابن ماجه ، فينبغي أن يكتب (ق)، هذا الذي في تهذيب التهذيب في الجزء الثالث صفحة خمس وستين، وفي الكاشف في الجزء الأول صفحة سبع وتسعين ومائة، وقال: إنه ثقة، وفي تقريب التهذيب في الطبعة القديمة التي هي في مجلدين.
إذاً حوثرة بن محمد ليس من رجال سنن أبي داود عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، وقلت: إنه توفي سنة ست وخمسين ومائتين, كان يقول هذا الإمام المبارك: تتبين السنة في الرجل بشيئين، أي: مما تتبين به -هذا تقدير الكلام- مما تتبين السنة في الرجل بشيئين: الأمر الأول: حب الإمام أحمد ، فلا شك في ذلك، فهو إمام أهل السنة، وحبه حب لسائر أئمتنا؛ لأنه هو الذي مثَّل طريقة أهل السنة في المحنة والفتنة، ولذلك كان أئمتنا يقولون: المذهب لـأبي حنيفة والشافعي ومالك وسفيان ، والظهور لـأحمد ، يعني هو الذي ظهر لحصول الفتنة، لكن مذهبه هو مذهب أئمتنا، تتميز السنة في الرجل بشيئين: حب الإمام أحمد . والأمر الثاني قال: النظر في كتب الشافعي ، قراءة كتب الشافعي ، الاستفادة من كتبه عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا.
إخوتي الكرام! مع هذه المزايا الحسان في سيدنا الإمام أبي عبد الله الشافعي ، كما تقدم معنا في ترجمة سيدنا الإمام مالك وسيدنا أبي حنيفة رضي الله عنهم أجمعين، لا تعدم الحسناء ذامة, فشوش بعض المشوشين على هذا الإمام المبارك، وسأنقل تشويشاً واحداً بعد نقل كلام الذهبي لتروا أن التشويش مصدره إما من خاطئ أو حاسد، مخطئ يجهل قدر الإمام الشافعي، أو يحسده ويقع فيه, يقول الإمام الذهبي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في السير في الجزء العاشر في ترجمة الإمام الشافعي في صفحة ثمان: وقد أفرد الإمام الدارقطني كتاب من له رواية عن الإمام الشافعي في جزئين عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه، وصنف الكبار في مناقب هذا الإمام قديماً وحديثاً، كما صُنف في مناقب الأئمة كتب لا تحصى في مناقبهم، ونال بعض الناس منه غضاً -أي: من منزلته ورتبته- ولا يستحق ذلك, لا يستحق إلا كل ثناء ورفعة، فما زاده ذلك إلا رفعة وجلالاً. يعني كحال الإمامين المتقدمين، فكم طُعن على سيدنا أبي حنيفة وفيه! وهل أثر الطعن فيه؟ بل رفع الله قدره، وكلما يحصل الطعن فيه يزداد رفعة القدر له في هذه الحياة، مع ما له من الأجر عند رب الأرض والسماوات, فما زاده ذلك إلا رفعة وجلالاً، ولاح للمنصفين أن كلام أقرانه فيه بهوىً، وقل من برَّز في الإمامة ورد على من خالفه إلا وعُودي، نعوذ بالله من الهوى.
استمع للكلام المحكم الذي يختم به هذه التعليقة، وهذه الأوراق تضيق عن مناقب هذا السيد, وهذا كما ختم الإمام ابن حجر ترجمة سيدنا أبي حنيفة رضي الله عنه وأرضاه، فقال: مناقب هذا الإمام كثيرة جداً رحمه الله ورضي عنه وأسكنه الفردوس الأعلى. وهنا كذلك، وهذه الأوراق تضيق عن مناقب هذا السيد، لا تسعه الصحف أن نسطر فيها مناقب وفضائل الإمام الشافعي.
وقال في صفحة ثمان وأربعين: قال أبو زرعة: ما عند الشافعي حديث فيه غلط. ما غلط في حديث، وقال أبو داود السجستاني: ما أعلم للشافعي حديثاً خطأً. قلت: هذا من أدل شيء على أنه ثقة حجة حافظ، وهل في ذلك شك؟!
وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل
هل في حجية الإمام الشافعي وتوثيقه وإمامته شك كحال الإمامين المتقدمين؟! لا يشك في ذلك إلا صاحب هوى، قال: وناهيك بقول مثل هذين.
قولهم بأن البخاري لم يرو عن الشافعي والرد عليه
يا إخوتي الكرام! هذا في الحقيقة غلط وجهالة وشيء مسكوت عنه، تأتي وتحمل البخاري ما لا علم له به عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، أولاً: هو ما خرج كل حديث صحيح، فقد ترك من الصحاح الشيء الكثير، فهناك أحاديث صحيحة من طريق الإمام الشافعي ما خرجها الإمام البخاري رواها من طريق آخر.
إذاً: ليس كل حديث صحيح سيورده، هو لو كان قصد الجمع والاستيعاب لسائر الأحاديث الصحاح، ينبغي أن يخرج أحاديث الإمام الشافعي التي رُويت من جهته.
الأمر الثاني: إذا كان عنده سند عالٍ فلمَ يروي بعد ذلك بواسطة عن الإمام الشافعي ؟ يروي عن أقرانه الكبار الذين ينقلون عن الشيوخ مباشرة، لمَ يروي حديثاً عن شيخه عن الشافعي ويمشي بعد ذلك إلى الإمام الشافعي ؟ هو يأتي مباشرة بشيخه إلى الإمام مالك ، والحديث هنا يصبح له صفة العلو؛ لأنه سقط منه راو عندما أخذه من أقران الإمام الشافعي، وتقدم معنا أن الإمام الشافعي ما عاش طويلاً عليه رحمة الله ورضوانه، فمدة حياته أربع وخمسون سنة، فالذي عاش من أقرانه تسعين سنة أدركه البخاري وروى عنه، فالأحاديث التي رواها الإمام الشافعي عن سفيان بن عيينة مثلاً، رواها ذاك عن سفيان بن عيينة ، فلمَ سيأخذها عن الشافعي عن سفيان بن عيينة ؟ يأخذها من الراوي عن سفيان بن عيينة عن الإمام مالك عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه.
إذاً: هنا له عذر في عدم روايته عن الإمام الشافعي ؛ لأن أقرانه من شيوخ البخاري ، فهو مباشرة يروي عنهم عن شيوخ الشافعي ، ولا داعي أن يروى بواسطة الشافعي ليطول الإسناد، فالإمام الخطيب البغدادي ألف كتاباً مستقلاً في الاحتجاج بالإمام الشافعي ، وذكر أنه ثقة ومحتج به في دواوين الإسلام، ثم علل عدم رواية البخاري له بالأمرين اللذين ذكرتهما.
يقول الذهبي : وقد صنف الحافظ أبو بكر الخطيب كتاباً في ثبوت الاحتجاج بالإمام الشافعي ، وما تكلم فيه إلا حاسد أو جاهل بحاله. وهذا كما تقدم معنا في كلام الإمام الخريبي عليهم وعلى أئمتنا رحمة ربنا، حين قال: لا يتكلم أحد في أبي حنيفة إلا بجهل أو حسد، بجهل أو هوى، وتقدم معنا كلام الإمام عبد العزيز بن أبي رواد أيضاً: أن حب أبي حنيفة من السنة، ولا يقع فيه إلا أهل البدع.
قال: فكان ذلك الكلام الباطل منهم موجباً لارتفاع شأنه وعلو قدره، وتلك سنة الله في عباده، يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [الأحزاب:69-70].
اتهام البعض للإمام الشافعي بأنه كان يتشيع والرد عليه
قلت -والقائل هو الذهبي - من زعم أن الشافعي يتشيع فهو مفترٍ لا يدري ما يقول، قد قال الزبير بن عبد الواحد الأسداباذي : أخبرنا حمزة بن علي بن الجوهري ، قال: حدثنا الربيع بن سليمان ، وهو تلميذ وصاحب الإمام الشافعي رضوان الله عليهم أجمعين، قال: حججنا مع الإمام الشافعي ، فما ارتقى شرفاً ولا هبط وادياً إلا وهو يبكي وينشد:
يا راكباً قف بالمحصب من منى واهتف بقاعد خيفها والناهض
سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى فيضاً كملتطم الفرات الفائض
إن كان رفضاً حب آل محمد فليشهد الثقلان أني رافضي
وهكذا: إذا كان نصباً حب صحب محمد فليشهد الثقلان أني ناصبي
إذا كان حب الصحابة يسميه الشيعة نصباً، وإذا كان حب آل البيت يعتبره الناس رفضاً، فأنا رافضي ناصبي، لكن ليس بالمعنى عند الرافضة، وليس بالمعنى عند النواصب.
إخوتي الكرام! النواصب هم يعادون آل البيت، ويزعمون حب الصحابة، والروافض يدعون حب آل البيت ويعادون الصحابة، وطريقة أهل السنة بين النصب والرفض: نحب الجميع رضي الله عنهم وأرضاهم، ونتولى الجميع، فإذا كان من أحب الصحابة ناصبياً فنحن نواصب، وإذا كان من أحب آل البيت رافضياً فنحن روافض. يقول الذهبي : لو كان شيعياً -وحاشاه من ذلك- لما قال: الخلفاء الراشدون خمسة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعمر بن عبد العزيز . بدأ بـالصديق رضي الله عنه وأرضاه, لو عنده شيء من التشيع ورائحة التشيع لما بدأ بسيدنا أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.
ذم بشر المريسي للإمام الشافعي والرد عليه
يقول الذهبي في ترجمة الإمام الزعفراني ، وحياته امتدت فقد عاش قرابة تسعين سنة، وهو من أصحاب الإمام الشافعي ، لكن عاش بعده هذه الفترة الطويلة التي تزيد على خمسين سنة، مع أنه شاركه في قرابة أربعين سنة من حياته عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه، قال: هو الإمام العلامة شيخ الفقهاء والمحدثين، يقول الإمام الزعفراني : لما جاء الإمام الشافعي إلى بغداد، وقال: أحضروا من يقرأ لكم، قال: ما تجرأ أحد أن يقرأ على الإمام الشافعي غيري؛ لفصاحة الإمام الزعفراني وبلاغته وحُسن كلامه رضي الله عنه وأرضاه.
استمع للكنوز التي سيرويها لنا الإمام الزعفراني ، قال الإمام الزعفراني تلميذ وصاحب الإمام الشافعي عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه: حج بشر بن غياث ، وهو بشر بن غياث المريسي الضال الزائغ الذي يقال له: بشر الشر كما يقال لسيدنا بشر الحافي بشر الخير، وقلت: يقال للإمام أحمد : أحمد السنة، ولـأحمد بن أبي دؤاد: أحمد البدعة، أحمد الضلالة, حج بشر بن غياث المريسي ، فلما رجع قال لأصحابه في بغداد: ما رأيت مثل الإمام الشافعي سائلاً ولا مجيباً, إن سأل لا يوجد أفصح منه وأبلغ، وإذا سُئل يجيب في منتهى الإحكام والإتقان, وهذا الثناء في محله، فلما هاجر الإمام الشافعي ، وسيأتينا في أخباره أنه جاء بغداد ثلاث مرات، فلما جاء إلى بغداد عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا قيل لـبشر بن غياث : جاء من أثنيت عليه، فقال: لا يغرنكم حاله، إنه قد تغير عما أعهده. كنت أعلم منه شيئاً فصار فيه شيء آخر! وهذه النَّغْمة التي نسمعها في هذه الأيام هي النغمة القديمة.. لقد تغير، جاء إلى مكان كذا وتغير، ذهب إلى مكان كذا وتغير، وهكذا الإمام الشافعي في مكة له حالة يثني هذا عليه بها ويقول: ما رأيت مثله، ونتمنى لو جاء إلينا، فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ [البقرة:89]، هذا حال الحاسدين، حال أهل الشنآن المجرمين، فقيل: جاء الإمام الشافعي اتصل به، فقال: لا يغرنكم حاله، تغير عما كنت أعرفه فيه وأعهده عليه! قال الإمام الزعفراني: إنه -أي بشر بن غياث المريسي - في موقفه نحو الإمام الشافعي كاليهود في موقفهم نحو نبينا المحمود على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، ونحو عبد الله بن سلام ، في أول الأمر كانوا يستفتحون بالنبي عليه الصلاة والسلام، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به، وكانوا يثنون على عبد الله بن سلام رضي الله عنه وأرضاه، وأنه خيرهم وابن خيرهم، وأعلمهم وابن أعلمهم، فلما علموا بإيمانه قالوا: شرنا وابن شرنا، ووقعوا فيه، وهكذا بشر بن غياث المريسي .
إخوتي الكرام! بشر بن غياث تقدم معنا خبره، انظروا ترجمته المظلمة في السير في الجزء العاشر صفحة تسع وتسعين ومائة، قال الذهبي: نظر في كلامه فغلب عليه وانسلخ من الورع والتقوى. وتقدم معنا أنه صاحب خطب وليس بصاحب حُجج، وكلامه يخدع به الإنسان وليس بصاحب حجج وبينات.
وأما بهت اليهود لسيدنا عبد الله بن سلام رضي الله عنه وأرضاه، فالحديث تقدم معنا ضمن مواعظ التفسير، واستمعوا إليه باختصار: رواه الإمام أحمد في المسند والبخاري في صحيحه، ورواه النسائي في السنن الكبرى وعبد بن حميد في مسنده وأبو يعلى في مسنده وابن حبان في صحيحه والبيهقي في السنن الكبرى وفي دلائل النبوة، وانظروا الحديث في جامع الأصول في الجزء الحادي عشر صفحة ثلاث وثمانين وثلاثمائة، من رواية سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه، ( أن نبينا صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلى المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه جاء
وقد تقدم معنا رواية الحديث في هذا الموضوع، وقلت: عندنا أمران: سبق وغلبة وزيادة، فالسبق يتعلق به التذكير والتأنيث بإذن الله جل وعلا، وأما الغلبة والزيادة فيتعلق بها الشبه في الخلقة والبدن، والله على كل شيء قدير.
ثم قال عبد الله بن سلام لنبينا عليه الصلاة والسلام: ( أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، ثم قال: يا رسول الله! إن اليهود قوم بهت ) أي: يكذبون الإنسان بوجهه، ولا يستحون من أحد، ( وإذا علموا بإسلامي بهتوني، فأريد أن تسألهم عني قبل أن يعلموا بإسلامي، فدعاهم النبي عليه الصلاة والسلام و
وانظر لهذا الضال الزائغ بشر بن غياث المريسي ، يقول: اجتمعت بشخصية فذة عجيبة لها شأن، ما رأيت مثله سؤالاً ولا جواباً. ثم لما جاء يقول: لا يغرنكم حاله إنه تغير عما كنت أعهده! هذا حال أهل الجحود والكنود. ولا تعدم الحسناء ذامة، وما سلم أحد من كلام البشر، بدءاً من العزيز المقتدر سبحانه وتعالى، وانتهاء بأصغر شخصية في هذه الحياة.
وفي أخبار الكتب السابقة: قال نبي الله داود على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه: رب كف ألسن الناس عني. قال: هذا شيء ما ارتضيته لنفسي. ربنا مع الإنس والجن سبحانه وتعالى في نبأ عظيم يخلق ويُعبد غيره، يرزق ويشكر غيره، وليس أحد أصبر على أذىً سمعه من الله جل وعلا، يجعلون له نداً وهو يرزقهم ويعافيهم ويعطيهم سبحانه وتعالى!
وقد صنف الحافظ أبو بكر الخطيب كتاباً في ثبوت الاحتجاج بالإمام الشافعي، تدرون لمَ ألَّف هذا الكتاب؟ الكتاب عندي في حدود مائة صفحة, لأن بعض الناس قالوا: إن الإمام البخاري ما روى للإمام الشافعي، وعليه فهو مجروح عندهم، كما قالوا: ما روى للإمام أبي حنيفة فهو مجروح عندهم, ما خرَّج في صحيحه حديثاً من طريق الإمام الشافعي ، ولا خرج حديثاً من طريق الإمام أبي حنيفة ، نعم لقد خرج من طريق الإمام مالك بكثرة رضي الله عنهم وأرضاهم، فوجه طعناً لسيدنا أبي حنيفة ، والإمام الشافعي ، لمَ لم يخرج لهما البخاري ؟!
يا إخوتي الكرام! هذا في الحقيقة غلط وجهالة وشيء مسكوت عنه، تأتي وتحمل البخاري ما لا علم له به عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، أولاً: هو ما خرج كل حديث صحيح، فقد ترك من الصحاح الشيء الكثير، فهناك أحاديث صحيحة من طريق الإمام الشافعي ما خرجها الإمام البخاري رواها من طريق آخر.
إذاً: ليس كل حديث صحيح سيورده، هو لو كان قصد الجمع والاستيعاب لسائر الأحاديث الصحاح، ينبغي أن يخرج أحاديث الإمام الشافعي التي رُويت من جهته.
الأمر الثاني: إذا كان عنده سند عالٍ فلمَ يروي بعد ذلك بواسطة عن الإمام الشافعي ؟ يروي عن أقرانه الكبار الذين ينقلون عن الشيوخ مباشرة، لمَ يروي حديثاً عن شيخه عن الشافعي ويمشي بعد ذلك إلى الإمام الشافعي ؟ هو يأتي مباشرة بشيخه إلى الإمام مالك ، والحديث هنا يصبح له صفة العلو؛ لأنه سقط منه راو عندما أخذه من أقران الإمام الشافعي، وتقدم معنا أن الإمام الشافعي ما عاش طويلاً عليه رحمة الله ورضوانه، فمدة حياته أربع وخمسون سنة، فالذي عاش من أقرانه تسعين سنة أدركه البخاري وروى عنه، فالأحاديث التي رواها الإمام الشافعي عن سفيان بن عيينة مثلاً، رواها ذاك عن سفيان بن عيينة ، فلمَ سيأخذها عن الشافعي عن سفيان بن عيينة ؟ يأخذها من الراوي عن سفيان بن عيينة عن الإمام مالك عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه.
إذاً: هنا له عذر في عدم روايته عن الإمام الشافعي ؛ لأن أقرانه من شيوخ البخاري ، فهو مباشرة يروي عنهم عن شيوخ الشافعي ، ولا داعي أن يروى بواسطة الشافعي ليطول الإسناد، فالإمام الخطيب البغدادي ألف كتاباً مستقلاً في الاحتجاج بالإمام الشافعي ، وذكر أنه ثقة ومحتج به في دواوين الإسلام، ثم علل عدم رواية البخاري له بالأمرين اللذين ذكرتهما.
يقول الذهبي : وقد صنف الحافظ أبو بكر الخطيب كتاباً في ثبوت الاحتجاج بالإمام الشافعي ، وما تكلم فيه إلا حاسد أو جاهل بحاله. وهذا كما تقدم معنا في كلام الإمام الخريبي عليهم وعلى أئمتنا رحمة ربنا، حين قال: لا يتكلم أحد في أبي حنيفة إلا بجهل أو حسد، بجهل أو هوى، وتقدم معنا كلام الإمام عبد العزيز بن أبي رواد أيضاً: أن حب أبي حنيفة من السنة، ولا يقع فيه إلا أهل البدع.
قال: فكان ذلك الكلام الباطل منهم موجباً لارتفاع شأنه وعلو قدره، وتلك سنة الله في عباده، يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [الأحزاب:69-70].
استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
مقدمة في الفقه - المكفرات من المخالفات [1] | 4383 استماع |
مقدمة في الفقه - تقوية اليقين بأخبار الصالحين [2] | 3678 استماع |
مقدمة في الفقه - فضل العلم [2] | 3661 استماع |
مقدمة في الفقه - الجنسية الإسلامية [2] | 3541 استماع |
مقدمة في الفقه - الجنسية الإسلامية [1] | 3309 استماع |
مقدمة في الفقه - عبادة سيدنا أبي حنيفة [1] | 3293 استماع |
مقدمة في الفقه - لم يتبدل موضوع الفقه | 3260 استماع |
مقدمة في الفقه - عبادة سيدنا أبي حنيفة [2] | 3260 استماع |
مقدمة في الفقه - فقه الإمام الشافعي [2] | 3214 استماع |
مقدمة في الفقه - فقه الإمام أبي حنيفة [3] | 3166 استماع |