خطب ومحاضرات
مقدمة في الفقه - نجابة الإمام الشافعي وجده
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ننتقل إلى الإمام الثالث إلى سيدنا أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه وأرضاه، كما تدارسنا أحوال الإمامين المتقدمين ضمن أربعة أمور أيضاً سنتدارس ترجمة سيدنا الإمام الشافعي ضمن أربعة أمور, أولها: فيما يتعلق بنسبه وطلبه، وثانيها: في ثناء العلماء عليه ومنزلته، سنتدارس هذين الأمرين في هذه الموعظة بعون الله وتوفيقه.
اسمه ونسبه ومولده
فالإمام الشافعي اسمه: محمد بن إدريس بن عباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف ، فنسب الشافعي يلتقي بنبينا عليه الصلاة والسلام في جده عبد مناف ، فنبينا عليه الصلاة والسلام خير خلق الله سيدنا محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وهاشم الذي هو من أجداد الإمام الشافعي ليس هو هاشم الذي هو جد النبي عليه الصلاة والسلام، فهو هاشم بن المطلب ، وجد النبي عليه الصلاة والسلام هو هاشم بن عبد مناف , فـعبد مناف له أولاد، أحدهم اسمه المطلب ، والآخر اسمه هاشم ، والمطلب له ولد اسمه هاشم ، هذا هو جد الشافعي : هاشم بن المطلب بن عبد مناف ، وجد النبي: هاشم بن عبد مناف ، وهو يساوي المطلب ، فهما ولدان لـعبد مناف ، وعبد مناف هو الأب الخامس لنبينا عليه الصلاة والسلام، فيلتقي الإمام الشافعي نسبه بنسب نبينا عليه الصلاة والسلام في جده عبد مناف ، على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.
هذا شرف النسب، وهذه منقبة عظيمة حصلت لهذا الإمام المبارك ما حصلت للأئمة الآخرين رضوان الله عليهم أجمعين.
الأمر الثاني: له شرف المولد؛ لأنه ولد في بلاد الشام، وُلد في غزة، وما ورد أنه ولد في عسقلان فلا تعارض ولا تضارب بينهما؛ لأن الإقليم الكبير عسقلان وغزة تتبعها, وهو من بلاد الشام، وهو البلاد المباركة التي بارك الله حولها بنص القرآن: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء:1].
قد يقول قائل: لماذا ولد الإمام الشافعي رضي الله عنه في بلاد الشام في فلسطين وهو قرشي مكي وأمه أزدية من بلاد اليمن رضوان الله عليهم أجمعين؟ فما الذي أخذ والديه إلى هناك؟ كان والده في فقر شديد، فخرج في تجارة لبلاد الشام، فتوفي والده والإمام الشافعي حمل في بطن أمه، فولدته أمه في غزة وأبوه دفن هناك في بلاد الشام عليهم جميعاً الرحمة والرضوان, فله شرف المولد في هذا المكان المبارك، وهذا له أثر، حينما يولد الإنسان في مكان مبارك له أثر, أن يكون له أيضاً نسب مبارك له أثر, أن ينشأ في مكان مبارك -كما سيأتينا أنه نشأ في مكة- له أثر، فالخيرات اجتمعت له، شرف النسب، وشرف المولد، والمنشأ.
ونبينا عليه الصلاة والسلام أشار إلى هذا الأثر الذي في بلاد الشام، كما في المسند وسنن الترمذي وصحيح ابن حبان ، والحديث رواه الإمام أبو داود الطيالسي في مسنده وأبو نعيم في الحلية والخطيب في تاريخ بغداد، وإسناد الحديث صحيح كالشمس، من رواية سيدنا معاوية بن قرة رضي الله عنه وأرضاه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم )، هذه البلاد المباركة التي هي بلد الرباط وبلد الغزو وبلد الجهاد، وفيها ما فيها من خيرات الدين والدنيا، إذا فسد أهلها فمن عدا تلك البلاد أفسد وأشنع.
والحديث رواه الحافظ الإمام الربعي في فضائل الشام في صفحة سبعة بلفظ:( إذا هلك أهل الشام فلا خير في أمتي )، ويراد من الهلاك هنا هلاك الأديان لا هلاك الأبدان. فهذا الإمام المبارك له شرف المولد، وله شرف النسب، وله شرف المنشأ فقد نشأ في مكة المكرمة.
إخوتي الكرام! عندما ولد في غزة بقيت أمه معه فترة، قيل: بقيت في غزة مدة سنتين ثم ذهبت إلى اليمن، وهذا أحسن ما يُجمع به بين الروايات, جلست فترة عند أسرتها فهي أزدية، وذهبت إلى أخوال الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه، ولذلك عندما ذهب إلى اليمن قال: أنزل عند أخوالي، فذهب إلى اليمن، ثم بعد ذلك خشيت أمه أن يضيع نسبه، فهو قرشي له شأن، وأعمامه وعشيرته وعصبته في مكة المكرمة، فعادت به إلى مكة المكرمة، فنشأ وترعرع وحصل العلم فيها كما سيأتينا في مراحل طلبه العلم، عندما عاد إلى مكة المكرمة حفظ القرآن ولم يكمل سبع سنين من عمره المبارك رضوان الله عليه وعلى أئمتنا أجمعين, هذا أحسن ما يُجمع به بين هذه الآثار التي وردت له بعد ولادته: ذهب إلى اليمن أو إلى مكة؟ الذي يظهر أنه ذهب إلى اليمن ثم إلى مكة المكرمة، والى هذا ذهب الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في توالي التأسيس.
ذكر أجداده الذين لهم صحبة
ولوالد شافع وهو السائب صحبة أيضاً, فقد أسلم يوم بدر، وكان أشبه الناس بنبينا عليه الصلاة والسلام، وهو السائب بن عبيد ,كان بينه وبين نبينا عليه الصلاة والسلام شبه كثير، وهو الجد الخامس للإمام الشافعي ، نص على ذلك أيضاً الإمام الذهبي في تجريد أسماء الصحابة في الجزء الأول صفحة ست ومائتين، والحافظ في الإصابة في الجزء الثاني صفحة إحدى عشرة، ووالد السائب وهو عبيد بن عبد يزيد ، ووالده وهو عبد يزيد ، كلهم لهم صحبة، نص على ذلك الحافظ في الإصابة في ترجمتهما في الجزء الثاني صفحة اثنتين وثلاثين وأربعمائة وخمس وأربعين وأربعمائة.
إذاً: شافع والسائب وعبيد وعبد يزيد كلهم لهم صحبة رضي الله عنهم وأرضاهم, أربعة من الصحابة من أجداده الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.
هذا الإمام المبارك العلَم الهمام ولد في العام الذي توفي فيه سيدنا أبو حنيفة ، وهذا بالإجماع، فقد ولد سنة خمسين ومائة، لكن كثيراً من كتب التاريخ والتراجم تقول: وُلد في اليوم الذي مات فيه سيدنا أبو حنيفة رضي الله عنه وأرضاه, لكن قال أئمتنا: لا يوجد دليل على ذلك، لكن إن ثبت فحقيقة في ذلك دلالة أنه ذهب إلى رحمة الله ودار كرامته إمام من أئمة الإسلام، وجاء من يخلفه، فتلك الثغرة جاء من يسدها، وهو الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه.
أما أنه وُلد في العام الذي توفي فيه، فهذا محل اتفاق، سنة خمسين ومائة ولد الإمام الشافعي ، وتوفي سنة أربع ومائتين عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، وهو أقل الأئمة الأربعة عمراً، وأما في القدر فكلهم كسبيكة الذهب الخالص رضي الله عنهم وأرضاهم، كما تقدم معنا لا نفرق بين أئمتنا في المنزلة والرتبة والمكانة رضوان الله عليهم أجمعين.
ذكر أمه وبعض ما حصل لها مما يدل على صلاحها وفقهها
الأول: يشير هذا الخبر إلى مكانة الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه، قالت: عندما حملت به رأيت كأن المشتري -وهو أكبر الكواكب السيارة- تقول: كأنه خرج منها، فوقع في كل مكان منه شظية، ثم هبط في مصر، تقول هذا وما تعلم حال الإمام الشافعي وأنه سيقبض في نهاية الأمر في مصر، وأنه سيرحل إلى مصر، رضي الله عنها وعن ولدها وعن المسلمين أجمعين, فعرضت هذه الرؤيا على المعبرين فقيل لها: ستلدين غلاماً يصل علمه إلى كل مكان وصلت إليه تلك الشظايا، إلى أرجاء الأرض سينتشر علمه، وذِكر الإمام الشافعي لا يخفى على أحد.
وحقيقة من العجائب الغريبة أنه في أقصى الدنيا في شرقها الأقصى بلاد إندونيسيا يزيدون على مائة مليون، ما فيهم أحد على غير مذهب الإمام الشافعي ، كلهم شوافع, لا يوجد حنفي ولا حنبلي ولا مالكي, فهذا الإمام الشافعي رحمة الله ورضوانه عليه, الظاهر أن الشظايا كانت كثيرة التي نزلت في تلك البلاد المباركة، وهم يزيدون على المائة، يعني قرابة مائتي مليون أهل إندونيسيا، قرابة مائتي مليون كلهم شافعي، لا يوجد مذهب آخر على الإطلاق. هذه رؤيا رأتها هذه المرأة الصالحة القانتة الأزدية المباركة رضي الله عنها وأرضاها.
خبر آخر من أخبارها السارة التي تدل على منزلتها: أنها استُدعيت مرة لأداء الشهادة، ونصاب الشهادة إذا أريد أن تشهد المرأة رجل وامرأتان، فأراد القاضي في ذلك الوقت أن يفرق بين المرأتين ليتحقق من شهادة كل منهما, فقالت: غفر الله لك أيها القاضي! ليس لك ذلك، ستفرق بين ما أمر الله بالجمع بينه، الله يقول: أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى [البقرة:282]، قالت له: لقد شرع شهادة امرأتين مكان شهادة رجل حتى إذا ذهلت إحدى المرأتين عن الواقع تذكرها الأخرى، فكيف ستفرق بيننا؟! اقرأ الآية: أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى [البقرة:282]، فقال: جزاك الله خيراً. قال الحافظ ابن حجر في توالي التأسيس عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا صفحة إحدى وأربعين: هذا من طريف ما يُحكى، وهو استنباط قوي.
وتقدم معنا إخوتي الكرام أن الله جل وعلا جعل شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل في الأمور المالية والحقوق؛ لأن المرأة في الأصل ينبغي أن تبتعد عن الحياة العامة، ولذلك هي ما أهلت لذلك، فذهنها لا يضبط، لا لآفة في ذهنها، إنما ما خُلقت لهذا الشأن، والإنسان إذا ما كان له عناية بالشيء لا يعتني به، ولذلك قد ترى محدثاً ولا ترى عنده فقهاً، وتراه مُقرئاً ولا ترى عنده حديثاً، فكل صنعة يستعان عليها بصالحي أهلها، فالمرأة عندها اختصاص معين، والأمور المالية وأمور الحياة ليس لها عناية بها.
أما فيما يتعلق بالأمور المنزلية فرأيها يُقدم على رأي زوجها، فكل واحد له كما يقال: اختصاص وشأن، فمن أجل عدم اختصاصها إذا حضرت الواقعة قد تذهل عنها، فلابد من شريك لها يعاضدها ويقويها؛ لنتأكد أنها ضبطت، وأنها ما ذهلت في هذا الأمر، هذا -كما قلت- في الحقوق المالية.
وأما في الحدود فمضت السنة ألا تُقبل شهادة النساء في الحدود ولو اجتمع آلاف النساء، فلو شهد في سرقة رجل وألف امرأة، فلا تقطع يد السارق، ولو شهد ثلاثة رجال في حد الزنا ومائة ألف امرأة لتكمل نصاب الشهادة الرابعة فلا تُقبل، فلابد من الرجال على الإطلاق في ذلك الأمر، مضت السنة ألا تقبل شهادة النساء في الحدود، وهذا له حكمة, وفي الأمور المالية بينت الحكمة، وهي الضعف الذي فيها (أن تضل إحداهما) كما قلت: لا لآفة في الذهن، إنما هي ما خُلقت لهذا، فلا تعتني به، ما خُلقت لتضبط أمر العقار وتعد الريال، ما خُلقت لهذا، وكثير من النسوة للآن في هذه الحياة التي يعتبرونها متطورة في الأمور الدنيوية لا الدينية، ما تعرف الفلوس، فلا تميز بين الخمسمائة والخمسة والخمسين، لا تعرف الفلوس على الإطلاق.
نعم، هناك نساء لهن شأن، هذا موضوع آخر، إنما كثير من النساء لا تعرف الفلوس حقيقة، لو وضعت ما تعرف شأنها ولا قيمتها ولا حالها، هي لها شأن معين مع أولادها وطاعة ربها، فهذه قد تذهل، فإذا وُجدت امرأة أخرى تذكرها، واتفقت الشهادتان، حلت محل شهادة الرجل ، هذا كما قلت في الأمور المالية، أما فيما ما يتعلق بالحدود فلا تُقبل مطلقاً.
وقد تقدم معنا أن ذلك لثلاثة اعتبارات لا ينبغي أن تغيب عنا، أولها: صيانة للمرأة عن امتهانها في تلك القضايا، أن تأتي وتشهد أنها رأت ذاك منه في ذاك منها، وما شاكل هذا, هذا لا يتناسب مع طبيعة المرأة وحيائها، وإن قيل: يُعطل الحد فيعطل ولا تمتهن المرأة, يعطل الحد من أوله لآخره، وإذا عُطل في الدنيا فلن تضيع الحقوق فسيئول العباد إلى ربهم ليوفي كلاً بما عمل، لكن لا نمتهن المرأة لتشهد تلك الشهادة ولتضيع حياءها.
والأمر الثاني: أن فيها ضعفاً جِبلياً فلا تضبط الوقائع، هي في الأمور المالية لا تضبط، فكيف عندما ترى ضرب الرقاب! إذا رأت الدماء تتطاير، والأبدان غرقت في الدماء، من القاتل؟ ومن المقتول؟ لا تدري، وقد ترى إنساناً دخل للإصلاح فتقول: فلان هو الذي قتل, وهذه بلية، فلابد إذاً من عدم شهادتها، لأنها لا تضبط, الفزع الذي فيها لا يجعلها تستوعب هذه القضايا.
وتأملوا أحوال النساء في هذا, رأيت مرة بعض النساء في حادث سيارة -نسأل الله العافية- مع زوجها مع أخيها مع ولدها ما أعلم، المقصود في حادث، ولم يقع موت، إنما سيارتان الضرب بينهما خفيف، فنزلوا وعلى عادتنا همجية وخصام ومضاربة, يا عباد الله! سيارة ضربت سيارة، خطأ حتماً, المسألة كل واحد يأخذ حقه بلطف، لا داعي لحصول سباب ومشاتمة ومضاربة، نزل السائقان يختصمان، والمرأة جلست تبكي! أراها بعيني في وسط الشارع وهي تبكي، فالمرأة نثرها بكاء وصدقتها سرقة، فلا تضبط.
الأمر الثالث: ما هو أهم من هذين الأمرين، أن المرأة أعظم ما عندها عرضها، فقد تهدد من قِبل إنسان إما أن تشهد شهادة زور على أن فلاناً زنى من أجل أن يقام عليه الحد إذا كانت تُقبل شهادتها، وإلا سوف نفضحك، ونتكلم عليك بالباطل، وأننا اتصلنا بك، ويأتون ببعض الصفات التي في جسمها مما لا يمكن أن يطلع عليه إلا النسوة بواسطة بعض النسوة, يقول: نحن ننشر منشوراً أننا لنا بك صلة، واطلعنا على كذا وكذا، أو تشهدين، وبعد ذلك من أجل المحافظة على عرضها وعفتها تشهد شهادة زور.. فالإسلام، وهذا شرع الحكيم العلام من البداية قال: لا داعي لإدخال المرأة في هذه المشاكل، شهادتها لا تُقبل في الحدود وانتهينا، لا داعي بعد ذلك لأن تمتهن، وأن يضيع حياؤها، ولا يقال: ما ضبطت، ولا يقال: هددت وشهدت شهادة باطلة مزورة، لا تقبل شهادة النساء في الحدود على الإطلاق.
الرؤى المبشرة التي رآها الإمام الشافعي لنفسه
إخوتي الكرام! انظروا هذا في الكتب التي ترجمته، فهو في صفحة ستين من توالي التأسيس، وهو في غير ذلك من الكتب التي ترجمته، لا داعي إلى عزو كل خبر إلى الجزء والصفحة، لئلا يطول الأمر في ذلك، يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه: كنت صبياً، وكان هذا وهو دون العاشرة، لا زال في مكة لم يذهب إلى شيخه الإمام مالك رضي الله عنهم أجمعين، قال: فرأيت في النوم معلماً يعلم الناس ويؤدبهم، فتقدمت إليه، وهو الحريص على العلم رضي الله عنه وأرضاه، فقلت: علمني مما علمك الله، فقال: أما أنت فلك شأن خاص، ثم قال له: خذ هذا الميزان وانصرف بارك الله لك فيه, واستيقظ، ولا زال صغيراً، ما ناهز الاحتلام رضي الله عنه وأرضاه، فعرض رؤياه على المعبرين فقالوا له: ستكون على الهدى المستقيم، ستكون على طريقة أهل الحق، وسينفع الله بك الناس، وستنشر الهدى بين الناس، فهنا دِلالتان لهذه الرؤيا: أنت على هدى واستقامة، وستزن بالقسط، وستوفق لإصابة الحق، ثم ستنشر بعد ذلك هذا الهدى بين الناس.
وقال أيضاً: كنت صبياً فرأيت النبي على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فقال لي: تعال أقبل، من أنت؟ فقلت: أنا من رهطك يا رسول الله عليه صلوات الله وسلامه، بيني وبينك نسب، وبيني وبينك صلة وثيقة، أنا من رهطك يا رسول الله! أنا محمد بن إدريس ، وذكر له نسبه، فقال له نبينا عليه الصلاة والسلام: ادنُ مني أبا عبد الله ، وكناه في الرؤيا، وهو لا زال صغيراً لم يتزوج ولم يعرف الزواج، قال: فدنوت، قال: فأخرج شيئاً من ريقه الشريف عليه صلوات الله وسلامه فدهن شفتي ولساني وفمي، وقال: انصرف بارك الله فيك، قال الشافعي : فما لحنت في حديث ولا في شعر قط.
وسيأتينا أن الشافعي حجة في اللغة باتفاق علماء الشريعة المطهرة، وعلماء اللغة العربية، كلامه حجة كالعرب الأقحاح الفصحاء، ما لحن قط رحمة الله ورضوانه عليه، وقال: هذا من أثر ريق النبي على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، ومع ذلك الريق قال له: اذهب بارك الله فيك، هذه البركة وهذه الدعوة التي حصلت له من نبينا عليه الصلاة والسلام صار لها هذا الأثر الكبير في حياة هذا الإمام المبارك الجليل رضي الله عنه وأرضاه.
آخر ما سأذكره من الرؤى التي رآها، يقول: إنه رأى سيدنا علياً رضي الله عنه وأرضاه في المنام، قال: فأعطاني خاتمه وجعله في أصبعي، وحركه سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه وقال: بارك الله لك فيه، يقول: فسألت المعبرين عنه، فقالوا: سيصل اسمك وعلمك إلى المكان الذي وصل إليه اسم علي رضي الله عنه وأرضاه، اسمك قرين مع اسم سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه، أينما يُذكر علي يذكر الشافعي رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين.
وواقع الأمر كذلك، فما أظن أحداً من المسلمين يجهل الإمام الشافعي ، مع أنه لا يعرف عصره ولا زمنه ولا حاله، وقد لا يتمذهب بمذهبه، لكنه لا يخفى على أحد الإمام الشافعي ، والإمام أبو حنيفة ومالك وأحمد ، رضي الله عنهم وأرضاهم، جعل الله لهم لسان صدق في هذه الأمة وسيبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. هذه رؤى مبشرة لهذا الإمام المبارك رضي الله عنه وأرضاه.
أما نسبه الطيب المبارك رحمة الله ورضوانه عليه، فاتفق علماؤنا على أنه يلتقي مع نبينا عليه الصلاة والسلام في جده عبد مناف ، هذا لا خلاف فيه بين أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين, انظروا توالي التأسيس للحافظ ابن حجر في مناقب الإمام محمد بن إدريس ، وهو كتاب في حدود مائتين وخمسين صفحة في مناقب الإمام الشافعي ، وانظروا تهذيب الأسماء واللغات في الجزء الأول من القسم الأول صفحة تسع وأربعين في ترجمة الإمام الشافعي ، قال الإمام ابن حجر ناقلاً عن شيخ الإسلام الإمام النووي رضي الله عنهم أجمعين: جمع الله في الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه خيرات كثيرة فيما يتعلق بنسبه وولادته ونشأته، فهو من ناحية النسب جمع الله له شرف النسب، فهو يلتقي مع نبينا عليه الصلاة والسلام في جده عبد مناف .
فالإمام الشافعي اسمه: محمد بن إدريس بن عباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف ، فنسب الشافعي يلتقي بنبينا عليه الصلاة والسلام في جده عبد مناف ، فنبينا عليه الصلاة والسلام خير خلق الله سيدنا محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وهاشم الذي هو من أجداد الإمام الشافعي ليس هو هاشم الذي هو جد النبي عليه الصلاة والسلام، فهو هاشم بن المطلب ، وجد النبي عليه الصلاة والسلام هو هاشم بن عبد مناف , فـعبد مناف له أولاد، أحدهم اسمه المطلب ، والآخر اسمه هاشم ، والمطلب له ولد اسمه هاشم ، هذا هو جد الشافعي : هاشم بن المطلب بن عبد مناف ، وجد النبي: هاشم بن عبد مناف ، وهو يساوي المطلب ، فهما ولدان لـعبد مناف ، وعبد مناف هو الأب الخامس لنبينا عليه الصلاة والسلام، فيلتقي الإمام الشافعي نسبه بنسب نبينا عليه الصلاة والسلام في جده عبد مناف ، على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.
هذا شرف النسب، وهذه منقبة عظيمة حصلت لهذا الإمام المبارك ما حصلت للأئمة الآخرين رضوان الله عليهم أجمعين.
الأمر الثاني: له شرف المولد؛ لأنه ولد في بلاد الشام، وُلد في غزة، وما ورد أنه ولد في عسقلان فلا تعارض ولا تضارب بينهما؛ لأن الإقليم الكبير عسقلان وغزة تتبعها, وهو من بلاد الشام، وهو البلاد المباركة التي بارك الله حولها بنص القرآن: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء:1].
قد يقول قائل: لماذا ولد الإمام الشافعي رضي الله عنه في بلاد الشام في فلسطين وهو قرشي مكي وأمه أزدية من بلاد اليمن رضوان الله عليهم أجمعين؟ فما الذي أخذ والديه إلى هناك؟ كان والده في فقر شديد، فخرج في تجارة لبلاد الشام، فتوفي والده والإمام الشافعي حمل في بطن أمه، فولدته أمه في غزة وأبوه دفن هناك في بلاد الشام عليهم جميعاً الرحمة والرضوان, فله شرف المولد في هذا المكان المبارك، وهذا له أثر، حينما يولد الإنسان في مكان مبارك له أثر, أن يكون له أيضاً نسب مبارك له أثر, أن ينشأ في مكان مبارك -كما سيأتينا أنه نشأ في مكة- له أثر، فالخيرات اجتمعت له، شرف النسب، وشرف المولد، والمنشأ.
ونبينا عليه الصلاة والسلام أشار إلى هذا الأثر الذي في بلاد الشام، كما في المسند وسنن الترمذي وصحيح ابن حبان ، والحديث رواه الإمام أبو داود الطيالسي في مسنده وأبو نعيم في الحلية والخطيب في تاريخ بغداد، وإسناد الحديث صحيح كالشمس، من رواية سيدنا معاوية بن قرة رضي الله عنه وأرضاه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم )، هذه البلاد المباركة التي هي بلد الرباط وبلد الغزو وبلد الجهاد، وفيها ما فيها من خيرات الدين والدنيا، إذا فسد أهلها فمن عدا تلك البلاد أفسد وأشنع.
والحديث رواه الحافظ الإمام الربعي في فضائل الشام في صفحة سبعة بلفظ:( إذا هلك أهل الشام فلا خير في أمتي )، ويراد من الهلاك هنا هلاك الأديان لا هلاك الأبدان. فهذا الإمام المبارك له شرف المولد، وله شرف النسب، وله شرف المنشأ فقد نشأ في مكة المكرمة.
إخوتي الكرام! عندما ولد في غزة بقيت أمه معه فترة، قيل: بقيت في غزة مدة سنتين ثم ذهبت إلى اليمن، وهذا أحسن ما يُجمع به بين الروايات, جلست فترة عند أسرتها فهي أزدية، وذهبت إلى أخوال الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه، ولذلك عندما ذهب إلى اليمن قال: أنزل عند أخوالي، فذهب إلى اليمن، ثم بعد ذلك خشيت أمه أن يضيع نسبه، فهو قرشي له شأن، وأعمامه وعشيرته وعصبته في مكة المكرمة، فعادت به إلى مكة المكرمة، فنشأ وترعرع وحصل العلم فيها كما سيأتينا في مراحل طلبه العلم، عندما عاد إلى مكة المكرمة حفظ القرآن ولم يكمل سبع سنين من عمره المبارك رضوان الله عليه وعلى أئمتنا أجمعين, هذا أحسن ما يُجمع به بين هذه الآثار التي وردت له بعد ولادته: ذهب إلى اليمن أو إلى مكة؟ الذي يظهر أنه ذهب إلى اليمن ثم إلى مكة المكرمة، والى هذا ذهب الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في توالي التأسيس.
إخوتي الكرام! فيما يتعلق بآبائه وأجداده رضوان الله عليهم أجمعين، حسبما رجعت إلى كتب تراجم الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، أربعة من آبائه لهم شرف الصحبة، وهذا حقيقة من العجائب، أربعة من آبائه لهم شرف الصحبة، وشرف رؤية نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، فجده شافع له رؤية لسيد الشافعين نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، وشافع هو الأب الرابع للإمام الشافعي ، فله رؤية لسيد الشافعين نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، كما في تجريد أسماء الصحابة للحافظ الذهبي في الجزء الأول صفحة واحدة وخمسين ومائتين، وفي الإصابة في الجزء الثاني صفحة خمس وثلاثين ومائة.
ولوالد شافع وهو السائب صحبة أيضاً, فقد أسلم يوم بدر، وكان أشبه الناس بنبينا عليه الصلاة والسلام، وهو السائب بن عبيد ,كان بينه وبين نبينا عليه الصلاة والسلام شبه كثير، وهو الجد الخامس للإمام الشافعي ، نص على ذلك أيضاً الإمام الذهبي في تجريد أسماء الصحابة في الجزء الأول صفحة ست ومائتين، والحافظ في الإصابة في الجزء الثاني صفحة إحدى عشرة، ووالد السائب وهو عبيد بن عبد يزيد ، ووالده وهو عبد يزيد ، كلهم لهم صحبة، نص على ذلك الحافظ في الإصابة في ترجمتهما في الجزء الثاني صفحة اثنتين وثلاثين وأربعمائة وخمس وأربعين وأربعمائة.
إذاً: شافع والسائب وعبيد وعبد يزيد كلهم لهم صحبة رضي الله عنهم وأرضاهم, أربعة من الصحابة من أجداده الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.
هذا الإمام المبارك العلَم الهمام ولد في العام الذي توفي فيه سيدنا أبو حنيفة ، وهذا بالإجماع، فقد ولد سنة خمسين ومائة، لكن كثيراً من كتب التاريخ والتراجم تقول: وُلد في اليوم الذي مات فيه سيدنا أبو حنيفة رضي الله عنه وأرضاه, لكن قال أئمتنا: لا يوجد دليل على ذلك، لكن إن ثبت فحقيقة في ذلك دلالة أنه ذهب إلى رحمة الله ودار كرامته إمام من أئمة الإسلام، وجاء من يخلفه، فتلك الثغرة جاء من يسدها، وهو الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه.
أما أنه وُلد في العام الذي توفي فيه، فهذا محل اتفاق، سنة خمسين ومائة ولد الإمام الشافعي ، وتوفي سنة أربع ومائتين عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، وهو أقل الأئمة الأربعة عمراً، وأما في القدر فكلهم كسبيكة الذهب الخالص رضي الله عنهم وأرضاهم، كما تقدم معنا لا نفرق بين أئمتنا في المنزلة والرتبة والمكانة رضوان الله عليهم أجمعين.
أمه رضي الله عنها وأرضاها كانت صالحة ديِّنة فقيهة مباركة أزدية, أقتصر على خبرين من أخبارها رضي الله عنها وأرضاها.
الأول: يشير هذا الخبر إلى مكانة الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه، قالت: عندما حملت به رأيت كأن المشتري -وهو أكبر الكواكب السيارة- تقول: كأنه خرج منها، فوقع في كل مكان منه شظية، ثم هبط في مصر، تقول هذا وما تعلم حال الإمام الشافعي وأنه سيقبض في نهاية الأمر في مصر، وأنه سيرحل إلى مصر، رضي الله عنها وعن ولدها وعن المسلمين أجمعين, فعرضت هذه الرؤيا على المعبرين فقيل لها: ستلدين غلاماً يصل علمه إلى كل مكان وصلت إليه تلك الشظايا، إلى أرجاء الأرض سينتشر علمه، وذِكر الإمام الشافعي لا يخفى على أحد.
وحقيقة من العجائب الغريبة أنه في أقصى الدنيا في شرقها الأقصى بلاد إندونيسيا يزيدون على مائة مليون، ما فيهم أحد على غير مذهب الإمام الشافعي ، كلهم شوافع, لا يوجد حنفي ولا حنبلي ولا مالكي, فهذا الإمام الشافعي رحمة الله ورضوانه عليه, الظاهر أن الشظايا كانت كثيرة التي نزلت في تلك البلاد المباركة، وهم يزيدون على المائة، يعني قرابة مائتي مليون أهل إندونيسيا، قرابة مائتي مليون كلهم شافعي، لا يوجد مذهب آخر على الإطلاق. هذه رؤيا رأتها هذه المرأة الصالحة القانتة الأزدية المباركة رضي الله عنها وأرضاها.
خبر آخر من أخبارها السارة التي تدل على منزلتها: أنها استُدعيت مرة لأداء الشهادة، ونصاب الشهادة إذا أريد أن تشهد المرأة رجل وامرأتان، فأراد القاضي في ذلك الوقت أن يفرق بين المرأتين ليتحقق من شهادة كل منهما, فقالت: غفر الله لك أيها القاضي! ليس لك ذلك، ستفرق بين ما أمر الله بالجمع بينه، الله يقول: أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى [البقرة:282]، قالت له: لقد شرع شهادة امرأتين مكان شهادة رجل حتى إذا ذهلت إحدى المرأتين عن الواقع تذكرها الأخرى، فكيف ستفرق بيننا؟! اقرأ الآية: أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى [البقرة:282]، فقال: جزاك الله خيراً. قال الحافظ ابن حجر في توالي التأسيس عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا صفحة إحدى وأربعين: هذا من طريف ما يُحكى، وهو استنباط قوي.
وتقدم معنا إخوتي الكرام أن الله جل وعلا جعل شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل في الأمور المالية والحقوق؛ لأن المرأة في الأصل ينبغي أن تبتعد عن الحياة العامة، ولذلك هي ما أهلت لذلك، فذهنها لا يضبط، لا لآفة في ذهنها، إنما ما خُلقت لهذا الشأن، والإنسان إذا ما كان له عناية بالشيء لا يعتني به، ولذلك قد ترى محدثاً ولا ترى عنده فقهاً، وتراه مُقرئاً ولا ترى عنده حديثاً، فكل صنعة يستعان عليها بصالحي أهلها، فالمرأة عندها اختصاص معين، والأمور المالية وأمور الحياة ليس لها عناية بها.
أما فيما يتعلق بالأمور المنزلية فرأيها يُقدم على رأي زوجها، فكل واحد له كما يقال: اختصاص وشأن، فمن أجل عدم اختصاصها إذا حضرت الواقعة قد تذهل عنها، فلابد من شريك لها يعاضدها ويقويها؛ لنتأكد أنها ضبطت، وأنها ما ذهلت في هذا الأمر، هذا -كما قلت- في الحقوق المالية.
وأما في الحدود فمضت السنة ألا تُقبل شهادة النساء في الحدود ولو اجتمع آلاف النساء، فلو شهد في سرقة رجل وألف امرأة، فلا تقطع يد السارق، ولو شهد ثلاثة رجال في حد الزنا ومائة ألف امرأة لتكمل نصاب الشهادة الرابعة فلا تُقبل، فلابد من الرجال على الإطلاق في ذلك الأمر، مضت السنة ألا تقبل شهادة النساء في الحدود، وهذا له حكمة, وفي الأمور المالية بينت الحكمة، وهي الضعف الذي فيها (أن تضل إحداهما) كما قلت: لا لآفة في الذهن، إنما هي ما خُلقت لهذا، فلا تعتني به، ما خُلقت لتضبط أمر العقار وتعد الريال، ما خُلقت لهذا، وكثير من النسوة للآن في هذه الحياة التي يعتبرونها متطورة في الأمور الدنيوية لا الدينية، ما تعرف الفلوس، فلا تميز بين الخمسمائة والخمسة والخمسين، لا تعرف الفلوس على الإطلاق.
نعم، هناك نساء لهن شأن، هذا موضوع آخر، إنما كثير من النساء لا تعرف الفلوس حقيقة، لو وضعت ما تعرف شأنها ولا قيمتها ولا حالها، هي لها شأن معين مع أولادها وطاعة ربها، فهذه قد تذهل، فإذا وُجدت امرأة أخرى تذكرها، واتفقت الشهادتان، حلت محل شهادة الرجل ، هذا كما قلت في الأمور المالية، أما فيما ما يتعلق بالحدود فلا تُقبل مطلقاً.
وقد تقدم معنا أن ذلك لثلاثة اعتبارات لا ينبغي أن تغيب عنا، أولها: صيانة للمرأة عن امتهانها في تلك القضايا، أن تأتي وتشهد أنها رأت ذاك منه في ذاك منها، وما شاكل هذا, هذا لا يتناسب مع طبيعة المرأة وحيائها، وإن قيل: يُعطل الحد فيعطل ولا تمتهن المرأة, يعطل الحد من أوله لآخره، وإذا عُطل في الدنيا فلن تضيع الحقوق فسيئول العباد إلى ربهم ليوفي كلاً بما عمل، لكن لا نمتهن المرأة لتشهد تلك الشهادة ولتضيع حياءها.
والأمر الثاني: أن فيها ضعفاً جِبلياً فلا تضبط الوقائع، هي في الأمور المالية لا تضبط، فكيف عندما ترى ضرب الرقاب! إذا رأت الدماء تتطاير، والأبدان غرقت في الدماء، من القاتل؟ ومن المقتول؟ لا تدري، وقد ترى إنساناً دخل للإصلاح فتقول: فلان هو الذي قتل, وهذه بلية، فلابد إذاً من عدم شهادتها، لأنها لا تضبط, الفزع الذي فيها لا يجعلها تستوعب هذه القضايا.
وتأملوا أحوال النساء في هذا, رأيت مرة بعض النساء في حادث سيارة -نسأل الله العافية- مع زوجها مع أخيها مع ولدها ما أعلم، المقصود في حادث، ولم يقع موت، إنما سيارتان الضرب بينهما خفيف، فنزلوا وعلى عادتنا همجية وخصام ومضاربة, يا عباد الله! سيارة ضربت سيارة، خطأ حتماً, المسألة كل واحد يأخذ حقه بلطف، لا داعي لحصول سباب ومشاتمة ومضاربة، نزل السائقان يختصمان، والمرأة جلست تبكي! أراها بعيني في وسط الشارع وهي تبكي، فالمرأة نثرها بكاء وصدقتها سرقة، فلا تضبط.
الأمر الثالث: ما هو أهم من هذين الأمرين، أن المرأة أعظم ما عندها عرضها، فقد تهدد من قِبل إنسان إما أن تشهد شهادة زور على أن فلاناً زنى من أجل أن يقام عليه الحد إذا كانت تُقبل شهادتها، وإلا سوف نفضحك، ونتكلم عليك بالباطل، وأننا اتصلنا بك، ويأتون ببعض الصفات التي في جسمها مما لا يمكن أن يطلع عليه إلا النسوة بواسطة بعض النسوة, يقول: نحن ننشر منشوراً أننا لنا بك صلة، واطلعنا على كذا وكذا، أو تشهدين، وبعد ذلك من أجل المحافظة على عرضها وعفتها تشهد شهادة زور.. فالإسلام، وهذا شرع الحكيم العلام من البداية قال: لا داعي لإدخال المرأة في هذه المشاكل، شهادتها لا تُقبل في الحدود وانتهينا، لا داعي بعد ذلك لأن تمتهن، وأن يضيع حياؤها، ولا يقال: ما ضبطت، ولا يقال: هددت وشهدت شهادة باطلة مزورة، لا تقبل شهادة النساء في الحدود على الإطلاق.
استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
مقدمة في الفقه - المكفرات من المخالفات [1] | 4383 استماع |
مقدمة في الفقه - تقوية اليقين بأخبار الصالحين [2] | 3679 استماع |
مقدمة في الفقه - فضل العلم [2] | 3661 استماع |
مقدمة في الفقه - الجنسية الإسلامية [2] | 3541 استماع |
مقدمة في الفقه - الجنسية الإسلامية [1] | 3309 استماع |
مقدمة في الفقه - عبادة سيدنا أبي حنيفة [1] | 3293 استماع |
مقدمة في الفقه - لم يتبدل موضوع الفقه | 3260 استماع |
مقدمة في الفقه - عبادة سيدنا أبي حنيفة [2] | 3260 استماع |
مقدمة في الفقه - فقه الإمام الشافعي [2] | 3214 استماع |
مقدمة في الفقه - فقه الإمام أبي حنيفة [3] | 3168 استماع |