خطب ومحاضرات
مقدمة في الفقه - اختلاف الأئمة [2]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
بعد هذه المقدمة في بيان حال سيدنا أبي حنيفة المتواتر المعلوم كما تقدم معنا، ليرتبط البحث ببعضه أعود -إخوتي الكرام- لطريقته في الفقه رضي الله عنه وأرضاه.
تقدم معنا -إخوتي الكرام- طريقته، وذكرنا قوله: ما جاء عن الله في القرآن نأخذ به، وما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام فعلى العينين والرأس، وما جاء عن الصحابة تخيرناه، وإذا آل الأمر إلى التابعين.. إلى إبراهيم النخعي والشعبي والإمام الزهري وحماد رضي الله عنهم وأرضاهم، فأجتهد كما اجتهدوا، وهذه طريقة سديدة رشيدة سار عليها أئمتنا: الكتاب والسنة والإجماع والقياس السوي.
إخوتي الكرام! ذكرنا أنه قد يقول قائل عند هذا المبحث: إذا كانت أصول الأئمة واحدة فعلامَ وقع بينهم الاختلاف في الأحكام؟!
وقلت: يثير هذا الهذيان كثير من أتباع الشيطان في هذه الأيام، وهو: علامَ الاختلاف؟! فإن الدين واحد والمذاهب أربعة، وبعضهم يشتط ويقول: هذه مثل مذاهب النصارى: كاثوليك، وبروتستانت، وأرثوذكس، فبعضهم يشبه المذاهب بتلك، وهذا ضلال مبين إخوتي الكرام! فاستمعوا وانتبهوا لذلك.
وذكرنا: أن الأصول واحدة لا شك، لكن عندنا أمران هما أبرز أسباب الاختلاف، وهذا أمر طبيعي، يقع بين البشر شئنا أم أبينا, لو ألغينا مذاهب أئمتنا سنرجع إلى هذه الأقوال، بل قد نزيد عليها إلى ما شاء الله، والأمران هما: الأول: أن النصوص حمَّالة، تحتمل أكثر من معنى، وذكرنا أن من سمع النص مباشرة من النبي عليه الصلاة والسلام حمل ذلك النص على معنيين؛ لأن النص يحتمل هذا وهذا، ومثلت بمثال وقع في زمن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، في حديث: (لا يصلِّينَّ أحد العصر إلا في بني قريظة)، وذكرنا حديث: (البيعان بالخيار ما لم يفترقا) أو قال: (حتى يفترقا)، وذكرنا اختلاف الأئمة في ذلك، فمن قائل: إن المراد التفرق بالأقوال باللسان، كما ذهب إلى ذلك الإمام مالك وقبله سيدنا أبو حنيفة النعمان رضي الله عنهم وأرضاهم، وقائل: حتى يفترقا بالأبدان، كما ذهب إلى ذلك السيدان المباركان الإمام الشافعي وتلميذه الإمام أحمد رضي الله عنهم وأرضاهم، فهذا معتبر وهذا معتبر، وتقدم معنا تقرير كل من هذين القولين، وأن النص يحتملها.
الأمر الثاني: أن مدارك البشر وفهومهم مختلفة متغايرة؛ وقد تقدم معنا كلام الخطيب البغدادي رضي الله عنه وأرضاه في كتاب الفقيه والمتفقه يقول: أهل العلم في حفظه متقاربون وفي استنباط فقهه متباينون.
فنحن نحفظ النص جميعاً، لكن عندما نستنبط نختلف، وهذا حال أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين.
فالنصوص حمالة تحتمل أكثر من معنى, والفهوم تختلف، فوسع الله علينا، فجعل إجماع هذه الأمة حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة، وقلت: هذا الكلام الذي قرره أئمتنا قاطبة هو كلام أهل الإسلام: قاله الإمام ابن قدامة في المغني في أوله، والإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوى في الجزء الثلاثين صفحة ثمانين، وهو مقرر عند سائر أئمة الدين: أن إجماعهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة؛ ولذلك -كما قلت- لو أُلغيت هذه المذاهب سنختلف اختلافاً لا نهاية له.
هذا دون ذكر أسباب الاختلاف الأخرى، بل بعد ثبوت النص وحجيته سيقع اختلاف في هذين الأمرين: النص يحتمل أكثر من معنى، وفهومنا تختلف؛ ناهيك عن أسباب الاختلاف الأخرى: هل ثبت النص أم لا؟ قد يثبت عند البعض ولا يثبت عند البعض الآخر، هل يحتج به أم لا؟ قد يرى هذا أنه حجة ويحتج بالمراسيل كما هو حال جمهور الفقهاء، وذاك لا يحتج به، وصار عندنا موضوع آخر، وذكرنا أنه ما جعل الله أحداً من البشر حجة على أحد إلا النبي عليه الصلاة والسلام، فهو حجة على الخلق، ونحن الآن سنحتج بكلامه، فأنا عندما أفهم ليس من حقك أن تقول: فهمي مقدم على فهمك، وليس من حقي أن أقول: إن فهمي يقدم على فهمك, نقول: هناك أمور أجمعنا عليها، من خالف فيها فهو ضال، ويوليه الله ما تولى ويصليه جهنم وساءت مصيراً، وهناك أمور اختلفنا فيها فنحن في سعة ورحمة الله واسعة, هذا الذي قرره أئمتنا وشهدت له نصوص شرعنا.
هذا الأمر مثَّلتُ عليه بمثال فيما يتعلق بالمعاملات (البيعان بالخيار)، وتقدم معنا ما يتعلق بهذا، والآن سأمثل عليه بمثال من العبادات، ثم أنتقل إلى الأمر الرابع من ترجمة سيدنا أبي حنيفة رضي الله عنه وأرضاه، وهو عبادته وورعه وزهده وخشوعه لربه سبحانه وتعالى.
أعظم العبادات -إخوتي الكرام- وأعلاها هي الصلاة، وهي أعظم من الصيام، وقد تقدم معنا قول سيدنا أبو حنيفة رضي الله عنه وأرضاه للإمام الباقر: لو قلت بالقياس لأمرت الحائض أن تقضي الصلاة ولا تقضي الصوم؛ لأن الصلاة أعظم وأفضل، لكنها ليست موضوع أقيسة عقلية، والبول في المسجد أحسن من بعض أنواع القياس, كيف أخالف سنة النبي عليه الصلاة والسلام؟! حديث ثبت كيف سأتركه؟! لكن أنا سأقيس فقط ما لم يقع في العصر الأول على ما وقع، أمور وقعت حديثة ليس فيها نص على أمور وقعت قديمة فيها نص، فأنا وجدت العلة في ذلك النص تنطبق على ما حصل من وقائع؛ فأطبق ذلك الحكم على هذه الحوادث لاشتراكهما في العلة، وهذا هو القياس، أما أن أُلغي النص فلا، وقلت: إن كل من ألغى النص وقاس قياساً يُصادم النص فهو قياس إبليسي، وأول من قاس إبليس، وما عُبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس، وإذا صادم القياس نصاً فهو فاسد الاعتبار بإجماع أئمتنا الأبرار؛ ولذلك قال: لو قلت بالقياس لأوجبت على الحائض أن تقضي الصلاة ولا تقضي الصوم، لكن هذا ليس موضوع القياس؛ لأن هذا فيه نص، وهكذا بقية الأجوبة التي ذكرها لسيدنا الإمام الباقر رضي الله عنه وأرضاه.
استمع لهذا الحكم الذي الأمة تختلف فيه اختلافاً مشروعاً محموداً في أعظم شعائر الدين وهو الصلاة, أولاً: هل تتعين الفاتحة على المصلى أم لا؟
الأمر الثاني: إذا تعينت أو لم تتعين إنما تعين غيرها من القراءة, من الذي يُلزم بالقراءة المتعيِّنة من فاتحة أو غيرها، الإمام والمأموم والفرد، أم بعضهم فقط؟
إذاً عندنا مسألتان: الفاتحة تتعين أم يكفي مطلق القرآن؟ الأمر الثاني: هذا الذي هو واجب، لا بد من القراءة في الصلاة هذا محل اتفاق، لكن الفاتحة أم غيرها, هذا هو الواجب المتعين على من يجب من المصلين؟
قول الحنفية بإجزاء القراءة في الصلاة ولو بغير الفاتحة وأدلتهم
قالوا: قول الله جل وعلا في كتابه: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل:20]، وهذا لا يتعين إلا في الصلاة، هذا الأمر الذي وُجِّه إلينا لا يتعين إلا في الصلاة، وعليه فأي شيء قرأناه يجزئ وتصح الصلاة به.
قالوا: وقد ثبت هذا عن النبي عليه الصلاة والسلام في حديث المسيء في صلاته والحديث في المسند والكتب الستة والسنن الكبرى للإمام البيهقي من رواية سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، وهو في السنن الأربعة إلا سنن ابن ماجة من رواية رفاعة بن رافع وأبي هريرة رضي الله عنهم وأرضاهم، دخل رجل إلى مسجد النبي على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، فصلى وأساء في صلاته، وما اطمأن ولا صلى صلاة مشروعة كاملة، فلما انتهى قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ارجع فصلِّ فإنك لم تصل)، تكرر هذا منه ثلاث مرات، ثم قال: (والذي بعثك بالحق لا أحسن غيرها فعلمني، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن).. إلى آخر الحديث، فلم يقل له: اقرأ الفاتحة، فدل على أن الأمر فيه سعة
هذا قولهم ودليلهم، وهناك أئمة يرون خلاف هذا -كما سيأتينا- وهم على بينة ونور، وليس صحيحاً أن نقول: إن هذا هو الحق وما عداه باطل، وإلا رجعنا للضلال؛ لأننا سنلغي الأقوال التي لها اعتبار، المقصود أن نقول: هذا قول أخذ من أدلة شرعية من آيات قرآنية ومن أحاديث نبوية على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه, أنت تراه بعد ذلك مرجوحاً، فأنت وما رأيت, ما لنا ولك، أنت لست بحجة على خلق الله, ذاك يراه راجحاً وأنت تراه مرجوحاً, ترى أنه لا بد من الفاتحة فأنت وما رأيت، لكن هذا الرأي لا يحق لك أن تلزم به غيرك بما أنه أخذ هذا الحكم من نص شرعي.
وقد تقدم معنا -إخوتي الكرام- أن هذا الحكم مع شدته أهون بكثير من تأخير صلاة العصر إلى غروب الشمس كما حدث من بعض الصحابة حينما صلوا العصر في بني قريظة، وأولئك صلوا في الطريق، ومع ذلك ما عابوا عليهم، وأسهل بكثير من الصلاة في الطريق ومخالفة الأمر عند مَن فهم أنَّ الصلاة واجبة في بني قريظة، فالحكم هنا أيسر من هناك بكثير، ومع ذلك اتسعت صدور الصحابة، ومن باب أولى اتسع صدر النبي عليه الصلاة والسلام، وتقدم معنا أنه استنبط عدد من أئمتنا أن كل مجتهد مصيب من هذا الحديث، قالوا: لأن النبي عليه الصلاة والسلام ما بيَّن أن أحد الفريقين مخطئ، ولا يقر على خطأ، فالأصل أنه لا يعنف وهو معذور ومأجور لا خلاف في ذلك، لكنه ما قال: أنت أيضاً أخطأت وعُذرت وأجرت لكن فعلك خطأ, ما بيَّن أي الفعلين خطأً أو صواباً، وهنا كذلك: حكم أُخذ من دليل شرعي: آية من القرآن.. وحديث من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا قول سديد.
قول الجمهور بوجوب قراءة الفاتحة في الصلاة وعدم إجزاء غيرها عنها
إذاً: هذا دليل وذاك دليل، ويبقى بعد ذلك الجمع بينهما, ذاك الدليل الحديثي يقولون: نُص عليه في القرآن، وهذا أيضاً نحن نأخذ به معشر الحنفية فنقول: إنها واجبة دون أن تكون فرضاً.. دون أن تكون ركناً؛ ولذلك لو صلى ولم يقرأ الفاتحة فصلاته مكروهة كراهة تحريم، لكنها ليست باطلة، ثم قال الحنفية: أنتم يا معشر المالكية والحنابلة هل أخذتم بهذا الحديث؟ قالوا: نعم، فقالوا: لقد تركتموه في صورة، فأنتم ما أوجبتم على المقتدي -كما سيأتينا- قراءة الفاتحة إذا جهر الإمام، بل ما أوجبتم عليه قراءة الفاتحة إذا أسر, إنما قلتم: يسن له قراءة الفاتحة إذا أسر الإمام، فالمأموم لا ينطبق عليه هذا الحديث عندكم، مع أنه عام فأنتم تركتم عموم هذا الحديث لأحاديث أخرى، ونحن هذا الحديث قد عملنا به، ومعناه: (لا صلاة كاملة)، إذاً: الصلاة صحيحة، وهذا مثل حديث: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)، أي: ترك سنة التسمية، وليس معنى هذا أن الوضوء باطل إذا أتى بأركان الوضوء، وهنا كذلك: المراد أن الصلاة ليست كاملة، بل فيها نقص؛ ويدل عليه قوله: (خداج) يعني: غير تمام، فقد أساء وقصَّر، لكن الصلاة صحيحة وليست باطلة
وعليه نقول: هذا سديد وهذا سديد، وكل منهما حق رشيد, هذه هي الصورة الأولى.
استمع للمسألة الأولى: انفرد الحنفية من بين المذاهب الأربعة وقالوا: الفاتحة لا تتعين، ولو قرأ أي شيء أجزأه مع أنَّ الصلاة مكروهة تحريماً، ويقولون بوجوب الفاتحة، لا بفرضيتها وركنيتها، لكن لو قرأ غيرها من القرآن آية أو سورة أجزأه، ولا يتعين عليه أن يأتي بالفاتحة، ما هو دليلكم؟
قالوا: قول الله جل وعلا في كتابه: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل:20]، وهذا لا يتعين إلا في الصلاة، هذا الأمر الذي وُجِّه إلينا لا يتعين إلا في الصلاة، وعليه فأي شيء قرأناه يجزئ وتصح الصلاة به.
قالوا: وقد ثبت هذا عن النبي عليه الصلاة والسلام في حديث المسيء في صلاته والحديث في المسند والكتب الستة والسنن الكبرى للإمام البيهقي من رواية سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، وهو في السنن الأربعة إلا سنن ابن ماجة من رواية رفاعة بن رافع وأبي هريرة رضي الله عنهم وأرضاهم، دخل رجل إلى مسجد النبي على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، فصلى وأساء في صلاته، وما اطمأن ولا صلى صلاة مشروعة كاملة، فلما انتهى قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ارجع فصلِّ فإنك لم تصل)، تكرر هذا منه ثلاث مرات، ثم قال: (والذي بعثك بالحق لا أحسن غيرها فعلمني، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن).. إلى آخر الحديث، فلم يقل له: اقرأ الفاتحة، فدل على أن الأمر فيه سعة
هذا قولهم ودليلهم، وهناك أئمة يرون خلاف هذا -كما سيأتينا- وهم على بينة ونور، وليس صحيحاً أن نقول: إن هذا هو الحق وما عداه باطل، وإلا رجعنا للضلال؛ لأننا سنلغي الأقوال التي لها اعتبار، المقصود أن نقول: هذا قول أخذ من أدلة شرعية من آيات قرآنية ومن أحاديث نبوية على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه, أنت تراه بعد ذلك مرجوحاً، فأنت وما رأيت, ما لنا ولك، أنت لست بحجة على خلق الله, ذاك يراه راجحاً وأنت تراه مرجوحاً, ترى أنه لا بد من الفاتحة فأنت وما رأيت، لكن هذا الرأي لا يحق لك أن تلزم به غيرك بما أنه أخذ هذا الحكم من نص شرعي.
وقد تقدم معنا -إخوتي الكرام- أن هذا الحكم مع شدته أهون بكثير من تأخير صلاة العصر إلى غروب الشمس كما حدث من بعض الصحابة حينما صلوا العصر في بني قريظة، وأولئك صلوا في الطريق، ومع ذلك ما عابوا عليهم، وأسهل بكثير من الصلاة في الطريق ومخالفة الأمر عند مَن فهم أنَّ الصلاة واجبة في بني قريظة، فالحكم هنا أيسر من هناك بكثير، ومع ذلك اتسعت صدور الصحابة، ومن باب أولى اتسع صدر النبي عليه الصلاة والسلام، وتقدم معنا أنه استنبط عدد من أئمتنا أن كل مجتهد مصيب من هذا الحديث، قالوا: لأن النبي عليه الصلاة والسلام ما بيَّن أن أحد الفريقين مخطئ، ولا يقر على خطأ، فالأصل أنه لا يعنف وهو معذور ومأجور لا خلاف في ذلك، لكنه ما قال: أنت أيضاً أخطأت وعُذرت وأجرت لكن فعلك خطأ, ما بيَّن أي الفعلين خطأً أو صواباً، وهنا كذلك: حكم أُخذ من دليل شرعي: آية من القرآن.. وحديث من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا قول سديد.
القول الثاني: ذهب إليه الجمهور المالكية والشافعية والحنابلة: أن الفاتحة تتعين، ولا بد منها، وإذا لم يأتِ بها المصلي فلا تصح صلاته، قالوا: لما ثبت في المسند والكتب الستة من حديث سيدنا عبادة بن الصامت رضي الله عنه وأرضاه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، وفي المسند والموطأ وصحيح مسلم والسنن الأربعة من رواية سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خِداج خداج خداج غير تمام)، وفي صحيح ابن حبان وصحيح ابن خزيمة في رواية سيدنا أبي هريرة المتقدمة: (لا تجزئ صلاة لا يُقرأ فيها بأم القرآن).
إذاً: هذا دليل وذاك دليل، ويبقى بعد ذلك الجمع بينهما, ذاك الدليل الحديثي يقولون: نُص عليه في القرآن، وهذا أيضاً نحن نأخذ به معشر الحنفية فنقول: إنها واجبة دون أن تكون فرضاً.. دون أن تكون ركناً؛ ولذلك لو صلى ولم يقرأ الفاتحة فصلاته مكروهة كراهة تحريم، لكنها ليست باطلة، ثم قال الحنفية: أنتم يا معشر المالكية والحنابلة هل أخذتم بهذا الحديث؟ قالوا: نعم، فقالوا: لقد تركتموه في صورة، فأنتم ما أوجبتم على المقتدي -كما سيأتينا- قراءة الفاتحة إذا جهر الإمام، بل ما أوجبتم عليه قراءة الفاتحة إذا أسر, إنما قلتم: يسن له قراءة الفاتحة إذا أسر الإمام، فالمأموم لا ينطبق عليه هذا الحديث عندكم، مع أنه عام فأنتم تركتم عموم هذا الحديث لأحاديث أخرى، ونحن هذا الحديث قد عملنا به، ومعناه: (لا صلاة كاملة)، إذاً: الصلاة صحيحة، وهذا مثل حديث: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)، أي: ترك سنة التسمية، وليس معنى هذا أن الوضوء باطل إذا أتى بأركان الوضوء، وهنا كذلك: المراد أن الصلاة ليست كاملة، بل فيها نقص؛ ويدل عليه قوله: (خداج) يعني: غير تمام، فقد أساء وقصَّر، لكن الصلاة صحيحة وليست باطلة
وعليه نقول: هذا سديد وهذا سديد، وكل منهما حق رشيد, هذه هي الصورة الأولى.
استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
مقدمة في الفقه - المكفرات من المخالفات [1] | 4386 استماع |
مقدمة في الفقه - تقوية اليقين بأخبار الصالحين [2] | 3680 استماع |
مقدمة في الفقه - فضل العلم [2] | 3662 استماع |
مقدمة في الفقه - الجنسية الإسلامية [2] | 3542 استماع |
مقدمة في الفقه - الجنسية الإسلامية [1] | 3310 استماع |
مقدمة في الفقه - عبادة سيدنا أبي حنيفة [1] | 3294 استماع |
مقدمة في الفقه - لم يتبدل موضوع الفقه | 3261 استماع |
مقدمة في الفقه - عبادة سيدنا أبي حنيفة [2] | 3261 استماع |
مقدمة في الفقه - فقه الإمام الشافعي [2] | 3216 استماع |
مقدمة في الفقه - فقه الإمام أبي حنيفة [3] | 3169 استماع |