أرشيف المقالات

الربا والزنا والبلايا - فهد بن عبد العزيز الشويرخ

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمما لا يخفى أن من أسباب العقوبات التي تحل بالعباد والبلاد: الذنوب والآثام, قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "الذنوب سبب للبلايا والعقوبات العاجلة والآجلة, نسأل الله تعالى رحمته وعفوه وغفرانه"
والربا والزنا من الذنوب التي ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام أنها من أسباب العذاب الذي يحل الناس, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إذا ظهر الزِّنا والرِّبا في قريةٍ, فقد أحلُّوا بأنفسهم عذابَ اللهِ» [أخرجه الطبراني والحاكم وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع] والمقصود بالظهور الانتشار والكثرة, فإذا ظهرا وانتشرا فقد أنزل العباد بأنفسهم العذاب من الله.
لقد تجرأ كثير من الناس على التعامل بالربا إقراضاً واقتراضاً, واستثماراً لأموالهم في البنوك والشركات التي تتعامل بالربا, غير مبالين بأكل الحرام, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال, أمِنَ الحلال أم الحرام»  [أخرجه البخاري ]
والناس في تعاملهم بالربا منهم: المجاهر الصريح, الذي يتعامل به, ويدعو غيره له, ويقنع الناس به, ومنهم: من يتعامل به, بعد إدخال بعض التغيرات على بعض صوره, وتغير مسماها, قال العلامة العثيمين رحمه الله: المُحرم لا ينقلب مباحاً بالتحايل عليه, بل أن التحايل عليه يزيده خبثاً, ويزيده إثماً, ولهذا ذُكر عن أيوب السخستياني رحمه الله أنه قال في هؤلاء المتحايلين: إنهم يخادعون الله كما يخادعون الصبيان فلو أنهم أتوا الأمر على وجهه لكان أهون وصدق رحمه الله"
ونتيجة لتساهل الناس وتحايلهم عمَّ الربا وانتشر, نسأل الله السلامة والعافية منه لجميع المسلمين.
الربا  كبيرة من كبائر, ومال صاحبه ممحوق, ويكفي من يتعامل بالربا أنه محارب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم, قال الله عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة_278-279.]
قال العلامة العثيمين رحمه الله:الربا ليس بالأمر الهين والمؤمن ترتعد فرائضه إذا سمع مثل هذه الآية
إن المتعاملين بالربا يحاربون القوي الجبار العزيز الذي لا يعجزه شيء, فليحذر هؤلاء, فالربا من أسباب الكوارث التي تدمر الاقتصاد, ففي عام (1408هـ) انهارت أسواق الأسهم حول العالم ففقدت الكثير من قيمتها في فترة زمنية قصيرة, وتبخرت أموال الربا, ومحقها الله, كما قال سبحانه وتعالى: {يَمْحَقُ اللَّـهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}  [البقرة:276] 
وفي عام ( 1429 هـ) حدثت الأزمة العالمية الاقتصادية التي كادت أن تدمر الاقتصاد العالمي لولا لطف الله.
جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة المنعقدة في شهر رجب عام(1406 هـ) " قد أثبتت البحوث الاقتصادية الحديثة أن الربا خطر على اقتصاد العالم وسياسته وأخلاقياته وسلامته وأنه وراء كثير من الأزمات التي يعانيها العالم, وأنه لا نجاة من ذلك إلا باستئصال هذا الداء الخبيث الذي نهى الإسلام عنه منذ أربعة عشر قرناً.

الذنب الثاني: الزنا , وهو من أسباب غضب الله عز وجل ونزل العقوبات بالعباد, ففي الصحيحين في خطبته صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف أنه قال: « يا أمة محمد والله إنه لا أحد أغيرُ من الله أن يزني عبده أو تزني أمته, يا أمة محمد لو تعلمون, والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً» « ثم رفع يديه وقال: ( اللهم هل بلغت )»
 قال العلامة ابن القيم رحمه الله: وفي ذكر هذه الكبيرة بخصوصها عقيب صلاة الكسوف سرّ بديع لمن تأمله, وظهور الزنا من أمارات خراب العالم وهو من أشراط الساعة , وقد جرت سنة الله في خلقه أنه عند ظهور الزنا يغضب الله سبحانه, ويشتد غضبه, فلا بد أن يؤثر غضبه في الأرض عقوبة.
  
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: حديث بريدة عند الحاكم بسند جيد بلفظ:  (ولا ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلط الله عليهم الموت )
وذكر الدكتور فضل إلهي في كتابه " التدابير الواقية من الزنا في الفقه الإسلامي" أنه جاء في التوراة بأن غضب الله ينزل على الزناة, وينتقم الرب منهم.كما ذكر أنه في الديانة النصرانية أن الزنا موجب لغضب الله تعالى.
وقد ذكر أهل العلم أن الزنا لما انتشر في بني إسرائيل, وقع في بني إسرائيل الطاعون, فمات منهم سبعون ألفاً في يوم واحد.

وفي عام (1425هـ) حدث زلزال " تسونامي"  والذي مات منه ما يقرب من ثلث مليون من البشر وكان على شاطئ في جزيرة سياحية.
ومما سبق يتبين أن الربا والزنا من أسباب نزول العقوبات, التي تحل بالعباد والبلاد, وتسبب الخسائر في الأنفس والأموال, فينبغي مجاهدة النفس والتوبة من جميع الذنوب والآثام, لعل الله الرحيم الكريم أن يرفع ما حل بالمسلمين من بلاء ووباء. 
والتوبة من الربا تكون بترك التعامل به, استثماراً, وإقراضاً, واقتراضاً, فالمرابي ليس له إلا رأس ماله لا زيادة عليه, قال الله عز وجل:  { وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}  [البقرة:279] ومن تاب من الربا فليحمد الله ويشكره, ومن لم يتب فقد أحل بنفسه العذاب, فلينتبه لذلك, قال الله جل وعلا:   {فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّـهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}  [البقرة:275]
أما الزنا فيكون بالتوبة من فعله سراً وجهاراً, والتوبة من مقدماته التي قد يتهاون بها العبد فتجره يوماً إلى الزنا, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كُتِبَ على ابن آدم نصيبه من الزنى, مدرك ذلك لا محالة, فالعينان زناهما, والأذنان زناهما الاستماع, واللسان زناه الكلام, واليد زناها البطش, والرجل زناها الخُطأ, والقلب يهوى ويتمنى, ويُصدقُ ذلك الكذب ويكذبه) [متفق عليه, واللفظ لمسلم] قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله (فزنا العين النظر) أي: إلى ما لا يحل للناظر, قال ابن بطال: سمى النظر والنطق زنا لأنه يدعو إلى الزنا الحقيقي, ولذلك قال: (والفرج يصدق ذلك ويكذبه)
وقال الكرماني: وسمى النظر والمنطق زنا لأنهما من مقدماته وحقيقته إنما يقع بالفرج
وقال الإمام النووي رحمه الله: معنى الحديث أن ابن آدم قدّر عليه نصيب من الزنا, فمنهم من يكون زناه حقيقياً, بإدخال الفرج في الفرج الحرام, ومنهم من يكون زناه مجازاً بالنظر الحرام أو الاستماع إلى الزنا وما يتعلق بتحصيله, أو بالمس باليد, بأن يمسّ أجنبيه أو يقبلها,..أو الحديث الحرام مع أجنبيه, ونحو ذلك"     
فينبغي مجاهدة النفس والتوبة من: النظر والسماع والكلام واللمس المحرم, ومن وفقه الله إلى التوبة منها فليحمد الله, ومن غلبه هواه فلا يستبعد العقوبة من الله.
اللهم ارحمنا, وارفع عن المسلمين ما أصابهم  من وباء كورونا, ووفقنا جميعاً للتوبة من جميع الذنوب, وأعنا على ذلك.
                      كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ      
 

شارك الخبر

المرئيات-١