مقدمة في الفقه - شريعة ربانية وقوانين وضعية [3]


الحلقة مفرغة

شرع الله تعالى حياة العالم وروح الوجود

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فلا زلنا نتكلم عن الفروق بين شرع الخالق والمخلوق، وقد وصلنا إلى الفارق التاسع من الفروق بين شرع الخالق والمخلوق: وهو أن شرع الله جل وعلا إخوتي الكرام حياة العالم، وروح الوجود، فكما تقدم معنا أنه هداية العالم ونور العالم، فكل ما لم تطلع عليه شمس الرسالة المحمدية على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فهو في ظلمة، وكل ما لم تطلع عليه شمس الرسالة المحمدية على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فهو ميت، مظلم ميت.

وقد أشار الله جل وعلا إلى هذا المعنى وأنه بشرعه تحصل الحياة في قوله: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:122]، وقال جل وعلا في آخر سورة الشورى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ [الشورى:52-53].

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا فهو حياة العالم، وهو روح الوجود، وكل ما لم تطلع عليه شمس الرسالة الربانية والشريعة الإسلامية، فهو مظلم ميت ملعون.

ثبت في سنن الترمذي وسنن الإمام ابن ماجه وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، من رواية سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه، وعالماً ومتعلماً).

وتقدم معنا الحديث -إخوتي الكرام- ضمن مواعظ الترغيب في مُدارسة العلم، والحديث رواه الإمام البزار في مسنده عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بلفظ: (الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر، أو ذكر الله تعالى).

ورواه الطبراني في معجمه الكبير عن سيدنا أبي الدرداء رضي الله عنهم أجمعين بلفظ: (الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ما ابتُغي به وجه الله منها).

ورواه الإمام أبو نعيم في الحلية، والضياء المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة، عن سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن نبينا رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ما كان لله منها).

واجمع بين هذه الروايات الأربع، رواية أبي هريرة ، وابن مسعود ، وأبي الدرداء ، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين تخرج بنتيجة: أن الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ما كان بالله ولله، ما استعان بالله وكان خالصاً لله هذا الذي خرج من اللعنة، وهذا الذي فيه الحياة، وهو الذي يحق أن يتصف بالوجود، وما عدا ذلك فكأنه مفقود، وهو ميت، وفي ظلمة، إلا ما كان لله منها.

انظروا -إخوتي الكرام- روايات البزار والطبراني في مجمع الزوائد، في الجزء الأول صفحة اثنتين وعشرين ومائة، وانظروا رواية الإمام الضياء المقدسي في الفتح الكبير، في الجزء الثاني صفحة ست عشرة.

شريعة الله تعالى حكم على ما عداها ومهيمنة على ما سواها

الفارق العاشر: هذه الشريعة الربانية التي أوحى الله بها إلى نبينا خير البرية، على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، إنها هي حكم على ما عداها، فكتاب الله وشرع الله هو المهيمن على ما سواه، هو المؤتمن، وهو الشاهد، وهو المصدق، وهو الرقيب، وهو الحافظ على ما عداه, هو الذي يقر الحق الذي فيما عداه، ويبطل الباطل فيما عداه, يُعرض كل شيء على شريعة الله جل وعلا، فهو المهيمن، وهو الحكم، وهو الشاهد، وهو الرقيب، فالكتب السابقة تعرض على هذا القرآن، ليبين ما حُرِّف منها وهو ضلال، وما بقي منها وهو حق، وهكذا كل قضية من القضايا تعرض على الشريعة الإسلامية، ويبين شرعُ الله الحكمَ فيها.

وقد أشار الله جل وعلا في كتابه إلى هذا الأمر، فقال جل وعلا في سورة المائدة: يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [المائدة:15-16]، وقال جل وعلا في نفس السورة آية ثمان وأربعين: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ [المائدة:48] مؤتمناً، شاهداً، مصدقاً، رقيباً، حافظاً وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [المائدة:48].

إذاً: هو المهيمن، وهو الرقيب، والمؤتمن، والشاهد، والحفيظ، والحاكم على ما سواه.

وقال الله جل وعلا في سورة النمل: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ * فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ [النمل:76-79].

شرع الله تعالى محترم مقدس

الفارق الحادي عشر: شرع الله جل وعلا محترم مقدس، كيف لا وهو شرع الله عز وجل، ولا يوجد تشريع مهما كان حاله يحترمه العباد في السر والعلن، وفي جميع الأحوال، كما هو الحال في شرع ذي العزة والجلال، تلك القوانين قد يتظاهر الناس باحترامها من أجل مصالح عاجلة، أو من أجل عقوبة عاجلة، أما شريعة الله جل وعلا فإن الناس يحترمونها في السر أكثر من احترامهم لها في العلن؛ لأن الله جل وعلا هو الذي يطلع على ما في السرائر والضمائر سبحانه وتعالى فهي شريعة مقدسة، محترمة، لأنها شريعة الله جل وعلا المتقنة.

ولذلك -إخوتي الكرام- هذه الشريعة للمبالغة في قداستها واحترامها، جعل الله كتابه لا يُمس إلا بطهارة، وما عداه من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام وكتب الفقه، وغير ذلك من كتب العلوم الشرعية، من الأدب باتفاق أئمتنا ألا تُمس إلا على طهارة، هذا من الأدب إذا أردت أن تقرأ كتاب فقه أن تكون طاهراً.

وكان سيدنا الإمام مالك وعدد من الأئمة لا يحدثون إلا على طهارة، ولا يمسون كتب الحديث إلا إذا كان طاهراً، ويراد بالطهارة هنا الطهارة من الحدث الأصغر فضلاً عن الطهارة من الحدث الأكبر.

وانظروا تقرير هذا عن سلفنا في كتاب الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، للإمام الخطيب البغدادي، في الجزء الأول صفحة تسع وأربعمائة، فقد بوب الطهارة لسماع الحديث لرواية الحديث، ثم قال باباً أيضاً خاصاً: من لم يجد ماء تيمم، إذا أراد أن يمسك كتاب الحديث أو أن يحدث ولا يوجد ماء فيتيمم، وهذا من أجل احترام هذه الشريعة المطهرة، ومن أجل احترام هذه الكتب التي حوت شريعة الله المطهرة.

من تقديس شرع الله تعالى: أنه لا يمس القرآن إلا طاهر

أما القرآن فيجب عليك وجوباً إذا مسسته أن تكون طاهراً من الحدث الأصغر فضلاً عن الأكبر، أما الحدث الأكبر فيحرم عليك أن تقرأ القرآن إذا كان معك الحدث الأكبر، كما سيأتينا ضمن مباحث الفقه، أما الحدث الأصغر فيبيح لك أن تقرأ كلام الله جل وعلا، لكن يحرم عليك أن تمسك هذا القرآن، وأن تمسك جلده الملتصق به الذي يحوي كلام الله جل وعلا، وهذا -كما قلت- على سبيل الوجوب باتفاق أئمتنا، والحديث ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام ثبوت صحة مشتهرة.

ثبت الحديث إخوتي الكرام مرسلاً ومتصلاً، عن عمرو بن حزم رضي الله عنه وأرضاه في الصحيفة التي كتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، أما الرواية المرسلة من رواية أحد أحفاده عنه وهو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، والرواية كما قلت مرسلة منقطعة، أن النبي عليه الصلاة والسلام كتب لـعمرو بن حزم صحيفة تلقاها أئمتنا بالقبول بالاتفاق كما سيأتينا، وفيها سنن عظيمة من سنن الإسلام، وأحكام الإسلام فيها، الأروش، والديات، ونصاب الزكوات، وفيها بعض الأحكام، وفيها بعض الكبائر العظام، صحيفة كتبها نبينا عليه الصلاة والسلام لـعمرو بن حزم وفيها: (ألا يمس القرآن إلا طاهر).

والرواية المرسلة كما قلت في موطأ الإمام مالك، في أول كتاب القرآن من الموطأ: (لا يمس القرآن إلا طاهر)، ورواها أبو داود في المراسيل، كما رواها الإمام ابن أبي داود في كتاب المصاحف.

رُويت الرواية -إخوتي الكرام- متصلة، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده، فالرواية متصلة عن عمرو بن حزم، أن النبي عليه الصلاة والسلام كتب له تلك الصحيفة، في سنن الدارمي وسنن الدارقطني والسنن الكبرى للإمام البيهقي، والحديث رواه الحاكم في المستدرك، وعبد الرزاق في مصنفه وفي تفسيره، ورواه ابن حبان في صحيحه والطبراني في معجمه الكبير.

قال شيخ الإسلام الإمام ابن عبد البر في كتابه التمهيد، في الجزء الثاني عشر، صفحة ست وتسعين وثلاثمائة عند كلامه على هذه الرواية في الموطأ: كتاب عمرو بن حزم كتاب مشهور عند أهل العلم، معروف يُستغنى بشهرته عن الإسناد، والدليل على صحة كتاب عمرو بن حزم تلقي جمهور العلماء له بالقبول، ولم يختلف فقهاء الأمصار بالمدينة المنورة، على منورها صلوات الله وسلامه، وبالعراق، وبالشام، أن المصحف لا يمسه إلا الطاهر على وضوء، وهو قول الإمام مالك، لأنه يشرح موطأه، وهو إمام مذهبه، فلا غضاضة ولا حرج، وقول أبي حنيفة والشافعي وأحمد -يعني: هو قول المذاهب الأربعة- ثم قال: وبهذا قال سفيان الثوري والأوزاعي وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وأبو عبيد . وهؤلاء هم أئمة الفقه والحديث في أعصارهم، فقد اتفق أئمة الإسلام على هذا، ما بين فقهاء ومحدثين على أنه لا يجوز مس كلام رب العالمين إلا على طهارة ووضوءه.

وقد روى الإمام الحاكم هذا الحديث في مكانين، رواه في كتاب الزكاة وفي كتاب معرفة الصحابة، يقول في كتاب الزكاة في الجزء الأول صفحة سبع وتسعين وثلاثمائة: إسناد الحديث من شرط الكتاب، وأخذ صفحة ونصف من المستدرك من القَطْع الكبير، إسناد الحديث على شرط الكتاب -يعني: صحيح- وفيه السنن التي هي قواعد الإسلام، ثم ذكر لهذا الحديث شواهد تبين هذه السنن، ومعها فروض الزكوات والأروش والديات وبعض الأحكام كما هنا، وكما يتعلق بالموبقات والكبائر، سرد شواهد لذلك؛ لأنه فيه سنناً هي من أصول وقواعد الإسلام.

هذا الحديث -إخوتي الكرام- كما قلت: مرسل ومتصل عن سيدنا عمرو بن حزم رضي الله عنه وأرضاه، ورُوي عن خمسة من الصحابة آخرين، عن سيدنا عبد الله بن عمر، وعن سيدنا حكيم بن حزام، وعن سيدنا عثمان بن أبي العاص، وعن سيدنا ثوبان، وعن سيدنا معاذ بن جبل، ورُوي الحديث موقوفاً أيضاً، (أنه لا يمس القرآن إلا طاهر)، عن صحابيين اثنين: أولهما عن فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنها وأرضاها، في القصة الشهيرة التي رواها الإمام الدارقطني، وهكذا من كتب في تراجم الصحابة من المتقدمين، وانظروا الخبر في الإصابة وغير ذلك، عندما أسلمت وعلم سيدنا عمر بذلك، ودخل عليها، وقال: ما هذا الذي تقرءونه، وقد أخفوا الصحيفة التي يقرءون فيها كلام الله جل وعلا: طَهَّ * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى [طه:1-2]، ولما ضرب أخته على رأسها وشجها ندم عندما رأى الدم يسيل من رأسها، رضي الله عنه وعن أخته وعن الصحابة أجمعين، قال: أعطوني هذه الصحيفة ولا أمسها بسوء، فقالت له: إنك نجِس، ولا يمس القرآن إلا طاهر، وفي رواية: إنك رجس، ولا يمس القرآن إلا طاهر، قم فاغتسل، ثم اقرأ هذه الصحيفة. هذا من أين قالته وعرفته؟ من قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التوبة:28]، ثم حكم مقرر حتى في العصر الأول، أن كلام الله عز وجل لا يمسه إلا من كان طاهراً.

والخبر الثاني: عن سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه: أنه خرج فقضى حاجته، فقال له أصحابه: لو توضأت حتى نسألك عن بعض آيات من كتاب الله عز وجل، قال: (سلوني عما شئتم، فإني لا أمسه، ولا يمس القرآن إلا طاهر)، أي: أن القراءة لم تحرم علينا، هذا يقوله سيدنا سلمان رضي الله عنه، وأثره في سنن الدارقطني ومستدرك الحاكم، ورواه سعيد بن منصور في سننه، والإمام ابن أبي شيبة في مصنفه، والإمام ابن المنذر في تفسيره، وانظروا الدر المنثور الجزء السادس صفحة اثنتين وستين ومائة، في تفسير سورة الواقعة: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:79].

وانظروا الكلام على الروايات الخمس المتقدمة باستثناء رواية معاذ، فما أشار إليها أحد إلا الإمام السيوطي في الدر، وأما الكتب التي سأذكرها فقد تكلمت على رواية عمرو بن حزم والصحابة الأربعة، وهم: ابن عمر ، وحكيم بن حزام وعثمان بن أبي العاص وثوبان رضي الله عنهم أجمعين، رواية معاذ موجودة لكن في الدر، رواها الإمام ابن مردوية في تفسيره مرفوعة إلى نبينا عليه الصلاة والسلام: (لا يمس القرآن إلا طاهر).

انظروا الكلام على الروايات الخمسة الأولى في نصب الراية، للإمام المبارك الحافظ الزيلعي رحمة الله ورضوانه عليه، في الجزء الأول صفحة ست وتسعين ومائة، وأريد إخوتي الكرام أن تنظروا في هذا الكتاب وفي الكتب التي خرجت هذا الحديث بعده، من أئمة ومن معاصرين، حتى تروا أنهم ما خرجوا عن تخريجه، فقط يأخذون مما في نصب الراية ولا ينسبون إلى هذا الإمام المبارك، وهذا أمر عجب حقيقة، يعني الحافظ ابن حجر فعل هذا، لكن نسب في الدراية اختصر كتاب نصب الراية، وفي التلخيص الحبير أشار إلى ما في نصب الراية، أما المعاصرون فجاءوا وأخذوا هذا وكأنهم يخرجون تخريجاً مستقلاً.

فهذه الروايات كلها جمعها الإمام الزيلعي في كتابه، وقلت لكم مراراً هو خير ما أُلف في تخريج أحاديث الأحكام، نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية، وبعد ذلك لما عُمل شيء من التحقيق للشيخ الكوثري مع بعض المحققين من ناحية فقط الإشارة إلى الأجزاء التي يعزو إليها الزيلعي، عندما يقول: رواه الحاكم، فذاك يخرج لك مباشرة، يقول جزء كذا صفحة كذا، هذا إذا كان الكتاب مطبوعاً، وإذا لم يكن مطبوعاً فلا يحدد، فمثلاً هنا: طبعات الحاكم مطبوعة، فعندما يقول: الحديث رواه الحاكم ، يبين في الحاشية باختصار جزء كذا صفحة كذا دون أن يطيل.

نرجع ونقول: في نصب الراية في الجزء الأول صفحة ست وتسعين ومائة، أخذ الكلام على هذه الأحاديث قرابة ثلاث صفحات، وفي مختصره في الدراية قلت: اختصره الإمام ابن حجر في الجزء الأول صفحة ست وثمانين، وانظروا التلخيص الحبير في الجزء الأول صفحة أربعين مائة.

وأما أن هذا الحكم متفق عليه بين أئمتنا، فانظروا كتب الفقه إن شئتم، كالمغني للإمام ابن قدامة في الجزء الأول صفحة سبع وثلاثين ومائة، وفي المجموع لشيخ الإسلام الإمام النووي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، في الجزء الثاني صفحة ست وستين، وبعض المشوشين في هذا الزمن يترخص، وما أكثر المترخصين الشاذين، يقول: لا يلزم أن نكون متطهرين إذا مسسنا كلام رب العالمين!

من تقديس شرع الله تعالى: تعظيم كلامه وكتابه الكريم

وهذا عصر التفلت، وعصر الجفاء، وعصر البذاءة، وعصر قلة الحياء والأدب، يأتي بعضهم ليصلي النافلة فيأخذ المصحف ويطرحه على الأرض، وتراه عندما يأخذ المصحف وأحياناً ألاحظ لعله بالمائة تسعين ممن يتلون كلام رب العالمين في بيوت رب العالمين، دع الذين لا يتلون، عندما يأخذ المصحف يمد يده الشمال، يا عبد الله! اتق الله، يا عبد الله هذا كلام الله جل وعلا، ينبغي عندما تمد يدك اليمين ترتجف أيضاً إجلالاً لرب العالمين عندما تمسك المصحف.. تمد الشمال، ثم جئت وطرحته على الأرض، ثم جئت تصلي! هذا عصرنا إخوتي الكرام، وبعد ذلك -كما قلت- يمسكه من غير طهارة، يقول: هذا الحديث ضعيف، والحديث -كما قلت- لا ينزل عن درجة الصحة باتفاق أئمتنا، بل قال الإمام ابن عبد البر: لو لم يكن إلا رواية عمرو بن حزم فقط وتلك الصحيفة، فقد تلقيت بالقبول، ومثلها لا يُبحث عن إسناده.

هذا كلام أئمة الإسلام إخوتي الكرام! كما هو في التمهيد، ثم بعد ذلك يأتيك أحدهم ويقول: لا يجب! المذاهب الأربعة كلها على وجوب الطهارة عند مس المصحف، ومن خالف هذا فقد أثم وعصى الله سبحانه.

حادثة جرت في المدينة المنورة، على منورها صلوات الله وسلامه وفي الروضة المشرفة، كان بعض الناس يقرأ في المصحف، فجاءت سجدة التلاوة، فوضع المصحف فوق الأحذية، والأحذية كانت توضع في أدراج خاصة، وهذا سابقاً، الآن ما عادت بين الصفوف أدراج الأحذية, كان يوضع قطع خشبية مثل صندوق صغير وتوضع عليه الأحذية بين السواري، فذاك أراد أن يسجد فوضع المصحف فوق الأحذية ليس فوق درج الأحذية بل فوق الأحذية مباشرة وسجد، فالذي بجواره -وأنا أشاهد المشهد- أخذ المصحف ووضعه على ركبتيه بعد أن قبله, فذاك وهو ساجد -يعلم الله- وهو ساجد مد يده بقوة وضربه ووضعه فوق الأحذية، ثم لما رفع رأسه من سجدة التلاوة قال: لمَ حملت المصحف؟ قال: يا عبد الله! أمَا تتقي الله تضع المصحف فوق الأحذية!

فحمله ووضعه مرة ثانية، وقال: هل يوجد دليل يمنع من وضع المصحف فوق الأحذية؟ يوجد دليل أنك قليل الأدب، ما تريد أكثر من هذا دليلاً؟!

يا إخوتي! الأدب هذا لا يحتاج إلى دليل، وقلت لكم مراراً إخوتي: ينبغي أن نجعل علمنا ملحاً، وأدبنا دقيقاً، فالأدب يحتاج إلى دليل!! سبحان ربي الجليل! إذا كان الآن من أهان صور المسئولين، والطواغيت، والحكام ووضعها تحت رجله، فحكمه القتل رمياً بالرصاص, إعدام من غير محاكمة، من مَزَّق صورة رئيس الدولة تمزيقاً متعمداً تقطع رقبته من غير محاكمة، وإذا مزقها من غير شعور ولا علم ولا انتباه، يسجن سنة كاملة، هذا في قوانين البلاد العربية، إذا مزقها من غير علم، جاء يفتح الدفتر فتمزقت صورة رئيس الدولة، أو إعلان موجود جاء ليرفعه فتمزقت، إذا ثبت أنه من غير عمد يسجن سنة كاملة، هذا بعد التحقيقات، وكلام الله يأخذه ويطرحه على الأحذية ويقول ما الدليل؟!

يا إخوتي الكرام! نسأل الله أن يرزقنا الأدب معه ومع خلقه، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

فكلام الله لا بد من تعظيمه: وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32].

ولذلك إخوتي الكرام! كلام الله محترم مقدس، شرع لنا هذا للتنبيه على ما عداه، إن أردت أن تمسه فينبغي أن تكون متطهراً وجوباً، لبيان منزلة هذه الشريعة المطهرة، وأما من عداه فقلت: يستحب لنا أدباً أن نكون متطهرين عندما نقرأ الفقه، ونقرأ الحديث، ونقرأ التفسير والعلوم الشرعية، يستحب لنا أن نكون على طهارة وهذا خير لنا.

ويستحب -إخوتي الكرام- أيضاً: أن يقبل كلام الرحمن، هذا أيضاً من احترامه، من قداسة هذا القرآن، وتقدم معنا أثر عن صحابي وهو عكرمة رضي الله عنه وأرضاه، حينما كان يقبل كلام الله ويضعه على وجهه، ويقول: (كلام ربي كتاب ربي)، وتقدم معنا أن الأثر رواه الإمام الدارمي في سننه، والحاكم في مستدركه، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، والحديث رواه الحاكم في المستدرك كما قلت، ورواه الإمام عبد الله بن الإمام أحمد رضي الله عنهم أجمعين في كتاب السنة، ورواه الطبراني في معجمه الكبير.

إذاً: في سنن الدارمي والمستدرك وكتاب السنة لـعبد الله بن الإمام أحمد ومعجم الطبراني الكبير، انظروا الحديث في المجمع، في الجزء التاسع صفحة خمس وثمانين وثلاثمائة، وقال: رجاله رجال الصحيح، ورواه الطبراني مرسلاً، وتقدم معنا أنه صححه الحاكم ووافقه الذهبي ، قال: قلت: ذا مرسل، لكنه مرسل صحيح، والإرسال تقدم معنا أن التابعي وهو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة لم يدرك ولم يسمع عكرمة رضي الله عنه وأرضاه؛ لأن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة وُلد في خلافة سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه وقبل ذلك بقليل، سنة خمس وثلاثين أو قبل ذلك بقليل، المقصود أنه ولد بعد الثلاثين، وتوفي سنة سبعة عشرة ومائة، وحديثه في الكتب الستة، وأدرك ثلاثين من أصحاب نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

وأما عكرمة فلم أستحضر هل توفي في خلافة سيدنا أبي بكر أو سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه، يقول الإمام ابن حجر في كتاب تهذيب التهذيب قيل: استُشهد في خلافة سيدنا عمر سنة ثلاث عشرة للهجرة، وقيل: سنة خمس عشرة للهجرة، يعني في خلافة سيدنا عمر رضي الله عنهم أجمعين. وعلى كلا الحالتين لم يدركه ابن أبي مليكة، فيوجد انقطاع، لكنه تابعي يروي عن صحابي، الواسطة بينهما إما صحابي وإما تابعي، (كان عكرمة يأخذ كلام الله جل وعلا ويقبله ويضعه على وجهه، ويقول: كتاب ربي كلام ربي).

ولذلك قرر أئمتنا أن هذا مشروع، كما أحلت سابقاً إلى كتاب التبيان في آداب حملة القرآن، غالب ظني صفحة خمسين ومائة، ما ذكرت الآن ولا حددت المصدر، لكن غالب ظني هذا، وذكرته أيضاً في كتاب طبقات السادة الشافعية الكبرى للإمام السبكي، في الجزء العاشر، لكن لا أستحضر في أي صفحة.

إذاً: القرآن مصون محترم مقدس، ولذلك فإنه يجب أن يُكرم، وهو كلام الله العلي الأكرم سبحانه وتعالى.

شرع الله تعالى مصون محفوظ من التغيير والعبث

الفارق الثاني عشر: أن كلام الله جل وعلا كما أنه محترم مقدس، فهو مصون محفوظ من التغيير والعبث، وهو شرع الله لا مدخل لأحد من خلق الله فيه، ما للعباد نحوه إلا البلاغ عن الله جل وعلا سبحانه وتعالى.

وهذا -إخوتي الكرام- له اعتبار كبير في الشرع, فإن الشرع إذا كان مصوناً محفوظاً من التغيير والعبث والتبديل، حقيقة هذا هو الشرع الصالح النافع، وأما إذا كان عرضة للأهواء والآراء فقد يحصل ما يحصل فيه من التلاعب والبلاء والافتراء.

ولذلك يقول عقلاء البشر: أفضل حكم وأعدله في هذه الحياة ما كان الحاكم فيه هو القانون، هو الشرع، هو النظام، هذا أفضل حكم، فإن القانون إذا كان هو الحاكم الذي يحتكم الناس إليه فهذا أفضل الأحكام، ليس لرأي فلان أو فلان، إنما يوجد نظام يتبعه الناس، لكن هذا القانون وهذا الشرع بين حالتين: إما أن يكون من وضع الله وشرع الله وتشريع الله، وإما أن يكون من تشريع الإنسان، وشرع الإنسان ينقسم أيضاً إلى قسمين:

شرع يستقل به فرد، كما يحصل في الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية على تعبيرهم، يستقل بوضع نظام واحد، ويلزم الناس بذلك، كما قال العاتي فرعون: مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ [غافر:29] الناس كلهم تبع لي.

والحالة الثانية في النظام الوضعي: أن القانون هو الذي يحكم، لكن ليس بوضع فرد إنما بوضع مجلس ينوب عن الأمة، كما هو الحال في الأنظمة التي يعتبرونها ديمقراطية، وفيها برلمانات تمثل الشعب، هذه الفئة هي التي تضع هذا النظام.

إخوتي الكرام! سواء وُضع النظام من قبل فرد أو من قبل جماعة، يبقى أن هذا الفرد أو هذه الجماعة هي التي استعلت على الرعية، وما وضع كل واحد من الرعية هذا النظام، استعلت على الرعية بوضع هذا النظام، وحتماً عندما تضع النظام طبقة ممتازة، فإنها تضع النظام على حسب رأي الأكثرية، تضع على حسب ما يوافقها، ويوافق أهواءها، ومصالحها، والواقع كذلك.

ولذلك نرى دائماً هؤلاء يأخذون امتيازات وحقوقاً ليست للمساكين المستضعفين من الفلاحين وغيرهم، وهؤلاء دائماً لهم امتيازات، ولهم -كما يقال- حصة الأسد في الأنظمة التي اخترعوها ووضعوها، لكن مع ذلك كما قلت: النظام إذا كان حاكماً فهذا يعني أعظم وأحسن حكم، فإذا كان النظام من الرحمن فهنا سوف تتحقق العدالة على التمام، لأن النظام هو الذي حكم، ثم لا يوجد تقديم مصلحة فرد على فرد، ولا محاباة لأحد، هذا شرع الله الصمد، والعباد كلهم عباده، فلا تفريق بين العباد، كلهم مُلزمون به، وهم عيال الله وهم خلق الله سبحانه وتعالى.

إذاً: أفضل حكم وأعظم حكم ما كان الحاكم فيه هو النظام، والنظام أما أن يضعه الرحمن أو الإنسان، وإذا وضع الإنسان فإما أن يضعه واحد ويستبد، أو جماعة، وعلى الحالتين إما أن يستبد بالمصالح كلها فرد أو جماعة، والباقي لا يأكلون إلا من الفتات، وأما في شريعة رب الأرض والسموات فلا ثم لا, يتساوى فيها المخلوقات من أولهم لآخرهم أمام شريعة رب الأرض والسموات، فلا تفضيل ولا محاباة.

الشرع هو من عند الله وليس للرسول إلا البلاغ

إخوتي الكرام! هذا أيضاً لا بد من وعيه واعتباره، أن شرع الله مصون من التغيير والعبث، ولذلك ليس للنبي عليه الصلاة والسلام ولا لمن عداه إلا البلاغ، يقول الله جل وعلا لنبيه على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه في سورة المائدة: يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [المائدة:67-68].

إذاً: بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، ثم بعد ذلك يا من تدَّعون الإيمان بالكتب السماوية السابقة، من إنجيل وتوراة، أنتم معشر اليهود والنصارى لستم على شيء حتى تقيموا التوراة، كما أنزلها مشرعها، كما أنزلها رب العالمين حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ، وهو هذا القرآن الذي أنزله الله على نبيه عليه الصلاة والسلام وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [المائدة:68].

تقدم معنا -إخوتي الكرام- عن العبد الصالح سفيان -وهو الثوري أو ابن عيينة رضي الله عنهم أجمعين، أبهم في صحيح البخاري


استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة اسٌتمع
مقدمة في الفقه - المكفرات من المخالفات [1] 4382 استماع
مقدمة في الفقه - تقوية اليقين بأخبار الصالحين [2] 3678 استماع
مقدمة في الفقه - فضل العلم [2] 3660 استماع
مقدمة في الفقه - الجنسية الإسلامية [2] 3541 استماع
مقدمة في الفقه - الجنسية الإسلامية [1] 3309 استماع
مقدمة في الفقه - عبادة سيدنا أبي حنيفة [1] 3293 استماع
مقدمة في الفقه - لم يتبدل موضوع الفقه 3260 استماع
مقدمة في الفقه - عبادة سيدنا أبي حنيفة [2] 3259 استماع
مقدمة في الفقه - فقه الإمام الشافعي [2] 3214 استماع
مقدمة في الفقه - فقه الإمام أبي حنيفة [3] 3166 استماع