خطب ومحاضرات
شرح العقيدة الطحاوية [57]
الحلقة مفرغة
كان من جملة ما مر بنا من أمور العقيدة: مسألة المحبة والبغض، والولاء والبراء، وهو أن أهل السنة يحبون أهل الإيمان وأهل التقوى، ويبغضون أهل الكفر والعناد، يحبون أهل الطاعات، ويبغضون أهل المعاصي، وينتج من آثار هذا: الولاء لمن يحبونه، والبغضاء والمعاداة لمن يبغضونه، ويكون الولاء والبراء هو آثار الطاعات وآثار المعاصي.
ولا شك أن هذه سمة وصفة مدح الله بها أولياءه، ومدح بها صحابة نبيه صلى الله عليه وسلم، وذلك أنهم لما ألف الله بينهم، وجمعهم على الإيمان وعلى تقوى الله تعالى؛ تآلفوا فيما بينهم، وصار بعضهم يحب بعضاً ويألف بعضهم بعضاً، ويوالي بعضهم بعضاً، ويقرب بعضهم بعضاً، بل وصفهم الله تعالى بقوله: يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر:9]، وهل هناك وصف أكبر من هذا الوصف؟!
(يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) يقدمون إخوتهم في ذات الله تعالى على مصالحهم الدنيوية، ويقدمونهم على شهواتهم الدنيوية، فيؤثر أحدهم أخاه بالطعام ويبيت جائعاً! ويؤثره بالشراب ويبيت ضمآن، ويؤثره بالكسوة الجميلة، ويؤثره بالمكان المريح، ويؤثره بالمركب اللين، وذلك من باب المحبة التي رسخت في قلوبهم، فهم لما أحبوا الله تعالى أحبوا أولياءه، وأحبوا من يحبه، ومحب المحبوب محبوب، هكذا وصفهم الله تعالى: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ [الأنفال:63] مع تباعدهم في الأرحام، وتباعدهم في الأنساب، وتباعدهم في البلاد، ولكن جمعهم وصف الإيمان، فتآلفت قلوبهم، ولو كانوا قبل ذلك متعادين ومتقاتلين ومتناحرين، فقبل الإسلام كان بعضهم ينهب بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً، ويقتل بعضهم بعضاً، وذلك لأنه لم يوجد إيمان يؤلف بينهم، ولم يوجد إيمان يجمع بينهم.
فلما مَنَّ الله عليهم بهذا الإيمان تآلفوا وتقاربوا، وتآخوا، وهذا من الله تعالى لا من خلقه، ولهذا امتن الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بجمعهم عليه فقال تعالى: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ [الأنفال:62-63]، فتأليف القلوب هو اجتماعها وتحابها وتوادها، ولو كانوا متباينة أنسابهم، فبعضهم من الحبشة كـبلال ، وبعضهم من الروم كـصهيب ، وبعضهم من الفرس كـسلمان ، وبعضهم من العرب، وبعضهم من العجم، ولكن جمعهم الوصف الوحيد الذي هو الإيمان بالله تعالى، فلنا بهم قدوة، فعلى كل المسلمين في كل زمان وفي كل مكان أن يتآلفوا فيما بينهم، ويتوادوا ويتحابوا.
ومن آثار التواد لأجل الإيمان: البغض لأجل الكفر والنفاق، وذلك لأن الكفر والإيمان ضدان لا يجتمعان، فلا يجتمع أن تحب الله وتحب أعداءه، فإذا أحببت الله أحببت أولياءه أهل طاعته، وإذا أحببت أولياءه فلابد أن تبغض أعداءه، ولابد أن تبغض من يبغضهم الله، وتقاطعهم وتعاديهم، وتبتعد عنهم كل الابتعاد، وذلك لأن ربك الذي أنعم عليك يبغضهم، وأنت تبغضهم لأجل ذلك، ومبغض المبغوض عند المحبوب مبغوض، الذين يبغضهم محبوبك لابد وأن تبغضهم.
وهذا ما جرى للصحابة ومن بعدهم، فإن الله تعالى مدحهم فقال تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22] لا تجدهم يوادون أهل المحادة، لا تجدهم إلا يباعدونهم ويبغضونهم، وتجدهم قد مقتوهم وحقروا شأنهم، وكرهوا مجالستهم، وقطعوا الصلة بهم، ونفروا ونفَّروا منهم، وأذلوهم وحرصوا على إهانتهم بكل ما يستطيعون، وإذا استطاعوا أن يقاتلوهم قاتلوهم ولو كانوا آباءهم أو إخوانهم أو أبناءهم أو عشيرتهم، ضرب الله مثلاً بهؤلاء الذين هم أقرب الأقارب، فإذا كان الله تعالى يبغضهم لأجل كفرهم، ولأجل معصيتهم، ولأجل خروجهم عن الاستقامة، فإن المؤمن يبغضهم، ولو كانوا أقارب، لأجل الخروج عن طاعة الله.
وكذلك مرت بنا مسألة فرعية، وذكرنا أنها أدخلت في الأصول لأجل أن الخلاف فيها مع المخالفين في الأصول، وهي مسألة المسح على الخفين، وذلك لأن الرافضة أنكروا المسح على الخفين، وصاروا يمسحون على القدمين مكشوفتين، فتركوا سنة وارتكبوا بدعة.
ولما كانوا مخالفين في العقيدة، مخالفين في محبة الصحابة رضي الله عنهم بل يبغضونهم! وبينما يغلون في بعض الصحابة ويعبدونهم، فقد ترتب على ذلك المخالفة في المسح على الخفين، فذكرت في العقائد.
والرافضة كانوا مخالفين لنا في هذه السنة التي هي جواز المسح على الخفين، فكانوا لا يرون ذلك ولا يعتقدونه، وأضافوا إلى ذلك بدعة، وهي أنهم يمسحون على القدمين المكشوفتين! فهم لا يقبلون السنة، ولا يعملون بالأحاديث الصحيحة التي في البخاري ومسلم ، بل لا يعترفون بـالبخاري ومسلم، ولا بأكثر الأسانيد التي ذكرت في هذه الكتب.
فلما كان الأمر كذلك لم يقبلوا هذه السنة، مع أنها سنة مأثورة متواترة راوها عن النبي صلى الله عليه وسلم جمع غفير، ورواها عن الصحابة أكثر وأكثر، واشتهرت في عهد التابعين وأتباع التابعين، وعمل بها أهل السنة في كل الأمصار وفي كل البلاد، وعلى اختلاف الطبقات، وانفردت الرافضة بأن أنكرت هذه السنة رغم شهرتها، فلأجل ذلك صار الذين ينكرونها محل سوء ظن، وكما أن ابن المبارك يقول: إن الرجل ليسألني عن حكم المسح على الخفين فأسيء به الظن، يعني: أتهمه بأنه على مذهب الرافضة، وهذا هو المعمول به: أنه لاينكرها إلا هؤلاء الرافضة، فلا التفات إليهم.
أما أحكام المسح على الخفين فمذكورة في كتب الأحكام.
الرد على الرافضة في خرافة الإمام المنتظر
يشير الشيخ رحمه الله إلى الرد على الرافضة، حيث قالوا: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج الرضى من آل محمد صلى الله عليه وسلم، وينادي مناد من السماء: اتبعوه!
وبطلان هذا القول أظهر من أن يستدل عليه بدليل، وهم شرطوا في الإمام أن يكون معصوماً، اشتراطاً بغير دليل، بل في صحيح مسلم عن عوف بن مالك الأشجعي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قال: قلت: يا رسول الله! أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يداً من طاعته)، وقد تقدم بعض نظائر هذا الحديث في الإمامة، ولم يقل: إن الإمام يجب أن يكون معصوماً.
والرافضة أخسر الناس صفقة في هذه المسألة؛ لأنهم جعلوا الإمام المعصوم هو الإمام المعدوم! الذي لم ينفعهم في دين ولا دنيا! فإنهم يدعون أنه الإمام المنتظر، محمد بن الحسن العسكري الذي دخل السرداب في زعمهم سنة ستين ومائتين أو قريباً من ذلك بسامراء، وقد يقيمون هناك دابة، إما بغلة وإما فرساً ليركبها إذا خرج! ويقيمون هناك في أوقات عينوها لمن ينادي عليه بالخروج: يا مولانا اخرج! يا مولانا اخرج! ويشهرون السلاح ولا أحد هناك يقاتلهم! إلى غير ذلك من الأمور التي يضحك عليهم فيها العقلاء!
وقوله: (مع أولي الأمر برهم وفاجرهم)؛ لأن الحج والجهاد فرضان يتعلقان بالسفر، فلابد من سائس يسوس الناس فيهما، ويقاوم العدو، وهذا المعنى كما يحصل بالإمام البر يحصل بالإمام الفاجر].
وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر ما أقاموا الصلاة
وفي هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم)، يعني: تدعون لهم ويدعون لكم، عبر بالصلاة عن الدعاء (وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم)، يعني: تدعون عليهم (ويلعنونكم، قال: قلنا: يا رسول الله! أفلا ننابذهم؟) يعني: نخالفهم وننبذ إليهم الطاعة، (قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة)، أي: ما داموا يقيمون فيكم الصلاة، ويبنون المساجد، ويعينون الأئمة والمؤذنين، ويرفع صوت الأذان في كل وقت، ويجتمع المصلون ويؤدون الصلاة جماعة؛ وذلك لأن الصلاة هي شعار الإسلام، وشعار المؤمنين.
فهذه الأدلة ونحوها تدل على وجوب السمع والطاعة للأئمة، ولو كان فيهم شيء من النقص، أو حصل فيهم شيء من الخلل والمعصية؛ وذلك لأن الاجتماع على الأئمة فيه مصلحة للأمة؛ لأن ترك الاجتماع والتفرق والفوضى والاختلاف سبب للنهب والسلب، والضرب والقتل، فيكون الضعيف نهبة للقوي، وليس هناك من يأخذ له حقه، ولا تكون هناك إقامة حدود، ولا انتصار لمظلوم إلا بهذه الولاية.
فهذا هو السبب في أنه أمر بالسمع والطاعة لولاة الأمور، بل حرص على أن يكون في كل طائفة أمير يرجعون إليه، حتى قال صلى الله عليه وسلم: (إذا خرج ثلاثة في سفر أو برية فليؤمِّروا أحدهم)، أو كما قال، وذلك حتى يرجعوا إليه ويستشيروه، كل ذلك حث للأمة على أن يسمعوا ويطيعوا لولاة أمورهم.
الإمارة في الحج
كانوا في الأزمنة المتقدمة من عهد الخلفاء إلى عهد قريب، أعني: قبل خمسين أو ستين سنة لابد أن يكون للحج أمير، فكل أهل جهة يحج بهم أمير يتأمر عليهم، وإذا وصلوا إلى مكة تأمر على الجميع واحد يرجعون إليه، فأهل العراق يحجون مع أمير خاص بهم، يحميهم عن قطاع الطريق إلى أن يصلوا إلى مكة، وكذلك أهل الشام وأهل مصر وأهل اليمن وأهل خراسان وأهل البحرين، وأهل عمان وأهل المناطق النائية، فكان يجتمع أهل كل جهة مئات وألوف ويسيرون جميعاً، ولا يتفرقون مخافة قطاع الطريق، فإذا وصل هؤلاء وهؤلاء إلى مكة كان الأمير واحداً، هو الذي يؤذن فيهم بوقت الوقوف في عرفة، ويؤذن فيهم بوقت الانصراف من عرفة، ويؤذن فيهم بوقت رمي الجمار، وكذلك بوقت الخروج من مزدلفة، وهكذا، ويسيرون إذا سار، وينزلون إذا نزل، ويقتدون به، ويقيم لهم الأحكام ويعلمهم المناسك.
وفي حديث عن ابن عمر أنه سئل: متى نرمي الجمار؟
فقال: إذا رمى إمامك، يعني: انتظر حتى يرمي ذلك الإمام، فإذا رمى فإن ذلك وقت الرمي، فدل على أنهم لا يبدءون برمي الجمار إلا إذا رمى أئمتهم، هكذا كانوا.
وفي هذه الأزمنة لما أمنت البلاد، وتقاربت الطرق وسفلتت، وقطع دابر قطاع الطريق ونكبوا، ولم يبق هناك من يعترضهم، إلا من لا يؤبه لهم، وصارت الطرق آمنة، أصبح الناس يحجون أفراداً، وجاءت هذه الناقلات الجديدة: الحافلات والسيارات والطائرت والبواخر ونحوها، فسهلت للناس الطرق، فأصبح لا حاجة إلى استصحاب الأمير، ولا أن يجتمعوا كلهم، فهذا هو السبب في التساهل في أمر الولاية، حتى في المناسك أصحبوا يعرفون المناسك، ويعرفون أماكنها، وقد حددت وحدد أوقاتها، وما أشبه ذلك، فلم يكن هناك ضرورة إلى إقامة أمير في الحج.
ضرورة الإمارة في الجهاد وضرورة طاعة الأمير وإن كان مقصراً
لم يكن بد من أن يكون ذلك الأمير ذا تجربة، وقد يكون عند الأمير شيء من الخلل، أو معه نقص أو عيب، أو يقترف شيئاً من المعاصي، أو يترك شيئاً من الطاعات، ولكن لا يكون ذلك العمل الذي يعمله كفراً؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إلا أن تروا كفراً بواحاً، عندكم فيه من الله برهان)، يعني: فلا تسمعوا ولا تطيعوا ولا تقاتلوا معهم والحال هذه، فأمر بأن يقاتل مع هؤلاء ولو كانوا ذوي معصية أو خلل أو نقص، وبكل حال فقد أمرنا بأن نجاهد معهم، ونصبر عليهم.
وفي هذه الأزمنة قد يقال: إنها تغيرت الأحوال، ولكن مع ذلك لابد لكل غزو أو لكل مرابطين من رئيس يرأسهم، يمتثلون إرشاداته وأوامره، ويقفون إذا أوقفهم ويرابطون، ولا ينصرف أحد منهم إلا بعدما يأذن له، فهذه الأمور لابد من اعتبارها.
في هذه الأزمنة قد يقال: خفت تلك الأمور التي كانت قديماً؛ وذلك لأن الأسلحة تغيرت عما كانت عليه، فقد كان القتال قديماً مواجهة بالسيف وبالرمح، وبالنبال والسهام وما أشبهها، وأما الآن فالأسلحة قد يكتفى بإرسالها من بعيد، كالصواريخ والقنابل وما أشبهها، ولكن بكل حال لا نزال بحاجة إلى أمير يطاع في مثل هذه الأمور، هذا هو السر في الأمر بطاعة الولاة، وفي الأمر بالحج معهم والغزو معهم، ولو كان معهم شيء من الخلل، أو شيء من النقص.
حصر الرافضة للإمامة في اثني عشر إماماً
معلوم أن الرافضة اعتمدوا أن أئمتهم الذين يرجعون إليهم من أهل البيت، وهم اثنا عشر، وقد انقطعوا، وأولهم الإمام علي ، وفي نظرهم أنه هو الإمام الذي له الإمامة، وأن خلافة أبي بكر باطلة! لأنه مغتصب للخلافة! وكذلك خلافة عمر وعثمان ، ويدعون أنهم أخذوا ما لا يستحقونه، ويسبونهم ويدعون أنهم ظلمة! وكذلك يخونون الصحابة الذين بايعوهم وأقروهم هذه المدة، مع أن من بينهم علياً وأبناء علي رضي الله عنه، فهذا معتقدهم.
ثم يجعلون بعد علي الحسن ، ثم بعد الحسن الحسين، ثم علي بن الحسين وهو زين العابدين، ثم محمد الباقر ، ثم جعفر الصادق ، ثم علي الرضا إلى آخرهم وهو محمد بن الحسن العسكري.
السرداب ومهدي الرافضة
دخل سرداب سامراء ولابد أن يخرج! يدعون أنه دخل وهو طفل عندما ولد، أو بعد ما ترعرع، وأنه لا يزال في ذلك السرداب، وأنهم ينتظرونه من سنة مائتين وستين أو نحوها، وهم ليس لهم إمام، مع أنهم يقولون: لا تصلح الدنيا إلا بإمام، ولابد أن يكون ذلك الإمام معصوماً، وأن الإمامة لا تخرج عن ذرية علي ، ثم ذرية الحسين ، ثم ذرية زين العابدين، ثم ذرية الصادق والباقر والرضا ونحوهم إلى الحسن ، فلابد أن يكون للحسن ولد يخلفه.
وأهل العلم والمؤرخون يقولون: إن الحسن العسكري لم يخلِّف وإنه مات وليس له ولد، لكن هؤلاء لما كانت العقيدة راسخة عندهم وأن نسله لا ينقطع جاءهم الشيطان وقال: إن له ولداً، ولكنه دخل هذا السرداب، ثم لابد أن يخرج فانتظروه، فصاروا ينتظرونه.
والآن له نحو ألف ومائة وخمسين سنة، وهم لا يزالون ينتظرونه! وكانوا في تلك المدة القديم يُجلسون واحداً ينتظره، ويصيح: اخرج يا مولانا! اخرج يا مولانا! وليس عنده أحد، وقد جعلوا عند طرف السرداب فرساً، وجعلوا عليها سرجاً، وجعلوا مع الحراس الذين يحرسونها سيوفاً حتى يحمونه إذا خرج! ويدعون أنه سوف يخرج ويركب الفرس، ويذهب إلى مكانهم، ويقتل أعداءهم كما يزعمون، وينتصر لهم ممن خالفهم، ولا يزالون منذ ألف ومائة وخمسين سنة وهم على هذه الطريقة إلى اليوم!
قبل خمسة أشهر أو نحوها جاءنا بعض الإخوان ومعه أوراق أخذها من الشيعة الذين أسروا في حرب الخليج، وأودعوا في السجون، فوجدوا معهم أوراقاً كلها غلو ومبالغة في التشيع، وإذا بواحدة من الأوراق فيها ذكر الأئمة الاثني عشر: الإمام علي ، والإمام الحسن ، والإمام الحسين ، إلى أن قال: والإمام محمد بن الحسن العسكري عجل الله بخروجه، فلا يزالون يُؤمِّلون أنه سوف يخرج، ولا يزالون ينتظرونه!
وفي وقت الشارح -في القرن الثامن- يذكر أنهم يجعلون عند السرداب فرساً، والآن لا أدري هل استبدلوا بالفرس سيارة أو لا يزالون ينتظرونه كما كانوا! الله أعلم. ولا شك أن هذا غاية الحمق وغاية الضلال، ولما ذكر ابن القيم رحمه الله في آخر كتاب: المنار المنيف حالتهم، وأن محمد بن الحسن العسكري هو منتظرهم، وأنهم لا يزالون ينتظرونه أنشد قول الشاعر:
ما آن للسرداب أن يلد الذي حملتموه بزعمكم ما آنا
فعلى عقولكم العفاء فإنكم ثلثتم العنقاء والغيلانا
أي: هذا السرداب الذي تحرسونه ما آن له أن يلد ولدكم؟! ما آن أن يخرج هذا الولد الذي جعلتموه حاملاً به؟! ولابد للحامل أن تلد، فمتى يلد هذا السرداب؟! ومتى يخرج هذا الولد الذي جعلتموه حاملاً به؟!
ولا شك أن هذا هو غاية السفه، وغاية الضلالة.
يشترطون أن يكون للدنيا إمام معصوم، ويزعمون أن الدنيا لا تخلو من إمام معصوم، وأن ذلك الإمام هو الذي يدبر أمور الناس، إمامكم يا معشر الرافضة لم ينفعكم منذ ألف ومائة وخمسين سنة.
ولما استولى عليهم -قريباً- الخميني الذي سموه: آية الله الخميني قالوا له: ننتظر أن يخرج المنتظر الذي هو المهدي المنتظر يعني: العسكري ، يقولون: إنه قال: نحن نخلفه حتى يخرج، نحن نعمل وندبر الأمور، فخدعهم بذلك، وادعوا أنه خليفة عن المهدي المنتظر، فصاروا يعظمونه ويطيعونه ويقدسونه تقديساً يخرج عن المعتاد، كما ذكر لنا كثير ممن صحبهم، أنه عندهم كأنه رسول، بل قد يشرع لهم ويأمرهم بأوامر لا يأمر بها إلا الرسل، أو من يتلقى عن الرسل.
وبكل حال فقد خالفوا في هذا الأمر، وهو أنهم لا يطيعون للأئمة، ولأجل هذا فإنهم في كل زمان لا يثبتون خلف أئمة الزمان، بل كثيراً ما يخرجون عن الطاعة، وينبذونها ويقاتلون الأئمة والخلفاء، ويفعلون ذلك كثيراً، إلى أن جاء هذا الوقت الذي تفرقت فيه الولايات، واستقلت كل دولة في جانبها وفي جهتها، فصار كل من تولى بلداً سموه رئيساً وسيداً وزعيماً، وصار يتصرف فيمن تولى عليه من رافضة أو من غيرهم.
استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح العقيدة الطحاوية [87] | 2712 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [60] | 2629 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [1] | 2589 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [79] | 2560 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [93] | 2471 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [77] | 2407 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [53] | 2385 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [99] | 2372 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [71] | 2335 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [31] | 2299 استماع |