خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/129"> الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/129?sub=66145"> شرح العقيدة الطحاوية
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح العقيدة الطحاوية [39]
الحلقة مفرغة
البدع منها ما هو مكفر، ومنها ما لا يصل إلى حد الكفر.
تواتر عن السلف رحمهم الله أنهم كفروا من قال بخلق القرآن، كفروهم من حيث العموم لا من حيث الأفراد، فهم ما يقولون: إن فلان بن فلان كافر؛ لأنه قال بخلق القرآن؛ فإن من أشهرهم خليفة من بني العباس المأمون ، وهو أول من فتن الناس ودعاهم إلى القول بخلق القرآن، وفتن العلماء، ومع ذلك لم يكفره الإمام أحمد ، بل كان يعذره بأنه متأول، وبأنه لبس عليه أولئك المبتدعة لما قربهم وأدناهم، فدخلت أفكارهم في قلبه، فشبه عليه.
لكن المبتدعة الذين تمكنت هذه البدعة منهم لا نعذرهم، ولكن لا نحكم على فلان بأنه كافر لهذه البدعة، لكن من حيث العموم نقول: القول بخلق القرآن كفر.
كذلك بدعة إنكار الصفات والغلو في إنكارها، وهي طريقة المعتزلة، هذه لا شك أنها كفر؛ وذلك لما فيها من التعطيل، حتى إن بعض العلماء جعلها أكبر من قول المشركين الذين يجعلون العبادة مشتركة بين الخالق والمخلوق، ولكن ما دام أنهم يتسمون بالإسلام فلا نطلق على أعيانهم بالكفر، كأن نقول مثلاً: أبو الهذيل العلاف كافر، أو أبو علي الجبائي كافر، لا، وإن كانا من غلاة المعتزلة، واشتهرا باعتناق هذا المذهب، وكتبا فيه، وأضلا خلقاً كثيراً، لكن نقول: أمرهما إلى الله، ولكن مقالتهما مقالة كفرية؛ لما فيها من مضادة للحق.
كذلك نقول في المذاهب المعاصرة الجديدة: هذه لا شك أنها كفر، يعني من حيث معتقداتهم، فمثلاً: الدروز ليسوا بمسلمين حقاً، ولو ادعوا أنهم يدينون بالشهادتين ظاهراً أو نحو ذلك، لكن في الباطن ليسوا بمسلمين، مع وجودهم وكثرتهم في بعض البلاد؛ ولكن لا نقاتلهم، ولا نكفر أعيانهم حتى نقيم عليهم الحجج، نواجههم مواجهة شخصية، ونبين لهم، لكنهم في الحقيقة يخفون عقائدهم ويخفون مؤلفاتهم التي يعتنقونها.
ويقال كذلك في الطائفة الجديدة الذين يسمون: بعثيين: لا شك أنا إذا بحثنا عن معتقداتهم ومبادئهم نجد أنها مبادئ كفر، وأنهم كافرون، وأن معتقدي هذه العقيدة ليسوا حقيقة بمسلمين؛ لأنهم علمانيون أو اشتراكيون أو ماركسيون أو دنيويون لا همة لهم بالآخرة ولا بمصالح الدين، ولا بالإقبال عليها، ولا بنصر الإسلام ولا غيره، كما يعرف ذلك من مؤلفاتهم، فمذهبهم مذهب كفر.
كذلك يقال أيضاً في مذهب النصيريين والإسماعيليين وغلاة الشيعة الرافضة وأشباههم، من الذين يدعون أنهم من جملة المسلمين، ولكن لهم عقائد ودسائس خفية، لا شك أنها تخالف الإسلام وتخالف عقائد الإسلام، فيقاتلون إذا أقيمت عليهم الحجة، وحصلت معهم مواقف يتبين فيها أنهم عارفون بالحق ومعاندون ومخالفون له، وأبطلت شبهاتهم التي يتمسكون بها، فهذا ونحوه دليل على أنه يوجد هناك مكفرات، ولكن الحكم إنما هو للفعل لا للفاعل.
ولأجل ذلك فإن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عندما خرج على أهل هذه البلاد، وجد أهلها يشركون بالغلو في الصالحين، ومع ذلك لم يكفرهم مبدئياً، ولكن بين أن فعلهم كفر، ولم يقاتلهم مبدئياً بل شرع في بيان أعمالهم وفي بيان كفرهم، ولما أصروا وعاندوا وجابهوا، وكتبوا رسائل في الرد عليه، وشبهوا على الناس مع اتضاح الحق كالشمس؛ أفتى عند ذلك بجواز قتالهم، وبأنهم -والحال هذه- كفار، حيث إنهم أباحوا عبادة غير الله، وشابهوا المشركين الأولين أو زادوا عليهم، كما بين ذلك في مؤلفاته رحمه الله، فما شرع في القتال إلا بعدما كتب الرسائل والكتب، وأرسلها إلى الطوائف الأخرى يبين لهم ويدعوهم، ويذكر لهم ما يدعوهم إليه، فهدى الله من هدى بواسطته، وأصر بعضهم على عناده، وشرع يلبس على الناس، فلما قامت عليهم الحجة عند ذلك أمر بالقتال.
ولا شك أنهم كانوا يدعون أنهم مسلمون، ويقرءون القرآن، ويأتون بالشهادتين، ويصلون ويزكون ويصومون ويحجون؛ ولكن يشركون، وذلك بعمارة المشاهد، التي هي القبور، وتسمى الآن في العراق مشاهد، والواحد منهم مشهدي؛ وهم يحجون إلى تلك القبور، وعندهم معابد أعظم من الحرمين كالنجف وكربلاء، فهم يأتون إليها بخشوع وبإقبال ونحو ذلك.
وهنا في نجد كان يوجد قبور كانت منصوبة ومرفوعة ويذبح عندها ويجلس عندها ويتحرى الصلاة عندها، ويطوفون بها، ويدعون أصحابها، ويهتفون بأسمائهم: يا زيد، يا يوسف، يا شمسان، يا فلان! فقال لهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب : أليس هذا هو الدعاء لغير الله؟ أليس الله يقول: فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18] ؟
فلم يجدوا بداً من أن يقتنعوا بكلامه، ولكن بعضهم فتنوا وزاغوا، وأصروا على شركهم، فحكم بكفرهم بعدما قامت عليهم الحجة، بل الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما قاتل قوماً إلا بعد أن دعاهم، ولما أرسل علياً رضي الله عنه لدعوة اليهود، وهم يهود، ومعلوم عنادهم، قال له: (انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) فالرسول عليه الصلاة والسلام قصده أن يدخل الناس في الإسلام، ليس قصده أن يقاتل، وليس قصده أن تكون له سيادة ومنصب وملك وسعة تصرف، أو أموال يقتنيها، ما كان هذا قصده، إنما قصده هداية الناس، وإقبالهم على الدين ودخولهم فيه.
وهذا هو الذي يجب علينا بالنسبة إلى كل المبتدعة في زماننا، أن نحرص على دعوتهم، وبيان الحق لهم، وإظهار الأحكام الشرعية، وبيان مطابقتها للحقيقة، فإذا أصروا بعد ذلك وعاندوا فهنالك يقاتلون، إلا إذا كانوا معاهدين أو لهم ذمة، الذميون والمعاهدون والمستأمنون هؤلاء يؤمنون بقدر مدتهم؛ لقوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ [التوبة:4].
وعلى كل حال هذه مسألة ذات أهمية، وهي: مسألة التكفير والتفسيق ونحوها، وعلينا أن نعرف الفرق بين أن نقول: هذا العمل كفر، وهذا الشخص كافر.
متى نحكم على الإنسان بأنه كافر، وبأنه في النار؟
إذا عرفنا أنه مات على الكفر، وهو ممن قامت عليه الحجة، كالذين قتلوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهم كفار، أو جاءت الأدلة بأنهم من الكفار، وهكذا من بعدهم، إذا عرفنا أن شخصاً ممن عاند الحق، وقاتل ضده، وعرفه المعرفة التامة، ورده الرد الشنيع، وضلل أهله، وعاند في قبوله، واستمر على ذلك، ومات ولم يتب ولم يرجع عن بدعته المكفرة أو عن كفره، فحينئذ ندعو عليه، ونستحل لعنه وشتمه، ونقول: إنه في النار. إذا تمت هذه الشروط. فأما من لم يتم ذلك فيه فنكل أمره إلى الله.
مثال ذلك: أن أبا لهب توعده الله بقوله: سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ [المسد:3] ، وكذلك أبو جهل مات على الكفر وقتل عليه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه فرعون هذه الأمة) ، فمثل هؤلاء نتحقق أنهم في النار، ونحكم عليهم بذلك، وأشباههم ممن تحقق أنه مات على الكفر، وكذلك مسألة الإيمان كما سيتطرق إليها الشارح إن شاء الله.
قال الشارح رحمه الله: [والمعتزلة موافقون للخوارج هنا في حكم الآخرة، فإنهم وافقوهم على أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار، لكن قالت الخوارج: نسميه كافراً. وقالت المعتزلة: نسميه فاسقاً. فالخلاف بينهم لفظي فقط.
وأهل السنة أيضاً متفقون على أنه يستحق الوعيد المرتب على ذلك الذنب، كما وردت به النصوص، لا كما يقوله المرجئة من أنه لا يضر مع الإيمان ذنب، ولا ينفع مع الكفر طاعة!
وإذا اجتمعت نصوص الوعد التي استدلت بها المرجئة، ونصوص الوعيد التي استدلت بها الخوارج والمعتزلة تبين لك فساد القولين، ولا فائدة في كلام هؤلاء سوى أنك تستفيد من كلام كل طائفة فساد مذهب الطائفة الأخرى.
ثم بعد هذا الاتفاق بين أهل السنة اختلفوا اختلافاً لفظياً، لا يترتب عليه فساد، وهو أنه هل يكون الكفر على مراتب، كفراً دون كفر؟
كما اختلفوا هل يكون الإيمان على مراتب، إيماناً دون إيمان؟
وهذا الاختلاف نشأ من اختلافهم في مسمى الإيمان: هل هو قول وعمل يزيد وينقص أم لا؟ بعد اتفاقهم على أن من سماه الله تعالى ورسوله كافراً نسميه كافراً، إذ من الممتنع أن يسمي الله سبحانه الحاكم بغير ما أنزل الله كافراً، ويسمي رسوله من تقدم ذكره كافراً، ولا نطلق عليهما اسم الكفر.
ولكن من قال: إن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، قال: هو كفر عملي لا اعتقادي، والكفر عنده على مراتب، كفر دون كفر، كالإيمان عنده.
ومن قال: إن الإيمان هو التصديق، ولا يدخل العمل في مسمى الإيمان، والكفر هو الجحود، ولا يزيدان ولا ينقصان، قال: هو كفر مجازي غير حقيقي، إذ الكفر الحقيقي هو الذي ينقل عن الملة. وكذلك يقول في تسمية بعض الأعمال بالإيمان، كقوله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة:143] أي: صلاتكم إلى بيت المقدس، إنها سميت إيماناً مجازاً؛ لتوقف صحتها على الإيمان؛ أو لدلالتها على الإيمان، إذ هي دالة على كون مؤديها مؤمناً؛ ولهذا يحكم بإسلام الكافر إذا صلى كصلاتنا، فليس بين فقهاء الملة نزاع في أصحاب الذنوب، إذا كانوا مقرين باطناً وظاهراً بما جاء به الرسول، وما تواتر عنهم أنهم من أهل الوعيد.
ولكن الأقوال المنحرفة قول من يقول بتخليدهم في النار، كالخوارج والمعتزلة، ولكن أردأ ما في ذلك التعصب على من يضادهم، وإلزامه لمن يخالف قوله بما لا يلزمه، والتشنيع عليه!
وإذا كنا مأمورين بالعدل في مجادلة الكافرين، وأن يجادلوا بالتي هي أحسن، فكيف لا يعدل بعضنا على بعض في مثل هذا الخلاف؟!
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8]].
عقيدة أهل البدع في أصحاب المعاصي
وطائفة الخوارج يقولون: أصحاب الكبائر كفار، يقاتلون، وتحل دماؤهم وأموالهم، وإذا ماتوا ماتوا كفاراً، يعاملون معاملة الكفار، لا يغسلون ولا يصلى عليهم، وهم في الآخرة يحكمون عليهم بالخلود في النار، هذا قول الخوارج، ويستدلون بالأحاديث التي تقدمت في الكفر كقوله: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية) ، أو: (اثنتان في الناس هما بهم كفر) وما أشبه ذلك.
وطائفة المرجئة يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الشرك عمل، وهذه طائفة تبيح للإنسان أن يكثر من المعاصي، وأنها لا تضره، ولو زنى، ولو سرق، ولو قتل، ولو شرب الخمر، ولو كذا وكذا، وذلك كله لا ينقص إيمانه، فإيمانه كامل، وحسناته كاملة، وهو من أهل الجنة، ولا تضره هذه الكبائر ولا هذه السيئات، فيبطلون الأحاديث التي فيها الوعيد، ونحو ذلك، وهؤلاء أيضاً مخطئون.
عقيدة أهل السنة في أصحاب المعاصي
ومعروف أن الشرع ما حذر من المعاصي وأكثر الذم لها إلا ولها تأثير في الإيمان، فعلى الإنسان أن يرجع إلى الأحاديث التي وردت في الحث على كثرة الطاعات، والتحذير من المعاصي، حتى ولو كانت صغيرة، ويحذر من الإصرار عليها، ويتذكر آثارها ومضارها، فسيكون ذلك زاجراً للمسلم عن أن يصر على كبيرة، أو عن أن يأتي ذنباً ولو مرة واحدة؛ مخافة أن يسبب له عذاباً عاجلاً أو آجلاً.
سبب الخلاف في حكم أهل المعاصي
وهذه الآيات التي في سورة المائدة: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، وقوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45]، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47] بعض السلف أطلق عليهم هذا الكفر والفسق والظلم؛ وذلك لأنهم عاندوا، وعرفوا أنه حكم مغاير لحكم الله، وشرعوا مع الله، وجعلوا شرعهم أحسن من شرع الله، وتنقصوا حكم الله، وادعوا أنه ليس بمناسب وليس بصالح، فلأجل ذلك حكم عليهم بالكفر والظلم والفسق.
وآخرون قالوا: إذا فعل ذلك لهوى، ورأى أن الحكم الشرعي لا يناسب في بعض الأحيان، وأن الحكم بغيره قد يكون أنسب، فحكم بذلك متأولاً، فإنا لا نخرجه من الإسلام، بل نجعله دون هذا، فقالوا: كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق، وهذا على طريقة من يجعل الكفر يتفاوت، ويجعله كفراً أكبر، وكفراً أصغر، وكفراً أوسط، وكذلك يجعلون الإيمان إيماناً كاملاً، وإيماناً متوسطاً، وإيماناً ناقصاً.
ونحن نقول: نعم؛ الإيمان يتفاوت؛ ولأجل ذلك تنقصه المعاصي، وتزيده الطاعات.
وأما الكفر فنقول: إن الكفر يبطل الأعمال كما ذكرنا أدلته، فلأجل ذلك الكافر ولو أدى أعمالاً في حياته لا تنفعه، إلا أننا إذا رأيناه يعمل الأعمال التي تختص بالإسلام عاملناه معاملة المسلم، فمن رأيناه مثلاً: يصلي، ويحافظ على الصلاة مع الجماعة؛ حكمنا بأنه مسلم؛ لأننا نحكم بالظاهر، ونكل أمر السرائر إلى الله تعالى، ولو كان في الباطن كافر فباطنه أمره إلى الله.
لكن إذا رأيناه مع الصلاة يعبد غير الله مثلاً أو يشرك، أو يحكم بغير الشرع، ويفضل حكم غير الشرع على حكم الشرع عاملناه بما يستحقه.
وبذلك يعرف أن باب تفاوت المؤمنين، وتفاوت الكفار يكون بحسب ما في القلوب من الإيمان أو من ضد الإيمان، وهذه مسألة لها أهميتها، يعرف الإنسان أن أهل الإيمان يتفاوتون، فإيمان قوي يحمل على كثرة الطاعات والعبادات، وإيمان ضعيف لا يزجر عن المحرمات ولا عن الآثام.
ذكرنا أن هناك طوائف في هذا الباب انحرفوا، فطائفة المعتزلة يقولون: إن أصحاب المعاصي خارجون من الإسلام، ولم يدخلوا في الكفر بحيث لا تستباح دماؤهم ولا قتالهم، ولكنهم يخلدون في النار.
وطائفة الخوارج يقولون: أصحاب الكبائر كفار، يقاتلون، وتحل دماؤهم وأموالهم، وإذا ماتوا ماتوا كفاراً، يعاملون معاملة الكفار، لا يغسلون ولا يصلى عليهم، وهم في الآخرة يحكمون عليهم بالخلود في النار، هذا قول الخوارج، ويستدلون بالأحاديث التي تقدمت في الكفر كقوله: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية) ، أو: (اثنتان في الناس هما بهم كفر) وما أشبه ذلك.
وطائفة المرجئة يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الشرك عمل، وهذه طائفة تبيح للإنسان أن يكثر من المعاصي، وأنها لا تضره، ولو زنى، ولو سرق، ولو قتل، ولو شرب الخمر، ولو كذا وكذا، وذلك كله لا ينقص إيمانه، فإيمانه كامل، وحسناته كاملة، وهو من أهل الجنة، ولا تضره هذه الكبائر ولا هذه السيئات، فيبطلون الأحاديث التي فيها الوعيد، ونحو ذلك، وهؤلاء أيضاً مخطئون.
القول الوسط هو قول أهل السنة حيث قالوا: إن أهل المعاصي يخاف عليهم الوعيد، يخاف عليهم النار ما دام أنهم قد سموا في بعض الأحاديث كفاراً، وسموا في أحاديث أخرى فساقاً، فلابد أن هذه المعاصي تضرهم، فإما أن تؤخرهم عن دخول الجنة، ولا شك أن ذلك ضرر، وإما أن يدخلوا بها النار، ولا شك أن ذلك ضرر أعظم؛ لأنهم قد يدخلون النار ويطول مكثهم فيها، وقد يدخلون النار ولا يطول مكثهم، وذلك على قدر أعمالهم، وأشباه ذلك، وهذا دليل على أن المعاصي لها تأثير على العاصي، فلأجل ذلك يخاف عليه إذا أصر عليها.
ومعروف أن الشرع ما حذر من المعاصي وأكثر الذم لها إلا ولها تأثير في الإيمان، فعلى الإنسان أن يرجع إلى الأحاديث التي وردت في الحث على كثرة الطاعات، والتحذير من المعاصي، حتى ولو كانت صغيرة، ويحذر من الإصرار عليها، ويتذكر آثارها ومضارها، فسيكون ذلك زاجراً للمسلم عن أن يصر على كبيرة، أو عن أن يأتي ذنباً ولو مرة واحدة؛ مخافة أن يسبب له عذاباً عاجلاً أو آجلاً.