شرح العقيدة الطحاوية [16]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قوله: (وإن القرآن كلام الله، منه بدا بلا كيفية قولاً، وأنزله الله على رسوله وحياً، وصدقه المؤمنون على ذلك حقاً، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر، وقد ذمه الله وعابه وأوعده بسقر، حيث قال تعالى: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ [المدثر:26] فلما أوعد الله بسقر لمن قال: إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ [المدثر:25] علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر ولا يشبه قول البشر).

هذه قاعدة شريفة، وأصل كبير من أصول الدين ضل فيه طوائف كثيرة من الناس، وهذا الذي حكاه الطحاوي رحمه الله هو الحق الذي دلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة لمن تدبرهما، وشهدت به الفطرة السليمة التي لم تغير بالشبهات والشكوك والآراء الباطلة.

مذاهب الفرق في القرآن الكريم

وقد افترق الناس في مسألة الكلام على تسعة أقوال:

أحدها: أن كلام الله هو ما يفيض على النفوس من معانٍ، إما من العقل الفعال عند بعضهم، أو من غيره، وهذا قول الصابئة والمتفلسفة.

وثانيها: أنه مخلوق خلقه الله منفصلاً عنه. وهذا قول المعتزلة.

وثالثها: أنه معنى واحد قائم بذات الله هو الأمر والنهي والخبر والاستخبار، وإن عبر عنه بالعربية كان قرآناً، وإن عبر عنه بالعبرانية كان توراة، وهذا قول ابن كلاب ومن وافقه كـالأشعري وغيره.

ورابعها: أنه حروف وأصوات أزلية مجتمعة في الأزل، وهذا قول طائفة من أهل الكلام ومن أهل الحديث.

وخامسها: أنه حروف وأصوات، لكن تكلم الله بها بعد أن لم يكن متكلماً، وهذا قول الكرامية وغيرهم.

وسادسها: أن كلامه يرجع إلى ما يحدثه من علمه وإرادته القائم بذاته، وهذا يقوله صاحب المعتبر، ويميل إليه الرازي في المطالب العالية.

وسابعها: أن كلامه يتضمن معنى قائماً بذاته هو ما خلقه في غيره، وهذا قول أبي منصور الماتريدي رحمه الله.

وثامنها: أنه مشترك بين المعنى القديم القائم بالذات وبين ما يخلقه في غيره من الأصوات. وهذا قول أبي المعالي ومن اتبعه.

وتاسعها: أنه تعالى لم يزل متكلماً إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء، وهو يتكلم به بصوت يسمع، وأن نوع الكلام قديم وإن لم يكن الصوت المعين قديماً، وهذا المأثور عن أئمة الحديث والسنة.

وقول الشيخ رحمه الله: (إن القرآن كلام الله)، (إنّ) بكسر الهمزة عطف على قوله: (إنّ الله واحد لا شريك له)، ثم قال: (وإن محمداً عبده المصطفى)، وكسر همزة (إنّ) في هذه المواضع الثلاثة؛ لأنه معمول القول، أعني قوله في أول كلامه: (نقول في توحيد الله)].

الكلام هنا على القرآن، وسبب ذلك أن مسألة القرآن من أقدم المسائل التي أنكرتها المبتدعة، أنكرت المبتدعة صفة الكلام، وكان أول من اشتهر بإنكار أن الله يتكلم هو الجعد شيخ الجهم ، وقد قتله خالد القسري في يوم العيد، وجعله كالأضحية حيث قال: ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بـالجعد بن درهم ؛ إنه زعم أن الله لم يكلم موسى تكليماً، ولم يتخذ إبراهيم خليلاً.

فأنكر الجعد وكذا تلميذه الجهم أن يكون الله متكلماً، وأن يكون القرآن كلام الله، وادعى أن الكلام لا يحصل إلا من المخلوقين، وأن الكلام يحتاج إلى لهوات وإلى نفس وإلى شفتين وأسنان ولثة ونحو ذلك، فادعى أن هذا لا يتصور إلا من المخلوق، وأن الخالق لا يمكن أن يتكلم.

فلما أنكر أن الله تعالى متكلم جيء بالقرآن، وقيل: هذا القرآن ماذا تقول فيه؟ أليس هو كلام الله كما قال تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ [الفتح:15] ، وكما سماه قولاً في قوله: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً [النساء:122] ، وكما ينسب القول إليه بقوله: قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ [المائدة:119] ، وقوله تعالى: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى [آل عمران:55] وغير ذلك من النصوص التي فيها إثبات أن الله قال، وأنه يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأن الله كلم موسى تكليماً، وأن هذا القرآن كلام الله في قوله: حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6] ، وأن كلمات الله قديمة النوع حادثة الآحاد، وأنها لا نهاية لها، كما في قوله تعالى: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي [الكهف:109] وكما في قوله: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً [الأنعام:115].

وغير ذلك من النصوص الكثيرة! فلما جيء بهذه النصوص تحير ماذا يقول، فلم يجد بداً من أن يقول: إن القرآن مخلوق خلقه الله كما خلق سائر المخلوقات، يعني: كما خلق الإنسان، وكما خلق الأجرام، وكما خلق الكواكب، وكما خلق الحيوانات والنباتات، وأنكر أن يكون كلام الله تعالى، وسيأتي مناقشة قوله وذكر ما استدل به، وبيان ضعف تلك الأدلة.

ولما تكلم الجعد ثم الجهم ثم تلميذ لهما أيضاً اسمه ( بشر المريسي )، ثم غيرهم من المبتدعة كانوا في أول الأمر ضعفاء مقهورين لا يلتفت إلى قولهم، ولا أحد ينخدع بهم، ولكن حدث في خلافة المأمون أنه قرب بعضهم، وأنه لما قرب بعضهم زينوا له مذهبهم، وبينوا له أنهم أولى بالصواب، وأن القرآن مخلوق، ودعوه إلى أن يمتحن الناس بذلك، فأطاعهم ووافقهم الخليفة المأمون ، وحصلت بذلك فتن عظيمة وامتحن فيها أئمة الإسلام، ومنهم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وهو الذي صمد أمام الفتنة وصبر وأوذي في ذات الله، ومات المأمون قبل أن يؤتى بالإمام أحمد ، وتولى بعده أخوه المعتصم ، وهو الذي تولى ضرب الإمام أحمد ، فأمر بضربه بين يديه، وأطال حبسه، ولم يزل على ذلك إلى أن توفي المعتصم ، وتولى بعده ابنه الواثق فخفت الفتنة في زمنه، ولكن لم يزل على عقيدة أبويه فيما يظهر، ثم بعده تولى ولد الواثق ويقال له: (المتوكل ) ، وهو الذي نصر السنة، وقرب أهلها، وأبعد المبتدعة.

الصحيح من أقوال الفرق في القرآن الكريم

والحاصل أن مسألة القرآن والقول فيه قديمة، حدثت في أول القرن الثاني، ثم استفحلت في أول القرن الثالث وتمكنت، وكثر الخوض في مسألة القرآن وما هو، وكذلك في مسألة كلام الله وكيف يتكلم، وتشعبت المذاهب -كما ذكر الشارح- إلى تسعة أقوال كلها فيما يتعلق بالقرآن، والصواب منها هو القول التاسع الأخير الذي هو قول أهل السنة، وهو إثبات أن الله تعالى متكلم، ويتكلم إذا شاء، وأن كلامه قديم النوع حادث الآحاد، وأن كلامه يسمعه من يشاء من خلقه، كما أسمعه موسى لما ناداه، قال تعالى: وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى [الشعراء:10] ، والنداء لابد أن يكون مسموعاً، وكما ناجاه في قوله: وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً [مريم:52] ، ولابد أنه سمع مناجاة ربه.

وهكذا كلم نبينا صلى الله عليه وسلم لما أسري به وأوحى منه إليه.

إذاً يعتقد المسلمون بأن كلام الله قديم النوع حادث الآحاد، وأن هذا القرآن هو كلام الله حقاً حروفه ومعانيه، ليس كلامه الحروف دون المعاني، وليس المعاني دون الحروف، بل كلها كلام الله تعالى متى شاء، ويعتقدون بأنه لم يزل متكلماً، وما ذاك إلا أن الكلام صفة كمال، وتركها أو فقدها صفة نقص، ويلزم من فقدها أو نفيها نفي التشريع، فلو كان الله تعالى غير متكلم فمن أين يعرف أنه أمر أو نهى؟ ومن أين يعرف أنه يحب هذا ويبغض هذا؟ ومن يعرف أنه أنزل هذا أو لم ينزله؟ فإذاً لابد أنه متكلم، ويضطر كل عاقل إلى إثبات صفة الكلام لله تعالى؛ لأنه موصوف بصفات الكمال، ومنزه عن النقائص والعيوب.

أقوال شاذة مخالفة وما يلزم منها

فأما قول غلاة الصابئة والفلاسفة ونحوهم: إنه ما يفيض من العقل الفياض، فالعقل الفياض عندهم كأنه عبارة عن الخالق، وما يفيض عنه: بمعنى: ما يقع في النفوس أو تتحرك به العقول. يسمى ذلك فيضاً من العقل الفياض، فعندهم -على هذا- أن كل شيء في الوجود من قول الله ومن كلامه، ولهذا طبق ذلك أهل الاتحاد؛ حيث يقول قائلهم:

وكل كلام في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامه

وهذا من أمحل المحال وأبطل الباطل؛ لأنه يلزم منه أن يكون كلام الكفار كلام الله، وكلام الإلحاد وكلام الكفر والزندقة والنفاق ونحو ذلك عند هؤلاء كلام الله.

وأما قول المعتزلة: إنه مخلوق، وإن الله خلقه كما خلق البشر وكما خلق حركات البشر، فهذا قول باطل ستأتي مناقشته.

وأما قول ابن كلاب وكذلك الأشعرية ونحوهم: إنه معنى واحد قائم بنفسه، إن عبر عنه بالعربية كان قرآناً، وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة.. إلى آخره، فهذا أيضاً قول باطل، وذلك لأنه يلزم منه أن يكون معنى التوراة هو معنى القرآن، ومعنى القرآن هو معنى الإنجيل ليس بينهما فرق، وهذا معلوم بطلانه، فإن في التوراة أحكاماً ومواعظ لم ترد في القرآن بلفظها، وكذلك في التوراة أشياء ليست في الإنجيل، وفي الإنجيل أشياء ليست في التوراة، وهذا دليل على بطلان قول الذين يدعون أنه معنى واحد قائم بذات الله تعالى.

وأما الأقوال الأخرى كالذين يدعون أنه أزلي، فحروفه أصوات أزلية -أي: قديمة- فمقتضى ذلك أن الله لا يتكلم الآن، وأنه تكلم في وقت ثم انقطع من الكلام، تعالى الله عن ذلك وأشباهه من الأقوال.

فالحاصل أنا نعتقد أن هذا القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم وحي من الله، وتلاه المسلمون، وقرءوه وتعبدوا بتلاوته، وصدقوا بأنه قول الله ليس قول البشر.

ونعتقد أن هذا كلام الله حقاً ليس كلام غيره، ويأتينا مناقشة أقوال المخالفين.

وقد افترق الناس في مسألة الكلام على تسعة أقوال:

أحدها: أن كلام الله هو ما يفيض على النفوس من معانٍ، إما من العقل الفعال عند بعضهم، أو من غيره، وهذا قول الصابئة والمتفلسفة.

وثانيها: أنه مخلوق خلقه الله منفصلاً عنه. وهذا قول المعتزلة.

وثالثها: أنه معنى واحد قائم بذات الله هو الأمر والنهي والخبر والاستخبار، وإن عبر عنه بالعربية كان قرآناً، وإن عبر عنه بالعبرانية كان توراة، وهذا قول ابن كلاب ومن وافقه كـالأشعري وغيره.

ورابعها: أنه حروف وأصوات أزلية مجتمعة في الأزل، وهذا قول طائفة من أهل الكلام ومن أهل الحديث.

وخامسها: أنه حروف وأصوات، لكن تكلم الله بها بعد أن لم يكن متكلماً، وهذا قول الكرامية وغيرهم.

وسادسها: أن كلامه يرجع إلى ما يحدثه من علمه وإرادته القائم بذاته، وهذا يقوله صاحب المعتبر، ويميل إليه الرازي في المطالب العالية.

وسابعها: أن كلامه يتضمن معنى قائماً بذاته هو ما خلقه في غيره، وهذا قول أبي منصور الماتريدي رحمه الله.

وثامنها: أنه مشترك بين المعنى القديم القائم بالذات وبين ما يخلقه في غيره من الأصوات. وهذا قول أبي المعالي ومن اتبعه.

وتاسعها: أنه تعالى لم يزل متكلماً إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء، وهو يتكلم به بصوت يسمع، وأن نوع الكلام قديم وإن لم يكن الصوت المعين قديماً، وهذا المأثور عن أئمة الحديث والسنة.

وقول الشيخ رحمه الله: (إن القرآن كلام الله)، (إنّ) بكسر الهمزة عطف على قوله: (إنّ الله واحد لا شريك له)، ثم قال: (وإن محمداً عبده المصطفى)، وكسر همزة (إنّ) في هذه المواضع الثلاثة؛ لأنه معمول القول، أعني قوله في أول كلامه: (نقول في توحيد الله)].

الكلام هنا على القرآن، وسبب ذلك أن مسألة القرآن من أقدم المسائل التي أنكرتها المبتدعة، أنكرت المبتدعة صفة الكلام، وكان أول من اشتهر بإنكار أن الله يتكلم هو الجعد شيخ الجهم ، وقد قتله خالد القسري في يوم العيد، وجعله كالأضحية حيث قال: ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بـالجعد بن درهم ؛ إنه زعم أن الله لم يكلم موسى تكليماً، ولم يتخذ إبراهيم خليلاً.

فأنكر الجعد وكذا تلميذه الجهم أن يكون الله متكلماً، وأن يكون القرآن كلام الله، وادعى أن الكلام لا يحصل إلا من المخلوقين، وأن الكلام يحتاج إلى لهوات وإلى نفس وإلى شفتين وأسنان ولثة ونحو ذلك، فادعى أن هذا لا يتصور إلا من المخلوق، وأن الخالق لا يمكن أن يتكلم.

فلما أنكر أن الله تعالى متكلم جيء بالقرآن، وقيل: هذا القرآن ماذا تقول فيه؟ أليس هو كلام الله كما قال تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ [الفتح:15] ، وكما سماه قولاً في قوله: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً [النساء:122] ، وكما ينسب القول إليه بقوله: قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ [المائدة:119] ، وقوله تعالى: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى [آل عمران:55] وغير ذلك من النصوص التي فيها إثبات أن الله قال، وأنه يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأن الله كلم موسى تكليماً، وأن هذا القرآن كلام الله في قوله: حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6] ، وأن كلمات الله قديمة النوع حادثة الآحاد، وأنها لا نهاية لها، كما في قوله تعالى: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي [الكهف:109] وكما في قوله: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً [الأنعام:115].

وغير ذلك من النصوص الكثيرة! فلما جيء بهذه النصوص تحير ماذا يقول، فلم يجد بداً من أن يقول: إن القرآن مخلوق خلقه الله كما خلق سائر المخلوقات، يعني: كما خلق الإنسان، وكما خلق الأجرام، وكما خلق الكواكب، وكما خلق الحيوانات والنباتات، وأنكر أن يكون كلام الله تعالى، وسيأتي مناقشة قوله وذكر ما استدل به، وبيان ضعف تلك الأدلة.

ولما تكلم الجعد ثم الجهم ثم تلميذ لهما أيضاً اسمه ( بشر المريسي )، ثم غيرهم من المبتدعة كانوا في أول الأمر ضعفاء مقهورين لا يلتفت إلى قولهم، ولا أحد ينخدع بهم، ولكن حدث في خلافة المأمون أنه قرب بعضهم، وأنه لما قرب بعضهم زينوا له مذهبهم، وبينوا له أنهم أولى بالصواب، وأن القرآن مخلوق، ودعوه إلى أن يمتحن الناس بذلك، فأطاعهم ووافقهم الخليفة المأمون ، وحصلت بذلك فتن عظيمة وامتحن فيها أئمة الإسلام، ومنهم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وهو الذي صمد أمام الفتنة وصبر وأوذي في ذات الله، ومات المأمون قبل أن يؤتى بالإمام أحمد ، وتولى بعده أخوه المعتصم ، وهو الذي تولى ضرب الإمام أحمد ، فأمر بضربه بين يديه، وأطال حبسه، ولم يزل على ذلك إلى أن توفي المعتصم ، وتولى بعده ابنه الواثق فخفت الفتنة في زمنه، ولكن لم يزل على عقيدة أبويه فيما يظهر، ثم بعده تولى ولد الواثق ويقال له: (المتوكل ) ، وهو الذي نصر السنة، وقرب أهلها، وأبعد المبتدعة.