شرح أخصر المختصرات [83]


الحلقة مفرغة

ذكر المؤلف بعد الصيد كتاب الأيمان، ومناسبته أن الأيمان يحتاج إليها في الشهادات وفي القضاء، ويحتاج إليها أيضاً في إثبات الحدود كحد الزنا وحد القذف وحد الشرب، فيحلف المتهم مثلاً ويبرأ؛ ولذلك ذكروها هنا .

معنى اليمين

قال المصنف رحمه الله: [باب الأيمان:‏

تحرم بغير الله، أو صفة من صفاته، أو القرآن، فمن حلف وحنث وجبت عليه الكفارة. ‏

ولوجوبها أربعة شروط:‏

قصد عقد اليمين، وكونها على مستقبل، فلا تنعقد على ماضٍ كاذباً عالماً به وهي الغموس، ‏ولا ظاناً صدق نفسه فيبين بخلافه، ولا على فعل مستحيل، وكون حالفٍ مختاراً، وحنثه بفعل ما ‏حلف على تركه، أو ترك ما حلف على فعله غير مكره أو جاهل أو ناس.

ويسن حنثٌ ويكره برٌ إذا كانت على فعل مكروه أو ترك مندوب، وعكسه بعكسه.‏

ويجب إن كانت على فعل محرم، أو ترك واجب، وعكسه بعكسه.‏

فصل: وإن حرم أمته أو حلالاً غير زوجة لم يحرم، وعليه كفارة يمين إن فعله.‏

وتجب فوراً بحنث، ويخير فيها بين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم كسوةً تصح بها ‏صلاة فرض، أو عتق رقبة مؤمنة، فإن عجز كفطرة صام ثلاثة أيام متتابعة.

ومبنى يمين على العرف، ويرجع فيها إلى نية حالف ليس ظالماً -إن احتملها لفظه- كنيته ببناء ‏وسقف السماء.

فصل: النذر مكروه، ولا يصح إلا من مكلف، والمنعقد ستة أنواع:‏

المطلق: كلله علي نذر إن فعلت كذا. ولا نية، فكفارة يمين إن فعله.‏

الثاني: نذر لجاج وغضب، وهو تعليقه بشرط يقصد المنع منه أو الحمل عليه، كإن كلمتك فعلي ‏كذا، فيخير بين فعله وكفارة يمين.‏

الثالث: نذر مباح، كلله علي أن ألبس ثوبي، فيخير أيضاً.

الرابع: نذر مكروه كطلاق ونحوه فالتكفير أولى.

الخامس: نذر معصية، كشرب خمر، فيحرم الوفاء، ويجب التكفير.

السادس: نذر تبرر، كصلاة وصيام واعتكاف بقصد التقرب مطلقاً، أو معلقاً بشرط، كإن شفى الله ‏مريضي فلله علي كذا، فيلزم الوفاء به.‏

ومن نذر الصدقة بكل ماله أجزأه ثلثه، أو صوم شهر ونحوه لزمه التتابع، لا إن نذر أياماً معدودةً.‏

وسن الوفاء بالوعد، وحرم بلا استثناء].

الأيمان جمع يمين، ويقال له: القسم، قال الله تعالى : وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ [الأنعام:109] أي : اجتهاداً في أيمانهم .

ولماذا سميت يميناً؟ لأن المتحالفين يتقابلان بيديهما، كل واحد يمد يمينه ويمسك يد الآخر اليمنى ويقول :

أحلف بالله إنني ما قتلت أباك، أو ليس عندي لك أو ما أشبه ذلك، فلما كانت تقبض باليد اليمنى سموا الحلف نفسه يميناً، هذا سبب التسمية، ومعنى حلف أي: أقسم، وسمي قسماً لأنه يصير قِسماً أو قسيماً له.

حكم الحلف بغير الله

الحلف هو الحلف بالله أو بصفة من صفاته أو بالقرآن، أما الحلف بغير الله فحرام، جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)، فيحرم الحلف بغير الله، وقال : (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)، فلا يجوز الحلف بالأب، فلا يقول: بأبي، ولا يحلف بنفسه، فلا يقول : بحياتي، ولا بحياتك يا فلان، أو بحياتك يا فلانة، ولا يحلف بشرفه فلا يقول: بشرفي، أو بنسبي، أو بأبي، أو بأبوي، أو بتربة أبوي، أو بقبر والدي، فإن هذا شرك، لماذا ؟ لأنه تعظيم للمحلوف به، ولا يجوز تعظيم غير الله، فالتعظيم الذي في الحلف لا يكون إلا لله، (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت).

يجوز الحلف بصفات الله كأن يحلف بيمين الله، أو بوجه الله، أو بعزة الله، أو بعلم الله، أو بكلام الله، ويجوز الحلف بالقرآن لأنه كلام الله، فإذا قال: وكلام الله أو والقرآن الكريم انعقدت يمينه .

يقول: من حلف وحنث وجبت عليه الكفارة، والحنث مخالفة ما حلف عليه، والحنث حرام إلا إذا كفره، قال الله تعالى : وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ [الواقعة:46] ويسمى الحنث فجوراً، فمن حلف وهو كاذب سمي فاجراً، فمن حلف وحنث فقد ارتكب ذنباً وعليه كفارة تمحو ذلك الذنب الذي حلف عليه.

قال المصنف رحمه الله: [باب الأيمان:‏

تحرم بغير الله، أو صفة من صفاته، أو القرآن، فمن حلف وحنث وجبت عليه الكفارة. ‏

ولوجوبها أربعة شروط:‏

قصد عقد اليمين، وكونها على مستقبل، فلا تنعقد على ماضٍ كاذباً عالماً به وهي الغموس، ‏ولا ظاناً صدق نفسه فيبين بخلافه، ولا على فعل مستحيل، وكون حالفٍ مختاراً، وحنثه بفعل ما ‏حلف على تركه، أو ترك ما حلف على فعله غير مكره أو جاهل أو ناس.

ويسن حنثٌ ويكره برٌ إذا كانت على فعل مكروه أو ترك مندوب، وعكسه بعكسه.‏

ويجب إن كانت على فعل محرم، أو ترك واجب، وعكسه بعكسه.‏

فصل: وإن حرم أمته أو حلالاً غير زوجة لم يحرم، وعليه كفارة يمين إن فعله.‏

وتجب فوراً بحنث، ويخير فيها بين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم كسوةً تصح بها ‏صلاة فرض، أو عتق رقبة مؤمنة، فإن عجز كفطرة صام ثلاثة أيام متتابعة.

ومبنى يمين على العرف، ويرجع فيها إلى نية حالف ليس ظالماً -إن احتملها لفظه- كنيته ببناء ‏وسقف السماء.

فصل: النذر مكروه، ولا يصح إلا من مكلف، والمنعقد ستة أنواع:‏

المطلق: كلله علي نذر إن فعلت كذا. ولا نية، فكفارة يمين إن فعله.‏

الثاني: نذر لجاج وغضب، وهو تعليقه بشرط يقصد المنع منه أو الحمل عليه، كإن كلمتك فعلي ‏كذا، فيخير بين فعله وكفارة يمين.‏

الثالث: نذر مباح، كلله علي أن ألبس ثوبي، فيخير أيضاً.

الرابع: نذر مكروه كطلاق ونحوه فالتكفير أولى.

الخامس: نذر معصية، كشرب خمر، فيحرم الوفاء، ويجب التكفير.

السادس: نذر تبرر، كصلاة وصيام واعتكاف بقصد التقرب مطلقاً، أو معلقاً بشرط، كإن شفى الله ‏مريضي فلله علي كذا، فيلزم الوفاء به.‏

ومن نذر الصدقة بكل ماله أجزأه ثلثه، أو صوم شهر ونحوه لزمه التتابع، لا إن نذر أياماً معدودةً.‏

وسن الوفاء بالوعد، وحرم بلا استثناء].

الأيمان جمع يمين، ويقال له: القسم، قال الله تعالى : وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ [الأنعام:109] أي : اجتهاداً في أيمانهم .

ولماذا سميت يميناً؟ لأن المتحالفين يتقابلان بيديهما، كل واحد يمد يمينه ويمسك يد الآخر اليمنى ويقول :

أحلف بالله إنني ما قتلت أباك، أو ليس عندي لك أو ما أشبه ذلك، فلما كانت تقبض باليد اليمنى سموا الحلف نفسه يميناً، هذا سبب التسمية، ومعنى حلف أي: أقسم، وسمي قسماً لأنه يصير قِسماً أو قسيماً له.

الحلف هو الحلف بالله أو بصفة من صفاته أو بالقرآن، أما الحلف بغير الله فحرام، جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)، فيحرم الحلف بغير الله، وقال : (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)، فلا يجوز الحلف بالأب، فلا يقول: بأبي، ولا يحلف بنفسه، فلا يقول : بحياتي، ولا بحياتك يا فلان، أو بحياتك يا فلانة، ولا يحلف بشرفه فلا يقول: بشرفي، أو بنسبي، أو بأبي، أو بأبوي، أو بتربة أبوي، أو بقبر والدي، فإن هذا شرك، لماذا ؟ لأنه تعظيم للمحلوف به، ولا يجوز تعظيم غير الله، فالتعظيم الذي في الحلف لا يكون إلا لله، (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت).

يجوز الحلف بصفات الله كأن يحلف بيمين الله، أو بوجه الله، أو بعزة الله، أو بعلم الله، أو بكلام الله، ويجوز الحلف بالقرآن لأنه كلام الله، فإذا قال: وكلام الله أو والقرآن الكريم انعقدت يمينه .

يقول: من حلف وحنث وجبت عليه الكفارة، والحنث مخالفة ما حلف عليه، والحنث حرام إلا إذا كفره، قال الله تعالى : وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ [الواقعة:46] ويسمى الحنث فجوراً، فمن حلف وهو كاذب سمي فاجراً، فمن حلف وحنث فقد ارتكب ذنباً وعليه كفارة تمحو ذلك الذنب الذي حلف عليه.

ذكر أهل العلم لوجوب الكفارة أربعة شروط :

الشرط الأول: قصد عقد اليمين

الشرط الأول : قصد عقد اليمين، قال الله تعالى : لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ [البقرة:225] وفي آية أخرى : وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ [المائدة:89]، فأما لغو اليمين فإنه يعفى عنه، وذلك مثل ما يجري على الألسن من غير عقد يمين في أدنى الكلام، يقول : لا والله، بلى والله، ولم يعقد على ذلك قلبه ولا قصده، أو حلف يعتقد صدق نفسه، فهذا لغو، لا كفارة فيه، (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم).

أما إذا كان قاصداً عازماً على اليمين فإنه يكفر، فلو قال مثلاً : والله لا أركب مع فلان وهو عازم، فركب معه فعليه كفارة اليمين، والله لا أكلم فلاناً، وجبت عليه الكفارة إذا كلمه، والله لا أدخل هذا البيت، ثم دخله وجبت عليه الكفارة، والله لا آكل من هذا الطعام، وجبت عليه الكفارة إن أكل، وكذلك في الإثبات إذا قال: والله لأضربن فلاناً، والله لأسافرن هذا اليوم وأشباه ذلك، فإذا لم يفعل فعليه الكفارة، هذا الشرط الأول.

الشرط الثاني: أن تكون اليمين على مستقبل

الشرط الثاني: كون اليمين على فعل مستقبل، فإذا قال مثلاً: والله لا أدخل هذا البيت، ولا ألبس هذا الثوب، ولا أشتري هذا الطعام، فإذا فعل فإنه يكفر؛ لأن هذه أمور مستقبلة، أو يقول : والله لأسافرن اليوم، أو أسافر غداً، في هذه الحال عليه كفارة إذا حنث، ولا كفارة حتى يحنث.

حكم اليمين الكاذبة والحلف على مستحيل

لا تنعقد اليمين على أمرٍ ماض، وهو كاذب عالم بكذبه، وهي اليمين الغموس، وقد جاء في الحديث: (من حلف على يمين ليقتطع بها مال امرئ مسلم -يعني: يأخذ بها ما لا يحل له - لقي الله وهو عليه غضبان)، وفي حديث آخر قيل: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله ؟ قال: (وإن كان قضيباً من أراك) أي: عود سواك، فهذه هي اليمين الغموس، ومثلها أيضاً إذا حلف كاذباً وهو يعلم كذب نفسه، فهو يحلف أنه ما قتل فلاناً وهو الذي قتله، أو حلف أنه ما أخذ ماله وهو يعرف أنه أخذه، أو حلف أنه ما دخل بيته أو ما ركب سيارته أو ما أخذها أو ما رآها وهو كاذب في ذلك، فهذه هي اليمين الغموس.

لماذا سميت غموساً؟ لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار، وفي هذا الحديث: (لقي الله وهو عليه غضبان)، أما لو حلف وهو يظن صدق نفسه فتبين بخلافه فلا كفارة، فإذا حلف: إن هذا كتابي، ويظن صدق نفسه لأنه يشبه أو حلف: إن هذا أخي، وهو يظن أنه أخوه وكان شبيهاً به، أو حلف: إن هذا متاعي أو إن هذا كيس فلان، وهو يعتقد أنه متاعه أو كيسه فتبين خلافه، فإنه والحالة هذه يعتقد صدق نفسه فلا كفارة عليه.

كذلك إذا حلف على فعل مستحيل فلا كفارة عليه؛ لأنه يعرف كذب نفسه، فإذا حلف ليشربن ماء هذا الكوز، وليس فيه ماء، ففي هذه الحال لا يحنث؛ لأنه يعلم أنه مستحيل، وذكروا من المستحيل ما تستحيل قدرة الإنسان عليه، فلو حلف مثلاً أن يقلب هذا الإناء ذهباً أو يقلب هذا الماء لبناً، فهذا مستحيل، فلا تكون عليه الكفارة؛ لأنه يعلم أنه لا يقدر .

الشرط الثالث: الإكراه في اليمين

الشرط الثالث: أن يكون الحالف مختاراً، فيخرج المكره على الحلف، كأن يكرهه إنسان ويقول: أنت الذي أخذت هذا المال وسوف أقتلك إن لم تحلف، فيحلف ليتخلص من القتل ظلماً، أو أنت الذي شربت هذا الماء وهو لم يشربه ولكنه يخشى من التعذيب، فيحلف، وهكذا كل ما فيه إكراه لا تنعقد يمينه؛ لقوله تعالى : إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106].

ولذلك ذكروا أن المكره لا إثم عليه، فلو أكره على شرب الخمر فلا يحد، أو أكرهت المرأة على الزنا فلا حد عليها، أو أكره على بيع ماله أو بذله فإنه لا ينعقد البيع لعدم اختياره، وكذلك لو أكره على دخول دار وكان قد حلف على ألا يدخل هذه الدار، فأمسكه قوم وأوثقوه وغلوه ودخلوا به، فإنه لا يحنث، أو حلف ألا يأكل من هذا الطعام ثم أكرهوه وقالوا : إن لم تأكل ضربناك أو قتلناك. فأكل لأجل التخلص، ففي هذه الحالة لا يحنث.

الشرط الرابع: الحنث في اليمين

الشرط الرابع: الحنث، وهو أن يفعل ما حلف على تركه، أو يترك ما حلف على فعله، كأن حلف ألا يأكل من هذا الطعام وأكل أو حلف ألا يلبس هذا الثوب ولبسه، أو حلف ألا يركب هذه السيارة وركبها، أو حلف ألا يكلم فلاناً وكلمه، هذا هو الحنث.

وكذلك لو حلف على الترك ولم يترك، كأن حلف أنه لن يسافر هذا اليوم وسافر، أو حلف ألا يصلي في هذا المسجد شهراً وصلى فيه، ففي هذه الحال يحكم بحنثه، إلا إذا فعل ذلك مكرهاً، فحلف ألا يلبس ذلك الثوب وأكره وهدد حتى لبسه، أو حلف ألا يأكل من الطعام، وأكره وهدد حتى أكل منه، فإنه لا يحنث.

وكذلك إذا كان جاهلاً كأ، حلف ألا يلبس الثوب ولبس ثوباً يعتقد أنه غيره، وتبين أنه هو، ففي هذه الحال لا يحنث؛ لأنه لم يتعمد، وهكذا لو حلف ألا يكلم فلاناً، ثم نسي فكلمه فلا شيء عليه، هذه هي شروط وجوب الكفارة .

الشرط الأول : قصد عقد اليمين، قال الله تعالى : لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ [البقرة:225] وفي آية أخرى : وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ [المائدة:89]، فأما لغو اليمين فإنه يعفى عنه، وذلك مثل ما يجري على الألسن من غير عقد يمين في أدنى الكلام، يقول : لا والله، بلى والله، ولم يعقد على ذلك قلبه ولا قصده، أو حلف يعتقد صدق نفسه، فهذا لغو، لا كفارة فيه، (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم).

أما إذا كان قاصداً عازماً على اليمين فإنه يكفر، فلو قال مثلاً : والله لا أركب مع فلان وهو عازم، فركب معه فعليه كفارة اليمين، والله لا أكلم فلاناً، وجبت عليه الكفارة إذا كلمه، والله لا أدخل هذا البيت، ثم دخله وجبت عليه الكفارة، والله لا آكل من هذا الطعام، وجبت عليه الكفارة إن أكل، وكذلك في الإثبات إذا قال: والله لأضربن فلاناً، والله لأسافرن هذا اليوم وأشباه ذلك، فإذا لم يفعل فعليه الكفارة، هذا الشرط الأول.

الشرط الثاني: كون اليمين على فعل مستقبل، فإذا قال مثلاً: والله لا أدخل هذا البيت، ولا ألبس هذا الثوب، ولا أشتري هذا الطعام، فإذا فعل فإنه يكفر؛ لأن هذه أمور مستقبلة، أو يقول : والله لأسافرن اليوم، أو أسافر غداً، في هذه الحال عليه كفارة إذا حنث، ولا كفارة حتى يحنث.

لا تنعقد اليمين على أمرٍ ماض، وهو كاذب عالم بكذبه، وهي اليمين الغموس، وقد جاء في الحديث: (من حلف على يمين ليقتطع بها مال امرئ مسلم -يعني: يأخذ بها ما لا يحل له - لقي الله وهو عليه غضبان)، وفي حديث آخر قيل: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله ؟ قال: (وإن كان قضيباً من أراك) أي: عود سواك، فهذه هي اليمين الغموس، ومثلها أيضاً إذا حلف كاذباً وهو يعلم كذب نفسه، فهو يحلف أنه ما قتل فلاناً وهو الذي قتله، أو حلف أنه ما أخذ ماله وهو يعرف أنه أخذه، أو حلف أنه ما دخل بيته أو ما ركب سيارته أو ما أخذها أو ما رآها وهو كاذب في ذلك، فهذه هي اليمين الغموس.

لماذا سميت غموساً؟ لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار، وفي هذا الحديث: (لقي الله وهو عليه غضبان)، أما لو حلف وهو يظن صدق نفسه فتبين بخلافه فلا كفارة، فإذا حلف: إن هذا كتابي، ويظن صدق نفسه لأنه يشبه أو حلف: إن هذا أخي، وهو يظن أنه أخوه وكان شبيهاً به، أو حلف: إن هذا متاعي أو إن هذا كيس فلان، وهو يعتقد أنه متاعه أو كيسه فتبين خلافه، فإنه والحالة هذه يعتقد صدق نفسه فلا كفارة عليه.

كذلك إذا حلف على فعل مستحيل فلا كفارة عليه؛ لأنه يعرف كذب نفسه، فإذا حلف ليشربن ماء هذا الكوز، وليس فيه ماء، ففي هذه الحال لا يحنث؛ لأنه يعلم أنه مستحيل، وذكروا من المستحيل ما تستحيل قدرة الإنسان عليه، فلو حلف مثلاً أن يقلب هذا الإناء ذهباً أو يقلب هذا الماء لبناً، فهذا مستحيل، فلا تكون عليه الكفارة؛ لأنه يعلم أنه لا يقدر .

الشرط الثالث: أن يكون الحالف مختاراً، فيخرج المكره على الحلف، كأن يكرهه إنسان ويقول: أنت الذي أخذت هذا المال وسوف أقتلك إن لم تحلف، فيحلف ليتخلص من القتل ظلماً، أو أنت الذي شربت هذا الماء وهو لم يشربه ولكنه يخشى من التعذيب، فيحلف، وهكذا كل ما فيه إكراه لا تنعقد يمينه؛ لقوله تعالى : إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106].

ولذلك ذكروا أن المكره لا إثم عليه، فلو أكره على شرب الخمر فلا يحد، أو أكرهت المرأة على الزنا فلا حد عليها، أو أكره على بيع ماله أو بذله فإنه لا ينعقد البيع لعدم اختياره، وكذلك لو أكره على دخول دار وكان قد حلف على ألا يدخل هذه الدار، فأمسكه قوم وأوثقوه وغلوه ودخلوا به، فإنه لا يحنث، أو حلف ألا يأكل من هذا الطعام ثم أكرهوه وقالوا : إن لم تأكل ضربناك أو قتلناك. فأكل لأجل التخلص، ففي هذه الحالة لا يحنث.

الشرط الرابع: الحنث، وهو أن يفعل ما حلف على تركه، أو يترك ما حلف على فعله، كأن حلف ألا يأكل من هذا الطعام وأكل أو حلف ألا يلبس هذا الثوب ولبسه، أو حلف ألا يركب هذه السيارة وركبها، أو حلف ألا يكلم فلاناً وكلمه، هذا هو الحنث.

وكذلك لو حلف على الترك ولم يترك، كأن حلف أنه لن يسافر هذا اليوم وسافر، أو حلف ألا يصلي في هذا المسجد شهراً وصلى فيه، ففي هذه الحال يحكم بحنثه، إلا إذا فعل ذلك مكرهاً، فحلف ألا يلبس ذلك الثوب وأكره وهدد حتى لبسه، أو حلف ألا يأكل من الطعام، وأكره وهدد حتى أكل منه، فإنه لا يحنث.

وكذلك إذا كان جاهلاً كأ، حلف ألا يلبس الثوب ولبس ثوباً يعتقد أنه غيره، وتبين أنه هو، ففي هذه الحال لا يحنث؛ لأنه لم يتعمد، وهكذا لو حلف ألا يكلم فلاناً، ثم نسي فكلمه فلا شيء عليه، هذه هي شروط وجوب الكفارة .