شرح أخصر المختصرات [78]


الحلقة مفرغة

قال رحمه الله تعالى:

[فصل:‏

ومن أتلف ما في الإنسان منه واحد كأنف ففيه دية نفسه، أو اثنان أو أكثر فكذلك، وفي أحد ‏ذلك نسبته منها، وفي الظفر بعيران، وتجب كاملةً في كل حاسة، وكذا كلام وعقل ومنفعة أكل ‏ومشي ونكاح، ومن وطء زوجة يوطأ مثلها لمثله فخرق ما بين مخرج بول ومني ، أو ما بين السبيلين فهدر، وإلا فجائفة إن استمسك بول، وإلا فالدية. ‏

وفي كل من شعر رأس وحاجبين وأهداب عينين ولحية الدية ، وحاجب نصفها وهدب ربعها ، ‏وشارب حكومة، وما عاد سقط ما فيه.

وفي عين الأعور دية كاملة، وإن قلعها صحيح أقيد بشرطه، وعليه أيضاً نصف الدية. ‏

وإن قلع ما يماثل صحيحته من صحيح عمداً فدية كاملة، وإلا قطع كغيره.

وفي الموضحة خمس من الإبل، والهاشمة عشر، والمنقلة خمسة عشر، والمأمومة ثلث ‏الدية كالجائفة والدامغة، وفي الخارصة والبازلة والباضعة والمتلاحمة والسمحاق حكومة.

فصل:

وعاقلة جانٍ ذكور عصبته نسباً وولاءً ، ولا عقل على فقير وغير مكلف ومخالف دين جانٍ، ولا تحمل عمداً ولا عبداً، ولا صلحاً ولا اعترافاً، ولا ما دون ثلث الدية.

ومن قتل نفساً محرمةً غير عمد، أو شارك فيه فعليه الكفارة، وهي ككفارة ظهار إلا أنه لا إطعام ‏فيها، ويكفر عبد بالصوم.

والقسامة أيمان مكررة في دعوى قتل معصوم.

وإذا أتمت شروطها بدئ بأيمان ذكور عصبته الوارثين، فيحلفون خمسين يميناً كل بقدر إرثه ‏ويجبر كسر ، فإن نكلوا، أو كان الكل نساءً حلفها مدعًى عليه وبرئ].

دية ما في الإنسان منه واحد

إذا قتل الجاني نفساً فالدية -كما تقدم- مائة من الإبل، وتصح أن تكون الدية من البقر أو من الغنم أو من الذهب أو من الفضة، والأطراف فيها دية، وذلك لأن ذهابها خلل على الإنسان، وهذه الأطراف والحواس التي في الإنسان ما كان منها واحداً ففيه الدية كاملة، سواءٌ أكانت منفعته كثيرة أم قليلة، والذي في الإنسان منه واحد ثلاثة: الأنف، فإذا قطعت الأنف من أصله ففيه الدية، واللسان، فإذا قطع من أصله بحيث تعطل الكلام ففيه الدية كاملة، والذكر، فإذا قطع من أصله ففيه الدية كاملة.

أما إذا قطع بعض ذلك ففيه نسبته، فإذا قطع نصف اللسان أو نصف الذكر أو مقدم الأنف فإن فيه نصف الدية أو بقدر ما قطع منه، وذلك لأن هذه فيها منافع، ومنافعها ظاهرة وإن كانت تتفاوت، فالأنف منفعته في الجمال، نصبه الله تعالى في مقدم وجه الإنسان زيادة في الجمال، فإذا قطع فإن فيه القصاص، قال الله تعال: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ [المائدة:45]، فجعل في الأنف قصاصاً.

وأما اللسان فلا شك أن منفعته عظيمة، وأجل منفعته النطق، وأكثر الحروف إنما هي من حركة اللسان، ومن منفعته أيضاً الذوق، فإنك إذا وضعت على لسانك حامضاً أو حالياً أو مراً فبه تعرف الطعم، فالطعوم غالباً إنما تميزها بلسانك، ولو وضعتها في يدك لم تعرف هل هذا الشيء مالح أو حامض أو حالٍ أو مر حتى تضعه في لسانك، فاللسان فيه هذه الفائدة التي هي الذوق، وكذلك أيضاً اللسان يحرك الأكل في الفم، فهو يجمع الأكل ويفرقه، فله فوائد عظيمة ولو أنه شيء خفي لا يبرز وينطبق عليه الفم، ففائدته عظيمة، فلذلك فيه الدية.

والذكر أيضاً فيه فائدة الاستمتاع ونحوه، فهذه ثلاثة أشياء ليس بالبدن منها إلا واحد من كل واحد، لكن قالوا: إن الأنف يحتوي على هذه الثلاثة الأطراف: المنخران والحاجز بينهما، فلو أن إنساناً قطع أحد المنخرين وترك المنخر الآخر وترك الحاجز فعليه ثلث الدية، فإذا قطع المنخرين وترك الحاجز فعليه الثلثان، وإذا قطع الحاجز وترك المنخرين فعليه الثلث، فالأنف يكتمل على هذا الحاجز وعلى طرفي الأنف اللذين هما طرفا المنخرين، ففي كل جزء ثلث الدية، وفي الجميع الدية كاملة إذا قطع الأنف بحاجزه ومنخريه.

دية ما في الإنسان منه اثنان

وأما الذي في الإنسان منه اثنان فالعينان، جعلهما الله تعالى اثنتين لحكمة، فإن إحداهما قد تمرض أو قد تذهب فيبصر بالأخرى، فيكون البصر كاملاً، فإذا فقأ إحدى عينيه ففيها نصف الدية، وإن فقأ العينين ففيهما الدية كاملة، وكذلك الأذنان، وقد تقول: الإذن ليست هي التي يسمع بها، ولكن الذي يسمع به هو الصماخ الداخل في الرأس! ولكن هذه الأذن الظاهرة تتلقى الصوت، ولذلك جعلها الله تعالى متوجهة نحو الصوت، فيقرع الصوت فيها ويدخل في الصماخ فيحصل السماع، مع أنها لو قطعت قد يبقى السماع يدخل في الأصمخة، ولكن لها فائدة في زيادة السمع، ومع ذلك هي زينة ظاهرة، ولهذا النساء يعلقن فيها شيئاً من الحلي وهو ما يسمى بالقرط، فإذا قطعت الأذنان ففيهما الدية كاملة، وفي الواحدة نصف الدية.

ومما في الإنسان اثنان الشفتان، ففي الواحدة نصف الدية وفي الثنتين كامل الدية، هذا قول الجمهور، وقال بعضهم: إن الشفة السفلى أكثر فائدة. فجعل بعضهم فيها ثلثي الدية، وذلك لأنها تلقف الطعام وتلقف الشراب، ومع ذلك فمنفعتهما لا تتم إلا باجتماعهما، وفيهما مخرج بعض الحروف كالباء والميم، وكذلك بانضمامهما عند الكلام ينطق بالواو، ففيهما إعانة على الكلام، ومصلحتها ظاهرة، ففيهما الدية.

وهكذا اليدان فيهما الدية، وفي إحداهما نصف الدية، والرجلان فيهما الدية، وفي إحداهما نصف الدية، والثديان من المرأة فيهما الدية، وفي أحدهما نصف الدية، وفي الرجل ثندؤتان مكان الثديين، فإذا قطعتا ففيهما الدية، كذلك أيضاً في الإنسان الإليتان، ومنفعتهما ظاهرة، يجلس عليهما، ويرتفق بهما، ففيهما الدية، وكذلك في الرجل الأنثيان -الخصيتان- فيهما الدية، وفي إحداهما نصف الدية، وأشباه ذلك.

دية الأعضاء الباطنة

اختلف في الأعظاء الباطنة هل فيها الدية؟

فالأولون ما تصوروا ذلك، ولكن في هذه الأزمنة قد يتصور، ذكر لنا بعض الإخوان أن قوماً خطفوا طفلة عمرها سبع سنين، وذهبوا بها إلى إحدى المستشفيات وقالوا: هذه ابنتنا. وأحدهم قد مرضت كليتاه، فيه فشل كلوي، فشقوا بطن هذه الطفلة وأخرجوا منها كلية وجعلوها في ذلك المريض، وفقدها أهلها ولم يدروا أين هي، وبعد خمسة أيام أو ستة أيام جيء بها وألقيت عند باب أهلها، ولا تدري ماذا فعل بها، فذهبوا إلى أحد المستشفيات وكشفوا عليها فقالوا: إنها قد أخذت منها كليتها!

فنقول: الكليتان فيهما الدية، وفي إحداهما نصف الدية، والرئتان فيهما الدية، وفي إحداهما نصف الدية إذا أخذت، وكذلك لو أخذ الطحال أو القلب أو الكبد وإن كان قد لا يعيش، ولكن قد يجعلون فيه شيئاً من عضو حيوان يعيش به مدة، فعلى هذا نقول: إن هذه أيضاً معتبر فيها القصاص، ومعتبرة فيها الدية، فمن اعتدى على أحد وقهره حتى أخذ منه كلية أو نحو ذلك فإن فيها القصاص أو فيها نصف الدية إذا أخذ إحدى الكليتين، ولو أن العلماء الأولين لم يذكروا ذلك؛ لأنهم ما تصوروا هذه العمليات الجديدة.

يقول: [أو اثنان] يعني: أو كان في البدن منه اثنان ففيهما الدية، [أو أكثر] إذا كان في الإنسان أكثر من اثنين كالثلاثة -وهي المنخران والحاجز بينهما- فالثلاثة فيها الدية، والأربعة في الإنسان مثل الأجفان فهي أربعة، ففي كل عين جفنان، ففي أحدها ربع الدية، إذا قطع أحد الأجفان الأربعة ففيه ربع الدية، وإن قطع الأربعة كلها فعليه الدية كاملة؛ لأن في الإنسان هذه الأربعة.

دية الأصابع

هناك ما في الإنسان منه عشرة كأصابع اليدين، فإذا قطع الأصابع العشرة فعليه الدية، وإذا قطع أصابع يد الخمسة فعليه نصف الدية، وإذا قطع واحداً فعليه عشر الدية، أي: عشر من الإبل، والأصابع متساوية، هكذا كان الصحابة يحكمون، وورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (في الإصبع عشر من الإبل)، وكان بعضهم يفوتون بينها بقدر منفعتها، وذلك أن الإبهام منفعته أكثر من منفعة الخنصر؛ لأنه قد يقوم مقام الأربعة الأصابع كلها، فإذا قطع صعب عليه أن يمسك شيئاً بإصبعيه، أما إذا كان موجوداً فإنه يحمل شيئاً بإصبعيه ويمسك الأشياء الدقيقة مثل الإبرة أو المسمار الدقيق بهذين الإصبعين، ولا يقدر أن يمسكه بالسبابة والتي تليها، فعرف أن الإبهام منفعته كبيرة وليست كمنفعة بقية الأصابع، ومع ذلك جاء الشرع بالتسوية، وأن كل إصبع فيه عشر الدية.

وهكذا أصابع الرجلين منفعتهما التمكن من المشي، يعتمد عليهما ويرتفع عليهما إذا أراد أن يرتفع، ففيهما أيضاً منفعة، فإذا قطعت أصابع الرجلين ففيها الدية، وإذا قطع واحد منها -ولو الخنصر- ففيه عشر الدية، وذلك لأنه يصدق عليه أنه إصبع، أما إذا قطع بعض الإصبع ففيه نسبته، ومعلوم أن الأصابع الأربعة كل واحد فيه ثلاث أنامل، ففي كل أنملة ثلث عشر الدية، وفي أنملتين ثلثا عشر الدية، والإبهام ليس فيه إلا أنملتان، ففي الأنملة خمس من الإبل، وفي الأنملتين عشر، سواء إبهام اليد أو إبهام الرجل، ليس فيه إلا أنملتان، ففي كل واحدة نصف عشر الدية، فهذه الأعضاء التي تتعدد في الإنسان.

دية الأسنان

هناك الأسنان، ومجموع الأسنان إذا كملت اثنان وثلاثون سناً، ستة عشر من فوق، وستة عشر من تحت، وهناك نوع من الناس يقال له: الكوسج. تنقص أسنانه، ولا يكون فيه إلا ثمانية وعشرون سناً.

وهذه الأسنان منفعتها ظاهرة، وهي تقطيع الأكل ومضغه حتى يصلح ليبتلع، فمنفعتها ظاهرة، فإذا قلعت الأسنان كلها ففيها الدية، وإن قلع الفك الأعلى فنصف الدية، وكذا الفك الأسفل، أما الواحد منها فورد أن في كل سن خمساً من الإبل، وهي اثنان وثلاثون، فإذا كان في كل واحد خمس فإنه إذا قطع سن أخذ خمساً، فإن قلع ثانياً فيه خمس، فيكون المجموع مائة وستون من الإبل، فهذه دية اثنين وثلاثين، ولكن الغالب أنها لا تقلع إلا مفرقة، والله تعالى ذكر فيها القصاص في قوله تعالى: وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ [المائدة:45]، وجاء في الحديث أن امرأة من الأنصار يقال لها: الربيع أخت أنس بن النضر كسرت سن جارية من الأنصار، فأراد أهل تلك الجارية القصاص، فرفعوا الأمر إلى النبي صلى الله لعيه وسلم فحكم بالقصاص، فلم يرض أخوها وقال: أتكسر ثنية الربيع؟! فقال صلى الله لعيه وسلم: (يا أنس! كتاب الله القصاص)، فقال: والله لا تكسر ثنية الربيع. فرضي القوم بالأرش، أي: بالدية. وقوله: (كتاب الله القصاص) دليل على أن السن تكسر بالسن، أو تقلع بها إذا قلعت.

فعرفنا ما في الإنسان منه اثنان، أو أكثر من اثنين إلى عشرة إلى اثنين وثلاثين وهي الأسنان، وفي أحد ذلك نسبته من الدية، فإذا كانت عشرة ففي الواحد عشر الدية، وإذا كانت ثلاثة كالمنخرين والحاجز ففي كل واحد ثلث الدية، وإذا كانت أربعة -وهي الأجفان- ففي كل واحد ربع الدية.

دية الأظفار

قال: [وفي الظفر بعيران] يعني: إذا لم ينبت. إذا قلع الظفر وبقيت الأنملة -سواء ظفر الإبهام أو ظفر خنصر أو غيرهما- لم يعد ينبت ظفرها فديته بعيران، ولا شك أن منفعة هذه الأظافر ظاهرة، يحك بها جلده، ويقبض بها الشيء الدقيق كشوكة في جسده أو نحو ذلك، ففيها منفعة.

والسنة تقليمها؛ لأنها إذا طالت تشوه الخلقة، ولكن لابد أن يبقى من رؤوسها ما ينتفع به، فلأجل ذلك فيها منفعة، فإذا قلع الظفر وعرف أنه لا يعود ولا ينبت مرة أخرى ففيه بعيران.

فالإصبع فيها عشرة، والظفر فيه بعيران، وأنملة الإبهام فيها خمس من الإبل، والأنملة من السبابة فيها ثلاثة أبعرة وثلث، ثلث العشر، وظفرها فيه بعيران.

تعدد الدية

يقول: [تجب كاملة في كل حاسة]. أي: كما أنها تجب في الأطراف فإنها أيضاً تجب في المنافع، وذلك لأن منفعتها عظيمة، فإذا أذهب حاسة من الحواس فعليه الدية كاملة، وقد يذهب منه حاستين أو أكثر فتتعدد الدية، ذكر أن رجلاً في عهد عمر رضي الله عنه ضرب رجلاً ضرباً شديداً حتى ذهب سمعه وبصره وعقله ونكاحه، فبقيت العينان لا يبصر بهما، ولا يسمع ولو كانت الأذنان موجودتين، ولو كانت العينان مفتوحتين، وذهب عقله، وذهب نكاحه فلم يعد يستطيع أن ينكح، فقضى له عمر بأربع ديات، ولما حدث بذلك الحسن البصري قال بعض الحاضرين: ما أسعده وما أكثر ما أخذ! فقال الحسن رحمه الله: لا والله! بل ما أشقاه وما أتعسه! ماذا يستفيد من حياته لا سمع ولا بصر ولا عقل ولا نكاح؟ ماذا يستفيد من هذه الحياة؟ حياته بؤس عليه، ولو مات لكان أريح له، فعرف بذلك أن هذه المنافع منافع كاملة، ففي كل واحدة الدية كاملة ولو كانت الآلة باقية، فقد يذهب ماء العينين وتبقى العين مفتوحة ولا يبصر، فإذا ضربه إنسان ضرباً شديداً في رأسه فذهب ماء عينيه. فأصبح لا يبصر فعليه الدية، وهكذا لو ضربه برأسه ضرباً أذهب سمعه بأن أصم أذنيه أو تشققت الطبلات في داخل الأذن والأصمخة فإنه يكون عليه الدية، وهكذا حاسة الشم الذي هو إدراك الروائح، هذه أيضاً منفعتها عظيمة، فإذا ضربه ففقد حاسة الشم فعليه الدية، وذلك لأن فيها منفعة، يعرف الرائحة الطيبة والرائحة المنتنة فيتجنب ما يضره، فإذا فقدها تضرر.

وهكذا منفعة الكلام، فلو أنه ضربه فتعطل الكلام، فاللسان باقٍ والشفتان باقيتان، ولكن لا يستطيع أن يتكلم، ولا يستطيع أن ينطق ولو بحرف، فهذه أيضاً منفعة كبيرة، فمنفعة الكلام فيها أيضاً الدية.

وكذلك منفعة النكاح إذا فقدها فيها الدية، وما ذاك إلا لأنه أذهب عنه منفعة مقصودة في هذه الحياة.

ذكروا أنه لو أتلف منفعة الطعم -الذوق- ففيها الدية، وهي منفعة كبيرة، فلو تعطل فمه فلا يميز بين الحلو والحامض والمر، والأطعمة كلها لا يميزها، ولا يعرف أي طعم هذا فهذه أيضاً منفعة عظيمة زالت ففيها الدية، والحواس ذكروا أنها خمس: حاسة السمع، وحاسة البصر، وحاسة الشم، وحاسة الذوق، وحاسة اللمس، وهي التي يقولون: إنها تدرك بها الحقائق، فالإنسان يدرك الموجودات بهذه الحواس الخمس، فإذا ذهبت واحدة منها ففيها دية، فحاسة اللمس فيها الدية إذا صارت يداه لا يحس فيهما بشيء، إذا وضع يده على شيء لا يدري هل هو بارد أو حار، ولا يدري هل مس تراباً أو حجراً أو زجاجاً أو لحماً أو نحو ذلك، فهذه أيضاً حاسة مقصودة.

وألحقوا بذلك ما لو تغير مظهر الإنسان، إذا كان الإنسان -مثلاً- وجهه أبيض أو أحمر فانقلب أسود من آثار هذا الضرب، فهذا الجاني أفقده لونه، فيكون عليه دية لأنه غيّر لون بشرته.

يقول: [وكذا كلام] يعني: إذا لم يقدر على الكلام، [وعقل] إذا فقد العقل، [ومنفعة أكل] يعني: تعطل الأكل، بحيث إنه -مثلاً- صار لا يأكل إلا بمغذٍ، أو يدخل الأكل من بطنه فتعطل الأكل، [ومنفعة مشي] إذا ضربه فأقعد، أو صار معاقاً لا يمشي على رجليه. ولو كانت الرجلان موجودتين، [ونكاح] بحيث لا يستطيع أن يجامع، بطلت منفعة النكاح، فهذه كل واحدة منها فيها دية.

إفساد فرج المرأة بوطء مباح

يقول: [ومن وطئ زوجة يوطأ مثلها لمثله فخرق ما بين مخرج بول ومني، أو ما بين السبيلين فهدر، وإلا فجائفة].

إذا تزوج بنتا ومثلها يوطأ، أي: قد بلغت مبلغ النساء وقاربت، ولكن لعبالة ذكره فتق ما بين مخرج البول والمني أو مخرج البول والحيض فهذا هدر؛ لأنه مباح له، ولأنه ما تزوجها إلا ليطأها، والبول يخرج من المرأة من ثقب في أعلى الفرج شبية بالإحليل الذي يخرج منه البول للرجل، وأما الحيض فإنه يخرج من فتحة الفرج التي هي مسلك الذكر، فإذا فتق ما بين مخرج الحيض والبول فهذا هدر، وكذلك لو فتق ما بين السبيلين -أي: ما بين الفرج والدبر- فهو هدر أيضاً إذا كانت يوطأ مثلها لمثله.

وأما إذا كان لا يوطأ مثلها لصغرها أو لكبره هو ولعبالة ذكره، وتزوجها وزفها أهلها إليه فوطئها، لكن لا يوطأ مثلها لصغرها أو لأنها لا تتحمل، فإذا حصل هذا الضرر ففيها جائفة، والجائفة هي الطعنة التي تصل إلى الجوف أياً كانت، إذا طعنه -مثلاً- في بطنه طعنة وصلت إلى أمعائه فهذه جائفة، وديتها ثلث الدية، أي: ثلاث وثلاثون وثلث من الإبل، أو نحوها، فتعتبر هذه الجائفة، وإذا فتقها وصار البول لا يستمسك فإن فيها الدية، وكذلك لو أن إنساناً ضرب رجلاً في أسفل بطنه -أي: فوق المثانة- فانفجرت المثانة وصار البول لا يستمسك، فهذا الذي اعتدى عليه دية كاملة؛ لأنه أفسد منفعة عظيمة.

وكذلك لو ضربه في أسفل ظهره فلم يستمسك الغائط، وبقي لا يقدر على أن يمسك الغائط فعليه أيضاً دية كاملة، وذلك لعظم هذه المنفعة التي فوتها، وهذا إذا عرف أنه لا يمكن علاجه، وأنه يبقى هكذا بقية حياته.

دية الشعر

يقول بعد ذلك: [وفي كل من شعر رأس وحاجبين وأهداب عينين ولحية الدية كاملة].

هذه الشعور أنبتها الله تعالى زينة، فإذا أذهبها فعليه الدية كاملة، وأسهلها شعر الحاجبين، فلو أن إنساناً سلخ الحاجب بالموسى فقطع الحاجب ومنابته، وبقي مكانه ليس فيه شعر فقد أذهب هذه المنفعة، والحاجب أولاً جمال، وثانياً فيه حماية للعين وما يتساقط من الغبار أو من الشعر حتى لا تتأذى العينان، فإذا أزال هذا الشعر ولم يعد فعليه الدية كاملة، وكذلك أهداب العينين، فلو أنه سلخ رأس الحاجب ولم يعد ينبت الهدب فعليه الدية كاملة، في كل جفن إذا سلخ هدبه ربع الدية، وفي عين واحدة إذا سلخ منها الجفنين ولم يعد ينبت نصف الدية، وفي العين الأخرى أيضاً نصف الدية، وهذه الأهداب منفعتها عظيمة، ولهذا توجد حتى في بهيمة الأنعام، فجعل الله تعالى في مشافر العينين منها هذه الأهداب حماية للعين مما يسقط فيها؛ لأن العين جوهر لطيف تحتاج إلى حماية وإلى حرص، وجعل الله الحاجبين لحفظ العينين من الأتربة والغبار ونحو ذلك، ولو أزيل هذا الشعر لنقصت، ولصارت عرضة لما يقع فيها من شعر وغبار وتراب وما أشبه ذلك.

وكذلك شعر اللحية، فاللحية زينة للرجل، خص الله تعالى بها الرجل وميزه بها عن المرأة، فهذه اللحية زينة وجمال، فلو أن إنساناً سلخ جلدتها أو كواها حتى صارت لا تنبت فعليه الدية كاملة، إذا أذهب جمالها وأذهب زينتها فعليه الدية، حتى ولو كانت خفيفة لم ينبت منها إلا شعرات في أسفل الذقن فسلخت وأزيل مكانها ولم تعد تنبت فعليه الدية، وإذا أذهب بعضها فعليه الدية بالنسبة، واللحية اسم للشعر النابت على اللحيين وعلى الذقن، واللحيان هما منبت الأسنان السفلى، فلو أنه سلخ الخد الأيمن أو كواه وتعطل نباته فلا شك أنه يكون قد شوه المنظر، فعليه ثلث الدية، وإذا سلخ الخدين فعليه ثلثا دية، وإذا سلخ اللحية كلها أو كواها فعليه الدية كاملة.

وبذلك يعرف فضل الإسلام، حيث إن الإسلام حافظ على منافع الإنسان وعلى أعضائه، وجعل في كل منها دية حتى لا يتعدى أحد على أحد، مع أننا في هذه الأزمنة ابتلينا بمن يعادي اللحية ويستهين بأمرها ويواظب دائماً على إزالتها، فلو علم أنها شرف، وأنها زينة وجمال، وأن الشرع جعل فيها الدية كاملة لعرف قدرها.

وكذلك شعر الرأس هو أيضاً جمال، أنبته الله تعالى زينة، فهو يقي من حر الشمس أو نحوه، فإذا سلخ الرأس أو كواه ولم يعد ينبت فإن فيه الدية، فهذه أربعة شعور: شعر الرأس، وشعر الحاجبين، وشعر الأهداب، وشعر اللحية، كل واحد منها فيه الدية كاملة.

قال: [وفي بعضها النسبة]، ففي حاجب واحد نصف الدية، وفي هدب جفن واحد ربع الدية، وكذلك إذا سلخ أو كوى نصف الرأس ففيه نصف الدية، فإن كوى ثلثه فثلث الدية، وهكذا.

أما الشارب فلم يجعلوا فيه دية، وإنما جعلوا فيه حكومة، وذلك لأنه مأمور بقصه ومأمور بحفه، والحكومة أن يقدر كأنه فيه الشارب كم قيمته لو كان مملوكاً وكم قيمته إذا سلخ شاربه ولم يعد ينبت، فينظر الفرق، فتكون فيه تلك النسبة.

قال: [وما عاد سقط ما فيه].

لو أنه -مثلاً- كوى الحاجبين ودفعت الدية، وبعد ذلك عولج الحاجب فنبت سقط ما فيه، وإنما يكون عليه عقوبة تلك الجناية التي هي كيه أو سلخه أو ما أشبه ذلك.

دية عين الأعور

قال: [وفي عين الأعور دية كاملة].

الأعور الذي ليس له إلا عين واحدة، فهذه العين يكتب بها ويمشي بها ويقرأ بها ويرى بها البعيد، قد انحصر بصره في هذه العين، فجاءه إنسان ففقأ هذه العين فأذهب بصره، فيقول: أنت أذهبت بصري، أنا بعد إصابة هذه العين صرت أعمى، وقبلها كنت بصيراً كما أنك تبصر! فإذا قال ذلك المعتدي: أنا ما فقأت إلا عيناً واحدة نقول: إنك أذهبت البصر، فعليك دية كاملة.

ولو أن إنساناً له عينان فقأ عين الأعور، ولما فقأها قال ذلك الأعور: أنا أريد القصاص وأريد الدية. ففي هذه الحال تقلع عين الصحيح المماثلة لها، وعليه مع ذلك نصف الدية؛ لأنه أذهب بصره، فإذا كانت عين الأعور هي العين اليمنى وفقأها إنسان له عينان فقال الأعور: أريد القصاص تفقأ عين الصحيح اليمنى، ومع ذلك يدفع نصف الدية؛ لأن العين التي فقأها فيها الدية كاملة؛ لأنها قائمة مقام عينين.

حكم الأعور إن فقع عين آخر

يقول: [وإن قلع ما يماثل صحيحته من صحيح عمداً فدية كاملة، وإلا قطع كغيره].

صورة ذلك: الأعور اعتدى على إنسان بصير، فالأعور عينه اليمنى صحيحة، فاعتدى على إنسان وفقأ عينه اليمنى عمداً، ففي هذه الحال الصحيح يقول: أريد أن أفقأ عينه اليمنى لأنه فقأ عيني اليمنى. فيقال: إذا فقأت عينه اليمنى صار أعمى، فما له إلا هذه العين، ولكن هو يفدي نفسه بدية كاملة، وذلك لأنك إذا فقأت عينه أذهبت بصره، فيكون لذلك الصحيح دية كاملة، مع أنه ما فقأ منه إلا عيناً؛ لأنه يريد القصاص ويقول: أريد أن أفقأ عينه كما فقأ عيني. فنقول له: إنه ليس له إلا عين واحدة، وأنت قد بقي لك عين، فإن فقأت عينه فإنك تدفع له نصف الدية، وإلا فهو يدفع لك الدية كاملة فداءً لعينه.

أما بقية الحواس فإن فيها نصف الدية أو فيها القصاص، فإذا كان إنسان ليس له إلا أذن واحدة، ثم إنه قطع أذن إنسان صحيح نقول: ليس فيها إلا نصف الدية، أو فيها القصاص. وكذلك إنسان ليس له إلا أذن جاءه رجل وقطعها، وأصبح ليس له أذنان، فماذا يجب عليه؟ إما القصاص بأذن واحدة وإما نصف الدية، وكذلك إنسان مقطوعة إحدى يديه، ثم إنه جاءه إنسان فقطع اليد الأخرى، فليس عليه إلا نصف الدية، أو القصاص بأن يقطع اليد التي تماثل يده، فالمعتدي يقول: أنا قطعت يده اليسرى اقطعوا يدي اليسرى، فإذا قال ذلك الأشل: بل أقطع يديك لأنك حسرتني، فأنا الآن ليس لي يدان. يقول: لست أنا الذي قطعت الأولى، قطعها غيري، ويمكن أنك اقتصصت، ويمكن أنك أخذت دية، ويمكن أنك سارق قطعت يدك، فأنا ما قطعت منك إلا يداً واحدة، فاقطعوا يدي التي تماثلها.

إذا قتل الجاني نفساً فالدية -كما تقدم- مائة من الإبل، وتصح أن تكون الدية من البقر أو من الغنم أو من الذهب أو من الفضة، والأطراف فيها دية، وذلك لأن ذهابها خلل على الإنسان، وهذه الأطراف والحواس التي في الإنسان ما كان منها واحداً ففيه الدية كاملة، سواءٌ أكانت منفعته كثيرة أم قليلة، والذي في الإنسان منه واحد ثلاثة: الأنف، فإذا قطعت الأنف من أصله ففيه الدية، واللسان، فإذا قطع من أصله بحيث تعطل الكلام ففيه الدية كاملة، والذكر، فإذا قطع من أصله ففيه الدية كاملة.

أما إذا قطع بعض ذلك ففيه نسبته، فإذا قطع نصف اللسان أو نصف الذكر أو مقدم الأنف فإن فيه نصف الدية أو بقدر ما قطع منه، وذلك لأن هذه فيها منافع، ومنافعها ظاهرة وإن كانت تتفاوت، فالأنف منفعته في الجمال، نصبه الله تعالى في مقدم وجه الإنسان زيادة في الجمال، فإذا قطع فإن فيه القصاص، قال الله تعال: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ [المائدة:45]، فجعل في الأنف قصاصاً.

وأما اللسان فلا شك أن منفعته عظيمة، وأجل منفعته النطق، وأكثر الحروف إنما هي من حركة اللسان، ومن منفعته أيضاً الذوق، فإنك إذا وضعت على لسانك حامضاً أو حالياً أو مراً فبه تعرف الطعم، فالطعوم غالباً إنما تميزها بلسانك، ولو وضعتها في يدك لم تعرف هل هذا الشيء مالح أو حامض أو حالٍ أو مر حتى تضعه في لسانك، فاللسان فيه هذه الفائدة التي هي الذوق، وكذلك أيضاً اللسان يحرك الأكل في الفم، فهو يجمع الأكل ويفرقه، فله فوائد عظيمة ولو أنه شيء خفي لا يبرز وينطبق عليه الفم، ففائدته عظيمة، فلذلك فيه الدية.

والذكر أيضاً فيه فائدة الاستمتاع ونحوه، فهذه ثلاثة أشياء ليس بالبدن منها إلا واحد من كل واحد، لكن قالوا: إن الأنف يحتوي على هذه الثلاثة الأطراف: المنخران والحاجز بينهما، فلو أن إنساناً قطع أحد المنخرين وترك المنخر الآخر وترك الحاجز فعليه ثلث الدية، فإذا قطع المنخرين وترك الحاجز فعليه الثلثان، وإذا قطع الحاجز وترك المنخرين فعليه الثلث، فالأنف يكتمل على هذا الحاجز وعلى طرفي الأنف اللذين هما طرفا المنخرين، ففي كل جزء ثلث الدية، وفي الجميع الدية كاملة إذا قطع الأنف بحاجزه ومنخريه.

وأما الذي في الإنسان منه اثنان فالعينان، جعلهما الله تعالى اثنتين لحكمة، فإن إحداهما قد تمرض أو قد تذهب فيبصر بالأخرى، فيكون البصر كاملاً، فإذا فقأ إحدى عينيه ففيها نصف الدية، وإن فقأ العينين ففيهما الدية كاملة، وكذلك الأذنان، وقد تقول: الإذن ليست هي التي يسمع بها، ولكن الذي يسمع به هو الصماخ الداخل في الرأس! ولكن هذه الأذن الظاهرة تتلقى الصوت، ولذلك جعلها الله تعالى متوجهة نحو الصوت، فيقرع الصوت فيها ويدخل في الصماخ فيحصل السماع، مع أنها لو قطعت قد يبقى السماع يدخل في الأصمخة، ولكن لها فائدة في زيادة السمع، ومع ذلك هي زينة ظاهرة، ولهذا النساء يعلقن فيها شيئاً من الحلي وهو ما يسمى بالقرط، فإذا قطعت الأذنان ففيهما الدية كاملة، وفي الواحدة نصف الدية.

ومما في الإنسان اثنان الشفتان، ففي الواحدة نصف الدية وفي الثنتين كامل الدية، هذا قول الجمهور، وقال بعضهم: إن الشفة السفلى أكثر فائدة. فجعل بعضهم فيها ثلثي الدية، وذلك لأنها تلقف الطعام وتلقف الشراب، ومع ذلك فمنفعتهما لا تتم إلا باجتماعهما، وفيهما مخرج بعض الحروف كالباء والميم، وكذلك بانضمامهما عند الكلام ينطق بالواو، ففيهما إعانة على الكلام، ومصلحتها ظاهرة، ففيهما الدية.

وهكذا اليدان فيهما الدية، وفي إحداهما نصف الدية، والرجلان فيهما الدية، وفي إحداهما نصف الدية، والثديان من المرأة فيهما الدية، وفي أحدهما نصف الدية، وفي الرجل ثندؤتان مكان الثديين، فإذا قطعتا ففيهما الدية، كذلك أيضاً في الإنسان الإليتان، ومنفعتهما ظاهرة، يجلس عليهما، ويرتفق بهما، ففيهما الدية، وكذلك في الرجل الأنثيان -الخصيتان- فيهما الدية، وفي إحداهما نصف الدية، وأشباه ذلك.

اختلف في الأعظاء الباطنة هل فيها الدية؟

فالأولون ما تصوروا ذلك، ولكن في هذه الأزمنة قد يتصور، ذكر لنا بعض الإخوان أن قوماً خطفوا طفلة عمرها سبع سنين، وذهبوا بها إلى إحدى المستشفيات وقالوا: هذه ابنتنا. وأحدهم قد مرضت كليتاه، فيه فشل كلوي، فشقوا بطن هذه الطفلة وأخرجوا منها كلية وجعلوها في ذلك المريض، وفقدها أهلها ولم يدروا أين هي، وبعد خمسة أيام أو ستة أيام جيء بها وألقيت عند باب أهلها، ولا تدري ماذا فعل بها، فذهبوا إلى أحد المستشفيات وكشفوا عليها فقالوا: إنها قد أخذت منها كليتها!

فنقول: الكليتان فيهما الدية، وفي إحداهما نصف الدية، والرئتان فيهما الدية، وفي إحداهما نصف الدية إذا أخذت، وكذلك لو أخذ الطحال أو القلب أو الكبد وإن كان قد لا يعيش، ولكن قد يجعلون فيه شيئاً من عضو حيوان يعيش به مدة، فعلى هذا نقول: إن هذه أيضاً معتبر فيها القصاص، ومعتبرة فيها الدية، فمن اعتدى على أحد وقهره حتى أخذ منه كلية أو نحو ذلك فإن فيها القصاص أو فيها نصف الدية إذا أخذ إحدى الكليتين، ولو أن العلماء الأولين لم يذكروا ذلك؛ لأنهم ما تصوروا هذه العمليات الجديدة.

يقول: [أو اثنان] يعني: أو كان في البدن منه اثنان ففيهما الدية، [أو أكثر] إذا كان في الإنسان أكثر من اثنين كالثلاثة -وهي المنخران والحاجز بينهما- فالثلاثة فيها الدية، والأربعة في الإنسان مثل الأجفان فهي أربعة، ففي كل عين جفنان، ففي أحدها ربع الدية، إذا قطع أحد الأجفان الأربعة ففيه ربع الدية، وإن قطع الأربعة كلها فعليه الدية كاملة؛ لأن في الإنسان هذه الأربعة.

هناك ما في الإنسان منه عشرة كأصابع اليدين، فإذا قطع الأصابع العشرة فعليه الدية، وإذا قطع أصابع يد الخمسة فعليه نصف الدية، وإذا قطع واحداً فعليه عشر الدية، أي: عشر من الإبل، والأصابع متساوية، هكذا كان الصحابة يحكمون، وورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (في الإصبع عشر من الإبل)، وكان بعضهم يفوتون بينها بقدر منفعتها، وذلك أن الإبهام منفعته أكثر من منفعة الخنصر؛ لأنه قد يقوم مقام الأربعة الأصابع كلها، فإذا قطع صعب عليه أن يمسك شيئاً بإصبعيه، أما إذا كان موجوداً فإنه يحمل شيئاً بإصبعيه ويمسك الأشياء الدقيقة مثل الإبرة أو المسمار الدقيق بهذين الإصبعين، ولا يقدر أن يمسكه بالسبابة والتي تليها، فعرف أن الإبهام منفعته كبيرة وليست كمنفعة بقية الأصابع، ومع ذلك جاء الشرع بالتسوية، وأن كل إصبع فيه عشر الدية.

وهكذا أصابع الرجلين منفعتهما التمكن من المشي، يعتمد عليهما ويرتفع عليهما إذا أراد أن يرتفع، ففيهما أيضاً منفعة، فإذا قطعت أصابع الرجلين ففيها الدية، وإذا قطع واحد منها -ولو الخنصر- ففيه عشر الدية، وذلك لأنه يصدق عليه أنه إصبع، أما إذا قطع بعض الإصبع ففيه نسبته، ومعلوم أن الأصابع الأربعة كل واحد فيه ثلاث أنامل، ففي كل أنملة ثلث عشر الدية، وفي أنملتين ثلثا عشر الدية، والإبهام ليس فيه إلا أنملتان، ففي الأنملة خمس من الإبل، وفي الأنملتين عشر، سواء إبهام اليد أو إبهام الرجل، ليس فيه إلا أنملتان، ففي كل واحدة نصف عشر الدية، فهذه الأعضاء التي تتعدد في الإنسان.

هناك الأسنان، ومجموع الأسنان إذا كملت اثنان وثلاثون سناً، ستة عشر من فوق، وستة عشر من تحت، وهناك نوع من الناس يقال له: الكوسج. تنقص أسنانه، ولا يكون فيه إلا ثمانية وعشرون سناً.

وهذه الأسنان منفعتها ظاهرة، وهي تقطيع الأكل ومضغه حتى يصلح ليبتلع، فمنفعتها ظاهرة، فإذا قلعت الأسنان كلها ففيها الدية، وإن قلع الفك الأعلى فنصف الدية، وكذا الفك الأسفل، أما الواحد منها فورد أن في كل سن خمساً من الإبل، وهي اثنان وثلاثون، فإذا كان في كل واحد خمس فإنه إذا قطع سن أخذ خمساً، فإن قلع ثانياً فيه خمس، فيكون المجموع مائة وستون من الإبل، فهذه دية اثنين وثلاثين، ولكن الغالب أنها لا تقلع إلا مفرقة، والله تعالى ذكر فيها القصاص في قوله تعالى: وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ [المائدة:45]، وجاء في الحديث أن امرأة من الأنصار يقال لها: الربيع أخت أنس بن النضر كسرت سن جارية من الأنصار، فأراد أهل تلك الجارية القصاص، فرفعوا الأمر إلى النبي صلى الله لعيه وسلم فحكم بالقصاص، فلم يرض أخوها وقال: أتكسر ثنية الربيع؟! فقال صلى الله لعيه وسلم: (يا أنس! كتاب الله القصاص)، فقال: والله لا تكسر ثنية الربيع. فرضي القوم بالأرش، أي: بالدية. وقوله: (كتاب الله القصاص) دليل على أن السن تكسر بالسن، أو تقلع بها إذا قلعت.

فعرفنا ما في الإنسان منه اثنان، أو أكثر من اثنين إلى عشرة إلى اثنين وثلاثين وهي الأسنان، وفي أحد ذلك نسبته من الدية، فإذا كانت عشرة ففي الواحد عشر الدية، وإذا كانت ثلاثة كالمنخرين والحاجز ففي كل واحد ثلث الدية، وإذا كانت أربعة -وهي الأجفان- ففي كل واحد ربع الدية.




استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح أخصر المختصرات [21] 2736 استماع
شرح أخصر المختصرات [28] 2712 استماع
شرح أخصر المختصرات [72] 2603 استماع
شرح أخصر المختصرات [87] 2567 استماع
شرح أخصر المختصرات [37] 2479 استماع
شرح أخصر المختصرات [68] 2345 استماع
شرح أخصر المختصرات [81] 2337 استماع
شرح أخصر المختصرات [58] 2327 استماع
شرح أخصر المختصرات [9] 2315 استماع
شرح أخصر المختصرات [22] 2263 استماع