شرح أخصر المختصرات [56]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[كتاب العتق.

يسن عتق من له كسب ويكره لمن لا قوة له ولا كسب، ولا تصح الوصية به، بل تعليقه بالموت وهو التدبير، ويعتبر من الثلث.

وتسن كتابة من علم فيه خيراً وهو الكسب والأمانة، وتكره لمن لا كسب له.

ويجوز بيع المكاتب، ومشتريه يقوم مقام مكاتبه، فإن أدى عتق، وولاؤه لمنتقل إليه.

وأم الولد تعتق بموت سيدها من كل ماله، وهي من ولدت ما فيه صورة ولو خفية، من مالك ولو بعضها، أو محرمة عليه، أو من أبيه إن لم يكن وطئها الابن، وأحكامها كأمة إلا فيما ينقل الملك في رقبتها أو يراد له.

ومن أعتق رقبة أو أعتقت عليه فله عليها الولاء، وهو أنه يصير عصبة لها مطلقاً عند عدم عصبة النسب].

العتق: هو إزالة الرق، أو هو: تحرير الرقاب وإزالة الرق عنها.

يقول: (يسن عتق من له كسب).

السنن ما فيها أجر وثواب، وقد ورد ما يدل على عظم الأجر، وهو مشهور قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار، حتى فرجه بفرجه) ، وهذا دليل على فضل العتق.

الأصل أن الرق إنما يجوز لأجل الكفر، يقولون في تعريف الرقيق: هو عجز حكمي يقوم بالإنسان سببه الكفر. هكذا عرفوه، وذلك لأن الكفار تعبدوا لغير الله وعبدوا غيره، فصاروا عبيداً للشيطان، ومن عبد غير الله فإنما يعبد الشيطان، وإذا كانوا كذلك فإن الله أباح استرقاقهم، فإذا استولى عليهم المسلمون فإنه يجوز استرقاقهم واستعبادهم، ويكونون ملكاً لمن استولى عليهم؛ وذلك لأنهم لما خرجوا عن عبودية الله، وبلوا برق النفس والشيطان، فكان من أثر ذلك أن أباح الله استرقاقهم، وأنهم يكونون من ملك اليمين.

فنساؤهم يملكهن من استولى عليهن، ورجالهم كذلك، فالمملوك يصير رقيقاً لمن كان تحت يده، فيستخدمه ويلزمه بما يلتزم به، وكذلك الأمة يستخدمها، ويطؤها كسرية، فتكون حلالاً له؛ لقول الله تعالى: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [المؤمنون:6] ، فجعل الاستمتاع بملك اليمين حلالاً.

أمر الإسلام بالإحسان إلى الرقيق

الجواب على شبهات الكافرين حول الرق في الإسلام

اشتهر في هذه الأزمنة أن الكفار والنصارى ونحوهم يعيبون المسلمين، ويقولون: تستخدمون أخاكم الذي هو رجل مسلم مثلكم! تستخدمونه وتجعلونه كسلعة، وتبيعونه وتشترونه كأنه بهيمة! هذا لا يبيحه العقل، هذا لا يجيزه إنسان ذو عقل، فعابوا على المسلمين أنهم يبيحون الرق، وأنهم يجيزون أن يملك الإنسان إنساناً وأن يستخدمه!

والجواب: أولاً: أنه ما استبيح إلا لأنه كان عبداً للشيطان، كافراً بالله تعالى، فلما كان كافراً أباح الله للمسلمين إذا تغلبوا عليه أن يسترقوه وأن يجعلوه مملوكاً لهم، بدل ما كان عبداً للهوى والنفس والشيطان.

ثانياً: معلوم أنهم إن استولوا على النساء وعلى الأولاد، فإنهم يستولون عليهم ويكونون مماليك، وأما الرجال والأكابر فقد يخيّرون إذا استولوا عليهم بين أربعة أشياء:

بين أن يكونوا أرقاء ولو كانوا كباراً.

وبين القتل لأنهم كفار.

وبين المنّ عليهم.

وبين أخذ الفدية.

قال الله تعالى: حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ [محمد:4] يعني: أوثقوهم وأسروهم فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً [محمد:4] فخيرهم بين المن وبين الفداء، ولما أسر الذين أسروا في غزوة بدر منَّ النبي صلى الله عليه وسلم على بعضهم، وفادى ببعضهم، وقتل بعضهم، وكذلك استرق بعضهم، فكان هذا هو الذي جاء به الإسلام.

معلوم أنه إذا كان رقيقاً وهو كافر، فإن صاحبه الذي هو في ملكه قد يبيعه، فتشتريه أنت وتبذل ثمنه، فإذا أسلم بقي مملوكاً حتى لا يضيع مالك الذي بذلته فيه، فيبقى على رقه بعد أن يسلم؛ وذلك لأنه أصبح مملوكاً، وأصبح مالاً متمولاً، ولو كان من أسلم تحرر لضاعت أموال كثيرة.

فالمسلمون يتبادلون هؤلاء الأرقاء فيبيع هذا ويشتري هذا، فإذا اشتراهم وهم أرقاء ثم أسلموا بقوا على رقهم، وحق له أن يستخدمهم، وله أن يبيعهم، وله أن يعتقهم.

اشتهر في هذه الأزمنة أن الكفار والنصارى ونحوهم يعيبون المسلمين، ويقولون: تستخدمون أخاكم الذي هو رجل مسلم مثلكم! تستخدمونه وتجعلونه كسلعة، وتبيعونه وتشترونه كأنه بهيمة! هذا لا يبيحه العقل، هذا لا يجيزه إنسان ذو عقل، فعابوا على المسلمين أنهم يبيحون الرق، وأنهم يجيزون أن يملك الإنسان إنساناً وأن يستخدمه!

والجواب: أولاً: أنه ما استبيح إلا لأنه كان عبداً للشيطان، كافراً بالله تعالى، فلما كان كافراً أباح الله للمسلمين إذا تغلبوا عليه أن يسترقوه وأن يجعلوه مملوكاً لهم، بدل ما كان عبداً للهوى والنفس والشيطان.

ثانياً: معلوم أنهم إن استولوا على النساء وعلى الأولاد، فإنهم يستولون عليهم ويكونون مماليك، وأما الرجال والأكابر فقد يخيّرون إذا استولوا عليهم بين أربعة أشياء:

بين أن يكونوا أرقاء ولو كانوا كباراً.

وبين القتل لأنهم كفار.

وبين المنّ عليهم.

وبين أخذ الفدية.

قال الله تعالى: حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ [محمد:4] يعني: أوثقوهم وأسروهم فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً [محمد:4] فخيرهم بين المن وبين الفداء، ولما أسر الذين أسروا في غزوة بدر منَّ النبي صلى الله عليه وسلم على بعضهم، وفادى ببعضهم، وقتل بعضهم، وكذلك استرق بعضهم، فكان هذا هو الذي جاء به الإسلام.

معلوم أنه إذا كان رقيقاً وهو كافر، فإن صاحبه الذي هو في ملكه قد يبيعه، فتشتريه أنت وتبذل ثمنه، فإذا أسلم بقي مملوكاً حتى لا يضيع مالك الذي بذلته فيه، فيبقى على رقه بعد أن يسلم؛ وذلك لأنه أصبح مملوكاً، وأصبح مالاً متمولاً، ولو كان من أسلم تحرر لضاعت أموال كثيرة.

فالمسلمون يتبادلون هؤلاء الأرقاء فيبيع هذا ويشتري هذا، فإذا اشتراهم وهم أرقاء ثم أسلموا بقوا على رقهم، وحق له أن يستخدمهم، وله أن يبيعهم، وله أن يعتقهم.

كفارات الذنوب بعتق الرقاب

وقد جاءت الأدلة تحث على كثرة العتق، وجعل ذلك في كفارات الذنوب: جعل الله في كفارة الظهار تحرير الرقبة في قوله: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [المجادلة:3] أي: عتقها، وذلك من الحرص على أن الرقاب التي أسلمت يزول الرق عنها.

وكذلك في كفارة القتل: وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [النساء:92] جاء في هذه الآية (مؤمنة) في ثلاثة مواضع: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [النساء:92] ، فذكر الله تحرير رقبة مؤمنة في ثلاثة مواضع في هذه الآية، فيحمل قوله في سورة المجادلة: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [المجادلة:3] على أنها مؤمنة؛ لأن الأجر فيها.

وكذلك في كفارة اليمين في قوله تعالى: وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ [المائدة:89] ثم قال: أَوْ كِسْوَتُهُمْ [المائدة:89] ثم قال: أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [المائدة:89] ، فالرقبة هنا أيضاً أطلقت، ولكن يحمل المطلق على المقيد، لأن الأجر يكون في تحرير الرقبة المؤمنة، فيقولون: لا بد أن تكون مؤمنة، وكذلك في كفارة الوطء في نهار رمضان، جاء في السنة الأمر بعتق رقبة مؤمنة.

حكم من أساء إلى عبد

ثم أيضاً ورد الحرص على تحرير الرقاب، فمن ذلك: أن من قطع عضواً من عبده فكفارته أن يعتقه، أو لطمه، وفي حديث النعمان بن مقرن يقول: (كنا عشرة إخوة أو تسعة، ليس لنا إلا خادم واحدة تخدمنا، فلطمها أصغرنا، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعتقوها) يعني: كفارة تلك اللطمة أنها تعتق، فأمر بإعتاقها!

كذلك أيضاً ورد عن أبي مسعود أنه سمعه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضرب عبداً له، فقال: (اعلم أبا مسعود ! أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أعتق ذلك الغلام، فقال: لو لم تفعل للفحتك النار) يعني: على ضربك له.

وورد أيضاً النهي عن التمثيل بالمملوك، في حديث: (من لطم عبده لطمناه، ومن مثّل بعبده فإنه يعتق، من جدع عبده جدعناه) يعني: عقوبة له على هذا الفعل.

كما جاء الأمر بإحسان الملكة، أي: الإحسان إلى المملوك، حتى ورد في حديث: (إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه فليجلسه معه ليأكل، فإنه ولي حره وعلاجه، فإن لم يفعل فليناوله لقمة أو لقمتين) بمعنى: أن عادة السيد أن يكون له الطعام الحسن الشهي، والذي يتولى إصلاحه هو عبده، فإذا جاءه به فعليه أن يطعمه معه، وأن يجلسه معه.

وقد عمل بذلك أبو ذر لما أنه عيّر رجلاً بأمه، فقال صلى الله عليه وسلم: (أعيرته بأمه؟ هم إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يطعم، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم) ، فكان أبو ذر إذا لبس حلة ألبس مملوكه مثلها، ويساويه بنفسه، وإذا اشترى حذاء اشترى لعبده مثله، وإذا اشترى عمامة اشترى لعبده مثلها، وكذلك أيضاً يواسيه: فلا يأكل إلا معه؛ يواسيه في الأكل، يواسيه في الشرب، وفي اللباس، وما أشبه ذلك، كل ذلك حرصاً منه على حفظ وصية النبي صلى الله عليه وسلم: (فليطعمه مما يطعم، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم).

سريان العتق على من أعتق شركه في عبد

ومن الوسائل لعتق الرقاب عتق من أعتق بعضه، ورد في حديث: (من أعتق شركاً له في عبد قوّم عليه قيمة عدلٍ، لا وكس ولا شطط، فأعطى شركاءه حصصهم، وإلا عتق منه ما عتق)، صورة ذلك: إذا كان عبد مشترك بين خمسه، فأعتق أحدهم نصيبه، ألزمناه بأن يشتري بقية أربعة الأخماس، فنقوّم العبد بثمن متوسط، فيشتريه ويعطي كل واحد منهم حصته وثمنه، حتى يكون العبد حراً، ويكون ولاؤه له، فإن لم يكن له مال فإن العبد يكون مبعضاً، يعتق منه جزؤه الذي أعتقه ذلك المعتق وهو أحد الشركاء، أما إذا كان له مال بحيث يقدر على أن يشتري أنصباء شركائه، فإن عليه أن يشتريه.

ثم استحباب العتق خاص بمن له كسب، أي: من إذا أعتقته قدر على أن يكتسب أموالاً ويغني نفسه، هكذا استحبوا.

وقد جاءت الأدلة تحث على كثرة العتق، وجعل ذلك في كفارات الذنوب: جعل الله في كفارة الظهار تحرير الرقبة في قوله: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [المجادلة:3] أي: عتقها، وذلك من الحرص على أن الرقاب التي أسلمت يزول الرق عنها.

وكذلك في كفارة القتل: وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [النساء:92] جاء في هذه الآية (مؤمنة) في ثلاثة مواضع: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [النساء:92] ، فذكر الله تحرير رقبة مؤمنة في ثلاثة مواضع في هذه الآية، فيحمل قوله في سورة المجادلة: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [المجادلة:3] على أنها مؤمنة؛ لأن الأجر فيها.

وكذلك في كفارة اليمين في قوله تعالى: وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ [المائدة:89] ثم قال: أَوْ كِسْوَتُهُمْ [المائدة:89] ثم قال: أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [المائدة:89] ، فالرقبة هنا أيضاً أطلقت، ولكن يحمل المطلق على المقيد، لأن الأجر يكون في تحرير الرقبة المؤمنة، فيقولون: لا بد أن تكون مؤمنة، وكذلك في كفارة الوطء في نهار رمضان، جاء في السنة الأمر بعتق رقبة مؤمنة.

ثم أيضاً ورد الحرص على تحرير الرقاب، فمن ذلك: أن من قطع عضواً من عبده فكفارته أن يعتقه، أو لطمه، وفي حديث النعمان بن مقرن يقول: (كنا عشرة إخوة أو تسعة، ليس لنا إلا خادم واحدة تخدمنا، فلطمها أصغرنا، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعتقوها) يعني: كفارة تلك اللطمة أنها تعتق، فأمر بإعتاقها!

كذلك أيضاً ورد عن أبي مسعود أنه سمعه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضرب عبداً له، فقال: (اعلم أبا مسعود ! أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أعتق ذلك الغلام، فقال: لو لم تفعل للفحتك النار) يعني: على ضربك له.

وورد أيضاً النهي عن التمثيل بالمملوك، في حديث: (من لطم عبده لطمناه، ومن مثّل بعبده فإنه يعتق، من جدع عبده جدعناه) يعني: عقوبة له على هذا الفعل.

كما جاء الأمر بإحسان الملكة، أي: الإحسان إلى المملوك، حتى ورد في حديث: (إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه فليجلسه معه ليأكل، فإنه ولي حره وعلاجه، فإن لم يفعل فليناوله لقمة أو لقمتين) بمعنى: أن عادة السيد أن يكون له الطعام الحسن الشهي، والذي يتولى إصلاحه هو عبده، فإذا جاءه به فعليه أن يطعمه معه، وأن يجلسه معه.

وقد عمل بذلك أبو ذر لما أنه عيّر رجلاً بأمه، فقال صلى الله عليه وسلم: (أعيرته بأمه؟ هم إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يطعم، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم) ، فكان أبو ذر إذا لبس حلة ألبس مملوكه مثلها، ويساويه بنفسه، وإذا اشترى حذاء اشترى لعبده مثله، وإذا اشترى عمامة اشترى لعبده مثلها، وكذلك أيضاً يواسيه: فلا يأكل إلا معه؛ يواسيه في الأكل، يواسيه في الشرب، وفي اللباس، وما أشبه ذلك، كل ذلك حرصاً منه على حفظ وصية النبي صلى الله عليه وسلم: (فليطعمه مما يطعم، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم).

ومن الوسائل لعتق الرقاب عتق من أعتق بعضه، ورد في حديث: (من أعتق شركاً له في عبد قوّم عليه قيمة عدلٍ، لا وكس ولا شطط، فأعطى شركاءه حصصهم، وإلا عتق منه ما عتق)، صورة ذلك: إذا كان عبد مشترك بين خمسه، فأعتق أحدهم نصيبه، ألزمناه بأن يشتري بقية أربعة الأخماس، فنقوّم العبد بثمن متوسط، فيشتريه ويعطي كل واحد منهم حصته وثمنه، حتى يكون العبد حراً، ويكون ولاؤه له، فإن لم يكن له مال فإن العبد يكون مبعضاً، يعتق منه جزؤه الذي أعتقه ذلك المعتق وهو أحد الشركاء، أما إذا كان له مال بحيث يقدر على أن يشتري أنصباء شركائه، فإن عليه أن يشتريه.

ثم استحباب العتق خاص بمن له كسب، أي: من إذا أعتقته قدر على أن يكتسب أموالاً ويغني نفسه، هكذا استحبوا.