شرح متن نخبة الفكر [3]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، والصلاة على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

[ ثم الغرابة إما أن تكون في أصل السند أو لا.

وخبر الآحاد بنقل عدل تام الضبط متصل السند غير معلل ولا شاذ هو الصحيح لذاته، وتتفاوت رتبه بتفاوت هذه الأصناف، ومن ثم قدم صحيح البخاري ثم مسلم ثم شرطهما، فإن خف الضبط ... ].

ذكرنا فيما تقدم تعريف المتواتر، وأنه يفيد العلم اليقيني كما ذكر المؤلف رحمه الله تعالى بشروطه، وذكرنا شروط المتواتر، وهي: أن يكونوا جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب عادة، وأن يسندوه إلى أمر محسوس، وأن يوجد ذلك في كافة طبقات السند.

وهذه الجماعة هل لها حد بالنسبة للعدد؟ هذا موضع خلاف، فبعض العلم حدها بأربعة، وبعضهم بخمسة، وبعضهم بعشرة وبعضهم بعشرين، وبعضهم بأربعين، وبعضهم بسبعين.. إلى آخره. والصواب في ذلك: أنه لا حد، المهم أن تكون جماعة يستحيل تواطؤها على الكذب بلا حد.

وكذلك تقدم لنا خبر الآحاد هل يفيد العلم أو لا يفيد العلم؟ وذكرنا ثلاثة آراء:

الرأي الأول: أنه يفيد العلم، وهذا الذي ذهب إليه ابن حزم ونصره النووي ، وأيضاً ذهب إليه ابن القيم رحمه الله في الصواعق المرسلة، ونصره النووي رحمه الله تعالى.

والرأي الثاني: أنه لا يفيد العلم.

والرأي الثالث: أنه يرجع في ذلك للقرائن.

لا بد أن أنبه إلى مسألة، وهي أن مذهب أهل السنة والجماعة أن الحديث متى صح فإنه مقبول، يعني: هذا التقسيم متواتر وآحاد ما كان موجوداً عند المتقدمين، ويظهر والله أعلم أن هذه التقسيمات جاءت من بعض الأصوليين. ومذهب أهل السنة والجماعة: أنه متى صح الحديث فإن الأمة تتلقاه بالقبول ويجب العمل به، سواء كان ذلك في العمليات أو كان ذلك في العقائد، ولا بد أن نتنبه لهذه المسألة؛ لأن طوائف من أهل الكلام من المبتدعة توصلوا بمثل هذا الكلام إلى نفي كثير من العقائد الواردة في الأحاديث الآحاد، فمثلاً يقول: هذا خبر آحاد، والآحاد لا يفيد العلم، وإنما يفيد الظن، والظن لا يغني من الحق شيئاً، فلا تثبت به عقيدة.

إذاً: لا بد أن نفهم هذه المسألة، وأن مذهب أهل السنة والجماعة أنه متى ثبت الحديث فإنه يثبت به مقتضاه، سواء كان ذلك من قبيل العمليات، أو كان ذلك من قبيل العقائد؛ لأن كثيراً من أهل الكلام والمبتدعة توصلوا بمثل هذا إلى رد كثير من العقائد، فيقول: هذا خبر آحاد، والآحاد لا يفيد العلم، وإنما يفيد الظن، والله عز وجل يقول: إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا [يونس:36] فلا تثبت به عقيدة، وهذا لا شك أنه باطل.

ثم بعد ذلك شرع المؤلف رحمه الله تعالى في الخبر الصحيح وخبر الآحاد من حيث القبول والرد ينقسم إلى أقسام، وذكر المؤلف رحمه الله تعالى الخبر الصحيح، وقال: (وخبر الآحاد بنقل عدلٍ تام الضبط متصل السند، غير معلل ولا شاذ هو الصحيح لذاته).

فالصحيح لذاته ما جمع هذه الصفات الخمس:

الشرط الأول: عدالة الرواة

الصفة الأولى: العدالة. والعدالة في اللغة: الاستقامة.

وأما في الاصطلاح فالعدل: هو المسلم البالغ العاقل، الذي سلم من خوارم الدين والمروءة، فالعدالة دين ومروءة، والدين: أن يفعل الواجبات وأن يترك المحرمات، فإذا كان يرتكب المحرمات أو يترك الواجبات لم يسلم من خوارم الدين. والمروءة: هي ملكة تحمل الشخص على أن يفعل ما يجمله ويزينه، وأن يترك ما يدنسه ويشينه.

وعلى هذا إذا كان عنده فسق هل تقبل روايته؟ لا تقبل روايته.

إذا كان عنده بدعة هل تقبل روايته؟ لا تقبل روايته.

إذا كان كافراً هل تقبل روايته؟ لا يقبل خبره، وكذا إذا كان مجنوناً لا يقبل خبره، وكذلك إذا كان صغيراً لا يقبل خبره. وبعض الأئمة يقول: حتى وإن كان الراوي عنده فسق، وحتى ولو كان عنده بدعة، العبرة بالصدق، فإن كان صادقاً يقبل خبره حتى وإن كان عنده فسق، أو كان عنده بدعة، واستثنى بعض الأئمة ما إذا كان الداعي إلى بدعته فإنه لا يؤخذ عنه.

فقول المؤلف: (وخبر الآحاد بنقل عدلٍ). قلنا العدل هو: المسلم العاقل البالغ الذي سلم من خوارم الدين والمروءة، أما المسلم والبالغ والعاقل فهذا ظاهر، أن ضد هؤلاء لا تقبل أخبارهم وروايتهم لأنه لا يوثق بها، لكن بقينا في المسلم المكلف هل يقبل خبره إذا لم يسلم من خوارم الدين، ولم يسلم من خوارم المروءة؟

على هذا الكلام لا يقبل خبره، وقلنا الرأي الثاني: أن المدار يدور على الصدق، فإذا كان صادقاً فإننا نقبل خبره، وقلنا بأن بعض الأئمة استثنى المبتدع الذي يدعو إلى بدعته.

الشرط الثاني: الضبط

ثم قال: (تام الضبط).

الضبط ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: ضبط الصدر، وهو أن يروي الحديث كما سمعه دون إخلال، وهذا موجود في العرب، إذ كان العرب يضبطون ضبط صدر.

القسم الثاني: ضبط الكتاب، وضبط الكتاب هو أن يحفظ كتابه من أيدي العابثين؛ لأنه قد لا يضبط عن شيخه ضبط صدر، لكنه قد يكتب عن شيخه، فإذا كان ضابطاً لكتابه، بحيث إنه يحفظ كتابه عن أيدي العابثين، فنقول بأن هذا ضبط كتاب، فالضبط ضبطان إما ضبط صدر وإما ضبط كتاب.

الشرط الثالث: اتصال السند

قال: (متصل السند).

كل راوٍ سمعه من شيخه إلى أن ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

الشرط الرابع: سلامة السند من العلة

قال: (غير معلل).

هذا الشرط الرابع، سلامته من العلة، والعلة: سبب غامض خفي يقدح في صحة الحديث، فنقاد الحديث أتقنوا ما يتعلق بالعلل، وبينوا العلل الموجودة في الأحاديث، وهذا لكثرة ممارستهم لنقد الحديث، ومعرفتهم بطرق الحديث، وما يتعلق بالرجال وضبطهم وحفظهم، فاجتمع لهم الشيء الكثير من ذلك، ومن أمثلة ذلك: كتاب العلل للدارقطني وكتاب العلل لـابن أبي حاتم ، وغير ذلك، وسيأتي ما يتعلق بالعلة إلى آخره.

الشرط الخامس: أن لا يكون في السند شذوذ

قال: (ولا شاذ).

هذا الشرط الخامس، أن لا يكون شاذاً، والشذوذ هو مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، أو تفرد الثقة، فالشذوذ إما أن يخالف الثقة من هو أوثق منه، أو أن يتفرد الثقة، فإن تفرد فإن هذا يكون شاذاً، لكنه قد يكون مقبولاً، وقد يكون مردوداً، وسيأتينا ما يتعلق بالشذوذ إن شاء الله.

تفاوت رتبة الحديث الصحيح بتفاوت شروطه

هذه هي الشروط الخمسة للصحيح، بنقل عدل تام الضبط متصل السند، غير معلل ولا شاذ. ويختصر هذا التعريف فيقال: الحديث الصحيح هو الذي اتصل سنده بنقل ثقة. فذكر المؤلف رحمه الله تعالى خمسة شروط، إذا اجتمعت هذه الشروط الخمسة وكان الحديث منقولاً بنقل عدلٍ تام الضبط ومتصل السند خالياً من العلة والشذوذ، فإنه يقال عن الحديث: حديث صحيح.

وإذا توفرت الشروط الثلاثة نقول: إسناده صحيح، والشروط الثلاثة هي بنقل عدل تام الضبط متصل السند. إذا توفر عندك هذه الشروط الثلاثة: نقله عدل وتام الضبط، وسنده متصل فنقول: إسناده صحيح.

وإذا توفر الشرطان الأولان نقول: رجاله ثقات، فإذا توفر عندك أنه منقول بنقل عدل تام الضبط نقول: رجاله ثقات.

فالدرجات ثلاث درجات: إذا توفرت الشروط الخمسة بأن بحثت في هذا الحديث وتبين لك أن هذا الحديث نقله عدل، وأنه تام الضبط، وأن سنده متصل، وأنه خلا من العلة والشذوذ، فأنت تقول عن هذا الحديث بأنه حديث صحيح، فإذا توفرت الشروط الثلاثة الأول فقط، يعني: أن ينقله عدل تام الضبط متصل السند، فتقول بأن إسناده صحيح، فإذا توفر الشرطان الأولان فقط نقله عدل تام الضبط، فتقول: رجاله ثقات. يعني: ما نظرت في بقية الشروط.

قال: (وتتفاوت رتبه بتفاوت هذه الأوصاف، ومن ثم قدم صحيح البخاري)، يعني: كلما اكتملت هذه الأوصاف الخمسة التي ذكرها الحافظ رحمه الله تعالى كلما كانت رتبة الحديث أعلى في الصحة، وكلما نقصت هذه الأوصاف نقصت رتبة هذا الحديث في الصحة، ولهذا يأتينا بأن الحديث الحسن هو ما رواه الثقة الذي خف ضبطه.

الصفة الأولى: العدالة. والعدالة في اللغة: الاستقامة.

وأما في الاصطلاح فالعدل: هو المسلم البالغ العاقل، الذي سلم من خوارم الدين والمروءة، فالعدالة دين ومروءة، والدين: أن يفعل الواجبات وأن يترك المحرمات، فإذا كان يرتكب المحرمات أو يترك الواجبات لم يسلم من خوارم الدين. والمروءة: هي ملكة تحمل الشخص على أن يفعل ما يجمله ويزينه، وأن يترك ما يدنسه ويشينه.

وعلى هذا إذا كان عنده فسق هل تقبل روايته؟ لا تقبل روايته.

إذا كان عنده بدعة هل تقبل روايته؟ لا تقبل روايته.

إذا كان كافراً هل تقبل روايته؟ لا يقبل خبره، وكذا إذا كان مجنوناً لا يقبل خبره، وكذلك إذا كان صغيراً لا يقبل خبره. وبعض الأئمة يقول: حتى وإن كان الراوي عنده فسق، وحتى ولو كان عنده بدعة، العبرة بالصدق، فإن كان صادقاً يقبل خبره حتى وإن كان عنده فسق، أو كان عنده بدعة، واستثنى بعض الأئمة ما إذا كان الداعي إلى بدعته فإنه لا يؤخذ عنه.

فقول المؤلف: (وخبر الآحاد بنقل عدلٍ). قلنا العدل هو: المسلم العاقل البالغ الذي سلم من خوارم الدين والمروءة، أما المسلم والبالغ والعاقل فهذا ظاهر، أن ضد هؤلاء لا تقبل أخبارهم وروايتهم لأنه لا يوثق بها، لكن بقينا في المسلم المكلف هل يقبل خبره إذا لم يسلم من خوارم الدين، ولم يسلم من خوارم المروءة؟

على هذا الكلام لا يقبل خبره، وقلنا الرأي الثاني: أن المدار يدور على الصدق، فإذا كان صادقاً فإننا نقبل خبره، وقلنا بأن بعض الأئمة استثنى المبتدع الذي يدعو إلى بدعته.