خطب ومحاضرات
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب اللباس - حديث 546-550
الحلقة مفرغة
هذا الدرس رقم (190) من سلسلة أمالي شرح بلوغ المرام، والإنسان دائماً إذا قطع مرحلة يشعر بالانتعاش والنشوة، فبعد عشرة دروس -إن شاء الله- نكون جاوزنا مائتي درس من هذه الدروس التي استغرقت ربما ما يزيد على (17) سنة تقريباً.
أيضاً: الأبواب خلال الفترة الماضية، ننتقل من باب إلى باب بعد باب الإمامة، باب الجمعة، باب صلاة المسافر والمريض، باب العيدين، باب الكسوف، باب الخسوف، باب الاستسقاء، فهذه أيضًا فيها نوع من التجديد.
اليوم عندنا باب جديد، نبدأ به اليوم وننجزه غداً إن شاء الله تعالى وهو باب اللباس.
وإذا انتهينا منه لا يبقى علينا في كتاب الصلاة كاملاً إلا باب واحد وهو الجنائز، وكثير من الفقهاء والمصنفين يضعون الجنائز كتاباً خاصاً، حتى المصنف -رحمه الله- سماه كتاب الجنائز.
تعريف اللباس وأنواعه
المعنى الأول: الحسي أو المادي، فيطلق اللباس على ما يستر جسد الإنسان أياً كان، ظاهراً أو باطناً، وعادة ما يسمي العرب اللباس الباطن: شعاراً، واللباس الظاهر: دِثاراً؛ وسموه شعاراً؛ لأنه يمس الجلد فيشعر به الجلد، فيسمى شعاراً، أما الظاهر فهو: دثار؛ لأنه غطاء أو لباس آخر.
والألبسة معروفة في الأزمنة الغابرة والحاضرة، وهي جزء من حضارة الإنسان، ومن يوم خلق الإنسان وهو يسعى إلى الاستتار بما فطر عليه، بخلاف الحيوان؛ ولذلك قال الله سبحانه وتعالى: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا [الأعراف:26]، فهذا مما امتن الله تعالى به على العباد، وإن كانت الحضارة المعاصرة حاولت أن تقلب اللباس بدلاً من أن يكون أداة للستر إلى أن يكون أداة للإثارة، ومزيداً من تحريك الغرائز والشهوات.
النوع الثاني من اللباس: هو اللباس المعنوي، ويقصد به لباس الخلق، العفاف، التقوى، الإيمان، وأيضاً ما وراء ذلك، فمثلاً: الآية الكريمة: وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26]، فسمى الله تعالى هذا لباساً، وهكذا أيضاً قال: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا [النبأ:10]، فأشار الله تعالى إلى أن الليل مثل اللباس؛ لأنه يلف الكون بظلامه ويغطيه، فدوره هو دور اللباس تقريباً.
قواعد اللباس في الإسلام
من هذه الأنظمة: أن الأصل فيها هو الإذن وليس المنع؛ ولذلك تجد أن الإسلام أبقى على الألبسة الموجودة في المجتمعات، ملابس العرب، الفرس، الروم .. وغيرهم، أبقى الإسلام عليها ولم يشترط الإسلام لأتباعه زياً خاصاً، وإنما -فقط- طلب تعديل ما لا يتوافق مع الشريعة، مثل: أن يكون اللباس محرماً في ذاته كالحرير، أو يكون محرماً في مصدره كالمسروق أو المغصوب، أو يكون لباساً خاصاً لجنس، فيمنع منه الجنس الآخر، مثل: اللباس الخاص بالمرأة، يحرم على الرجل لبسه، أو اللباس الخاص بالرجل يحرم على المرأة لبسه .. وما شابه ذلك.
أما اشتراط لون معين وصفة معينة وقياسة معينة للباس، فهذا من عادت المجتمعات.
ولذلك جاء الإسلام أيضاً بمراعاة عادات المجتمع، حتى إن الفقهاء يتكلمون -مثلاً-: عن لباس الشهرة، وقد ورد في حديث وهو صحيح: ( من لبس ثوب شهرة ألبسه الله تعالى ثوب مذلة يوم القيامة، ثم أوقده عليه ناراً )، فلباس الشهرة يعني به الفقهاء: هو أن يلبس الإنسان ثوباً مفرطاً في الغرابة بحيث يلفت أنظار الناس بشكله، سواءً كان في شدة جماله، وغلاء ثمنه الزائد، أو كان في رخصه الشديد وشدة تواضعه أيضًا وإظهاره الزهد القوي، أو كان في صفته أيضاً، فإن هذا قد يكون مذموماً، ومنه ما يصل إلى حد التحريم؛ لكونه لباس شهرة.
أقسام الألبسة في الإسلام
القسم الأول منها: ما حُرِّم على جنس دون جنس، وذلك مثل ما حرم على الرجل دون المرأة، أو حرم على المرأة دون الرجل، ومن ذلك الحرير كما سوف يأتي، فإن الله تعالى حرَّمه على الرجال وأحله للنساء، ومثل ذلك: الذهب، وإن لم يكن الذهب من اللباس المحض ولكنه من الزينة، وهي داخلة في اللباس أيضاً.
القسم الثاني: ما حرم تحريماً مؤقتاً، وهو مثل تحريم لبس المخيط على المحرم بحج أو عمرة، فهذا لباس محرم، لكن تحريمه مؤقتاً بحال معينة، وهي: حال تلبس الإنسان بالإحرام.
القسم الثالث: ما حرم مطلقاً، أياً كان سبب التحريم، ومن ذلك -مثلاً-: الثوب المغصوب فإنه محرم بإطلاق.
القسم الرابع: ما أبيح مطلقاً، وهو ما سوى ذلك، مثل سائر الألبسة التي امتن الله تعالى بها على عباده: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ [الجاثية:13]، فامتن الله تعالى به على العباد ودل ذلك على حلها وجوازها.
وفيما يتعلق بأحكام اللباس هذا أصلها العام.
الحكمة من اللباس
اللباس مأخوذ من اللبس، وهو الملابسة والقرب والمخالطة، وهو يستخدم بمعنيين:
المعنى الأول: الحسي أو المادي، فيطلق اللباس على ما يستر جسد الإنسان أياً كان، ظاهراً أو باطناً، وعادة ما يسمي العرب اللباس الباطن: شعاراً، واللباس الظاهر: دِثاراً؛ وسموه شعاراً؛ لأنه يمس الجلد فيشعر به الجلد، فيسمى شعاراً، أما الظاهر فهو: دثار؛ لأنه غطاء أو لباس آخر.
والألبسة معروفة في الأزمنة الغابرة والحاضرة، وهي جزء من حضارة الإنسان، ومن يوم خلق الإنسان وهو يسعى إلى الاستتار بما فطر عليه، بخلاف الحيوان؛ ولذلك قال الله سبحانه وتعالى: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا [الأعراف:26]، فهذا مما امتن الله تعالى به على العباد، وإن كانت الحضارة المعاصرة حاولت أن تقلب اللباس بدلاً من أن يكون أداة للستر إلى أن يكون أداة للإثارة، ومزيداً من تحريك الغرائز والشهوات.
النوع الثاني من اللباس: هو اللباس المعنوي، ويقصد به لباس الخلق، العفاف، التقوى، الإيمان، وأيضاً ما وراء ذلك، فمثلاً: الآية الكريمة: وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26]، فسمى الله تعالى هذا لباساً، وهكذا أيضاً قال: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا [النبأ:10]، فأشار الله تعالى إلى أن الليل مثل اللباس؛ لأنه يلف الكون بظلامه ويغطيه، فدوره هو دور اللباس تقريباً.
والإسلام جاء بأنظمة في اللباس:
من هذه الأنظمة: أن الأصل فيها هو الإذن وليس المنع؛ ولذلك تجد أن الإسلام أبقى على الألبسة الموجودة في المجتمعات، ملابس العرب، الفرس، الروم .. وغيرهم، أبقى الإسلام عليها ولم يشترط الإسلام لأتباعه زياً خاصاً، وإنما -فقط- طلب تعديل ما لا يتوافق مع الشريعة، مثل: أن يكون اللباس محرماً في ذاته كالحرير، أو يكون محرماً في مصدره كالمسروق أو المغصوب، أو يكون لباساً خاصاً لجنس، فيمنع منه الجنس الآخر، مثل: اللباس الخاص بالمرأة، يحرم على الرجل لبسه، أو اللباس الخاص بالرجل يحرم على المرأة لبسه .. وما شابه ذلك.
أما اشتراط لون معين وصفة معينة وقياسة معينة للباس، فهذا من عادت المجتمعات.
ولذلك جاء الإسلام أيضاً بمراعاة عادات المجتمع، حتى إن الفقهاء يتكلمون -مثلاً-: عن لباس الشهرة، وقد ورد في حديث وهو صحيح: ( من لبس ثوب شهرة ألبسه الله تعالى ثوب مذلة يوم القيامة، ثم أوقده عليه ناراً )، فلباس الشهرة يعني به الفقهاء: هو أن يلبس الإنسان ثوباً مفرطاً في الغرابة بحيث يلفت أنظار الناس بشكله، سواءً كان في شدة جماله، وغلاء ثمنه الزائد، أو كان في رخصه الشديد وشدة تواضعه أيضًا وإظهاره الزهد القوي، أو كان في صفته أيضاً، فإن هذا قد يكون مذموماً، ومنه ما يصل إلى حد التحريم؛ لكونه لباس شهرة.
والألبسة عموماً في الإسلام تنقسم إلى أربعة أقسام:
القسم الأول منها: ما حُرِّم على جنس دون جنس، وذلك مثل ما حرم على الرجل دون المرأة، أو حرم على المرأة دون الرجل، ومن ذلك الحرير كما سوف يأتي، فإن الله تعالى حرَّمه على الرجال وأحله للنساء، ومثل ذلك: الذهب، وإن لم يكن الذهب من اللباس المحض ولكنه من الزينة، وهي داخلة في اللباس أيضاً.
القسم الثاني: ما حرم تحريماً مؤقتاً، وهو مثل تحريم لبس المخيط على المحرم بحج أو عمرة، فهذا لباس محرم، لكن تحريمه مؤقتاً بحال معينة، وهي: حال تلبس الإنسان بالإحرام.
القسم الثالث: ما حرم مطلقاً، أياً كان سبب التحريم، ومن ذلك -مثلاً-: الثوب المغصوب فإنه محرم بإطلاق.
القسم الرابع: ما أبيح مطلقاً، وهو ما سوى ذلك، مثل سائر الألبسة التي امتن الله تعالى بها على عباده: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ [الجاثية:13]، فامتن الله تعالى به على العباد ودل ذلك على حلها وجوازها.
وفيما يتعلق بأحكام اللباس هذا أصلها العام.
أما فيما يتعلق بحِكَم اللباس، فهي أمر ظاهر، منها: ما فيه من ستر العورات، وما فيه من المحافظة على إنسانية الإنسان، وما فيه من دفع الشهوات، وما فيه من التجمل: ( إن الله جميل يحب الجمال )، وما فيه من إظهار النعمة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ) .. إلى غير ذلك من المصالح العظيمة.
الحديث الأول الذي ذكره المصنف ورقمه: (524)، هو حديث أبي عامر الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف .. ) الحديث، وقد عزاه المصنف لـأبي داود، وقال: أصله في البخاري.
تخريج الحديث
أولاً: تخريجه:
فهو عند أبي داود كما أشار المصنف في سننه في كتاب اللباس: باب ما جاء في الخز -بالمعجمتين يعني: منقوطتين، يعني: الخاء والزاي- وذلك لأنه ساق حديثاً آخر بلفظ الخز، وأما حديث الباب ففيه الحر والحرير، أيضاً الحديث رواه ابن حبان والحاكم .
أما قوله: (إن أصله في البخاري ) فنعم. فـالبخاري ذكر هذا الحديث في كتاب الأشربة، باب فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه، وهذا التبويب من البخاري -رحمه الله- إشارة إلى حديث آخر غير حديث الباب؛ لأن البخاري من عادته أحياناً أنه يدرج في الترجمة مضمون حديث ليس على شرطه، وهكذا هنا، فالحديث ليس فيه أنه يسميه بغير اسمه، ولكن جاء في حديث آخر وهو صحيح عند أبي داود وغيره: ( ليشربن أقوام من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها )، فـالبخاري -رحمه الله- اقتبس هذا المعنى : (تسميتها بغير اسمها) من ذلك الحديث، ووضعه في الترجمة.
ولهذا يشيد العلماء دائماً بتراجم البخاري وعناوين الأبواب .
فقال: (يسميه بغير اسمه).
وهذا متضمن في حديث الباب؛ لأنه لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليكونن من أمتي أقوام )، قوله: ( من أمتي )، يدل بظاهره على أن هؤلاء الناس مسلمون، وبالتالي لن يرتكبوا الحرام دون أن يتأولوه، بل سوف يسمونه بغير اسمه، فإذا استحلوا الخمر سموها ما شاءوا من الأسماء، ثم استحلوها بهذه الحيل، كما فعل بنو إسرائيل من قبلهم.
هنا سؤال: لماذا لم يعزُ المصنف الحديث للبخاري، وإنما قال: أصله في البخاري ؟
فأقول: إن البخاري قال في الباب المشار إليه: قال هشام بن عمار : حدثنا صدقة بن خالد .. ثم ساق الحديث إلى أبي مالك أو أبي عامر الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، وليبيتن أقوام إلى جنب عَلَم يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم الرجل الفقير بحاجة، فيقولون له: ارجع إلينا غداً، فيرجع إليهم وقد مسخوا، ووضع الجبل عليهم، وليمسخن أقوام قردة وخنازير إلى يوم القيامة )، فهذا هو أصل الحديث.
إذاً: البخاري -رحمه الله- ساقه بلفظ: قال هشام بن عمار، وسبق معنا أكثر من مرة إنه لما يقول البخاري : قال، يعني: إنه معلَّق، والغالب أن البخاري، بل هذا هو المتبع، إذا قال البخاري في الحديث: قال فلان: فهو معلق، يعني: مقطوع أعلى الإسناد، بخلاف ما إذا قال: حدثنا، فإنه حديث موصول، ومعلقات البخاري لا تعتبر أحاديث أصلية في البخاري، بمعنى: أنه قد يوجد فيها الصحيح والحسن والضعيف ؛ لأنها لا يقال: أخرجه البخاري، وإنما يقال: ذكره البخاري، أو رواه البخاري تعليقاً، والمعلقات كثيرة في البخاري وغالباً ما توجد في رأس الباب، وقد صنف فيها أئمة من أوسعهم الحافظ ابن حجر -رحمه الله- فإن له كتاباً ضخماً مفيداً مطبوعاً في خمسة مجلدات اسمه: تغليق التعليق، يعني: كمَّل وغلق وأنجز فيه الأحاديث المعلقة، ومر عليها واحداً بعد آخر.
إذاً: هذا الحديث ظاهره في البخاري أنه معلَّق؛ لأن البخاري قال: قال هشام بن عمار .
ولكن اختلف العلماء هل التعليق هنا على وجهه أم لا؟
منهم من قال: إنه معلق، وإنه بناءً عليه يعتبر حديثاً منقطعاً، ومن أشهر من ذكر هذا القول واعتمده الإمام ابن حزم الظاهري -رحمه الله- كما في كتاب الملاهي له، وكما في كتاب المحلى أيضاً، وكذلك ابن طاهر القيسراني وهو أيضاً إمام فاضل ظاهري، فإنه أعلّ الحديث وضعفه بالانقطاع، هذه فئة.
والفئة الثانية من أهل العلم قالوا: إن هذا الحديث وإن كان معلَّقاً؛ إلا أنه موصول من طرق أخرى، ومن أمثال هؤلاء: الإمام ابن الصلاح كما في مقدمته.
الفئة الثالثة من الأئمة قالوا: إن هذا الحديث ليس معلَّقاً؛ بل هو موصول على شرط البخاري، وأن البخاري -رحمه الله- وإن قال في أول الحديث: (قال فلان)، إلا أن البخاري :
أولاً: ليس بمدلس، بحيث يقال: إنه روى عن شخص لم يأخذ عنه.
وثانياً: قالوا: إن البخاري قد روى عن هشام بن عمار بالسند المتصل في موضعين من صحيحه، فـهشام بن عمار إذاً من شيوخ البخاري، وقد لقيه البخاري، وسمع منه، وأخذ وروى عنه.
وأيضاً قالوا: إن العبارة أو الصيغة محتملة، فـالبخاري أو غيره لما يقول: (قال فلان) هذا يحتمل الاتصال، بل قد يكون ظاهراً فيه الاتصال.
وبناءً عليه قال هؤلاء: إن الحديث يعتبر موصولاً وعلى شرط البخاري، وأياً ما كان الأمر، فإن الحديث ظاهره أنه معلَّق -ظاهر الصيغة التعليق-؛ ولهذا أن نقول: رواه البخاري معلقاً فهذا كلام سليم، ولكن لا يلزم من تعليقه ضعفه، فإن البخاري قد يعلِّق الحديث وهو صحيح، بل قد يعلق الحديث في موضع ويرويه موصولاً في موضع آخر، وهذا الحديث بالذات علَّقه البخاري -رحمه الله- عن شيخ لقيه، وأخذ منه، وروى عنه، وهو موجود في الصحيح رواية عنه في موضعين.
فنقول: قد يكون تعليق البخاري للحديث؛ لأنه لم يأخذه من الشيخ على سبيل الرواية، وإنما أخذه على سبيل المذاكرة، فهذه من دقة أهل الحديث: أنه إذا أخذ الحديث على سبيل المذاكرة وليس على سبيل الرواية، يقول: قال فلان، وبكل حال فإن الحجَّة مع من صحح الحديث أو حسنه، بل قد يكون الأفضل أن نقول: إن الحديث حسن الإسناد :
أولاً: لأن الحديث متصل بين البخاري وهشام بن عمار .
ثانياً: أن كثيراً من الأئمة رووا الحديث عن هشام بن عمار بسند متصل.
ثالثاً: أن هشام بن عمار رجل صدوق، حسن الحديث، ومَن فوقه من رجال الإسناد ثقات، وقد توبع هشام بن عمار أيضاً؛ فهو لم ينفرد بالحديث، كما ذكر أبو داود وغيره طرقاً أخرى للحديث.
إذاً نقول: الحديث حسن الإسناد، وأقلُّ أحواله أن يكون حسن الإسناد، وأما من أعلَّ الحديث بالاضطراب فإن إعلاله له لا يصح، أما اضطراب السند فغاية ما تمسكوا به أن في آخر الحديث: عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري، وبهذا أعلَّه ابن حزم أيضاً، ونقول: أبو عامر وأبو مالك الأشعري كلاهما صحابيان، فهو انتقال من صحابي إلى صحابي، سواءً كان أبو عامر أو أبو مالك، وهذا لا يضر ولا يطعن في ثبوت أصل الحديث.
أما الطعن باضطرابه في اللفظ والسياق؛ وذلك لأنهم قالوا: إن أبا داود ذكره في سننه، ولم يذكر قضية الخمر والمعازف.
فنقول: إن أبا داود اختصر الحديث أو أحد الرواة، بدليل أنه قال: (وذكر كلاماً)، قال: ( ليكونن من أمتي أقواماً يستحلون الحر والحرير ) وذكر كلاماً، فقوله: (وذكر كلاماً) يعني: أنه قد اختصر اللفظ ولم يذكره كله، فهذا دليل على أنه ليس في الحديث اضطراب، لا في سنده ولا في متنه.
وبناءً عليه: فنحن نرجِّح أن الحديث أقل أحواله أن يكون حسن الإسناد.
وقد كتب الشيخ عبد الله بن يوسف الجديع قبل سنوات طويلة كتاباً اسمه: أحاديث ذم الغناء والمعازف في الميزان، وهذا الكتاب أعتقد أنه موجود في المكتبات، وهو قديم يمكن من عشر سنوات أو أكثر، ودرس هذا الحديث دراسة طيبة، وخلص فيه إلى صحة الحديث، كما أنه -يعني: الجديع - كتب كتاباً ضخماً في هذا العام عن -أظن- أحكام الغناء والموسيقى في حوالي ستمائة صفحة أو أكثر، مع أنه في الحديث حاول أن ينتصر لعدم تحريم الغناء، وينتصر لقول ابن حزم، إلا أنه مع ذلك صحَّح هذا الحديث، وإذا صحح هذا الحديث فقد أضعف القول الذي انتحله ومال إليه؛ لأن الحديث هو أقوى ما يتمسك به القائلون بتحريم الغناء.
إذاً: هذا ما يتعلق بموضوع إسناد الحديث والكلام فيه.
معاني ألفاظ الحديث
وما أدري وسوف إخال أدري أقوم آل حصن أم نساء
والغالب في القرآن لما يقول (قوم) قال: قَالَ يَا قَوْمِ [الأنعام:78]، إِلَى قَوْمِهِ [الأعراف:59]، يكون المقصود به الذكور والإناث على حد سواء، وإنما سمُّوا قوماً؛ لأنهم يقومون بالأمور العظيمة؛ لأنهم جماعة اجتمعوا وتآزروا، فهم يقومون بالأمور العظيمة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ( يستحلون )، يحتمل معنيين:
الأول: إما أن المعنى: (يستحلونها) يعني: يرونها حلالاً.
الثاني: وإما أن يكون المعنى: أنهم يتبذلون في استخدامها فعل الذي يستحلها.
يعني: إما أن يكون المقصود يستحلون، يعني: يقولون: هي حلال وهذا واضح، أو يكون المعنى: أنهم يفعلون فيها فعل المستحل، وهذا أيضاً مستخدم لغة، أنه لما يقول: إنه يكون الإنسان مدمن الخمر، يشربها ويجاهر بها ويتبذل فيها، فإنه يقال: فلان يستحل الخمر، يقصد أنه يفعل بها فعل المستحل، ولا يستحي من الله ولا من الناس.
( يستحلون الحر والحرير ) الحِر: بكسر الحاء وتخفيف الراء، هذا هو الصحيح، وبعضهم ضبطها: الخز، وهو اللباس المعروف، ولكن هذا يعتبر تصحيفاً، وإنما الصواب الحر، وبعضهم أيضاً يشدد الراء، وهذا ضعيف، والأفصح هو (الحر) بكسر الحاء وتخفيف الراء بدون تشديد وهو الفرج.
إذاً: ( يستحلون الحر )، يعني: يستحلون الزنا والفواحش.
والحرير لباس معروف، يستخرج من دودة القز، وهذا يسمى بالحرير الطبيعي، وهو الوارد فيه النص، والله أعلم.
هناك نوع من الحرير ثانٍ الآن هو الحرير الصناعي، يقال: إنه يصنع من نشارة الخشب، أو من نسالة القطن، وبناءً عليه فهو غير داخل في النص، والله أعلم.
نكمل بقية الحديث من حيث معاني الكلمات، ( يستحلون الحر والحرير، والخمر والمعازف ) .. (المعازف): أيضاً من العزف وهو الصوت، والمقصود بالمعازف آلات العزف وآلات الغناء.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: ( وليبيتن رجال من أمتي إلى جنب عَلَم )، يعني: إلى جوار جبل، العلم هو الجبل: ( يروح عليهم بسارحة له )، يعني: يأتيهم ويروح عليهم، يغدو ويروح في الصباح وفي المساء: الراعي، (بسارحة) وهي: الغنم أو الإبل التي تسرح، وهذا من نوع توصيف حال هؤلاء القوم.
( فيأتيهم لحاجة )، يعني: يأتيهم رجل فقير لحاجة، يطلب منهم حاجة، فيقولون له: ( ارجع إلينا غداً، فيرجع إليهم وقد مسخوا ووضع الجبل عليهم )، يعني: أن الله تعالى مسخهم، وقلب الجبل عليهم، كما وقع لمن قبلهم من بني إسرائيل وغيرهم.
حكم لبس الحرير للرجال
الحديث فيه مسألة ساقها المصنف، وهي مسألة: تحريم لبس الحرير.. وهذه المسألة سوف نعرض لها إن شاء الله بعد قليل، ولكن بشكل عام لبس الحرير على الرجال محرم، وقد نقل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم نقلاً يقرب من التواتر.
فممن رواه مثلاً: عمر بن الخطاب، علي بن أبي طالب، أبو موسى الأشعري، جابر بن عبد الله، عائشة، أنس بن مالك، البراء بن عازب، عبد الله بن عمرو بن العاص، عبد الله بن عمر، ومعاوية بن أبي سفيان .. وخلق لا يحصيهم إلا الله، تزيد أحاديثهم على العشرات؛ ولذلك فهي تبلغ في الجملة مبلغ التواتر.
فوائد الحديث
وهذا الحديث من حيث:
أولاً: تخريجه:
فهو عند أبي داود كما أشار المصنف في سننه في كتاب اللباس: باب ما جاء في الخز -بالمعجمتين يعني: منقوطتين، يعني: الخاء والزاي- وذلك لأنه ساق حديثاً آخر بلفظ الخز، وأما حديث الباب ففيه الحر والحرير، أيضاً الحديث رواه ابن حبان والحاكم .
أما قوله: (إن أصله في البخاري ) فنعم. فـالبخاري ذكر هذا الحديث في كتاب الأشربة، باب فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه، وهذا التبويب من البخاري -رحمه الله- إشارة إلى حديث آخر غير حديث الباب؛ لأن البخاري من عادته أحياناً أنه يدرج في الترجمة مضمون حديث ليس على شرطه، وهكذا هنا، فالحديث ليس فيه أنه يسميه بغير اسمه، ولكن جاء في حديث آخر وهو صحيح عند أبي داود وغيره: ( ليشربن أقوام من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها )، فـالبخاري -رحمه الله- اقتبس هذا المعنى : (تسميتها بغير اسمها) من ذلك الحديث، ووضعه في الترجمة.
ولهذا يشيد العلماء دائماً بتراجم البخاري وعناوين الأبواب .
فقال: (يسميه بغير اسمه).
وهذا متضمن في حديث الباب؛ لأنه لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليكونن من أمتي أقوام )، قوله: ( من أمتي )، يدل بظاهره على أن هؤلاء الناس مسلمون، وبالتالي لن يرتكبوا الحرام دون أن يتأولوه، بل سوف يسمونه بغير اسمه، فإذا استحلوا الخمر سموها ما شاءوا من الأسماء، ثم استحلوها بهذه الحيل، كما فعل بنو إسرائيل من قبلهم.
هنا سؤال: لماذا لم يعزُ المصنف الحديث للبخاري، وإنما قال: أصله في البخاري ؟
فأقول: إن البخاري قال في الباب المشار إليه: قال هشام بن عمار : حدثنا صدقة بن خالد .. ثم ساق الحديث إلى أبي مالك أو أبي عامر الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، وليبيتن أقوام إلى جنب عَلَم يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم الرجل الفقير بحاجة، فيقولون له: ارجع إلينا غداً، فيرجع إليهم وقد مسخوا، ووضع الجبل عليهم، وليمسخن أقوام قردة وخنازير إلى يوم القيامة )، فهذا هو أصل الحديث.
إذاً: البخاري -رحمه الله- ساقه بلفظ: قال هشام بن عمار، وسبق معنا أكثر من مرة إنه لما يقول البخاري : قال، يعني: إنه معلَّق، والغالب أن البخاري، بل هذا هو المتبع، إذا قال البخاري في الحديث: قال فلان: فهو معلق، يعني: مقطوع أعلى الإسناد، بخلاف ما إذا قال: حدثنا، فإنه حديث موصول، ومعلقات البخاري لا تعتبر أحاديث أصلية في البخاري، بمعنى: أنه قد يوجد فيها الصحيح والحسن والضعيف ؛ لأنها لا يقال: أخرجه البخاري، وإنما يقال: ذكره البخاري، أو رواه البخاري تعليقاً، والمعلقات كثيرة في البخاري وغالباً ما توجد في رأس الباب، وقد صنف فيها أئمة من أوسعهم الحافظ ابن حجر -رحمه الله- فإن له كتاباً ضخماً مفيداً مطبوعاً في خمسة مجلدات اسمه: تغليق التعليق، يعني: كمَّل وغلق وأنجز فيه الأحاديث المعلقة، ومر عليها واحداً بعد آخر.
إذاً: هذا الحديث ظاهره في البخاري أنه معلَّق؛ لأن البخاري قال: قال هشام بن عمار .
ولكن اختلف العلماء هل التعليق هنا على وجهه أم لا؟
منهم من قال: إنه معلق، وإنه بناءً عليه يعتبر حديثاً منقطعاً، ومن أشهر من ذكر هذا القول واعتمده الإمام ابن حزم الظاهري -رحمه الله- كما في كتاب الملاهي له، وكما في كتاب المحلى أيضاً، وكذلك ابن طاهر القيسراني وهو أيضاً إمام فاضل ظاهري، فإنه أعلّ الحديث وضعفه بالانقطاع، هذه فئة.
والفئة الثانية من أهل العلم قالوا: إن هذا الحديث وإن كان معلَّقاً؛ إلا أنه موصول من طرق أخرى، ومن أمثال هؤلاء: الإمام ابن الصلاح كما في مقدمته.
الفئة الثالثة من الأئمة قالوا: إن هذا الحديث ليس معلَّقاً؛ بل هو موصول على شرط البخاري، وأن البخاري -رحمه الله- وإن قال في أول الحديث: (قال فلان)، إلا أن البخاري :
أولاً: ليس بمدلس، بحيث يقال: إنه روى عن شخص لم يأخذ عنه.
وثانياً: قالوا: إن البخاري قد روى عن هشام بن عمار بالسند المتصل في موضعين من صحيحه، فـهشام بن عمار إذاً من شيوخ البخاري، وقد لقيه البخاري، وسمع منه، وأخذ وروى عنه.
وأيضاً قالوا: إن العبارة أو الصيغة محتملة، فـالبخاري أو غيره لما يقول: (قال فلان) هذا يحتمل الاتصال، بل قد يكون ظاهراً فيه الاتصال.
وبناءً عليه قال هؤلاء: إن الحديث يعتبر موصولاً وعلى شرط البخاري، وأياً ما كان الأمر، فإن الحديث ظاهره أنه معلَّق -ظاهر الصيغة التعليق-؛ ولهذا أن نقول: رواه البخاري معلقاً فهذا كلام سليم، ولكن لا يلزم من تعليقه ضعفه، فإن البخاري قد يعلِّق الحديث وهو صحيح، بل قد يعلق الحديث في موضع ويرويه موصولاً في موضع آخر، وهذا الحديث بالذات علَّقه البخاري -رحمه الله- عن شيخ لقيه، وأخذ منه، وروى عنه، وهو موجود في الصحيح رواية عنه في موضعين.
فنقول: قد يكون تعليق البخاري للحديث؛ لأنه لم يأخذه من الشيخ على سبيل الرواية، وإنما أخذه على سبيل المذاكرة، فهذه من دقة أهل الحديث: أنه إذا أخذ الحديث على سبيل المذاكرة وليس على سبيل الرواية، يقول: قال فلان، وبكل حال فإن الحجَّة مع من صحح الحديث أو حسنه، بل قد يكون الأفضل أن نقول: إن الحديث حسن الإسناد :
أولاً: لأن الحديث متصل بين البخاري وهشام بن عمار .
ثانياً: أن كثيراً من الأئمة رووا الحديث عن هشام بن عمار بسند متصل.
ثالثاً: أن هشام بن عمار رجل صدوق، حسن الحديث، ومَن فوقه من رجال الإسناد ثقات، وقد توبع هشام بن عمار أيضاً؛ فهو لم ينفرد بالحديث، كما ذكر أبو داود وغيره طرقاً أخرى للحديث.
إذاً نقول: الحديث حسن الإسناد، وأقلُّ أحواله أن يكون حسن الإسناد، وأما من أعلَّ الحديث بالاضطراب فإن إعلاله له لا يصح، أما اضطراب السند فغاية ما تمسكوا به أن في آخر الحديث: عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري، وبهذا أعلَّه ابن حزم أيضاً، ونقول: أبو عامر وأبو مالك الأشعري كلاهما صحابيان، فهو انتقال من صحابي إلى صحابي، سواءً كان أبو عامر أو أبو مالك، وهذا لا يضر ولا يطعن في ثبوت أصل الحديث.
أما الطعن باضطرابه في اللفظ والسياق؛ وذلك لأنهم قالوا: إن أبا داود ذكره في سننه، ولم يذكر قضية الخمر والمعازف.
فنقول: إن أبا داود اختصر الحديث أو أحد الرواة، بدليل أنه قال: (وذكر كلاماً)، قال: ( ليكونن من أمتي أقواماً يستحلون الحر والحرير ) وذكر كلاماً، فقوله: (وذكر كلاماً) يعني: أنه قد اختصر اللفظ ولم يذكره كله، فهذا دليل على أنه ليس في الحديث اضطراب، لا في سنده ولا في متنه.
وبناءً عليه: فنحن نرجِّح أن الحديث أقل أحواله أن يكون حسن الإسناد.
وقد كتب الشيخ عبد الله بن يوسف الجديع قبل سنوات طويلة كتاباً اسمه: أحاديث ذم الغناء والمعازف في الميزان، وهذا الكتاب أعتقد أنه موجود في المكتبات، وهو قديم يمكن من عشر سنوات أو أكثر، ودرس هذا الحديث دراسة طيبة، وخلص فيه إلى صحة الحديث، كما أنه -يعني: الجديع - كتب كتاباً ضخماً في هذا العام عن -أظن- أحكام الغناء والموسيقى في حوالي ستمائة صفحة أو أكثر، مع أنه في الحديث حاول أن ينتصر لعدم تحريم الغناء، وينتصر لقول ابن حزم، إلا أنه مع ذلك صحَّح هذا الحديث، وإذا صحح هذا الحديث فقد أضعف القول الذي انتحله ومال إليه؛ لأن الحديث هو أقوى ما يتمسك به القائلون بتحريم الغناء.
إذاً: هذا ما يتعلق بموضوع إسناد الحديث والكلام فيه.
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 38-40 | 4784 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجماعة والإمامة - حديث 442 | 4394 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 57-62 | 4213 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 282-285 | 4095 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 727-728 | 4047 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 405-408 | 4021 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 313-316 | 3974 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 36 | 3917 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب المياه - حديث 2-4 | 3900 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 734-739 | 3879 استماع |