خطب ومحاضرات
شرح عمدة الفقه - كتاب النكاح [4]
الحلقة مفرغة
أيها الأحبة تقدم لنا شيء من شروط صحة النكاح، فتكلمنا عن الولاية, ومراتب الأولياء, وتكلمنا أيضاً عن الشهادة وكلام أهل العلم رحمهم الله في اشتراط الشهادة, ثم بعد ذلك تكلمنا عن رضا الزوجين ومن الذي يعتبر رضاه، ومن الذي لا يعتبر رضاه.. إلخ, ثم بعد ذلك تكلمنا عن الكفاءة بين الزوجين, وهل الكفاءة شرط لصحة عقد النكاح أو أنها شرط للزوم, ثم بعد ذلك ذكرنا شيئاً من أحكام الإماء على سيدهن وأيضاً شيئاً من أحكام الرقيق مع سيدهم.
قال المؤلف رحمه الله: [باب المحرمات في النكاح].
المحرمات في النكاح, المراد بهذا الباب الممنوع تزوجهن، والأصل في النكاح هو الحل؛ لأن الله عز وجل لما ذكر، عدد المحرمات: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ [النساء:23]، ثم قال الله عز وجل بعد ذلك: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ [النساء:24]، وفي قراءة سبعية: وَأَحَلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ [النساء:24] بفتح الألف والحاء، فأفاد هذا بأن الأصل هو الحل إلا ما جاء الشرع بتحريمه سواء كان ذلك في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
المحرمات ينقسمن إلى قسمين:
القسم الأول: محرمات على التأبيد, بمعنى: أنها لا تحل للإنسان إلى يوم القيامة.
والقسم الثاني: محرمات على التأقيت.
المحرمات على التأبيد ينقسمن إلى خمس أقسام:
القسم الأول: محرمات بالنسب.
والقسم الثاني: محرمات بالمصاهرة.
والقسم الثالث: محرمات باللعان.
والقسم الرابع: محرمات بالرضاع.
والقسم الخامس: محرمات بالاحترام.
المحرمات من النسب
شرع المؤلف رحمه الله في بيان القسم الأول من هذه الأقسام الخمسة وهن المحرمات بالنسب فقال رحمه الله: [وهن الأمهات والبنات والأخوات وبنات الإخوة، وبنات الأخوات والعمات والخالات].
هذا القسم الأول من المحرمات على التأبيد وهن المحرمات بالنسب, فتحرم الأم وأمها وإن علت يعني: تحرم الأم وكل جدة سواء كانت من قبل الأم أو من قبل الأب وإن علت, وتحرم البنت وبنتها وإن نزلت، وبنت الابن وإن نزلت, وتحرم الأخت من أي جهة سواء كانت شقيقة أو كانت لأب أو كانت لأم، وتحرم أيضاً بنت الأخ, أو قبل ذلك العمة سواء كانت هذه العمة شقيقة أو لأب أو لأم، وأيضاً تحرم هذه العمة وإن علت, يعني: عمة أبيك وعمة جدك وعمة أمك..إلخ, هؤلاء كلهن محرمات عليك, أيضاً الخالة تحرم مطلقاً سواء كانت هذه الخالة لأب أو لأم أو شقيقة, وسواء كانت خالة لك أو لأبيك أو لأمك وإن علت, كذلك أيضاً بنت الأخ تحرم مطلقاً سواء كان هذا الأخ شقيقاً أو لأب أو لأم أيضاً حتى وإن نزلت, فتحرم بنت الأخ وبنتها وبنت ابنها وإن نزلن, كذلك أيضاً بنت الأخت تحرم مطلقاً سواء كانت هذه الأخت شقيقة أو لأم أو لأب, وتحرم مطلقاً حتى وإن نزلت، فتحرم بنت الأخت وبنتها وبنت بنتها وبنت ابنها وإن نزلن, هؤلاء محرمات عليك إلى يوم القيامة, هذا هو القسم الأول من المحرمات بالنسب, وهذا دل له الإجماع وقول الله عز وجل كما سلف: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ [النساء:23]، هذا القسم الأول المحرمات بالنسب.
المحرمات بالمصاهرة
هذا القسم الثاني من المحرمات على التأبيد: وهن المحرمات بالمصاهرة, والمحرمات بالمصاهرة أربع:
الأولى: زوجة الأب وزوجة كل جد وإن علا, فهذه تحرم بمجرد العقد، زوجة أبيك وزوجة جدك سواء كان هذا الجد من قبل الأب أو من قبل الأم فإنه بمجرد أن يعقد أبوك أو جدك وإن علا على هذه المرأة فإنها تحرم عليك إلى يوم القيامة، وتكون أنت محرماً لهذه المرأة حتى ولو طلقها أبوك أو مات عنها فأنت تكون لها محرماً إلى يوم القيامة.
فالأولى من المحرمات بالمصاهرة: زوجة الأب وزوجة كل جد مطلقاً وإن علا, فإنها تكون محرمة بمجرد العقد إلى يوم القيامة, ودليل ذلك قول الله عز وجل: وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:22].
قال المؤلف رحمه الله: [وأمهات النساء].
الثانية من المحرمات بالمصاهرة: أم كل زوجة وإن علت, فهذه تحرم عليك بمجرد العقد, فأم الزوجة وأمها وأم أمها, يعني: جدات الزوجة سواء كانت هذه الجدة من قبل الأب أو كانت من قبل الأم فإنها محرمة عليك إلى يوم القيامة بمجرد العقد, حتى ولو طلقت زوجتك فأنت تبقى محرماً لأمها وأيضاً محرماً لجدتها وإن علت هذه الجدة، وسواء كانت هذه الجدة من قبل الأم أو كانت من قبل الأب.
فنقول: الثاني ممن يحرم بالمصاهرة: أم الزوجة وأمهاتها وجداتها سواء كانت هذه الجدات من قبل الأم أو من قبل الأب, فإنه بمجرد أن تعقد على هذه المرأة حرمت عليك أمها وجدتها مطلقاً سواء كانت هذه الجدة من قبل الأم أو من قبل الأب حتى ولو طلقت هذه المرأة فإنها تبقى محرمة عليك وتبقى محرماً لها, ودليل ذلك قول الله عز وجل: وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ [النساء:23].
قال المؤلف رحمه الله: [وحلائل الأبناء].
الثالثة ممن يحرمن بالمصاهرة: زوجة الابن مطلقاً, زوجة الابن بمجرد أن يعقد ابنك على هذه المرأة فإنها تكون محرمة عليك إلى يوم القيامة, فابنك وابن ابنك وابن بنتك بمجرد أن يعقد على هذه المرأة فإنها تكون محرمة عليك إلى يوم القيامة, حتى ولو طلقها أو مات عنها وتكون محرماً لها.
فنقول الثالثة: زوجة كل ابن وإن نزل وسواء كان هذا الابن نزل بمحض الذكور أو نزل بمحض الإناث فإن زوجته تكون محرمة عليك إلى يوم القيامة بمجرد العقد, ودليل ذلك: وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ [النساء:23].
قال المؤلف رحمه الله: [والربائب المدخول بأمهاتهن].
الرابعة ممن تحرم بالمصاهرة: الربيبة: بنت الزوجة، بنت الزوجة هذه تحرم عليك بمجرد أن تدخل بأمها، لكن لو عقدت على أمها ثم طلقتها قبل أن تدخل بأمها فإنها لا تحرم عليك.
والربائب يحرمن عليك مطلقاً, يعني: بنت الزوجة وبنتها وإن نزلت, يعني: بنت الزوجة وبنتها وبنت بنتها وبنت ابن ابنها. وإن نزلن.
فالربائب محرمات عليك مطلقاً بمجرد أن تدخل بأمها, أما لو حصل عقد على هذه الأم ثم حصل طلاق قبل الدخول فإن الربيبة لا تحرم, ودليل ذلك قول الله عز وجل: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [النساء:23]، فالله عز وجل اشترط شرطين لتحريم الربيبة:
الشرط الأول: أن تكون في حجر الزوج, يعني: تربت في بيته.
والشرط الثاني: أن يكون دخل بأمها.
وقد اختلف أهل العلم رحمهم الله هل لا بد من توافر هذين الشرطين لكي تحرم الربيبة أو أنه يكتفى بشرط واحد؟ على رأيين:
الرأي الأول: وهو رأي جمهور أهل العلم: أنه يكتفى بشرط واحد فقط, وهو الدخول بالأم, فإن كان الزوج دخل بالزوجة حرمت عليه بناتها, وبنات بناتها، وبنات أبنائها, وإن لم يكن الزوج دخل بالزوجة, وأما مجرد العقد عليها فإنه لا تحرم عليه الربائب حتى يدخل بها, وهذا قول جمهور أهل العلم رحمهم الله.
الرأي الثاني: أنه لا بد من توافر هذين الشرطين, أن يدخل الزوج بالزوجة، وأن تكون هذه البنت قد تربت في حجر الزوج، فإن دخل الزوج بزوجته ولها بنت لكن هذه البنت لم تترب في حجره فإنها لا تحرم عليه, وهذا ذهب إليه طائفة من السلف، وهو مروي عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه.
والصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله وأنه يشترط شرط واحد فقط وهو الدخول بالأم, فإذا دخل بأمها حرمت عليه وإن لم تتربَّ في حجره؛ لأن الله عز وجل فصل في هذا الشرط وترك التفصيل في الشرط الآخر، فهذا دليل على أن شرط الحجر غير معتبر؛ لأن الله عز وجل تركه ولم يفصل فيه, وإنما فصل في شرط الدخول فقال الله عز وجل: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [النساء:23]، ففصل في شرط الحجر, وهذا القول: هو الصواب.
وأيضاً لا تحرم الزوجة الربيبة إلا بالدخول بالأم أي بالجماع، فلو أن الزوج عقد على هذه الزوجة وخلا بها واستمتع بها فهل تحرم عليه بنتها أو لا تحرم عليه بنتها؟
هذا موضع خلاف بين أهل العلم, والصواب في ذلك أنها لا تحرم عليه؛ لأن الله عز وجل قال: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [النساء:23]، فقال الله عز وجل: بِهِنَّ ولم يقل سبحانه: عليهن, فدل ذلك على أنه لا بد من الوطء ولا بد من الجماع لكي تحرم عليه الربيبة.
فأصبح عندنا المحرمات بالمصاهرة أربع: ثلاث يحرمن بمجرد العقد، وواحدة لا تحرم إلا بالدخول.
اللاتي يحرمن بمجرد العقد:
الأولى: زوجة الأب، وزوجة كل جد وإن علت, سواء كان هذا الجد من قبل الأب أو كان من قبل الأم.
الثانية: زوجة كل ابن وإن نزل هذا الابن سواء كان هذا الابن نزل بمحض الذكورة أو نزل بمحض الإناث, فهذه تحرم بمجرد العقد.
الثالثة: أم كل زوجة وجدة مطلقاً وإن علت, فنقول: أم الزوجة وجداتها مطلقاً سواء كن هؤلاء الجدات من قبل الأب أو من قبل الأم فإنهن يحرمن بمجرد العقد.
الرابعة: الربيبة بنت الزوجة مطلقاً سواء كانت بنتاً لها أو نزلت بنت ابنها أو بنت بنتها وإن نزلن فإنهن لا يحرمن إلا بالدخول بالزوجة.
المحرمات بالرضاع
هذا القسم الثالث من المحرمات على التأبيد: التحريم بالرضاع, وهذا التحريم بالرضاع سيعقد له المؤلف رحمه الله كتاباً مستقلاً وهو: كتاب الرضاع.
قال: (ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب), وهذا دليله قول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ).
قال المؤلف رحمه الله: [وبنات المحرمات محرمات إلا بنات العمات والخالات].
بنات المحرمات محرمات إلا بنات العمات والخالات, يعني: بنت عمتك لا تحرم عليك مع أن عمتك محرمة عليك، وبنت خالتك لا تحرم عليك مع أن خالتك محرمة عليك.
كذلك أيضاً ربيبة أبيك ليست محرمة عليك, مع أنها محرمة على أبيك, أبوك إذا دخل بزوجته, فإن ربيبته تحرم عليه, لكن هذه الربيبة مباحة للابن, فيباح للابن أن يتزوج ربية أبيه، ويباح للابن أيضاً أن يتزوج أم زوجة أبيه, فلو أن أباك أو جدك عقد على امرأة وهذه المرأة لها أم فهذه الأم محرمة على أبيك, لكنها بالنسبة للابن حلال له, فالابن يجوز له أن يتزوج أم زوجة أبيه وجدة زوجة أبيه وإن علت, كذلك أيضاً الابن يجوز له أن يتزوج ربيبة أبيه، فلو أن أباك تزوج امرأة وهذه المرأة لها بنت, ودخل أبوك بزوجته حرمت عليه الربيبة إلى يوم القيامة، فيجوز للابن وإن نزل أن يتزوج ربيبة أبيه, كذلك أيضاً يجوز للأب أن يتزوج أم زوجة ابنه، ويجوز له أيضاً أن يتزوج ربيبة ابنه, فلو أن ابنك تزوج امرأة وهذه المرأة لها أم يجوز لك أن تتزوج أم زوجة ابنك, كذلك أيضاً لو أن ابنك تزوج امرأة وهذه المرأة لها بنت، ودخل ابنك بزوجته حرمت عليه ربيبته، لكن هذه الربيبة مباحة للأب.
فنقول: أمهات الأزواج وربائب الأزواج محرمات على الآباء والأبناء, نقول: أم زوجة ابنك محرمة على ابنك، ربيبة ابنك محرمة على ابنك لكنها مباحة للأب، والعكس كذلك أم زوجة أبيك وربيبة أبيك هذه محرمة على أبيك, لكنها بالنسبة للابن حلال له.
هل الحرام يحرم الحلال؟
هذه مسألة هل الحرام يلحق بالحلال في التحريم أو لا يلحق به؟
هذا موضع خلاف بين أهل العلم:
المشهور من المذهب أن الحرام يلحق بالحلال في التحريم.
صورة المسألة: أنت عقدت على هذه المرأة، أم هذه المرأة هل تحرم عليك أو لا تحرم عليك؟
نقول: تحرم عليك، أم الزوجة وجداتها كما سلف لنا محرمات عليك إلى يوم القيامة بمجرد العقد, هذا بالنسبة للحلال, بقينا في الحرام, زنى رجل بامرأة هل تحرم عليه أمها؟ وهل يحرم عليه أيضاً بنتها، بنت هذه المزني بها؟
يقول المؤلف رحمه الله: الحرام كالحلال تماماً, فإذا زنى رجل بامرأة حرمت عليه أمها كما أنه إذا تزوج هذه المرأة حرمت عليه أمها وجداتها, فكذلك أيضاً إذا زنى بهذه المرأة فإن أمها وجداتها يحرمن عليه إلى يوم القيامة, كما أنه أيضاً إذا تزوج امرأة ودخل بهذه المرأة ولها ربيبة حرمت عليه ربيبته، كذلك أيضاً إذا زنى بامرأة وهذه المرأة لها بنت فإن هذه البنت تحرم عليه, فألحق السفاح بالنكاح, ولهذا قال المؤلف: ومن وطء امرأة حلالاً أو حراماً, حلالاً بعقد النكاح، أو حراماً بالزنا، حرمت على أبيه وابنه، وحرمت عليه أمهاتها وبناتها, فأنت إذا زنيت بامرأة حرمت عليك أمها, كما أنك إذا عقدت عليها تحرم عليك أمها, أيضاً تحرم عليك بنتها كما أنك أيضاً إذا عقدت عليها ودخلت بها حرمت عليك الربيبة كذلك أيضاً إذا زنيت بها حرمت عليك بنتها.
كذلك أيضاً قال المؤلف رحمه الله: حرمت على أبيه وابنه, كما أن الشخص إذا عقد على امرأة فإنها تحرم على أبيه؛ لأنه تقدم لنا من المحرمات بالمصاهرة: زوجة كل ابن وإن نزل, فلو أن رجلاً زنى بامرأة حرمت على أبيه, كما أنه في الحلال لو أن هذا الرجل تزوج هذه المرأة حرمت على أبيه؛ لأن من المحرمات بالمصاهرة زوجة كل ابن وإن نزل, كذلك أيضاً تحرم على ابنه, لو أن رجلاً زنى بامرأة حرمت هذه المرأة على أبنائه كما أنه لو عقد عليها حرمت هذه المرأة على أبنائه, فألحقوا السفاح بالنكاح, هذا هو المشهور من المذهب.
واستدلوا بالعمومات قالوا: إن الله عز وجل يقول: وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ [النساء:22]، وكذلك أيضاً قالوا: بأن الله عز وجل يقول: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ [النساء:23], وقالوا بأن هذا يشمل الحلال والحرام, وأيضاً استدلوا بقول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها, وكذلك أيضاً قالوا: بأنه موجود في التوراة أنه ملعون من نظر إلى فرج امرأة وبنتها.
والرأي الثاني: أن الأصل في ذلك الحل لقول الله عز وجل: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ [النساء:24]، وأن الرجل إذا زنى بامرأة فإن هذه المرأة لا تحرم على أبيه ولا تحرم على ابنه كما ذكر المؤلف رحمه الله, كذلك إذا زنى بامرأة فإن أم المزني بها لا تحرم على الزاني، وكذلك أيضاً بنت المزني بها لا تحرم على الزاني, ولا نلحق السفاح بالنكاح, وهذا القول: هو الصواب؛ لأن الأصل في ذلك الحل، والمحرم شرعاً كالمعدوم حساً.
والمشهور من المذهب أنهم ذهبوا إلى أبعد من ذلك فقالوا: لو أن رجلاً لاط برجل يعني: لو أن رجلاً عمل اللواط برجل, فقالوا: أيضاًهذا الائط الذي لاط بهذا الرجل يحرم عليه أن يتزوج بنته ويحرم عليه أيضاً أن يتزوج أمه, كما أنه إذا عقد على امرأة يحرم عليه أن يتزوج أم زوجته، ويحرم عليه أيضاً أن يتزوج بنت زوجته، فكذلك أيضاً إذا لاط بشخص فإنه يحرم عليه أن يتزوج أمه، وكذلك أيضاً يحرم عليه أن يتزوج ابنته.
والصواب في ذلك أن السفاح لا يلحق بالنكاح, وأن المحرم شرعاً كالمعدوم حساً, وإذا كان الشخص له أن يتزوج المزني بها إذا تابت, يعني: لو زنى بامرأة ثم بعد ذلك تابت هذه المرأة وتاب الزاني له أن يتزوجها, فمن باب أولى له أن يتزوج أمها, ومن باب أولى له أن يتزوج بنتها.
التحريم باللعان
المحرمات بالاحترام
فأصبح عندنا القسم الأول: المحرمات على التأبيد وهن خمسة أقسام:
الأول: المحرمات بالنسب, وهذه ذكرنا أنهن سبع.
الثاني: المحرمات بالمصاهرة وهن أربع.
الثالث: المحرمات بالرضاع وسيأتي إن شاء الله بيان ذلك.
الرابع: المحرمات باللعان.
الخامس: المحرمات بالاحترام.
هذه أقسام التحريم على التأبيد.
فالمحرمات على التأبيد ينقسمن إلى هذه الأقسام الخمسة.
شرع المؤلف رحمه الله في بيان القسم الأول من هذه الأقسام الخمسة وهن المحرمات بالنسب فقال رحمه الله: [وهن الأمهات والبنات والأخوات وبنات الإخوة، وبنات الأخوات والعمات والخالات].
هذا القسم الأول من المحرمات على التأبيد وهن المحرمات بالنسب, فتحرم الأم وأمها وإن علت يعني: تحرم الأم وكل جدة سواء كانت من قبل الأم أو من قبل الأب وإن علت, وتحرم البنت وبنتها وإن نزلت، وبنت الابن وإن نزلت, وتحرم الأخت من أي جهة سواء كانت شقيقة أو كانت لأب أو كانت لأم، وتحرم أيضاً بنت الأخ, أو قبل ذلك العمة سواء كانت هذه العمة شقيقة أو لأب أو لأم، وأيضاً تحرم هذه العمة وإن علت, يعني: عمة أبيك وعمة جدك وعمة أمك..إلخ, هؤلاء كلهن محرمات عليك, أيضاً الخالة تحرم مطلقاً سواء كانت هذه الخالة لأب أو لأم أو شقيقة, وسواء كانت خالة لك أو لأبيك أو لأمك وإن علت, كذلك أيضاً بنت الأخ تحرم مطلقاً سواء كان هذا الأخ شقيقاً أو لأب أو لأم أيضاً حتى وإن نزلت, فتحرم بنت الأخ وبنتها وبنت ابنها وإن نزلن, كذلك أيضاً بنت الأخت تحرم مطلقاً سواء كانت هذه الأخت شقيقة أو لأم أو لأب, وتحرم مطلقاً حتى وإن نزلت، فتحرم بنت الأخت وبنتها وبنت بنتها وبنت ابنها وإن نزلن, هؤلاء محرمات عليك إلى يوم القيامة, هذا هو القسم الأول من المحرمات بالنسب, وهذا دل له الإجماع وقول الله عز وجل كما سلف: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ [النساء:23]، هذا القسم الأول المحرمات بالنسب.
قال المؤلف رحمه الله: [وأمهات النساء وحلائل الآباء والأبناء والربائب المدخول بأمهاتهن].
هذا القسم الثاني من المحرمات على التأبيد: وهن المحرمات بالمصاهرة, والمحرمات بالمصاهرة أربع:
الأولى: زوجة الأب وزوجة كل جد وإن علا, فهذه تحرم بمجرد العقد، زوجة أبيك وزوجة جدك سواء كان هذا الجد من قبل الأب أو من قبل الأم فإنه بمجرد أن يعقد أبوك أو جدك وإن علا على هذه المرأة فإنها تحرم عليك إلى يوم القيامة، وتكون أنت محرماً لهذه المرأة حتى ولو طلقها أبوك أو مات عنها فأنت تكون لها محرماً إلى يوم القيامة.
فالأولى من المحرمات بالمصاهرة: زوجة الأب وزوجة كل جد مطلقاً وإن علا, فإنها تكون محرمة بمجرد العقد إلى يوم القيامة, ودليل ذلك قول الله عز وجل: وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:22].
قال المؤلف رحمه الله: [وأمهات النساء].
الثانية من المحرمات بالمصاهرة: أم كل زوجة وإن علت, فهذه تحرم عليك بمجرد العقد, فأم الزوجة وأمها وأم أمها, يعني: جدات الزوجة سواء كانت هذه الجدة من قبل الأب أو كانت من قبل الأم فإنها محرمة عليك إلى يوم القيامة بمجرد العقد, حتى ولو طلقت زوجتك فأنت تبقى محرماً لأمها وأيضاً محرماً لجدتها وإن علت هذه الجدة، وسواء كانت هذه الجدة من قبل الأم أو كانت من قبل الأب.
فنقول: الثاني ممن يحرم بالمصاهرة: أم الزوجة وأمهاتها وجداتها سواء كانت هذه الجدات من قبل الأم أو من قبل الأب, فإنه بمجرد أن تعقد على هذه المرأة حرمت عليك أمها وجدتها مطلقاً سواء كانت هذه الجدة من قبل الأم أو من قبل الأب حتى ولو طلقت هذه المرأة فإنها تبقى محرمة عليك وتبقى محرماً لها, ودليل ذلك قول الله عز وجل: وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ [النساء:23].
قال المؤلف رحمه الله: [وحلائل الأبناء].
الثالثة ممن يحرمن بالمصاهرة: زوجة الابن مطلقاً, زوجة الابن بمجرد أن يعقد ابنك على هذه المرأة فإنها تكون محرمة عليك إلى يوم القيامة, فابنك وابن ابنك وابن بنتك بمجرد أن يعقد على هذه المرأة فإنها تكون محرمة عليك إلى يوم القيامة, حتى ولو طلقها أو مات عنها وتكون محرماً لها.
فنقول الثالثة: زوجة كل ابن وإن نزل وسواء كان هذا الابن نزل بمحض الذكور أو نزل بمحض الإناث فإن زوجته تكون محرمة عليك إلى يوم القيامة بمجرد العقد, ودليل ذلك: وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ [النساء:23].
قال المؤلف رحمه الله: [والربائب المدخول بأمهاتهن].
الرابعة ممن تحرم بالمصاهرة: الربيبة: بنت الزوجة، بنت الزوجة هذه تحرم عليك بمجرد أن تدخل بأمها، لكن لو عقدت على أمها ثم طلقتها قبل أن تدخل بأمها فإنها لا تحرم عليك.
والربائب يحرمن عليك مطلقاً, يعني: بنت الزوجة وبنتها وإن نزلت, يعني: بنت الزوجة وبنتها وبنت بنتها وبنت ابن ابنها. وإن نزلن.
فالربائب محرمات عليك مطلقاً بمجرد أن تدخل بأمها, أما لو حصل عقد على هذه الأم ثم حصل طلاق قبل الدخول فإن الربيبة لا تحرم, ودليل ذلك قول الله عز وجل: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [النساء:23]، فالله عز وجل اشترط شرطين لتحريم الربيبة:
الشرط الأول: أن تكون في حجر الزوج, يعني: تربت في بيته.
والشرط الثاني: أن يكون دخل بأمها.
وقد اختلف أهل العلم رحمهم الله هل لا بد من توافر هذين الشرطين لكي تحرم الربيبة أو أنه يكتفى بشرط واحد؟ على رأيين:
الرأي الأول: وهو رأي جمهور أهل العلم: أنه يكتفى بشرط واحد فقط, وهو الدخول بالأم, فإن كان الزوج دخل بالزوجة حرمت عليه بناتها, وبنات بناتها، وبنات أبنائها, وإن لم يكن الزوج دخل بالزوجة, وأما مجرد العقد عليها فإنه لا تحرم عليه الربائب حتى يدخل بها, وهذا قول جمهور أهل العلم رحمهم الله.
الرأي الثاني: أنه لا بد من توافر هذين الشرطين, أن يدخل الزوج بالزوجة، وأن تكون هذه البنت قد تربت في حجر الزوج، فإن دخل الزوج بزوجته ولها بنت لكن هذه البنت لم تترب في حجره فإنها لا تحرم عليه, وهذا ذهب إليه طائفة من السلف، وهو مروي عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه.
والصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله وأنه يشترط شرط واحد فقط وهو الدخول بالأم, فإذا دخل بأمها حرمت عليه وإن لم تتربَّ في حجره؛ لأن الله عز وجل فصل في هذا الشرط وترك التفصيل في الشرط الآخر، فهذا دليل على أن شرط الحجر غير معتبر؛ لأن الله عز وجل تركه ولم يفصل فيه, وإنما فصل في شرط الدخول فقال الله عز وجل: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [النساء:23]، ففصل في شرط الحجر, وهذا القول: هو الصواب.
وأيضاً لا تحرم الزوجة الربيبة إلا بالدخول بالأم أي بالجماع، فلو أن الزوج عقد على هذه الزوجة وخلا بها واستمتع بها فهل تحرم عليه بنتها أو لا تحرم عليه بنتها؟
هذا موضع خلاف بين أهل العلم, والصواب في ذلك أنها لا تحرم عليه؛ لأن الله عز وجل قال: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [النساء:23]، فقال الله عز وجل: بِهِنَّ ولم يقل سبحانه: عليهن, فدل ذلك على أنه لا بد من الوطء ولا بد من الجماع لكي تحرم عليه الربيبة.
فأصبح عندنا المحرمات بالمصاهرة أربع: ثلاث يحرمن بمجرد العقد، وواحدة لا تحرم إلا بالدخول.
اللاتي يحرمن بمجرد العقد:
الأولى: زوجة الأب، وزوجة كل جد وإن علت, سواء كان هذا الجد من قبل الأب أو كان من قبل الأم.
الثانية: زوجة كل ابن وإن نزل هذا الابن سواء كان هذا الابن نزل بمحض الذكورة أو نزل بمحض الإناث, فهذه تحرم بمجرد العقد.
الثالثة: أم كل زوجة وجدة مطلقاً وإن علت, فنقول: أم الزوجة وجداتها مطلقاً سواء كن هؤلاء الجدات من قبل الأب أو من قبل الأم فإنهن يحرمن بمجرد العقد.
الرابعة: الربيبة بنت الزوجة مطلقاً سواء كانت بنتاً لها أو نزلت بنت ابنها أو بنت بنتها وإن نزلن فإنهن لا يحرمن إلا بالدخول بالزوجة.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [22] | 2513 استماع |
شرح عمدة الفقه - كتاب الزكاة [1] | 2461 استماع |
شرح عمدة الفقه - كتاب الطهارة [4] | 2440 استماع |
شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [12] | 2420 استماع |
شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [2] | 2394 استماع |
شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [14] | 2349 استماع |
شرح عمدة الفقه - كتاب الطهارة [2] | 2348 استماع |
شرح عمدة الفقه - كتاب النكاح [1] | 2310 استماع |
شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [23] | 2304 استماع |
شرح عمدة الفقه - كتاب الزكاة [6] | 2299 استماع |