شرح عمدة الأحكام - كتاب الطلاق [1]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب الطلاق ].

الشرح:

الطلاق في اللغة: التخلية.

وفي الاصطلاح: حل قيد النكاح أو بعضه.

والأصل في الطلاق أنه مكروه؛ ويدل لذلك دليلان:

الدليل الأول: قول الله عز وجل: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:226-227] فقال في الفيئة -يعني: الرجوع بلا حسن عشرة المرأة- قال: (فإن الله غفور رحيم)، وقال في الطلاق: (فإن الله سميع عليم)، وهذا نوع من التأكيد.

أما الدليل الثاني: فلما يترتب على الطلاق من تفويت مصالح النكاح الكثيرة، ومصالح النكاح كثيرة جداً، منها: الاستجابة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وتكثير الأمة، وتحقيق المباهاة، والنبي عليه الصلاة والسلام ذكر ما يكون بين الزوجين من المودة والألفة والرحمة.

يجب الطلاق في حال تضرر المرأة في البقاء مع زوجها، أو في حال يخرجها إلى المخالعة، فنقول: يجب عليه أن يطلقها.

كذلك أيضاً: إذا تركت عفة، أو تركت صلاة، فإنه يجب عليه أن يطلقها، ولا يجوز له أن يمسكها.

ويحرم الطلاق إذا كان بدعة. وسيأتينا إن شاء الله طلاق البدعة، وطلاق البدعة أن يطلقها في حيض، أو في طهر جامعها فيه، أو أن يتبعها أكثر من طلقة.

ويباح الطلاق للحاجة، فإذا كان الزوج يحتاج إلى الطلاق فإنه يباح له أن يطلق.

قال المؤلف رحمه الله: [ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ( أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيض منه الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم قال: ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهراً قبل أن يمسها إلى طهر ) ].

الشرح:

حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه هذا فيه بيان طلاق السنة، وفيه بيان الطلاق للعدة، والله عز وجل يقول: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1]، ما هو طلاق السنة وما هو الطلاق للعدة؟

طلاق السنة والطلاق للعدة ما جمع أربع صفات:

الصفة الأولى: أن يكون طلقة واحدة، فإذا طلقها أكثر من طلقة، فهو ليس طلاق سنة، بل الصحيح أنه محرم.

الصفة الثانية: أن يطلقها لطهر، فإن طلقها في حال الحيض، فطلاق بدعة محرم.

الصفة الثالثة: أن يطلقها في طهر لم يجامع فيه، فإذا جامع في هذا الطهر فإنه لا يجوز له أن يطلق، ولنفرض أن المرأة طهرت من الحيض، ثم جامعها زوجها، فلا يجوز له أن يطلق حتى تحيض، فإذا حاضت وطهرت من حيضتها فله أن يطلق قبل أن يمسها, أما لو طهرت من حيضتها ثم جامعها فإنه إذا طلقها حينئذٍ يكون طلاقه طلاق بدعة، بل لا بد أن ينتظر حتى تحيض، فإذا حاضت وطهرت، فإن شاء أن يمسك، وإن شاء أن يطلق قبل أن يمسها، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها.

الصفة الرابعة: أن يتركها حتى تنقضي عدتها، يعني: لا يتبعها طلقة أخرى في العدة، فمثلاً إذا قال لزوجته: أنت طالق، لما قال: أنت طالق في طهر لم يجامع فيه شرعت في العدة، فكونه يقول: أنت طالق مرة أخرى، هذه اللفظة طلاق بدعة؛ لأنه يجب عليه أن يتركها حتى تنقضي عدتها، يعني: ما يطلق الطلقة الثانية إلا بعد مراجعة أو بعد عقد جديد.

فصفات طلاق السنة أن تكون طلقة واحدة، وأن تكون في طهر وليست في حيض، وأن يكون في طهر لم يجامع فيه، وأن يتركها حتى تنقضي عدتها، فكونه يتبعها طلقة أخرى، نقول: هذا طلاق البدعة.

ودليل ذلك حديث ابن عمر الذي أورده المؤلف رحمه الله بأن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض، فأخبر عمر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، فتغير النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: (مره فليراجعها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، فإن شاء أن يطلق قبل أن يمس، وإن شاء أن يمسك، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق له).

والحمد لله رب العالمين.