شرح زاد المستقنع - كتاب الديات [2]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب مقادير ديات النفس: دية الحر المسلم مائة بعير أو ألف مثقال ذهباً أو اثنا عشر ألف درهم فضة أو مائتا بقرة أو ألفا شاة؛ هذه أصول الدية فأيها أحضر من تلزمه لزم الولي قبوله، ففي قتل العمد وشبهه خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة.

وفي الخطأ تجب أخماساً، ثمانون من الأربعة المذكورة وعشرون من بني مخاض، ولا تعتبر القيمة في ذلك بل السلامة.

ودية الكتابي نصف دية المسلم، ودية المجوسي والوثني ثمانمائة درهم، ونساؤهم على النصف كالمسلمين، ودية قنٍّ قيمته، وفي جراحه ما نقصه بعد البرء، ويجب في الجنين ذكراً كان أو أنثى عشر دية أمه غرة، وعشر قيمتها إن كان مملوكاً، وتقدر الحرة أمة، وإن جنى رقيق خطأ أو عمداً لا قوَد فيه أو فيه قوَد واختير فيه المال أو أتلف مالاً بغير إذن سيده تعلق ذلك برقبته، فيخير سيده بين أن يفديه بأرش جنايته، أو يسلمه إلى ولي الجناية فيملكه، أو يبيعه ويدفع ثمنه ].

قال المؤلف رحمه الله: (باب مقادير ديات النفس).

المقادير: جمع مقدار، وهو مبلغ الشيء وقدره، وسيتكلم المؤلف رحمه الله تعالى أولاً عن قدر دية النفس، ثم بعد ذلك سيتكلم عن قدر ديات الأعضاء والمنافع والجروح والقصاص.

يقول المؤلف رحمه الله تعالى: (دية الحر المسلم مائة بعير أو ألف مثقال ذهباً أو اثنا عشر ألف درهم فضة أو مائتا بقرة أو ألفا شاة).

النفس إما أن تكون مسلمة أو تكون كافرة، وإما أن تكون ذكراً أو تكون أنثى، وإما أن تكون حرة أو تكون رقيقة، وإما أن تكون حملاً في البطن أو غير حمل, فهذه ثمانية أقسام سيتكلم المؤلف رحمه الله تعالى عن ديات هذه الأقسام كلها.

دية المسلم الحر

فبدأ بالقسم الأول وهي: دية الحر المسلم، فقال بأن ديته مائة بعير أو ألف مثقال ذهباً أو اثنا عشر ألف درهم فضة أو مائتا بقرة أو ألفا شاة، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وأن أصول الدية هذه التي ذكرها المؤلف رحمه الله تعالى إما الإبل أو الذهب أو الفضة أو البقر أو الشياه، فهذه خمسة أصول كما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى.

والرأي الثاني: أن أصول الدية ثلاثة، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك ، وهي: الإبل, والذهب, والفضة.

والرأي الثالث: أن الدية ليس لها إلا أصل واحد فقط، وهو الإبل، وهذا هو قول الشافعي رحمه الله تعالى، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله.

وهذا الخلاف في أصول الدية ينبني عليه مسألة، كما سنشير إليه.

والمشهور من المذهب كما سمعنا: أن أصول الدية خمسة: الإبل, والبقر, والغنم, والذهب, والفضة، ودليلهم على ذلك حديث جابر: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فرض في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاه ألفي شاة ) رواه أبو داود وابن أبي شيبة والبيهقي ، وهو حديث ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وكذلك استدلوا بحديث عكرمة عن ابن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل في دية القتيل اثني عشر ألف درهم ) .

والذين قالوا بأن الأصول ثلاثة كما هو قول مالك وأبي حنيفة قالوا: هي الإبل والذهب والفضة، أما الإبل فدليل ذلك حديث عمرو بن حزم ، وفيه: ( وفي النفس المؤمنة مائة من الإبل ) ، وكذلك أيضاً هو الوارد عن عمر رضي الله تعالى عنه، وكذلك أيضاً كما سيأتينا في ديات الأطراف والمنافع والكسور والجروح أن هذه مقدرة بالإبل، فكذلك أيضاً النفس تقدر بالإبل.

وأما الذهب والفضة فلأنها قيم الأشياء، فقالوا بأن الأصول هذه الثلاثة.

الرأي الثالث: رأي الشافعي: أنه لا أصل إلا أصل واحد وهو الإبل، ودليلهم على ذلك حديث عمرو بن حزم : ( وفي النفس المؤمنة مائة من الإبل) ، وهذا الحديث تلقته الأمة بالقبول، وكذلك أيضاً كما تقدم أن هذا وارد عن عمر رضي الله تعالى عنه، وكذلك -كما سيأتينا- أن الأطراف والجروح والكسور مقدرة بالإبل، فكذلك أيضاً النفس مقدرة بالإبل. وهذا القول الذي ذهب إليه الشافعي رحمه الله تعالى هو الصواب، وأن الدية ليس لها إلا أصل واحد وهو الإبل.

قال رحمه الله: (هذه أصول الدية، فأيها أحضر من تلزمه لزم الولي قبوله).

وهذه فائدة الخلاف بين العلماء رحمهم الله تعالى.

إذا قلنا: إن أصول الدية خمسة كما يعدد الحنابلة رحمهم الله، فإن ولي الدم إذا أحضر له الجاني أي أصل من هذه الأصول فإنه يجب عليه أن يقبله، فإن أحضر له الذهب قبلها، وإن أحضر له الفضة قبله، واليوم الفضة رخيصة جداً بخلاف الذهب، فولي الدم أو الجاني يحضر فضة؛ لأن الفضة رخيصة جداً، وإن أحضر له إبلاً أو بقراً أو غنماً إلى آخره يجب عليه أن يقبلها، إذا قلنا بأن هذه الأشياء الخمسة كلها أصول.

وإن قلنا بأن الأصل هو الإبل كما هو مذهب الشافعي رحمه الله تعالى، فإنه لا يجب على المجني عليه أو وليه أن يقبل إلا الإبل، فلو أعطاه ذهباً أو أعطاه فضة أو أعطاه بقراً فله أن يرد ذلك، ولا يأخذ إلا الإبل، وإذا تصالحا على شيء فهذا جائز كما تقدم لنا أن الصلح على دم العمد جائز باتفاق الأئمة، فإذا تصالحا على ذلك فإن هذا جائز، لكن إذا لم يتصالحا واختلفا، وطلب ولي الدم الإبل فإنه يجاب إلى ذلك، إذا قلنا بأن الأصل إنما هو الإبل فقط.

دية قتل العمد وشبهه

قال رحمه الله تعالى: (ففي قتل العمد وشبهه خمس وعشرون بنت مخاض).

تقدم لنا في أول الحديث في أول كتاب القصاص أن العمد وشبه العمد يتفقان في بعض الأمور ويختلفان في بعض الأمور، فمن الأمور التي يتفق فيها قتل العمد وشبه العمد تغليظ الدية، ولهذا قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ففي قتل العمد وشبهه خمس وعشرون بنت مخاض) وبنت المخاض هذه ما لها سنة، وسميت بذلك لأن أمها في الغالب قد حملت.

قال: (وخمس وعشرون بنت لبون).

وبنت اللبون ما لها سنتان، وسميت بذلك لأن الغالب أن أمها وضعت وترضع.

قال: (وخمس وعشرون حقة).

وهي ما لها ثلاث سنوات، وسميت بذلك لأنها استحقت أن يطرقها الفحل، أو أن تحمل عليها الأركان.

قال: (وخمس وعشرون جذعة).

وهي ما لها أربع سنوات، وسميت بذلك لأنها أسقطت الثنية.

وهذا التغليظ هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وكذلك أيضاً مذهب أبي حنيفة ومالك ، وإن كان مالك يستثني بعض الصور، بأن يجعلها مثلثة، كما سيأتينا عن الشافعي رحمه الله في قتل الوالد لولده.

المهم أن أكثر أهل العلم يرون أنها في العمد وشبه العمد تجب أرباعاً: خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة.

واستدلوا لذلك بحديث السائب بن يزيد أنه قال: ( كانت الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة من الإبل أربعة أسنان: خمسة وعشرين جذعة، وخمسة وعشرين حقة، وخمسة وعشرين بنت لبون، وخمسة وعشرين بنت مخاض ). وهذا الحديث ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفاً بإسناد صحيح.

الرأي الثاني في هذه المسألة رأي الشافعي رحمه الله تعالى: أنها ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خليفة، كما جاء ذلك في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما.

وتقدم لنا حديث ابن عمرو رضي الله تعالى عنهما، وهو حديث ثابت، وعلى هذا يكون الأقرب في هذه المسألة هو ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله تعالى أنها تجب مثلثة: ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خليفة، كما دل عليه حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما.

هذه دية العمد وشبه العمد وهي مغلظة.

دية الخطأ

قال المؤلف لك: (وفي الخطأ تجب أخماساً، ثمانون من الأربعة المذكورة، وعشرون من بني مخاض).

يعني: دية الخطأ للحر المؤمن لا تغلظ إلا في بعض المواضع كما سيأتينا إن شاء الله، فيقول المؤلف رحمه الله تعالى بأن دية الخطأ تجب أخماساً: عشرون من بنات المخاض، وعشرون من بنات اللبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون من بني المخاض، فعندنا دية الخطأ عشرون من بنات اللبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون من بني المخاض، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله.

ومالك والشافعي رأيهم في هذه المسألة قريب من رأي الحنابلة، إلا أنهم بدلاً من العشرين الأخيرة التي هي: عشرون من بنت مخاض، هم يقولون: عشرون من بني لبون، عندهم عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون من بنات اللبون، هذا مذهب مالك والشافعي ، والخطب في هذا يسير، والحنابلة والحنفية يستدلون بحديث ابن مسعود لكنه لا يثبت مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، لكنه موقوف على ابن مسعود رضي الله عنه.

وجاء عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه أنها أرباع: (ثلاثون حقة، وثلاثون بنت لبون، وعشرون بنت مخاض، وعشرون ابن لبون ذكر) وعلى كل حال؛ الخلاف بين الأئمة في الخطأ قريب، وأما في العمد وشبه العمد فقد تقدم لنا حديث عبد الله بن عمرو وأنه يدل لما ذهب إليه الشافعي رحمه الله تعالى.

قتل الخطأ هل تغلظ فيه الدية أو لا تغلظ؟

المشهور من المذهب أن الدية لا تغلظ إلا في مواضع، منها: إذا حصل القتل في الحرم تغلظ بمقدار ثلث الدية، وإذا حصل في الأشهر الحرم تغلظ بمقدار ثلث الدية، وإذا قتل من ذي محارمه تغلظ بمقدار ثلث الدية.

فأصبحت عند الحنابلة تغلظ في ثلاثة مواضع: في الحرم, وفي الأشهر الحرم، وإذا قتل من ذوي محارمه، وإذا اجتمعت هذه المواضع الثلاثة، فإنه يجب ديتان: دية النفس, والدية الأخرى بدل التغليظ. والتغليظ ورد عن عثمان رضي الله تعالى عنه.

والرأي الثاني: رأي أبي حنيفة ومالك : أنها لا تغلظ في الخطأ، لعدم وروده.

والرأي الثالث: رأي الشافعي: أنه إذا قتل في الحرم أو في الأشهر الحرم أو قتل من ذوي محارمه فإنه يلزم بدية قتل شبه العمد، وتقدم أن دية شبه العمد عند الشافعية مثلثة: ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خليفة.

والذي يظهر والله أعلم أن الوارد عن عثمان رضي الله تعالى عنه من باب السياسة، فإذا رأى الإمام أنه يغلظ في الخطأ فله ذلك.

قال رحمه الله تعالى: ( ولا تعتبر القيمة في ذلك ).

يعني: لا يشترط أن تبلغ قيمة الإبل دية النقد، فمثلاً: دية الحر المسلم مائة من الإبل، سواء بلغت هذه المائة ألف مثقال من الذهب أو اثني عشر ألف درهم من الفضة أو لم تبلغ.

فالقيم قد تختلف، فقد تزيد قيمة الذهب وتنقص قيمة الإبل، وقد تزيد قيمة الفضة وتنقص قيمة الإبل، فلا يشترط إذا أخرج أصلاً من هذه الأصول أن يبلغ قيمة النقد، فلو أخرج مائتي بقرة، إذا قلنا بأن البقر أصل من أصول الدية، فإنه لا يشترط أن تبلغ قيمة البقر دية النقد.

قال: (بل السلامة) أي: من العيوب؛ لأن الإطلاق يقتضي السلامة.

يشترط أن تكون هذه الإبل أو البقر أو الغنم سالمة من العيوب، ولم يبين المؤلف رحمه الله تعالى ما المراد بالعيوب، والذي يظهر -والله أعلم- أن المراد بالعيوب التي تمنع من الإجزاء هي العيوب التي تمنع من الإجزاء في الأضحية.

دية الكتابي

قال رحمه الله تعالى: (ودية الكتابي نصف دية المسلم).

الآن المؤلف رحمه الله تعالى لما ذكر دية المسلم الذكر الحر، ذكر دية الكتابي، أو نقول: دية أهل الكفر.

والكافر الكتابي إما أن يكون ذمياً أو معاهداً أو مستأمناً، وإما أن يكون هذا الكافر مجوسياً أو يكون وثنياً أو غير ذلك.

قال: (ودية الكتابي نصف دية المسلم).

الكتابي المراد به: اليهودي أو النصراني، سواء كان ذمياً أو معاهداً أو مستأمناً. فدية هذا الكتابي نصف دية المسلم.

ويدل لذلك حديث عبد الله بن عمرو ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بأن عقل أهل الكتاب نصف عقل المسلمين ) ، وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وأبو داود وإسناده حسن، فنقول بأن دية الكتابي على النصف من دية المسلم.

وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن دية الكتابي كدية المسلم، وتقدم أن أبا حنيفة رحمه الله تعالى يرى أن المسلم يقتل بالذمي وهو قول ضعيف، وقد استدل بحديث رواه أبو داود في المراسيل وهو لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل دية كل ذي عهد في عهده ألف دينار ).

والرأي الثالث: رأي الشافعي رحمه الله تعالى: أن ديتهم على الثلث من دية المسلمين، وهو أيضاً ضعيف؛ لأن دليله حديث عبادة بن الصامت وهو ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

والصواب ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله, وأن دية الكتابي: اليهودي أو النصراني، سواء كان مستأمناً أو معاهداً أو ذمياً فإنه على النصف من دية المسلمين.

دية المجوسي والوثني

قال: (ودية المجوسي والوثني ثمانمائة درهم).

لما تكلم المؤلف رحمه الله تعالى عن دية أهل الكتاب شرع في بيان دية بقية أهل الكفر الذكور منهم، فقال: (ودية المجوسي والوثني ثمانمائة درهم)، وهذا قول جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى.

ويستدلون لذلك بأنه هو الوارد عن الصحابة: عمر وعثمان وابن مسعود ، فديتهم ثمانمائة درهم.

والآثار الواردة عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم في هذا ضعيفة، وليس فيها ما يدل لما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى.

والذي ثبت عن عثمان رضي الله تعالى عنه: أنه جعل ديتهم أربعة آلاف درهم، أما ثمانمائة درهم فهذا لم يثبت.

وظاهر حديث عبد الله بن عمرو الذي سبق لنا: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم: جعل عقل أهل الكتاب نصف عقل المسلمين ) وإن كان هذا الحديث في أهل الكتاب إلا أن بقية الكفار يلحقون بهم.

فالذي يظهر -والله أعلم- أن دية جميع الكفار على النصف من دية المسلمين.

وأبو حنيفة يرى أن جميع الكفار إذا كان لهم أمان وعهد أن ديتهم كدية المسلمين.

لكن الذي يظهر -والله أعلم- ما دام أنه ما ثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن نقول: بأن دية أهل الكفر سواء كان كتابياً أو غير كتابي على النصف من دية المسلمين.

دية المرأة

قال رحمه الله تعالى: (ونساؤهم).

يعني: نساء الكفار من الكتابيين والمجوس والوثنيين, وسائر المشركين (على النصف) من دية ذكورهم.

المؤلف لما تكلم عن دية الذكر المسلم والذكر الكافر، تلخص لنا أن دية الذكر المسلم الحر مائة من الإبل، والذكر الكافر الحر على النصف عموماً.

الآن شرع فيما يتعلق بديات الإناث، فعندنا دية الأنثى من أهل الكفر، قال: على النصف من دية ذكورهم، فالكتابية ديتها خمس وعشرون من الإبل، لأن الذكر خمسون من الإبل. وبقية أهل الكفر غير الكتابيين من المجوس والوثنيين والدهريين .. أربعمائة درهم؛ لأن دية الذكر على ما ذهب المؤلف رحمه الله تعالى أنها ثمانمائة درهم، فدية الأنثى على النصف.

وتقدم أن الأقرب في هذه المسألة أن يقال بأن دية الكفار عموماً على النصف من دية المسلمين، وعلى هذا تكون دية الكافر الذكر خمسين من الإبل، ودية نسائهم على النصف سواء كن كتابيات أو مجوسيات أو دهريات .. الخ، خمساً وعشرين من الإبل.

قال رحمه الله تعالى: (كالمسلمين).

يعني: أن المرأة الحرة المسلمة ديتها على النصف من دية الذكر الحر المسلم، وعلى هذا تكون ديتها تساوي خمسين من الإبل.

وقد جاء في حديث عمرو بن حزم : ( دية المرأة على النصف من دية الرجل)، لكن هذا لا يثبت، لكن استقراء الشريعة أن المرأة في كثير من المواضع على النصف من الذكر، فمثلاً: في العقيقة تكون على النصف، وفي الميراث تكون على النصف، وفي الشهادة تكون على النصف.. إلخ.

ودية المرأة على النصف من دية الرجل إذا كانت أقل من الثلث، يعني: فيما دون ثلث الدية تستوي دية المرأة مع دية الرجل.

فمثلاً: الإصبع ديته عشر من الإبل كما سيأتي، لا فرق بين الرجل وبين المرأة، فدية الذكر عشر من الإبل، وكذلك أيضاً دية الأنثى عشر من الإبل.

ويد الذكر فيها نصف الدية خمسون من الإبل، ويد المرأة فيها خمس وعشرون من الإبل، على النصف، أما فيما دون الثلث فيستوي الذكر والأنثى.

وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد ومذهب مالك لورود ذلك عن الصحابة رضي الله تعالى منهم: عمر وابن عمر وزيد بن ثابت.

وعند أبي حنيفة والشافعي أنه لا فرق، وأن دية المرأة على النصف من دية الرجل في القليل والكثير، وهذا وارد عن علي رضي الله تعالى عنه.

لكن الذي يظهر والله أعلم هو ما ذهب إليه الحنابلة والمالكية؛ لحديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى تبلغ الثلث من ديته ) .

وهذا الحديث أخرجه النسائي وغيره وهو ضعيف، إلا أنه كما تقدم وارد عن عمر وابن عمر وزيد بن ثابت.

دية القن

قال: (ودية قن قيمته).

لما تكلم المؤلف رحمه الله تعالى عن دية الحر المسلم والكافر الذكر والأنثى، شرع الآن في بيان دية القن، والقن ديته قيمته؛ لأنه مال متقوم، وإذا كان كذلك فإن ديته تكون هي قيمته.

قال: (وفي جراحه ما نقص بعد البرء).

إذا جرح هذا القن فإن ذلك لا يخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن يكون هذا الجرح مقدراً من الحر، فيجب قسطه من قيمته، مثال ذلك: قطع يد الحر فيها نصف الدية، فقطع يد الرقيق نصف القيمة، وأصبع الحر فيه عشر الدية، عشر من الإبل، فيكون إصبع الرقيق فيه عشر القيمة، والأنملة من الإبهام فيه نصف عشر الدية، وفي الرقيق: الأنملة من الرقيق فيه نصف عشر قيمته.

القسم الثاني: ألا يكون مقدراً من حر. قال المؤلف: ما نقصه بعد الجرح إذا كان غير مقدر من الحر، مثل: الحارصة, الدامية من الجروح، هذه غير مقدرة ففيها حكومة بالنسبة للحر وبالنسبة للرقيق أرش هذا الجرح ما نقص من قيمته بعد البرء، فإذا جرحه هذا الجرح ثم بعد ذلك برئ ننظر كم نقص من قيمته، فإن كان نقص من قيمته ألف أو ألفان.. الخ، فهذا هو أرش جرحه.

دية الجنين

قال رحمه الله تعالى: (ويجب في الجنين ذكراً كان أو أنثى عشر دية أمه غرة، وعشر قيمتها إن كان مملوكاً، وتقدر الحرة أمة) .. إلخ.

إذا اعتدي على الجنين وسقط الجنين, فإن هذا الجنين لا يخلو من أقسام:

القسم الأول: أن تلقي نطفة، فهذا لا شيء فيه.

القسم الثاني: أن تلقي علقة، وهذا لا شيء فيه عند جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى خلافاً للإمام مالك الذي يقول: إذا ألقت دماً مجتمعاً وجبت الغرة.

القسم الثالث: أن تلقي مضغة لحم لم يتبين فيها خلق الإنسان، فهذا على المذهب ومذهب الشافعية لا شيء فيها، وهو أيضاً رأي الحنفية.

وعند المالكية يجب فيها؛ لأن المالكية يتوسعون في إيجاب الغرة، ويقابلهم الحنفية يضيقون: لا تجب عندهم الغرة إلا بعد نفخ الروح، والحنابلة والشافعية يتوسطون.

القسم الرابع: أن تلقي مضغة تبين فيها خلق إنسان ولو خفياً، كتخطيط يد أو رجل أو رأس أو وجه ونحو ذلك، فالمشهور من المذهب ومذهب الشافعية أنه إذا تبين فيه خلق الإنسان أنه تجب فيه الغرة، ومن باب أولى هو قول المالكية.

وعند الحنفية: لا تجب الغرة إلا إذا نفخت فيه الروح.

القسم الخامس: أن تسقطه لوقت يعيش لمثله، ويستهل صارخاً، وهذا الوقت ستة أشهر فما فوق، فهذا فيه دية النفس كاملةً.

قوله: (ويجب في الجنين) المراد بالجنين الذي تجب فيه الغرة هو الذي تبين فيه خلق إنسان، وعند الحنفية الذي نفخت فيه الروح، وعند المالكية من باب أولى؛ لأنهم يقولون لو أسقطت دماً مجتمعاً فإنه تجب فيه الغرة.

والغرة كما جاء تفسيرها في الحديث: ( عبد أو أمة )، لكن قدرها العلماء رحمهم الله بخمس من الإبل.

قال: (ويجب في الجنين ذكراً كان أو أنثى عشر دية أمه) يعني: إذا كانت حرة عشر دية أمه ودية الأم الحرة خمسون، والعشر يساوي خمساً من الإبل.

قال: (وعشر قيمتها إن كان مملوكاً).

أي: إن كان حراً عشر دية أمه, وإن كان رقيقاً فعشر قيمتها.

وهذا الذي ذكره المؤلف رحمه الله تعالى هو قول جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى، وهذا التقدير أيضاً بخمس من الإبل وارد عن عمر رضي الله تعالى عنه وزيد بن ثابت ، يعني: عشر ديتها إن كان حراً, وعشر قيمتها إن كان رقيقاً.

والرأي الثاني: رأي المالكية: أن دية الجنين لا يشترط فيها أن تبلغ نصف عشر دية الرجل أو عشر دية المرأة، ويأخذون بظاهر الحديث، ( أن دية الجنين فيها غرة ) والغرة عبد أو أمة ، بلغت ما بلغت من القيمة، ويقولون: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدرها غرة في حديث أبي هريرة في الصحيحين: ( أن امرأتين اقتتلتا، فضربت إحداهما الأخرى بحجر فأسقطت، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم في جنينها بغرة، ثم إنها ماتت فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بأن الدية على العاقلة لورثة المجني عليها ) .

والشاهد من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بدية الجنين غرة، وهذا هو الذي يتمسك به المالكية.

لكن الجمهور قالوا بأن هذا التقدير هو وارد عن عمر وزيد بن ثابت رضي تعالى عنهم أجمعين.

قال رحمه الله: (وتقدر الحرة أمة) يعني: إذا كانت الحرة حاملاً برقيق فإنها تقدر أمة؛ لأن دية الحمل الرقيق عشر قيمة أمه، فهذه امرأة حرة حامل برقيق، وجني على حملها فأسقطت، فإن دية الحمل عشر قيمة أمه، وهي ليست أمة وإنما هي حرة, فنقدر هذه الحرة أمة، كم تساوي لو كانت أمة فيكون دية هذا الجنين عشر قيمتها.

جناية الرقيق

قال رحمه الله: (وإن جنى رقيقٌ خطأً أو عمداً لا قوَد فيه).

عمداً لا قود فيه مثل الجائفة كما سيأتينا، وتقدم لنا الجروح التي فيها قصاص، والجروح التي ليس فيها قصاص، وأن الجروح التي فيها قصاص على المذهب الموضحة وكل جرح يبلغ العظم فقط، وما عدا ذلك ليس فيها قصاص.

فمثلاً: الجائفة هذه ليس فيها قصاص، والهاشمة ليس فيها قصاص، والمنقلة ليس فيها قصاص.. إلخ.

فإذا جنى الرقيق خطأً أو عمداً لا قود فيه، مثل: الهاشمة والمنقلة. فهذه لا قصاص ولا قود فيها.

قال: (واختير فيه المال أو أتلف مالاً بغير إذن سيده تعلق ذلك برقبته، فيخير سيده بين أن يفديه بأرش جنايته، أو يسلمه إلى ولي الجناية فيملكه، أو يبيعه ويدفع ثمنه) .. إلخ.

وهذه المسألة ترد علينا كثيراً وهي قولهم: تعلق أرش الجناية برقبة العبد الجاني، وهذا مصطلح، إذا أردت أن تعرف هذا المصطلح وتفسير هذا المصطلح فهذا موضعه، وهذ اللفظ كثيراً ما يرد في كلام الفقهاء رحمهم الله.

يقولون: تعلق هذا الحق كتعلق الجناية أو تعلق أرش الجناية برقبة العبد الجاني، كيف تتعلق الجناية أو أرش الجناية برقبة العبد الجاني؟

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (إذا جنى الرقيق خطأً أو عمداً ولا قود فيه، أو فيه قود واختير فيه المال) نقول لسيده: أنت بالخيار، إما أن تفديه -تدفع عنه أرش جنايته- وإما أن يباع هذا الرقيق ويؤخذ من ثمنه أرش الجناية، والباقي يدفع إليك، إذا لم يبق شيء فإنك لا تطالب به، وإن بقى شيء فإنه يرد إليك، فإن فداه فالأمر في ذلك ظاهر، وإن لم يفده فإن هذا الرقيق يباع، ويسدد من قيمته أرش الجناية.

فقيمة الرقيق هذا إما أن تكون مساوية لأرش الجناية، وإما أن تكون أقل، وإما أن تكون أكثر، فإن كانت مساوية فالأمر ظاهر، وإن كانت أقل فلا يطالب السيد، وإن كانت قيمته أكثر من الجناية فإن الفاضل يرد إلى السيد. هذا هو المصطلح.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (بغير إذن سيده) إذا كان بإذن سيده فإن سيده يغرم الجناية مطلقاً؛ لأنه قد تكون قيمة العبد أقل من الجناية وحينئذٍ لا يطالب السيد، لكن لو كان بإذن السيد وكانت قيمة الرقيق أقل من الجناية فإن الناقصة يطالب بها السيد.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] 2818 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] 2731 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] 2677 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] 2644 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] 2639 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] 2558 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] 2554 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] 2528 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] 2521 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] 2498 استماع