شرح زاد المستقنع - كتاب اللعان [2]


الحلقة مفرغة

أن يقذف الزوج زوجته بالزنا لفظاً

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن شرطه قذفها بالزنا لفظاً، كزنيتِ أو يا زانية، أو رأيتك تزنين في قبل أو دبر، فإن قال: وطئت بشبهة أو مكرهةً أو نائمة، أو قال: لم تزن ولكن ليس هذا الولد مني، فشهدت امرأة ثقة أنه ولد على فراشه لحقه نسبه ولا لعان، ومن شرطه: أن تكذبه الزوجة، وإذا تم سقط عنه الحد والتعزير، وتثبت الفرقة بينهما بتحريم مؤبد.

فصل: فيما يلحق من النسب.

من ولدت زوجته من أمكن أنه منه لحقه، بأن تلده بعد نصف سنة منذ أمكن وطؤه، أو دون أربع سنين منذ أبانها، وهو ممن يولد لمثله كابن عشر، ولا يحكم ببلوغه إن شك فيه، ومن اعترف بوطء أمته في الفرج أو دونه فولدت لنصف سنة فأزيد لحقه ولدها، إلا أن يدعي الاستبراء ويحلف عليه، وإن قال: وطأتها دون الفرج أو فيه ولم أنزل أو عزلت لحقه، وإن أعتقها أو باعها بعد اعترافه بوطئها فأتت بولد لدون نصف سنة لحقه، والبيع باطل].

تقدم الكلام عن اللعان، فذكرنا تعريفه في اللغة والاصطلاح، وذكرنا شروط صحته، وما يتعلق بكيفيته، وذكرنا أن من شرط صحته: أن يكون بين زوجين مكلفين، وذكرنا أيضاً هل يشترط أن يقذفها بالزنا لكل لعان، أو أن هذا ليس شرطاً؟ وهل يشترط الإسلام أو أن الإسلام ليس شرطاً؟ وذكرنا أيضاً ما يتعلق بتوالي الكلمات، وما يتعلق بالجمل الخمس، وأنه لا بد أن يأتي بها، وذكرنا أيضاً أنه يشترط أن يبدأ الزوج باللعان.. إلى آخر ما تقدم من الأحكام.

قال رحمه الله: (ومن شرطه قذفها بالزنا لفظاً كزنيت، أو يا زانية، أو رأيتك تزنين في قبل أو دبر).

تقدم الكلام على هذا، وذكرنا هل يشترط تقدم الرمي بالزنا؟ وأنه تارةً لا بد منه في اللعان، وتارةً لا يشترط، قد يكون اللعان بلا تقدم رمي بالزنا، كما لو احتاج إلى أن ينفي الولد فإنه يلاعن على نفي الولد، ولا حرج إلى أن يتقدم رميها بالزنا.

قال رحمه الله: (فإن قال: وطئت بشبهة أو مكرهةً أو نائمة، أو قال: لم تزن ولكن ليس هذا الولد مني، فشهدت امرأة ثقة أنه ولد على فراشه لحقه نسبه ولا لعان).

إذا قال الزوج: وطئت بشبهة فإنه لا لعان؛ لأن من شرط صحة اللعان أن يقذفها بالزنا كما تقدم، وهنا لم يقذفها بالزنا، كذلك أيضاً لو قال: وطئت مكرهةً.. إلى آخره، فهذا ليس قذفاً بالزنا، ومن شرط اللعان أن يقذفها بالزنا.

كذلك لو قال: لم تزن، ولكن هذا الولد ليس مني، أيضاً هذا ليس قذفاً، وحينئذ ليس هنا لعان، فقوله: هذا الولد ليس مني يحتمل أن يكون من وطء شبهة فلا لعان.

قوله: (فشهدت امرأة ثقة أنه ولد على فراشه لحقه نسبه).

إذا قال: هذا الولد ليس مني، وهي لم تزن، فيقول المؤلف رحمه الله تعالى: أما اللعان فإنه لا لعان لعدم القذف، لكن بقينا بالنسبة للولد، هل يلحقه نسبه، أو نقول: بأن نسبه لا يلحقه؟

قال رحمه الله: إن شهدت امرأة ثقة أنه ولد على فراشه لحقه نسبه، وعندنا أصل؛ أن الولد للفراش، وللعاهر الحجر، وأنه لا يقبل من الزوج أن ينتفي من الولد؛ لأن الأصل أن الولد للفراش، حتى ولو اختلف لون الولد عن لون الأب، فإنه لا يقبل أن ينفيه؛ لأن عندنا أصلاً وهو أن الولد للفراش.

ويدل لذلك حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن امرأتي ولدت غلاماً أسود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل لك من إبل؟ قال: نعم. قال: ما ألوانها؟ قال: حمر، قال: هل فيها من أورق؟ قال: نعم. قال: أنى لها ذلك؟ قال: يا رسول الله! لعله نزعه عرق)، يعني: أتى من أب بعيد، فقال: (ابنك هذا لعله نزعه عرق)، يعني: جذبه عرق من عرق أب من آبائه، فالأصل أن الولد للفراش، وأنه لا يجوز للأب أن ينتفي من ولده، وسيأتينا إن شاء الله متى ينتفي من الولد، ومتى لا ينتفي من الولد.

أن تكذِّب الزوجة زوجها في قذفه لها

قال رحمه الله: (ومن شرطه: أن تكذبه الزوجة).

من شرط اللعان: أن تكذبه الزوجة، يعني: إذا قذفها بالزنا يشترط لوجود اللعان أن تكذبه الزوجة، فلو أن الزوجة لم تكذبه قالت: هو صادق، هل هناك لعان أو ليس هناك لعان؟ لا لعان.

لكن هل تحد أو لا تحد؟ يقولون: لا تحد، لماذا؟ لأنه يشترط في الإقرار بالزنا أن تقر أربع مرات، فإذا كذبته الزوجة قالت: كاذب، هنا ترتب عليه العذاب، لا بد أن يلاعن لكي يسقط الحد، فإن صدقته المرأة قالت: هو صادق، هنا لا حد عليه، لكن هل هناك لعان أو ليس هناك لعان؟ نقول: لا لعان، لأنها كذبت، وهل يحد؟ يقولون: بأنه لا يحد؛ لأنها لم تقر أربع مرات، والزنا على المشهور من المذهب يشترط فيه أن تقر أربع مرات.

والصواب في هذه المسألة: أن المرأة إن كذبته كما سلف فهنا يلاعن، وإن قالت: صادق فيما رماني به من الزنا، فالصواب أنها تحد؛ لأنه سيأتينا إن شاء الله أن الزنا لا يشترط في الإقرار به أن يكون أربع مرات، وأن الصواب في ذلك أنه يكتفى بمرة واحدة، ويدل لذلك ما ثبت في الصحيحين من قصة العسيف، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها، فاعترفت فرجمها)، ولأن الله سبحانه وتعالى قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ [النساء:135]، فهذا الرجل قام بالقسط والعدل وشهد على نفسه فترتب عليه العذاب، وكذلك المرأة إذا قامت بالقسط وشهدت على نفسها ترتب عليها العذاب، فالصواب أنها إن صدقته تحد، وإن كذبته يلاعن.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن شرطه قذفها بالزنا لفظاً، كزنيتِ أو يا زانية، أو رأيتك تزنين في قبل أو دبر، فإن قال: وطئت بشبهة أو مكرهةً أو نائمة، أو قال: لم تزن ولكن ليس هذا الولد مني، فشهدت امرأة ثقة أنه ولد على فراشه لحقه نسبه ولا لعان، ومن شرطه: أن تكذبه الزوجة، وإذا تم سقط عنه الحد والتعزير، وتثبت الفرقة بينهما بتحريم مؤبد.

فصل: فيما يلحق من النسب.

من ولدت زوجته من أمكن أنه منه لحقه، بأن تلده بعد نصف سنة منذ أمكن وطؤه، أو دون أربع سنين منذ أبانها، وهو ممن يولد لمثله كابن عشر، ولا يحكم ببلوغه إن شك فيه، ومن اعترف بوطء أمته في الفرج أو دونه فولدت لنصف سنة فأزيد لحقه ولدها، إلا أن يدعي الاستبراء ويحلف عليه، وإن قال: وطأتها دون الفرج أو فيه ولم أنزل أو عزلت لحقه، وإن أعتقها أو باعها بعد اعترافه بوطئها فأتت بولد لدون نصف سنة لحقه، والبيع باطل].

تقدم الكلام عن اللعان، فذكرنا تعريفه في اللغة والاصطلاح، وذكرنا شروط صحته، وما يتعلق بكيفيته، وذكرنا أن من شرط صحته: أن يكون بين زوجين مكلفين، وذكرنا أيضاً هل يشترط أن يقذفها بالزنا لكل لعان، أو أن هذا ليس شرطاً؟ وهل يشترط الإسلام أو أن الإسلام ليس شرطاً؟ وذكرنا أيضاً ما يتعلق بتوالي الكلمات، وما يتعلق بالجمل الخمس، وأنه لا بد أن يأتي بها، وذكرنا أيضاً أنه يشترط أن يبدأ الزوج باللعان.. إلى آخر ما تقدم من الأحكام.

قال رحمه الله: (ومن شرطه قذفها بالزنا لفظاً كزنيت، أو يا زانية، أو رأيتك تزنين في قبل أو دبر).

تقدم الكلام على هذا، وذكرنا هل يشترط تقدم الرمي بالزنا؟ وأنه تارةً لا بد منه في اللعان، وتارةً لا يشترط، قد يكون اللعان بلا تقدم رمي بالزنا، كما لو احتاج إلى أن ينفي الولد فإنه يلاعن على نفي الولد، ولا حرج إلى أن يتقدم رميها بالزنا.

قال رحمه الله: (فإن قال: وطئت بشبهة أو مكرهةً أو نائمة، أو قال: لم تزن ولكن ليس هذا الولد مني، فشهدت امرأة ثقة أنه ولد على فراشه لحقه نسبه ولا لعان).

إذا قال الزوج: وطئت بشبهة فإنه لا لعان؛ لأن من شرط صحة اللعان أن يقذفها بالزنا كما تقدم، وهنا لم يقذفها بالزنا، كذلك أيضاً لو قال: وطئت مكرهةً.. إلى آخره، فهذا ليس قذفاً بالزنا، ومن شرط اللعان أن يقذفها بالزنا.

كذلك لو قال: لم تزن، ولكن هذا الولد ليس مني، أيضاً هذا ليس قذفاً، وحينئذ ليس هنا لعان، فقوله: هذا الولد ليس مني يحتمل أن يكون من وطء شبهة فلا لعان.

قوله: (فشهدت امرأة ثقة أنه ولد على فراشه لحقه نسبه).

إذا قال: هذا الولد ليس مني، وهي لم تزن، فيقول المؤلف رحمه الله تعالى: أما اللعان فإنه لا لعان لعدم القذف، لكن بقينا بالنسبة للولد، هل يلحقه نسبه، أو نقول: بأن نسبه لا يلحقه؟

قال رحمه الله: إن شهدت امرأة ثقة أنه ولد على فراشه لحقه نسبه، وعندنا أصل؛ أن الولد للفراش، وللعاهر الحجر، وأنه لا يقبل من الزوج أن ينتفي من الولد؛ لأن الأصل أن الولد للفراش، حتى ولو اختلف لون الولد عن لون الأب، فإنه لا يقبل أن ينفيه؛ لأن عندنا أصلاً وهو أن الولد للفراش.

ويدل لذلك حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن امرأتي ولدت غلاماً أسود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل لك من إبل؟ قال: نعم. قال: ما ألوانها؟ قال: حمر، قال: هل فيها من أورق؟ قال: نعم. قال: أنى لها ذلك؟ قال: يا رسول الله! لعله نزعه عرق)، يعني: أتى من أب بعيد، فقال: (ابنك هذا لعله نزعه عرق)، يعني: جذبه عرق من عرق أب من آبائه، فالأصل أن الولد للفراش، وأنه لا يجوز للأب أن ينتفي من ولده، وسيأتينا إن شاء الله متى ينتفي من الولد، ومتى لا ينتفي من الولد.

قال رحمه الله: (ومن شرطه: أن تكذبه الزوجة).

من شرط اللعان: أن تكذبه الزوجة، يعني: إذا قذفها بالزنا يشترط لوجود اللعان أن تكذبه الزوجة، فلو أن الزوجة لم تكذبه قالت: هو صادق، هل هناك لعان أو ليس هناك لعان؟ لا لعان.

لكن هل تحد أو لا تحد؟ يقولون: لا تحد، لماذا؟ لأنه يشترط في الإقرار بالزنا أن تقر أربع مرات، فإذا كذبته الزوجة قالت: كاذب، هنا ترتب عليه العذاب، لا بد أن يلاعن لكي يسقط الحد، فإن صدقته المرأة قالت: هو صادق، هنا لا حد عليه، لكن هل هناك لعان أو ليس هناك لعان؟ نقول: لا لعان، لأنها كذبت، وهل يحد؟ يقولون: بأنه لا يحد؛ لأنها لم تقر أربع مرات، والزنا على المشهور من المذهب يشترط فيه أن تقر أربع مرات.

والصواب في هذه المسألة: أن المرأة إن كذبته كما سلف فهنا يلاعن، وإن قالت: صادق فيما رماني به من الزنا، فالصواب أنها تحد؛ لأنه سيأتينا إن شاء الله أن الزنا لا يشترط في الإقرار به أن يكون أربع مرات، وأن الصواب في ذلك أنه يكتفى بمرة واحدة، ويدل لذلك ما ثبت في الصحيحين من قصة العسيف، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها، فاعترفت فرجمها)، ولأن الله سبحانه وتعالى قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ [النساء:135]، فهذا الرجل قام بالقسط والعدل وشهد على نفسه فترتب عليه العذاب، وكذلك المرأة إذا قامت بالقسط وشهدت على نفسها ترتب عليها العذاب، فالصواب أنها إن صدقته تحد، وإن كذبته يلاعن.

هنا مسألة: إذا قذف الزوج زوجته بالزنا، ثم بعد ذلك رفض الزوج أن يلاعن، فذهب جمهور العلماء إلى أنه إذا رفض الزوج أن يلاعن أن يحد إن كانت الزوجة محصنةً، أو يعزر إن كانت الزوجة غير محصنة، ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لـهلال : (البينة أو حد في ظهرك).

وعند الحنفية: أنه يحبس حتى يلاعن، لكن الصواب في هذه المسألة ما تقدم.

لكن لو أن الزوجة رفضت أن تلاعن، ماذا نقول؟ نقول: إن كانت محصنة في باب حد الزنا، نقول: بأنها تحد، وإن كانت غير محصنة فإنها تعزر، وهو مذهب مالك والشافعي ، وعند الحنفية أنها تحبس كما تقدم، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، والصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه المالكية والشافعية: أنها إن كانت محصنةً في باب حد الزنا فإنها تحد، وإن كانت غير محصنة فإنها تعزر.

قال رحمه الله: (وإذا تم سقط عنه الحد والتعزير).

إذا تم اللعان بين الزوجين فهناك أحكام تترتب على هذا اللعان:

سقوط الحد عن الزوج

إن كانت الزوجة محصنة في باب حد القذف سقط عنه حد القذف، وإن كانت غير محصنة في باب حد القذف فإنه يسقط عنه التعزير، ودليل ذلك قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [النور:6-7].

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـهلال بن أمية : (البينة وإلا حد في ظهرك)، فأنزل الله عز وجل آيات اللعان فلاعن، فسقط عنه الحد.

حد الزوج على قذفه رجلاً بعينه مع زوجته

الحكم الثاني: هل يحد الزوج لو رماها بشخص بعينه؟

علمنا أنه إذا رماها مطلقاً دون أن يرميها بشخص بعينه، فإنه لا أحد يحد من أجله، لكن لو قال: زنت مع فلان، فإذا لاعن سقط عنه ما يتعلق بالحد المتعلق بقذف المرأة، لكن بقينا في الحد المتعلق بمن رماها به، هل يسقط هذا الحد أو لا يسقط؟

هذا موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله تعالى، فعند أبي حنيفة ومالك : أنه يحد إذا رماها برجل بعينه.

والرأي الثاني: وهو قول للشافعي ، وأيضاً قول للإمام أحمد رحمه الله تعالى: أنه لا يحد، وهذا القول هو الصواب، ويدل لذلك أن هلال بن أمية رضي الله تعالى عنه رمى زوجته بـشريك بن سحماء ، ومع ذلك لم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم حده لأجل شريك ، وأيضاً عندنا قاعدة وهي: أنه يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً، فالزوج لم يقصد رمي هذا الشخص بعينه على وجه الاستقلال، وإنما جاء رميه على سبيل التبع.

ثبوت الفرقة بين الزوجين

قال رحمه الله: (وتثبت الفرقة بينهما بتحريم مؤبد).

الحكم الثالث: ثبوت الفرقة بين الزوجين. لكن متى تثبت الفرقة بين الزوجين؟

المشهور من مذهب الإمام أحمد : أنها تثبت بتمام اللعان، فإذا تلاعن الزوجان جميعاً ثبتت الفرقة، وعند الشافعي رحمه الله تعالى: أنها تثبت بلعان الزوج قياساً على الطلاق.

وعند أبي حنيفة رحمه الله: أنه لا بد من تفريق الحاكم، لما جاء في حديث ابن عباس قال: (ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما).

والأقرب في هذه المسألة ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله، وهو قول الإمام مالك : أن الفرقة بين الزوجين أنها تكون بتمام اللعان؛ لأن الفرقة إنما حصلت -كما جاء في السنة- بتمام اللعان، وأما حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما..) إلى آخره، فأجاب عنه العلماء رحمهم الله: بأن المراد بذلك الإعلام، وأن الفرقة حصلت بينهما.

مدة الفرقة الناتجة عن اللعان

الحكم الرابع: هل هذه الفرقة مؤبدة أو أنها ليست مؤبدة؟

أكثر أهل العلم على أن هذه الفرقة مؤبدة، وأنهما لا يجتمعان أبداً، وقد جاء في حديث سهل بن سعد في المتلاعنين، قال: (ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وقال: لا يجتمعان أبداً)، رواه البيهقي ، وحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (مضت السنة في المتلاعنين ألا يجتمعان أبداً)، وأيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا سبيل لك عليها)، وقال عمر رضي الله تعالى عنه: يفرق بينهما ولا يجتمعان أبداً. هذا هو رأي جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى.

والرأي الثاني قول سعيد بن المسيب : أنه إن أكذب نفسه فهو خاطب من الخطاب، وهذا أيضاً قال به أبو حنيفة رحمه الله، والصواب في هذه المسألة هو ما ذهب إليه أكثر أهل العلم وأن الفرقة أبدية؛ لما تقدم من الآثار؛ ولأنه لا يليق أن يرميها بالزنا، ثم بعد ذلك يرجع إليها مرةً أخرى.

نوع الفرقة الناتجة عن اللعان

الحكم الخامس: هل هذه الفرقة فسخ أو طلاق؟

هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله تعالى، والصواب في ذلك: أنها فسخ، وهذا هو المشهور من المذهب؛ لأن لو قلنا: بأنها طلاق ثبتت الرجعة.

حقوق الزوجة بعد اللعان

الحكم السادس: اللعان لا يسقط شيئاً من حقوق المرأة، فإذا كان لها شيء من الحقوق فإن هذا اللعان لا يسقط شيئاً من حقوقها، كما لو كان لها دين على الزوج ونحو ذلك.

الحكم السابع: فيما يتعلق بالمهر، هل يسقط المهر باللعان أو لا يسقط؟

نقول: بأن هذا لا يخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن يكون ذلك بعد الدخول، فلا يسقط المهر؛ لأن المهر استقر لها بما استحل من فرجها كما جاء في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها.

الأمر الثاني: إن كان قبل الدخول، فهل يسقط أو يتنصف؟ هناك روايتان عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى: هل الفرقة جاءت من قبل الزوجة، أو الفرقة جاءت من قبل الزوج؟

إن قلنا: بأن الفرقة جاءت من قبل الزوجة سقط، وإن قلنا: بأن الفرقة جاءت من قبل الزوج فإنه يتنصف، وإن قلنا: بأن الفرقة جاءت من قبلهما جميعاً فإنه يتنصف، والذي يظهر والله أعلم أن الصداق يتنصف.

الحكم الثامن: ما يتعلق بالنفقة والسكنى، هل لها نفقة وسكنى مدة الاستبراء، أو نقول: بأنه لا نفقة لها ولا سكنى؟ نقول: بأنه لا نفقة لها ولا سكنى كما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إقامة الحد على رمي الزوجة بالزنا وانتفاء الولد من أبيه

الحكم التاسع: أنها لا ترمى بالزنا، ولا يرمى ولدها بالزنا، ومن رماها بالزنا فإنه يحد.

الحكم العاشر: ما يتعلق بالولد، هل ينتفي الولد من أبيه باللعان، أو نقول: بأنه لا ينتفي باللعان؟

هذا موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله، فقال بعض العلماء: إن نفاه انتفى، وإن لم ينفه لم ينتف، وقال بعض العلماء: بأن الولد ينتفي باللعان.

ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى تفصيلاً جيداً في هذه المسألة، وأن هذه المسألة لا تخلو من أقسام:

القسم الأول: لو حصل القذف لها وحصل الزنا وهي حامل، فإن الولد يكون لمن؟ نقول: بأن الولد يكون للزوج، ولا ينتفي باللعان.

القسم الثاني: أن تأتي بالولد لأقل من ستة أشهر من حين الزنا، مثلاً حصل الزنا في شهر محرم فأتت به في ربيع الثاني، لمن يكون الولد؟ نقول: بأن الولد يكون للزوج؛ لأننا نقطع قطعاً جازماً أن الحمل موجود قبل الزنا.

القسم الثالث: أن يستبرئها الزوج، بمعنى أن تحيض، ولا يطأ الزوج حتى يحصل الزنا، فنقول: بأن الولد ينتفي بمجرد اللعان؛ لأن الظاهر أن الولد للزاني.

القسم الرابع: ألا يستبرئها الزوج، بل يطأ الزوج ثم يحصل الزنا، فهذا فيه تفصيل: إن نفاه الزوج فإنه ينتفي، وإن لم ينفه فإنه لا ينتفي.

إذاً عندنا أربعة أقسام:

القسم الأول: أن يحصل الزنا وهي حامل.

القسم الثاني: أن يحصل الزنا وتلده لأقل من ستة أشهر، ففي هاتين الحالتين الولد للزوج ولا ينتفي باللعان.

القسم الثالث: أن يستبرئها، بمعنى ألا يطأها بعد أن حاضت وطهرت حتى يحصل الزنا، فنقول: بأنه ينتفي بمجرد اللعان.

القسم الرابع: ألا يستبرئها، بمعنى أنها طهرت ووطئ الزاني، فهذا إن نفاه فإنه ينتفي، وإن لم ينفه فإنه لا ينتفي.

الحكم الأخير: أن الولد إذا انتفى باللعان فإنه يلحق بأمه.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] 2817 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] 2731 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] 2677 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] 2644 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] 2639 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] 2558 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] 2554 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] 2528 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] 2521 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] 2498 استماع