شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [11]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإن أصدقها ألفًا إن كان أبوها حيًا، وألفين إن كان ميتًا وجب مهر المثل، وعلى إن كانت لي زوجة بألفين أو لم تكن بألف يصح بالمسمى .

وإذا أجل الصداق أو بعضه صح، فإن عين أجلًا وإلا محله الفرقة، وإن أصدقها مالًا مغصوبًا أو خنزيرًا ونحوه وجب مهر المثل، وإن وجدت المباح معيبًا خيرت بين أرشه وقيمته، وإن تزوجها على ألفٍ لها وألفٍ لأبيها صحت التسمية، فلو طلق قبل الدخول وبعد القبض، رجع بالألف ولا شيء على الأب لهما، ولو شرط ذلك لغير الأب فكل المسمى لها.

ومن زوج بنته ولو ثيبًا بدون مهر مثلها صح، وإن زوجها به ولي غيره بإذنها صح، وإن لم تأذن فمهر المثل، وإن زوج ابنه الصغير بمهر المثل أو أكثر صح في ذمة الزوج، وإن كان معسرًا لم يضمنه الأب.

فصل: وتملك الزوجة صداقها بالعقد، ولها نماء المعين قبل قبضه، وضده بضده، وإن تلف فمن ضمانها إلا أن يمنعها زوجها قبضه فيضمن، ولها التصرف فيه وعليها زكاته، وإن طلق قبل الدخول أو الخلوة فله نصفه حكماً دون نمائه المنفصل].

فقد تقدم لنا جملة من أحكام الصداق، وذكرنا تعريفه وأنه العوض الذي يدفعه الزوج لزوجته مقابل العقد عليها، وحكمه الوجوب؛ لأمر الله عز وجل به، ولأن الله سبحانه وتعالى اشترط للحل أن يبتغي الزوج بماله؛ لقوله تعالى: أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ [النساء:24] وتكلمنا على ما إذا شرط نفي الصداق فلو شرط أن يتزوج على أن لا صداق عليه، فجمهور أهل العلم على أنه شرط فاسد، وأنه يجب عليه مهر المثل، وقلنا بأن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرى أنه شرط فاسد مفسد للعقد؛ لأن الزواج بالهبة من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم.

وتقدم أيضاً أنه تسن تسميته في العقد، وذكرنا دليل ذلك، وكذلك أيضاً يسن تخفيفه، وأن صداق بنات النبي صلى الله عليه وسلم أربعمائة درهم، وصداق زوجاته خمسمائة درهم.

ثم قال رحمه الله: (فصل: وإن أصدقها ألفًا إن كان أبوها حيًا، وألفين إن كان ميتًا وجب مهر المثل).

يعني: لو أنه أصدق المرأة، فقال: قد أصدقتها مائةً إن كان أبوها حيًا، ومائتين إن كان أبوها ميتًا؛ لأن التسمية فاسدة، وسبق لنا أنه إذا فسدت تسمية المهر وجب مهر المثل، وذكرنا دليل ذلك من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: ( لما سئل عن امرأةٍ مات عنها زوجها ولم يدخل بها ولم يفرض لها صداقًا، فقال ابن مسعود : عليها العدة وترث ولها مهر نسائها، فقال معقل بن سنان الأشجعي : أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في بروع بنت واشق امرأةٍ منا بمثل ما قضيت ) فسر ابن مسعود.

والشاهد هنا: أنه لم يفرض لها صداقاً ففرض لها النبي صلى الله عليه وسلم مهر نسائها، فكذلك أيضاً إذا فسدت التسمية فكأنها لم تفرض.

والرأي الثاني: أن التسمية صحيحة وأنه لا بأس أن يصدقها ألفًا إن كان أبوها حيًا، وألفين إن كان ميتًا، وأن هذه تسمية صحيحة ولا غبار في ذلك، فإذا كان أبوها حيًا فلها ألف؛ لأنها قد تطمع في أن يكمل لها أبوها بقية المهر، وإن كان ميتًا فلها ألفان، وهذا القول هو الصواب؛ لأن لها غرضًا صحيحًا في حياة أبيها.

قال رحمه الله: (وعلى إن كانت لي زوجة بألفين أو لم تكن بألف يصح بالمسمى).

أي: لو قال: أتزوج وإن كان لي زوجة أعطيتك ألفين، وإن لم يكن لي زوجة فالمهر ألف، فالتسمية هنا صحيحة؛ لأن لها غرضًا صحيحًا في خلو الزوج من الزوجة، إذ إن من أهم أغراض المرأة عدم الضرة، فإذا تزوجها على ذلك فلها غرض صحيح؛ وعلى هذا نقول: ليس هناك فرق بين المسألتين، لا بين المسألة الأولى ولا بين المسألة الثانية، فيتزوجها على أنه إن كان أبوها حيًا فلها ألف، وإن كان ميتًا فلها ألفان، فهذه تسمية صحيحة؛ لأن لها غرضًا صحيحًا، وكذلك لو تزوجها على أن لها ألفًا إن لم يكن له زوجة، وإن كان له زوجة فلها ألفان، فهذه أيضاً تسمية صحيحة، لأن من أهم أغراض المرأة خلو الزوج عن الزوجة الأولى.

قال رحمه الله: (وإذا أجل الصداق أو بعضه صح، فإن عين أجلًا وإلا فمحله الفرقة).

يصح أن يكون الصداق حالًا، ويصح أن يكون مؤجلًا، والأصل في الصداق أنه حال، وعلى هذا؛ إذا تم العقد على المرأة فإنه يجب أن يسلم الزوج الصداق، وسيأتينا إن شاء الله: أن المرأة لها أن تمنع نفسها من التسليم حتى يسلم الزوج الصداق، فالأصل في الصداق أن يكون حالًا، وهذا هو مقتضى العقد، فاشتراط كونه حالًا لا حاجة له؛ لأن هذا هو الأصل، ولأن مقتضى العقد يقتضي أن يكون الصداق حالًا.

ولكن تأجيل الصداق لا بأس به، فلو أن الزوج طلب من الزوجة أن يكون الصداق مؤجلًا، فنقول: هذا جائز ولا بأس به؛ لأن الأصل في الشروط في عقد النكاح الصحة، فإذا اشترط الزوج أن يكون الصداق مؤجلًا، أو أن يكون بعضه مؤجلًا وبعضه مقدمًا فهذا جائز ولا بأس به، مع أن الأولى ألا يكون هناك شيء مؤجل، ويدل لذلك حديث سهل رضي الله تعالى عنه في قصة الواهبة نفسها، فإن الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ( إن لم يكن لك بها حاجة يا رسول الله فزوجنيها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما تصدقها؟ قال: أصدقها إزاري ) وهو لا يملك إلا هذا الإزار، ومع ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك، اذهب والتمس ولو خاتمًا من حديد )، فلما لم يجد خاتماً من حديد يقل النبي صلى الله عليه وسلم: الخاتم يكون في ذمتك ويكون مؤجلًا وإنما نقله النبي صلى الله عليه وسلم إلى غير الخاتم، إلى ما يقدر عليه، قال: ( ما تحفظ من القرآن؟ قال: أحفظ سورة كذا وكذا، قال: زوجتك بما معك من القرآن ) فنقول: الأولى ألا يكون الصداق مؤجلًا، وإنما يكون معجلًا، ويقتصر على ما يقدر عليه، كما دل له حديث سهل رضي الله تعالى عنه، لكن لو أجل فإن هذا جائز ولا بأس به، ولأنه إذا كان معجلًا كان أدعى إلى تخفيف الصداق، بخلاف ما إذا كان مؤجلًا فإنه أدعى إلى ثقل الصداق، ولأن الشارع يتشوف إلى إبراء الذمم والتخفف من الالتزامات المالية.

قال رحمه الله: (فإن عين أجلًا وإلا فمحله الفرقة).

أي: إذا كان مؤجلًا فلا يخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن يعين أجلاً، كأن يقول: الصداق إلى رمضان، أو إلى شهر ذي الحجة، فالصداق يناط بهذا الأجل.

الأمر الثاني: أن لا يعين أجلاً، بل قال الزوج: الصداق مؤجل ولم يقل: يحل في رمضان أو في شوال أو في شعبان أو نحو ذلك، لم يضربا له أجلًا، (فمحله الفرقة) يعني: يحل بالفرقة البائنة، إذا حصلت فرقة بائنة بين الزوجين بالموت أو بالطلاق البائن فإنه يحل الصداق.

وعند المالكية: يشترط أن يكون الأجل معلومًا، يعني: إذا أجل فلا بد أن يكون الأجل معلومًا.

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى أن الوارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم: أنه لا بأس بتأجيل الصداق، وأن محله الفرقة البائنة كما ذكر المؤلف رحمه الله تعالى.

قال رحمه الله: (وإن أصدقها مالًا مغصوبًا أو خنزيرًا ونحوه وجب مهر المثل).

أي: إذا أصدقها مالًا محرمًا فالتسمية فاسدة، وكما سلف لنا قاعدة: إذا فسدت التسمية وجب مهر المثل وذكرنا دليل ذلك من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، فإذا أصدقها مالًا يعلمان أنه مغصوب، مثل أن يقول: أصدقها هذا الثوب، والزوجان يعلمان أنه مغصوب، فهذه تسمية فاسدة، فيجب مهر المثل، وإن أصدقها لحم خنزير فهذه التسمية فاسدة، فيجب مهر المثل؛ لأن التسمية الفاسدة وجودها كعدمها، والمحرم شرعًا كالمعدوم حسًا.

وعلى هذا إذا كانا يجهلان فهل يجب مهر المثل؟ أو كان أحدهما يجهل والآخر يعلم إلى آخره، فالمسألة لها أربعة أقسام:

القسم الأول: أن يعلما أن الصداق محرم، فهنا التسمية فاسدة، ولا إشكال في ذلك، فيجب مهر المثل كما تقدم من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه.

القسم الثاني: أن يجهلا أنه محرم، فمثلًا: أصدقها هذا الثوب وهما يجهلان أنه الثوب المغصوب أو الثوب المسروق ونحو ذلك، فالذي يظهر -والله أعلم- أنه لا يجب مهر المثل، وإنما يجب مثل الثوب لكونهما يجهلان، فالزوجان لم يدخلا في هذا العقد إلا على هذا الصداق، فقد يكون ثمن الثوب مائة ريال ومهر المثل ألف ريال، فكيف نغرم الزوج ألف ريال وهو لم يدخل إلا على أن الصداق هو هذا الثوب؟ وبالعكس: قد يكون مهر المثل مائة ريال لهذه المرأة والثوب هذا قد يكون من حرير قيمته تساوي ألف ريال، فكيف نغرم المرأة؟ مع أن المرأة ما دخلت إلا على هذا الثوب الذي قيمته كذا وكذا.

فنقول: إذا كانا يجهلان، فالذي يظهر -والله أعلم- أنه يجب المثل أو القيمة، يعني: مثل المحرم إن كان مباحًا في الأصل، يعني: مثل الثوب، أو قيمته من المباح، مثل الخمر أو قيمته من الشراب المباح، مثل لحم خنزير أو قيمته من اللحم المباح، المثل في المثليات والقيمة في المقومات.

القسم الثالث: أن يعلم الزوج وتجهل الزوجة.

القسم الرابع: أن تعلم الزوجة ويجهل الزوج، وفي هذين القسمين نطلق القاعدة التي تقدمت في المعاملات: أن من غش ودلس فإنه يعامل في أضيق الأمرين، وعلى هذا نقول: الذي يعلم التحريم نعامله بالأضيق، فنلزمه بالأكثر من مهر المثل أو القيمة إن كان متقومًا.

قال رحمه الله: (وإن وجدت المباح معيبًا خيرت بين أرشه وقيمته).

أي: إذا وجدت المهر المباح معيبًا، كما لو أصدقها كتاب المغني لـابن قدامة أو أصدقها صحيح البخاري، ثم بعد ذلك وجدت هذا الكتاب معيبًا بأن وجدت فيه صفحات مطموسة -مثلاً- فهي بالخيار: إما أن تمسك الكتاب وتأخذ أرش العيب، أو تأخذ قيمة الكتاب، فإن قالت: أنا أريد الكتاب ويعطيني الأرش، فنقدر الأرش كما تقدم في خيار العيب في كتاب البيع فننظر في قيمة الكتاب صحيحًا وقيمته فاسدًا، وينظر الفرق بين القيمتين، ثم هذا الفرق ينسب إلى قيمة الصحة، ويؤخذ من الثمن مثل تلك النسبة، فإذا فرضنا أن أرش العيب يساوي عشرة ريالات، فنقول: أنتِ بالخيار، إما أن تأخذي عشرة ريالات وتمسكي الكتاب، وإما أن تردي الكتاب وتأخذي قيمته صحيحًا وهذا هو المذهب.

أما الشافعي رحمه الله فيقول بأن لها مهر المثل، وأبو حنيفة رحمه الله يقول بأن لها قيمته، لكن ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى -وأنها مخيرة بين الأرش وبين القيمة- هو القسط والعدل.

قال رحمه الله: (وإن تزوجها على ألفٍ لها وألفٍ لأبيها صحت التسمية).

هذه المسألة تعرف عند العلماء رحمهم الله: باشتراط الشيء من المهر، فهل للولي أن يشترط شيئًا من مهر موليته، أو ليس له أن يشترط؟ فمثلًا: قال أبو المرأة: أنا أشترط أن يكون لي ألف ريال من المهر، أو اشترطت أمها مثلًا أن لها كذا وكذا، أو أخوها إلى آخره، فنقول: هذا ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: أن يكون الاشتراط من قبل الأب، فالمؤلف رحمه الله يرى أن هذا جائز ولا بأس به، وسلف لنا في باب الهبة، أن الحنابلة يرون أن الأب له أن يتملك من مال ولده ما شاء ما دام أنه لا يتعلق بحاجته أو ضرورته، والدليل على أن للأب أن يتملك من مال ولده حديث جابر : ( أنت ومالك لأبيك ) فإذا كان اشتراط شيءٍ من المهر من قبل الأب فإن هذا جائز ولا بأس به، واستدلوا على ذلك بقول الله تعالى عن ابنتي شعيب أن شعيبًا قال لموسى: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ [القصص:27]، فاشترط شعيب رحمه الله على موسى عليه السلام أن يعمل عنده ثمان سنوات، وهذا اشتراط شيء من المهر للأب.

الرأي الثاني في المسألة: أن الأب ليس له أن يشترط شيئًا من مهر ابنته، وهذا ما قال به الإمام مالك رحمه الله وطاوس وعكرمة وعطاء والثوري وعمر بن عبد العزيز وغيرهم، فقالوا: ليس له أن يشترط من مهر ابنته شيئاً، واستدلوا على ذلك بحديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أيما امرأةٍ نكحت على صداقٍ أو حباءٍ أو عدةٍ، فما كان قبل عصمة النكاح فهو لها، وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه ) وهذا الحديث ضعيف، وقد رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي ، وفي إسناده ابن جريج وهو مدلس وقد عنعنه، فهو غير ثابت.

ويستدل لهذا القول: بأنه لو قيل بالجواز وأن الأب له أن يشترط شيئًا من مهر ابنته لم ينظر الأب إلى مصلحة موليته، بل سينظر إلى مصلحته هو فالذي سيعطيه -إذا اشترط- سيزوجه، والذي لا يعطيه فإنه لا يزوجه، ولا شك أن الولاية في النكاح مبناها على مصلحة المرأة، وإلا فإن المرأة تقدر على أن تزوج نفسها، كما أنها تشتري بيتًا بمليون فكذلك تزوج نفسها بألف ريال أو بألفين إلى آخره.

والحقيقة أن كلا القولين قوي، فإذا تأملت رأي الحنابلة -وأن الأب له أن يملك كما جاءت به السنة، كذلك أيضاً له أن يشترط جزءاً من المهر؛ لأن هذا نوع من التملك- فهو قوي، وإذا تأملت القول الثاني ومنع هذا وسد الباب، وأن هذا من باب سد الذرائع، فهذا أحوط، فيظهر -والله أعلم- أن الرأي الثاني أحوط، وهو ما ذهب إليه الإمام مالك وغيره وأنه ليس للأب أن يشترط جزءً من المهر، لأننا لو فتحنا هذا الباب فقد يؤدي ذلك إلى فساد، وأن من أعطى الأب أو زاد في إعطائه فسيزوجه، فالأحسن في ذلك هو سد الباب.

قال رحمه الله: (فلو طلق قبل الدخول وبعد القبض رجع بالألف ولا شيء على الأب لهما).

يعني لو أنه أصدقها ألفين واشترط الأب ألفًا أي من الألفين، ثم طلقها قبل الدخول فلها نصف المسمى، وهو الآن قد أصدقها ألفين فيكون لها نصف الألفين وهو ألف، فيرجع الزوج على الزوجة بألف؛ لقوله تعالى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [البقرة:237] فيرجع الزوج على الزوجة بالألف الذي معها، ولا يرجع على الأب؛ لأن صورة المسألة أن الزوج أعطى الزوجة الألفين، ثم جاء أبوها وتملك ألفًا فهو يرجع عليها ولا يرجع على الأب، لأن الأب كأنه تملك من مال ابنته.

قال رحمه الله: (ولو شرط ذلك لغير الأب، فكل المسمى لها).

يعني: لو كان الذي اشترط هو الجد أو الأخ أو العم أو الأم أو غير ذلك، اشترط شيئًا من المهر، فقال الجد مثلاً: لي ألف ريال أو لي ألفا ريال، فالجميع يكون للمرأة، ولا شيء لمن اشترط شيئًا من المهر؛ لأن هذا المهر عوض للمرأة، والفقهاء رحمهم الله يقولون: عوض بضعها، وقد سلف أنهم يرون أن المعقود عليه هو منفعة الاستمتاع، وإذا كان كذلك فإنه يكون للمرأة.

قال رحمه الله: (ومن زوج بنته ولو ثيبًا بدون مهر مثلها صح).

أي: زوج بنته بدون مهر المثل -فلو فرضنا أن مهر المثل ألف ريال، وزوج ابنته بمائة ريال- فتصح التسمية عند جمهور العلماء، حتى ولو كانت المرأة ثيبًا، وقد سلف لنا أن البكر عند جمهور العلماء يجوز أن تجبر خلافًا للحنفية، لكن الثيب إذا بلغت تسع سنوات فإنه يشترط إذنها ورضاها، فلو زوج ابنته ولو كانت ثيبًا بدون مهر المثل صح ذلك؛ لأن النكاح لا يقصد به العوض والكسب والتجارة، بل يقصد منه مصالح النكاح الكبيرة التي أشرنا إليها، فالعوض ليس مقصودًا من النكاح.

وهذا هو الذي ذهب إليه المؤلف رحمه الله وهو رأي جمهور أهل العلم وهو الصواب في هذه المسألة، وعند الشافعية يرون أن المرأة لها تمام مهر المثل، لكن الصواب في هذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم.

ومن باب أولى لو كانت المرأة بكرًا فلأبيها أن يزوجها بدون مهر المثل، فلو كان مثل هذه المرأة تمهر بألف ريال، وقال الأب: يكفينا مائة ريال فيصح؛ لأن النكاح ليس المقصود منه الكسب والعوض، بل المقصود منه امتثال أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وتحقيق مصالح النكاح وغض الأبصار وإعفاف الفروج، وتكثير الأمة وغير ذلك من المصالح الكثيرة المترتبة على عقد النكاح.

وقد استثنى بعض العلماء رحمهم الله ما لو علقت المرأة الرضا بالزوج على مهرٍ معين، بأن قالت: أنا أقبل هذا الزوج لكن بشرط أن يعطيني ألف ريال، أو أن يعطيني ألفي ريال، فهنا ليس للأب أن يخالف؛ لأن الرضا لم يحصل إلا على هذا المهر، فالرضا حتى الآن ما تم، سواء كانت بكراً أم ثيباً، وكما تقدم أنه لابد من رضا البكر على الصحيح، فلو قالت: أنا لن أتزوج هذا الشخص حتى يعطيني كذا وكذا، فنقول: ليس له أن يخالف.

قال رحمه الله: (وإن زوجها به ولي غيره بإذنها صح، وإن لم تأذن فمهر المثل).

يعني: إذا زوجت بأقل من مهر المثل فإن هذا لا يخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن يكون المزوج هو الأب، فالأب له أن يزوج ابنته بكرًا أو ثيبًا بأقل من مهر مثلها ولو كرهت؛ لما تقدم وله أن يتوسع فيه وله من الخصوصية ما ليس لغيره.

الأمر الثاني: أن يكون المزوج غير الأب، كالجد والأخ ونحو ذلك، فله أن يزوج موليته بأقل من مهر المثل إن أذنت، فلو كان مهر المثل مثلًا يساوي ألفًا وأذنت أن يزوجها بمائة ريال فالحق لها وقد أسقطته، وإن لم تأذن فلها مهر المثل؛ لأن التسمية فاسدة.

والرأي الثاني رواية ثانية عن الإمام أحمد : أن الزوج لا يلزمه إلا المسمى، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، لكن الولي هو الذي يضمن الفرق، فلو فرضنا أن المسمى مائة ومهر المثل ألف، فالزوج لا يلزمه إلا مائة، ويبقى تسعمائة يتحملها الولي، وهذا القول هو الصواب؛ لأن الزوج ما دخل إلا على هذه التسمية، والأصل في الولي أن يكون أمينًا على موليته، وإلا فلماذا شرعت الولاية؟!

قال رحمه الله: (وإن زوج ابنه الصغير بمهر المثل أو أكثر صح في ذمة الزوج، وإن كان معسرًا).

تقدم الكلام على تزويج الصغير وذكرنا أن الشافعية رحمهم الله يرون أن الصغير إنما يزوج للحاجة، فإذا كان يحتاج إلى ذلك فإن هذا جائز ولا بأس به.

وتقدم أيضاً أن الذي يزوج الصغير إنما هو الأب ووصيه في النكاح على المذهب، وأن الحنفية يقولون بأن بقية الأولياء لهم أن يزوجوا ما دام أن هناك حاجة، لكن في المذهب أن الذي يملك التزويج هو الأب أو وصيه، فإن لم يكن أب ولا وصي فنرجع إلى الحاكم.

وعلى كل حال فإذا زوج الأب ابنه الصغير، فإنه لا يخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن يزوجه بمهر المثل، والأمر في ذلك ظاهر.

الأمر الثاني: أن يزوجه بأكثر من مهر المثل، ولنفرض أن مهر المثل ألف ريال، فزوجه بألفي ريال، فيصح، ويكون ذلك في ذمة الزوج، وعللوا ذلك بقولهم: إن المرأة لم ترض إلا بهذه التسمية، أو بقولهم: إن حاجة الصغير تدعو إلى الزيادة، وقد لا يزوج إلا بهذه الزيادة.

والرأي الثاني رأي الشافعي : أن الزيادة على مهر المثل لا تجوز؛ لأن الصغير محجور عليه، وإذا كان محجورًا عليه فالله سبحانه وتعالى يقول: وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الأنعام:152]، فإذا كان محجوراً عليه فالولي عليه لا يقرب ماله إلا بالتي هي أحسن؛ وعلى هذا؛ فالزيادة يتحملها الولي، وهذا القول هو الصواب، اللهم إلا إذا كانت الحاجة تدعو إلى ذلك، بأن كان هذا الصغير لا يزوج إلا بالزيادة، فإذا كانت مصلحته تدعو إلى ذلك فهذا جائز ولا بأس به.

وقوله رحمه الله: (في ذمة الزوج، وإن كان معسرًا).

يعني أن الذي يضمن الصداق هو الزوج، لكن الصواب في هذه المسألة: أن الذي يلتزم بالصداق هو الأب؛ لأن هذا من باب النفقة، وإذا كان نفقةً والأب قادر والصغير غير قادر فإنه يجب على الأب أن ينفق على ولده، ويجب عليه أن يزوجه وأن يعفه، فالصواب في ذلك: أن الأب هو الذي يتكفل بالمهر، ما دام أنه قادر والصبي أو الصغير غير قادر؛ لأن هذا من باب النفقة.

وإذا كان الأب غير قادر فإن الذي يلتزم به هو الصغير في ذمته، لكن لا بد أن يبين الأب المعسر للمرأة أن الصغير ليس عنده شيء وإلا فإنه يكون غاشًا.

قال رحمه الله: (فصل: وتملك الزوجة صداقها بالعقد).

تملك المرأة الصداق بمجرد العقد، وهذا إذا كان الصداق معينًا، ويدل لذلك حديث سهل في قصة الواهبة نفسها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل: ( إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك ) مما يدل على أنها ملكته بمجرد العقد.

وقد ذكر ابن قدامة رحمه الله في المغني: أن عامة أهل العلم على هذا كالبيع يعني: كما أنك إذا اشتريت سيارة تملكها بمجرد العقد، وكذا إذا اشتريت ثوبًا تملكه بمجرد العقد.

نماء الصداق

قال رحمه الله: (ولها نماء المعين قبل قبضه، وضده بضده).

الصداق لا يخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن يكون معينًا، كأن يقول: أصدقتك هذه السيارة أو هذه الدراهم أو هذا الثوب، أو هذه الشاة ونحو ذلك ويعينها.

والأمر الثاني: أن يكون موصوفًا في الذمة وليس معينًا، كقوله: أصدقتك عشرة آلاف ريال ولم يعينها وإنما وصفها بأنها ريالات وأنها ريالات سعودية وأن عددها عشرة آلاف، أو قال مثلًا: أصدقتك شاةً صفتها كذا وكذا، أو بقرةً صفتها كذا وكذا، أو ثوباً صفته كذا وكذا إلى آخره.

فإذا كان الصداق معينًا فنماؤه للمرأة؛ لأنه نماء ملكها، فمثلًا لو قال: أصدقتك هذه الشاة ثم ولدت الشاة فالولد يكون للزوجة، ولو قال: أصدقتك هذا البيت ثم أجر البيت فالأجرة للزوجة.

وقوله رحمه الله: (وضده بضده) أي: ضد المعين النمّاء يكون للزوج، فلو قال مثلًا: أصدقتك شاةً من غنمي، فإذا توالد الغنم فالولد يكون للزوج، وهذا الأمر الأول مما يترتب على التقسيم السابق.

تلف الصداق

قال رحمه الله: (وإن تلف فمن ضمانها إلا أن يمنعها زوجها قبضه فيضمن).

هذا الحكم الثاني: إذا تلف الصداق المعين فهو من ضمان الزوجة؛ لأن الغنم بالغرم، كما أن لها النماء، فعليها الضمان أيضاً، والخراج بالضمان؛ وعلى هذا فلو أصدقها هذه الشاة، وقال: صداقك هذه الشاة أو هذه البقرة، ثم تلفت الشاة أو ماتت، فيكون ذلك من ضمان الزوجة.

أما لو كان الصداق غير معين فيكون من ضمان الزوج، فلو قال: أصدقتك بقرةً من بقري، أو ثوبًا من ثيابي، ثم احترقت ثيابه أو ماتت البقر فيكون من ضمان الزوج.

فقوله رحمه الله: (وإن تلف فمن ضمانها إلا أن يمنعها زوجها قبضه فيضمن).

يعني: لو قال: الصداق هذه الشاة، ثم قالت: أعطني الشاة، قال: لا، ومنعها من القبض فنقول بأنه يضمن؛ لأنه كالغاصب، ولأنه فوت الصداق عليها.

تصدق الزوجة بالصداق

قال رحمه الله: (ولها التصرف فيه).

هذا الحكم الثالث: إذا كان معينًا فلها أن تتصرف فيه، فلو أصدقها هذا الثوب أو هذه الشاة فلها أن تبيع الشاة أو الثوب، ولها أن تهب الشاة أو توقف البيت إلى غيره ذلك.

ويفهم من كلام المؤلف رحمه الله: أنه إذا كان غير معين فليس لها أن تتصرف فيه، فلو قال مثلًا: شاة من غنمي أو بقرة من بقري أو ثوباً من ثوبي، فليس لها أن تتصرف فيه على كلام المؤلف، والصحيح في ذلك: أنه دين في ذمة الزوج، وإذا كان دينًا في ذمته فقد تقدم لنا أن بيع الدين، والمعاوضة عليه جائز.

زكاة الصداق

قال رحمه الله: (وعليها زكاته).

أي: إذا كان معينًا، وأما إن كان غير معين فزكاته على الزوج، فلو قال مثلاً: أصدقتك هذه الألف درهم، ثم حال عليها الحول فالزكاة على الزوجة، ولكن لو قال: أصدقتك ألف درهم ولم يعين فالزكاة تكون على الزوج.

تنصيف الصداق

قال رحمه الله: (وإن طلق قبل الدخول أو الخلوة فله نصفه حكمًا دون نمائه المنفصل).

يعني: يجب الصداق كله للمرأة بالدخول، والخلوة على خلاف كما سيأتي، والثالث: الموت، حتى ولو كان قبل الدخول، ففي هذه الأحوال الثلاثة يتقرر الصداق يعني: يجب الصداق كله للمرأة.

فإذا ما حصل شيء من ذلك: فلم يحصل دخول ولم تحصل خلوة ولم يحصل موت ثم طلقها وقد سمى المهر فلها النصف، قال تعالى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [البقرة:237] فلها نصفه وله نصفه.

وقول المؤلف رحمه الله: (فله نصفه حكمًا) يعني: قهرًا عليه، فبمجرد الطلاق يدخل في ملكه قهرًا عليه كالميراث، فلو قال: أنا لا أريده، فنقول: بمجرد أن طلق فالمهر قد دخل في ملكه قهرًا عليه، كما ذكرنا قول الله عز وجل: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [البقرة:237] .

قال رحمه الله: (دون نمائه المنفصل).

النماء المنفصل قبل الطلاق للزوجة إذا كان معينًا، وأما إذا كان غير معين فإنه للزوج كما تقدم فما دام أنه مسمى فله نصفه ولها نصفه، والنماء يكون للزوجة إذا كان معينًا؛ لأنه نماء ملكها، وإن كان غير معين فهو للزوج.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] 2818 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] 2731 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] 2678 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] 2645 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] 2640 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] 2558 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] 2555 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] 2528 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] 2521 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] 2498 استماع