شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [4]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فإن عضل الأقرب أو لم يكن أهلا، أو غاب غيبةً منقطعةً لا تقطع إلا بكلفة ومشقة زوج الأبعد، وإن زوج الأبعد أو أجنبي من غير عذرٍ لم يصح.

فصل: الرابع: الشهادة، فلا يصح إلا بشاهدين عدلين ذكرين مكلفين سميعين ناطقين .

وليست الكفاءة: وهي دين، ومنصب -وهو النسب- والحرية شرطاً في صحته، فلو زوج الأب عفيفة بفاجر، أو عربية بعجمي، فلمن لم يرض من المرأة أو الأولياء الفسخ.

باب المحرمات في النكاح.

تحرم أبدًا الأم وكل جدة وإن علت، والبنت وبنت الابن وبنتاهما من حلال وحرام وإن سفلت، وكل أخت وبنتها، وبنت ابنتها، وبنت كل أخ وبنتها، وبنت ابنه وبنتها وإن سفلت، وكل عمة وخالة وإن علتا].

تقدم أن الولاية لها مسقطات، وذكر المؤلف رحمه الله المسقط الأول، فقال: (فإن عضل الأقرب) العضل في اللغة: المنع، وأما في الاصطلاح: فهو أن يمنع الولي موليته كفئاً رضيته، وبذل ما يصح مهرًا، فإذا منع هذا الكفء الذي رضيته المرأة وقد بذل ما يصح مهرًا، فإن هذا عضل تسقط به ولايته، ويدل لذلك قول الله عز وجل: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ [البقرة:232] وقد ورد في سبب نزول هذه الآية: أنها نزلت في معقل بن يسار كما في صحيح البخاري ، فإن معقلاً منع أخته من التزويج بزوجها الأول لما طلقها وأراد أن يتزوجها مرةً أخرى فمنعها أن تتزوجه، فنزلت هذه الآية.

قال رحمه الله: (أو لم يكن أهلا).

هذا المسقط الثاني من مسقطات الولاية: أن يكون الأقرب غير أهلٍ، كما لو كان كافرًا، أو كان صغيرًا، أو كان مجنونًا، فإن ولايته تسقط وتنتقل إلى من بعده، وجاء عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه إذا كان الصغير مراهقًا فإن ولايته لا تسقط، لكن الذي يظهر -والله أعلم- أنه ما دام صغيراً لم يبلغ، فإنه لا ولاية له، وولايته تنتقل إلى من بعده.

قال رحمه الله: (أو غاب غيبةً منقطعةً لا تقطع إلا بكلفةٍ ومشقةٍ زوج الأبعد).

هذا المسقط الثالث من مسقطات ولاية النكاح: الغيبة، وضابط الغيبة كما بين المؤلف رحمه الله أنها لا تقطع إلا بكلفةٍ ومشقة، فإذا كان كذلك سقطت ولايته، والمشهور من المذهب: أنه إذا كانت الغيبة فوق مسافة قصر ولا تقطع إلا بكلفة ومشقة، فإن ولايته تسقط.

والرأي الثاني قال به الإمام مالك رحمه الله تعالى، قال: مثل من يغيب إلى أفريقيا والأندلس.

والرأي الثالث: أن الغيبة المسقطة للولاية هي الغيبة التي يفوت بها الخاطب الكفء، وقد قال به بعض علماء الحنفية وبعض علماء الحنابلة، فلو فرض أن هذا الزوج سيفوت، وأننا لو انتظرنا الولي حتى يحضر ويعقد النكاح فإن هذا الخاطب الكفء سيفوت، ولنفرض أن الولي قد حج، والحاج يحتاج إلى فترة لكي يرجع، وهذا الزوج لن ينتظر، فتسقط ولاية هذا الولي الأقرب ويزوج الأبعد.

وهذا القول هو أصح الأقوال، لكن ينبغي أن نفرق بين الأب وغيره من الأولياء، فالأب ينظر لمكانته، أما بقية الأولياء كما لو كان الولي أخًا أو عمًا ونحو ذلك، والخاطب الكفء سيذهب إذا انتظرنا الولي حتى يرجع فتسقط ولايته، والعلة في ذلك كما سبق أن بينا: أن مبنى الولاية بالنسبة للمرأة هي المصلحة، فإذا كانت الولاية لا يترتب عليها مصلحة، وإنما يترتب عليها مفسدة ونحو ذلك، فإن الولاية تسقط.

المسقط الرابع من مسقطات الولاية: إذا جهل مكان هذا الولي ولا نعلم أين مكانه، فإن ولايته تسقط، والعلة كما سبق، لكن يفرق بين الأب وغيره أيضاً، فالأب يبحث عنه وينتظر شيئًا من الزمن، وذلك لمكانة الأب.

قال رحمه الله: (وإن زوج الأبعد أو أجنبي من غير عذرٍ لم يصح).

نحو أن يزوج العم مع وجود الأخ، والأخ لم يوجد فيه مسقط من مسقطات الولاية، لو زوج أجنبي ليس من أولياء المرأة لا يصح عقد النكاح، وهذا كما سلف أن أشرنا إليه: أن الحنابلة والشافعية يضيقون في تصرف الفضولي، فلا يرون تصرف الفضولي، حتى لو جاء الولي الأقرب وأذن في النكاح وأجازه، فإن إذنه لا ينفذ.

والرأي الثاني: يصح النكاح بالإجازة، فإذا أجازه الولي الأقرب فإن هذا النكاح ينفذ، ويدل لذلك ما تقدم من حديث عبد الله بن بريدة رضي الله تعالى عنه في قصة الفتاة التي أتت النبي صلى الله عليه وسلم وذكرت له: (أن أباها زوجها من ابن أخٍ له لكي يرفع بها خسيسته، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الأمر إليها) فدل ذلك على أنه ينفذ بالإجازة، فإن أجازه الأقرب فنقول بأنه ينفذ، وإن رده فإنه لا ينفذ.

وهنا نذكر مسائل، منها: صحة التوكيل في عقد النكاح، فيصح أن يوكل الولي من يعقد لموليته، ويصح أيضًا أن يوكل الزوج من يعقد له، فالتوكيل في عقد النكاح جائز ولا بأس به، ويدل لذلك: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم وكل في تزوجه لـأم حبيبة رضي الله تعالى عنها ) وهذا وإن كان فيه ضعف إلا أن الأصل في ذلك الحل، لكن إذا أراد وكيل الولي أن يزوج المرأة فلا بد أن يقول في تزويجه لوكيل الزوج: زوجت موكلك، أما لو قال: زوجتك، فإنه لا يصح، ويقول وكيل الزوج قبلته لفلان، أو قبلته لموكلي فلان.

ومن المسائل المتعلقة بالولاية في عقد النكاح: إذا وجد وليان مستويان في الولاية، يعني: في مرتبةٍ واحدة، كمرتبة الأخوة، أو مرتبة العمومة، أو مرتبة البنوة، ولنفرض أن هذه المرأة لها أخوان شقيقان، فيقدم منهما من أذنت له المرأة، فقد تأذن للصغير، وقد تأذن للكبير، فمن أذنت له المرأة قدم، وإذا لم تأذن المرأة لأحدهما فالسنة أن نقدم الأفضل، ثم بعد الأفضل: الأسن، فإن تشاحوا وكان كلٌ يريد أن يتولى العقد فإنه يصار إلى القرعة.

إذاً: إذا اجتمع وليان يعين من عينته المرأة، وإذا لم تعين المرأة أحدًا أو عينت كلاً منهما، فنقدم الأفضل تقىً وعلمًا، فإن تساويا في ذلك فالأسن، إن تشاحا في ذلك فإنه يصار إلى القرعة.

قال رحمه الله: (فصل: الرابع الشهادة).

هذا الشرط الرابع من شروط صحة النكاح وهو الشرط الأخير، وهو: الشهادة، وهو من الفروق بين عقد النكاح وبقية العقود، فبقية العقود كعقد البيع، والوكالة، والوقف، وسائر العقود لا نشترط الشهادة، لكن بالنسبة لعقد النكاح جمهور أهل العلم يرون الشهادة فيه شرطاً للصحة.

الخلاف في اشتراط الشهود

والشهادة موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله تعالى؛ فأكثر أهل العلم يرون أن الشهادة شرط لصحة النكاح، واستدلوا على ذلك بأدلة، منها قول الله عز وجل: وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق:2] في شأن الرجعة، فعند مراجعة الزوج لمطلقته فإنه مأمور بالإشهاد، فإذا كان ذلك في إعادة نكاحٍ سابق، فابتداء النكاح من باب أولى، ويدل لذلك حديث جابر وحديث أبي موسى رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ) وهذا الحديث موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله تعالى في ثبوته، لكن ثبت ذلك عن ابن عباس موقوفًا عليه.

الرأي الثاني: أن الشهادة في النكاح ليست واجبة أو ليست شرطًا، وهذا رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وقال به أبو ثور ، واستدلوا على ذلك بأن الله سبحانه وتعالى أطلق، فقال سبحانه وتعالى: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3] ولم يقيد ذلك بالشهادة وقال سبحانه: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النور:32] ولم يقيد ذلك بالشهادة، وحديث سهل بن سعد : ( زوجتكها بما معك من القرآن ) ، وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم صفية وجعل عتقها صداقها، وأشكل أمرها على الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ولو كان هناك شهادة ما أشكل أمرها على الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

الرأي الثالث: قال الإمام مالك : الشهادة ليست شرطًا عند العقد، لكنها واجبة عند الدخول، يعني: أنه يستحب أن يشهد عند العقد، فإن لم يشهد عند العقد فإنه يشهد عند الدخول.

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إذا لم يشهد وأعلن النكاح كفى ذلك، يعني: إذا حصل إعلان ولم يحصل إشهاد فالنكاح صحيح، أما إذا لم يحصل إعلان ولا إشهاد فالنكاح لا يصح، وإن حصل إشهاد ولم يحصل إعلان، ففي صحة النكاح نظر، فشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرى أنه يكتفى بالإعلان عن الإشهاد، وأنه إذا حصل إعلان فإن هذا كاف عن الإشهاد.

والأقرب -والله أعلم- في هذه المسألة، عند تأمل أصول الشريعة؛ وأن الشريعة تحتاط للفروج: أنه لا بد من الإشهاد في عقد النكاح؛ احتياطًا للفروج، ورفعًا للنكاح التي جاءت به الشريعة عن الزنا الذي نفته الشريعة.

شروط شهود النكاح

قال رحمه الله: (فلا يصح إلا بشاهدين عدلين).

هنا شرع المؤلف رحمه الله تعالى في ذكر شروط الشهادة، فقال: بشاهدين، ويؤخذ من هذا أنه لا بد من التعدد، وأنه لا يكتفى بشاهد واحد، ويدل لذلك قول الله عز وجل: وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق:2]، وفي الحديث: ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ).

قال رحمه الله تعالى: (عدلين).

وهذا هو الشرط الثاني وهو: العدالة، فلا بد أن يكون الشاهدان عدلين؛ وعلى هذا إذا كانا فاسقين فإنه لا تصح شهادتها، ودليلهم على هذا قوله عليه الصلاة والسلام كما في الحديث: ( وشاهدي عدل ) لكن هذا الحديث فيه ضعف؛ ولهذا فإن الحنفية لا يشترطون العدالة، والأقرب في ذلك أنه تشترط الأمانة.

وقد تقدم في الولاية في عقد النكاح أنهم اشترطوا في الولاية: العدالة، لكن الصواب أن نقول بدلًا من العدالة: الأمانة، فالأمانة هي التي اشترطها عز وجل في قوله: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ [القصص:26] فإذا كان أمينًا على موليته -حتى ولو كان عنده شيء من الفسق- فإن ولايته لا تسقط.

وكذلك هنا نقول: إذا كان أمينًا على شهادته فإن شهادته صحيحة، وكما أسلفنا أن الشهادة تختلف، وأن مرجعها إلى العرف، فإذا كان هذا الشخص مرضي الخبر لصدقه وعدم كذبه وتسرعه فشهادته صحيحة.

قال رحمه الله: (ذكرين).

هذا الشرط الثالث في الشهود أن يكونا ذكرين، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وهو قول أكثر أهل العلم.

والرأي الثاني رأي الظاهرية: أنه تصح شهادة النساء، فيصح أن يشهد ذكر وامرأتان، ويصح أن يشهد أربع نسوة، وعند الحنفية أيضًا يصح أن يشهد رجل وامرأتان، والصواب: أنه لا تشترط الذكورة، وأن شهادة المرأة مقبولة؛ لأن الضلال الذي يحصل في شهادة المرأة جبر بمضاعفة العدد كما سلف، فإذا وجد امرأتان فإنهما تقومان مقام رجل، وخصوصًا إذا فهمنا أن أصل الشهادة موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله تعالى.

قال رحمه الله: (مكلفين).

هذا الشرط الرابع من شروط الشهود: أن يكونا بالغين عاقلين؛ لأن غير المكلف لا يوثق بخبره، فالمجنون لا تصح عبارته، وعبارته ملغاة، والصبي الصغير لا يوثق بخبره.

قال رحمه الله: (سميعين).

هذا هو الشرط الخامس من شروط الشهود: أن يكونا سميعين، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد، وكذلك أيضًا مذهب الشافعي: أنهما لا بد أن يكونا سميعين، ومعنى ذلك أنهما إن تحملا عن طريق الكتابة، فلا يصح تحملهما؛ لأنهما لم يسمعا الشهادة، والصحيح في هذا أن شهادتهما صحيحة، وأنها مقبولة.

قال رحمه الله: (ناطقين).

هذا الشرط الخامس من شروط الشهود: أن يكونا ناطقين؛ وعلى هذا إذا كانا أبكمين لا ينطقان فإن شهادتها لا تصح، والصحيح في ذلك أنهما إذا أديا عن طريق الكتابة فإن شهادتهما صحيحة.

وأما اشتراط البصر فلم يذكره المؤلف رحمه الله، وهو المشهور من المذهب، أن غير المبصر شهادته صحيحة؛ لأنه أهل للشهادة.

والشهادة موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله تعالى؛ فأكثر أهل العلم يرون أن الشهادة شرط لصحة النكاح، واستدلوا على ذلك بأدلة، منها قول الله عز وجل: وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق:2] في شأن الرجعة، فعند مراجعة الزوج لمطلقته فإنه مأمور بالإشهاد، فإذا كان ذلك في إعادة نكاحٍ سابق، فابتداء النكاح من باب أولى، ويدل لذلك حديث جابر وحديث أبي موسى رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ) وهذا الحديث موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله تعالى في ثبوته، لكن ثبت ذلك عن ابن عباس موقوفًا عليه.

الرأي الثاني: أن الشهادة في النكاح ليست واجبة أو ليست شرطًا، وهذا رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وقال به أبو ثور ، واستدلوا على ذلك بأن الله سبحانه وتعالى أطلق، فقال سبحانه وتعالى: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3] ولم يقيد ذلك بالشهادة وقال سبحانه: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النور:32] ولم يقيد ذلك بالشهادة، وحديث سهل بن سعد : ( زوجتكها بما معك من القرآن ) ، وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم صفية وجعل عتقها صداقها، وأشكل أمرها على الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ولو كان هناك شهادة ما أشكل أمرها على الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

الرأي الثالث: قال الإمام مالك : الشهادة ليست شرطًا عند العقد، لكنها واجبة عند الدخول، يعني: أنه يستحب أن يشهد عند العقد، فإن لم يشهد عند العقد فإنه يشهد عند الدخول.

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إذا لم يشهد وأعلن النكاح كفى ذلك، يعني: إذا حصل إعلان ولم يحصل إشهاد فالنكاح صحيح، أما إذا لم يحصل إعلان ولا إشهاد فالنكاح لا يصح، وإن حصل إشهاد ولم يحصل إعلان، ففي صحة النكاح نظر، فشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرى أنه يكتفى بالإعلان عن الإشهاد، وأنه إذا حصل إعلان فإن هذا كاف عن الإشهاد.

والأقرب -والله أعلم- في هذه المسألة، عند تأمل أصول الشريعة؛ وأن الشريعة تحتاط للفروج: أنه لا بد من الإشهاد في عقد النكاح؛ احتياطًا للفروج، ورفعًا للنكاح التي جاءت به الشريعة عن الزنا الذي نفته الشريعة.

قال رحمه الله: (فلا يصح إلا بشاهدين عدلين).

هنا شرع المؤلف رحمه الله تعالى في ذكر شروط الشهادة، فقال: بشاهدين، ويؤخذ من هذا أنه لا بد من التعدد، وأنه لا يكتفى بشاهد واحد، ويدل لذلك قول الله عز وجل: وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق:2]، وفي الحديث: ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ).

قال رحمه الله تعالى: (عدلين).

وهذا هو الشرط الثاني وهو: العدالة، فلا بد أن يكون الشاهدان عدلين؛ وعلى هذا إذا كانا فاسقين فإنه لا تصح شهادتها، ودليلهم على هذا قوله عليه الصلاة والسلام كما في الحديث: ( وشاهدي عدل ) لكن هذا الحديث فيه ضعف؛ ولهذا فإن الحنفية لا يشترطون العدالة، والأقرب في ذلك أنه تشترط الأمانة.

وقد تقدم في الولاية في عقد النكاح أنهم اشترطوا في الولاية: العدالة، لكن الصواب أن نقول بدلًا من العدالة: الأمانة، فالأمانة هي التي اشترطها عز وجل في قوله: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ [القصص:26] فإذا كان أمينًا على موليته -حتى ولو كان عنده شيء من الفسق- فإن ولايته لا تسقط.

وكذلك هنا نقول: إذا كان أمينًا على شهادته فإن شهادته صحيحة، وكما أسلفنا أن الشهادة تختلف، وأن مرجعها إلى العرف، فإذا كان هذا الشخص مرضي الخبر لصدقه وعدم كذبه وتسرعه فشهادته صحيحة.

قال رحمه الله: (ذكرين).

هذا الشرط الثالث في الشهود أن يكونا ذكرين، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وهو قول أكثر أهل العلم.

والرأي الثاني رأي الظاهرية: أنه تصح شهادة النساء، فيصح أن يشهد ذكر وامرأتان، ويصح أن يشهد أربع نسوة، وعند الحنفية أيضًا يصح أن يشهد رجل وامرأتان، والصواب: أنه لا تشترط الذكورة، وأن شهادة المرأة مقبولة؛ لأن الضلال الذي يحصل في شهادة المرأة جبر بمضاعفة العدد كما سلف، فإذا وجد امرأتان فإنهما تقومان مقام رجل، وخصوصًا إذا فهمنا أن أصل الشهادة موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله تعالى.

قال رحمه الله: (مكلفين).

هذا الشرط الرابع من شروط الشهود: أن يكونا بالغين عاقلين؛ لأن غير المكلف لا يوثق بخبره، فالمجنون لا تصح عبارته، وعبارته ملغاة، والصبي الصغير لا يوثق بخبره.

قال رحمه الله: (سميعين).

هذا هو الشرط الخامس من شروط الشهود: أن يكونا سميعين، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد، وكذلك أيضًا مذهب الشافعي: أنهما لا بد أن يكونا سميعين، ومعنى ذلك أنهما إن تحملا عن طريق الكتابة، فلا يصح تحملهما؛ لأنهما لم يسمعا الشهادة، والصحيح في هذا أن شهادتهما صحيحة، وأنها مقبولة.

قال رحمه الله: (ناطقين).

هذا الشرط الخامس من شروط الشهود: أن يكونا ناطقين؛ وعلى هذا إذا كانا أبكمين لا ينطقان فإن شهادتها لا تصح، والصحيح في ذلك أنهما إذا أديا عن طريق الكتابة فإن شهادتهما صحيحة.

وأما اشتراط البصر فلم يذكره المؤلف رحمه الله، وهو المشهور من المذهب، أن غير المبصر شهادته صحيحة؛ لأنه أهل للشهادة.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] 2818 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] 2732 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] 2678 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] 2645 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] 2640 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] 2558 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] 2555 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] 2528 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] 2521 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] 2498 استماع