شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [46]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب اللقطة: وهي مال أو مختص ضل عن ربه، وتتبعه همة أوساط الناس، فأما الرغيف والسوط ونحوهما فيملك بلا تعريف، وما امتنع من سبع صغير كثور وجمل ونحوهما حرم أخذه، وله التقاط غير ذلك من حيوان وغيره إن أمن نفسه على ذلك، وإلا فهو كغاصب، ويعرف الجميع في مجامع الناس غير المساجد حولاً، ويملكه بعده حكماً، لكن لا يتصرف فيها قبل معرفة صفاتها، فمتى جاء طالبها فوصفها لزم دفعها إليه، والسفيه والصبي يعرف لقطتهما وليهما، ومن ترك حيواناً بفلاة لانقطاعه أو عجز ربه عنه ملكه آخذه، ومن أخذ نعله ونحوه ووجد موضعه غيره فلقطة].

تكلمنا في الدرس السابق عن بقية أحكام الجعالة، وذكرنا من هذه الأحكام ما يتعلق بالفروق بين بابي الجعالة والإجارة، وذكرنا عدة فروق.

وكذلك أيضاً: ما هي الأعمال التي يصح أن يجاعل عليها، وذكرنا ضابط ذلك عند أهل العلم رحمهم الله، وهل الجعالة حق لازم أو أنها عقد جائز لكل من المُجاعَل والمجاعِل أن يفسخها، هذا تقدم الكلام عليه. ومن عمل لغيره عملاً فهل يستحق على ذلك عوضاً؟ ذكر المؤلف رحمه الله: أنه لا يستحق على ذلك عوضاً إلا ما استثني، وكذلك أيضاً تقدم لنا أن من عمل لغيره عملاً فإنه لا يستحق على ذلك عوضاً إلا بأمرين:

الأمر الأول: أن يكون هناك شرط لفظي، فإذا كان هناك شرط لفظي فالمسلمون على شروطهم.

والأمر الثاني: ألا يكون هناك لفظ؛ لكن يكون هناك عرف، فإذا كان هناك عرف فإن الشرط العرفي كالشرط اللفظي.

ثم بعد ذلك قال المؤلف رحمه الله: (باب اللقطة).

هذا الباب ليس من العقود، وإنما هو من باب التمليكات، ولو أن المؤلف رحمه الله تعالى أخره بعد عقود التبرعات لكان أحسن؛ لأنه ليس عقداً وإنما هو من قبيل التمليكات.

تعريف اللقطة

واللقطة: بضم اللام وفتح القاف لغة، وأيضاً يقال: لقطة بإسكان القاف، ويقال أيضاً: لَقَطة بفتح اللام والقاف، ويقال: لُقاطة.

وهي في اللغة اسم لما يلتقط.

وأما في الاصطلاح فقد بينه المؤلف رحمه الله بقوله: (وهي مال أو مختص ضل عن ربه).

أدلة مشروعية اللقطة

والأصل في اللقطة السنة والإجماع، وكذلك أيضاً النظر الصحيح، فالسنة كما سيأتينا إن شاء الله حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن لقطة الإبل، فقال عليه الصلاة والسلام: ( مالك ولها، معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر ).

وكذلك أيضاً سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن لقطة الذهب والورق، فقال عليه الصلاة والسلام: ( اعرف وكاءها وعفاصها، ثم عرفها سنة، فإن لم تعرف فاستنفقها )، وسُئل أيضاً عن لقطة الشاة فقال: ( خذها، فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب )، وغير ذلك من الأحاديث التي ستأتينا إن شاء الله.

والإجماع قائم على مشروعية اللقطة بالجملة، وأيضاً النظر الصحيح يقتضي ذلك؛ لأن اللقطة فيها حفظ المال، وحفظ المال من الضروريات الخمس، وكما تقدم لنا أن المصالح تنقسم إلى ثلاثة أقسام: مصالح ضرورية، وهي المشتملة على حفظ الدين، والنفس، والمال، والعقل، والعرض. ومصالح حاجية ومصالح تفصيلية كما تقدم، فحفظ المال أو اللقطة يكون فيه حفظ مال المسلم، والمؤمنون بعضهم أولياء بعض، وكذلك أيضاً فيها حفظ المال على وجه العموم.

ما تشمله اللقطة

وقول المؤلف رحمه الله تعالى: (وهي مال أو مختص ضل عن ربه) يعني: أن اللقطة تشمل الأموال، وكذلك أيضاً تشمل المختصات، والمال سبق لنا بيان تعريفه، وأن المال: هو كل ما يباح الانتفاع به، ويصح العقد عليه مثل: الأطعمة، والأقمشة، والدراهم، والدنانير، هذه كلها أموال، فإذا ضل شيء من ذلك فهو داخل في اللقطة.

وقوله: (أو مختص) المختص -كما سبق لنا- هو كل ما ينتفع به، ولا يصح العقد عليه، مثل كلب الصيد، وكلب الحراسة، والماشية، هذه مختصات يُنتفع بها، والشارع أباح لك أن تنتفع بها، لكن لم يجوّز لك أن تعقد عليها، يعني أن تبيع وتشتري، وعلى هذا فإذا فقد مختصاً من هذه المختصات فنقول: يأخذ أحكام اللقطة، مثلاً: فقد كلب صيد، أو كلب حراسة، أو نحو ذلك، فهذا لقطة، كما أنه إذا فقد الدراهم والدنانير فهذه لقطة، فاللقطة شاملة للأموال وكذلك أيضاً شاملة للمختصات.

وقال بعض العلماء: اللقطة في غير الحيوان، فالحيوان يسمى ضالة، ولا يسمى لقطة، وأما غير الحيوان من الأقمشة، والأطعمة، والدراهم، والدنانير، فهذه تسمى لقطة.

واللقطة: بضم اللام وفتح القاف لغة، وأيضاً يقال: لقطة بإسكان القاف، ويقال أيضاً: لَقَطة بفتح اللام والقاف، ويقال: لُقاطة.

وهي في اللغة اسم لما يلتقط.

وأما في الاصطلاح فقد بينه المؤلف رحمه الله بقوله: (وهي مال أو مختص ضل عن ربه).

والأصل في اللقطة السنة والإجماع، وكذلك أيضاً النظر الصحيح، فالسنة كما سيأتينا إن شاء الله حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن لقطة الإبل، فقال عليه الصلاة والسلام: ( مالك ولها، معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر ).

وكذلك أيضاً سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن لقطة الذهب والورق، فقال عليه الصلاة والسلام: ( اعرف وكاءها وعفاصها، ثم عرفها سنة، فإن لم تعرف فاستنفقها )، وسُئل أيضاً عن لقطة الشاة فقال: ( خذها، فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب )، وغير ذلك من الأحاديث التي ستأتينا إن شاء الله.

والإجماع قائم على مشروعية اللقطة بالجملة، وأيضاً النظر الصحيح يقتضي ذلك؛ لأن اللقطة فيها حفظ المال، وحفظ المال من الضروريات الخمس، وكما تقدم لنا أن المصالح تنقسم إلى ثلاثة أقسام: مصالح ضرورية، وهي المشتملة على حفظ الدين، والنفس، والمال، والعقل، والعرض. ومصالح حاجية ومصالح تفصيلية كما تقدم، فحفظ المال أو اللقطة يكون فيه حفظ مال المسلم، والمؤمنون بعضهم أولياء بعض، وكذلك أيضاً فيها حفظ المال على وجه العموم.

وقول المؤلف رحمه الله تعالى: (وهي مال أو مختص ضل عن ربه) يعني: أن اللقطة تشمل الأموال، وكذلك أيضاً تشمل المختصات، والمال سبق لنا بيان تعريفه، وأن المال: هو كل ما يباح الانتفاع به، ويصح العقد عليه مثل: الأطعمة، والأقمشة، والدراهم، والدنانير، هذه كلها أموال، فإذا ضل شيء من ذلك فهو داخل في اللقطة.

وقوله: (أو مختص) المختص -كما سبق لنا- هو كل ما ينتفع به، ولا يصح العقد عليه، مثل كلب الصيد، وكلب الحراسة، والماشية، هذه مختصات يُنتفع بها، والشارع أباح لك أن تنتفع بها، لكن لم يجوّز لك أن تعقد عليها، يعني أن تبيع وتشتري، وعلى هذا فإذا فقد مختصاً من هذه المختصات فنقول: يأخذ أحكام اللقطة، مثلاً: فقد كلب صيد، أو كلب حراسة، أو نحو ذلك، فهذا لقطة، كما أنه إذا فقد الدراهم والدنانير فهذه لقطة، فاللقطة شاملة للأموال وكذلك أيضاً شاملة للمختصات.

وقال بعض العلماء: اللقطة في غير الحيوان، فالحيوان يسمى ضالة، ولا يسمى لقطة، وأما غير الحيوان من الأقمشة، والأطعمة، والدراهم، والدنانير، فهذه تسمى لقطة.

قال رحمه الله: (وتتبعه همة أوساط الناس).

بالنسبة لهذه الأموال التي ضلت عن أربابها، ما هو الذي يلتقط منها ويعرف، وما هو الذي لا يجب تعريفه، وما هو الذي لا يجوز أن يلتقط؟ نقول هذه الأشياء تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: ما يباح التقاطه ولا يجب تعريفه

القسم الأول: ما يباح التقاطه ولا يجب تعريفه، يعنى يباح لك أن تلتقطه ولا يجب عليك أن تعرفه، وهذا كله ما لا تتبعه همة أوساط الناس، يعنى كل شيء فقد ولا تتبعه همة أوساط الناس ولا يهتمون لفقده إذا فقد منهم، وقيد المؤلف رحمه الله، فقال: (وتتبعه همة أوساط الناس) والعلماء قيدوا بأوساط الناس، فلا عبرة بأشرافهم؛ لأن أشرافهم والأغنياء منهم قد يفقدون الشيء الكثير ولا يهتمون له، فإذا كان الإنسان عنده أموال وفتح الله عليه فقد يفقد الشيء الكثير ولا يهمه ذلك، إذاً لا عبرة بأشراف الناس وأعاليهم، وكذلك أيضاً لا عبرة بأراذلهم؛ لأن أراذل الناس قد يهتم بالشيء الحقير، فالشيء الحقير إذا فقده قد يهتم له، فيقيد بأوساط الناس، فنقول: ما يُفقد ولا تتبعه همة أوساط الناس، يعني: لا يهتمون بفقده إذا فقد منهم، فهذا تحته أحكام:

الحكم الأول: أنه يجوز التقاطه.

والحكم الثاني: أنه لا يجب تعريفه.

والحكم الثالث: أنه يمتلك لمجرد الالتقاط.

والحكم الرابع: أنك إذا كنت تعرف صاحبه فإنه يجب عليك أن ترده عليه، فنقول هذا القسم الأول: ما يباح التقاطه، ولا يجب تعريفه، ما هو ضابط ذلك؟ نقول ضابط ذلك: ما لا تتبعه همة أوساط الناس، وذكرنا أنه لا عبرة بأراذلهم، وكذلك أيضاً لا عبرة بأعاليهم وأشرافهم، فإذا كان أوساط الناس لا يهتمون له مثلاً: إذا فقد ريالاً، أو ريالين، أو خمسة ريالات، أو عشرة ريالات، أو عشرين ريالاً، فهؤلاء هم أوساط الناس، فلا يهتمون بفقد مثل هذه الأشياء، أو مثلاً فقد قلماً رصاصاً، أو قلماً من الحبر العادي، فهذه الأشياء لا يهتمون لها.

ويدل لذلك ما ثبت في صحيح البخاري (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بتمرة في الطريق، فقال: لولا أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها )، فهذا يدل على أن مثل هذه الأشياء اليسيرة لا بأس أن تلتقط، فالنبي صلى الله عليه وسلم منعه من أكلها أن تكون صدقة؛ لأن الصدقة محرمة عليه، وإلا فإنه إذا كان يعلم أنها ليست من الصدقة لأكلها، مما يدل على أن مثل هذه الأشياء اليسيرة تملك لمجرد الالتقاط، وأنه لا يجب تعريفها، وكذلك أيضاً عمر رضي الله تعالى عنه وجد تمرة في الطريق فأكلها، وكذلك أيضاً ورد ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما، أما إذا كان يعرف صاحبه فإنه يجب عليه أن يرد المال إلى صاحبه، ويدل لذلك أن الأصل في مال المسلم الحرمة.

وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: ( من وجد عين ماله فهو أحق به ) فصاحب المال أحق بماله.

قال رحمه الله: (فأما الرغيف والسوط ونحوهما، فيملك بلا تعريف).

هذا القسم الأول، كما ذكرنا: ما يباح التقاطه ولا يجب تعريفه، وذكرنا أن هذا القسم يدخل تحته هذه الأحكام.

القسم الثاني: ما يحرم التقاطه

قال: (وما امتنع من سبع صغير كثور وجمل ونحوهما حرم أخذه).

هذا القسم الثاني من أقسام اللقطة: ما يحرم أخذه، والذي يحرم أخذه نوعان:

التقاط الممتنع من صغار السباع

النوع الأول: ما يمتنع من صغار السباع، والحيوان الذي يمتنع من صغار السباع إما لكبر جثته مثل الإبل، وكما مثّل المؤلف رحمه الله كالثور، وبعض العلماء يلحق البغل والحمار، فيمتنع من صغار السباع لكبر جثته، أو لطيرانه، مثل: الصقر، وبقية الطيور التي تطير، أو لسرعة عدوه: كالضبع، فإذا كان يمتنع من صغار السباع فإنه يحرم التقاطه.

وما المراد بصغار السباع؟ المراد بصغار السباع: مثل الذئب، ومثل ولد الأسد، وولد النمر، ونحو ذلك، ومثل الثعلب، فهذه صغار السباع، فإذا كان يمتنع من صغار السباع فهذا لا يجوز التقاطه، ويدل لذلك: حديث زيد بن خالد الجهني ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن لقطة الإبل فقال عليه الصلاة والسلام: مالك ولها، معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر )، فالإبل هذه تمتنع من صغار السباع، وصغار السباع لا تقوى عليها، ويُلحق بالإبل ويُقاس عليها ما كان في معناها، وما يمتنع من صغار السباع إما لكبر جثته كما مثّل المؤلف رحمه الله، بقوله: كالثور، أو لطيرانه، أو لسرعته، فهذا الذي يمتنع من صغار السباع نقول: بأنه يحرم التقاطه لما تقدم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما لك ولها ) في الإبل، ( معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر ) هذا النوع الأول مما يحرم التقاطه.

التقاط الأموال التي تتحفظ بنفسها

النوع الثاني مما يحرم التقاطه: الأموال التي تتحفظ بنفسها، وتتحفظ لكبرها وهذه تترك، فإن صاحبها يرجع إليها إذا فقدها، مثل: القدر الكبير اتركه صاحبه إذا فقده سيرجع إليه سقط من سيارته سيرجع إليه، ومثله الأخشاب وكذلك الآلات، المهم الأشياء التي تتحفظ بنفسها فهذه يحرم عليك أن تلتقطها اتركها في مكانها وسيأتي إليها صاحبها، وهذه ملحقة بالإبل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( مالك ولها ) لماذا؟ لأن الإبل تتحفظ بنفسها فمعها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها.

وأيضاً هذه في معناها وهذه الآلات، والأموال الكبيرة، التي تتحفظ بنفسها في معنى الإبل، اتركها حتى يأتي صاحبها، فهذا هو النوع الثاني من أنواع اللقطة وهو ما يحرم التقاطه.

وقول المؤلف رحمه الله تعالى: (وما امتنع من سبع صغير) كالذئب، وكالثعلب، وولد الأسد، وولد النمر، وابن آوى.

وقوله: (كثور وجمل ونحوهما) الثور والجمل هذا يمتنع لكبر جثته، وكما ذكرنا أن بعض أهل العلم ألحق البقر والحمار، وبعض العلماء لم يلحق الحمار، قال: لأن الحمار لا يمتنع من صغار السباع، فلا يمتنع من الذئب، بل إذا سمع الذئب وقف في مكانه، على كل حال: إن قلنا بأنه يمتنع فيحرم أخذه، وإذا قلنا لا يمتنع فهذا يلحق بالشاة كما سيأتينا إن شاء الله، ومثله أيضاً البقر موضع خلاف بين أهل العلم، هل تمتنع من الذئب وولد الأسد والثعلب أو أنها لا تمتنع، هذا موضع خلاف بين أهل العلم، المهم ما ثبت أنه يمتنع يلحق بهذا القسم.

وإذا كان لا يمتنع يلحق بما يجوز التقاطه كما سيأتي.

وقوله المؤلف رحمه الله: (حرم أخذه)، دليل ذلك ما سبق أن ذكرنا من حديث زيد بن خالد الجهني ، وقوله عليه الصلاة والسلام في الإبل: ( ما لك ولها، معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء، تأكل الشجر ).

القسم الثالث: ما يباح التقاطه ويجب تعريفه

قال رحمه الله: (وله التقاط غير ذلك من حيوان وغيره إن أمن نفسه على ذلك).

القسم الثالث: ما يباح التقاطه ويجب تعريفه، وهذا القسم نوعان:

النوع الأول: ما لا يمتنع من صغار السباع، مثل: الشاة، ومثل: الحمار والبقرة على قول بعض أهل العلم، يعني لا يمتنع من الذئب، ولا يمتنع من الثعلب، ولا يمتنع من ولد الأسد، فهذا النوع الأول لك أن تلتقطه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الشاة لما سُئل عن لقطة الشاة، قال: ( خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب ) فرخص النبي صلى الله عليه وسلم بالالتقاط.

النوع الثاني: الأموال التي لا تتحفظ بنفسها وتتبعها همة أوساط الناس، مثل: الدراهم، والدنانير، والذهب، هذه ما تتحفظ بنفسها، هذه تتقاذفها الرياح، ومثل الأطعمة وما يسرع عليها الفساد، فهذه التي تتبعها همة أوساط الناس، فأوساط الناس يهتمون بفقدها، لكي نخرج القسم الأول، ولا تتحفظ بنفسها، فهذه نقول بأنها تلتقط.

إذاً القسم الثالث من أقسام اللقطة: ما يباح التقاطه ويجب تعريفه، وهذا نوعان:

النوع الأول: الحيوان الذي لا يمتنع من صغار السباع.

والنوع الثاني: ما تتبعه همة أوساط الناس ولا يتحفظ بنفسه، فنقول بأن هذا يلتقط، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في الشاة: ( خذها )، هذا النوع هو الذي يعرف، لكن هل يجب التعريف أو لا يجب التعريف؟

أما النوع الثاني: وهو بقية الأموال التي تتبعها همة أوساط الناس، ولا تتحفظ بنفسها كالدراهم، والدنانير، ونحو ذلك، فهذه يحب تعريفها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر بذلك فقال: ( ثم عرفها سنةً ).

أما بالنسبة للحيوان الذي لا يمتنع من صغار السباع، مثل: الشاة، والماعز، ونحو ذلك، وولد الفصيل، ولد الإبل، وكذلك أيضاً العجل ولد البقر، فهذه لا تمتنع من صغار السباع، فهذه يجوز أن تلتقط؛ لكن هل يجب أن تعرف أو نقول بأن التعريف ليس واجباً؟ هذا موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله، والذي ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى أن هذه الغنم، والفصلان، والأعجال، هذه يجب أن تعرف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ثم عرفها سنة )، ولأنها مال من الأموال، فهي داخلة في تعريف اللقطة.

والرأي الثاني: أن مثل هذه الأشياء لا يجب أن تعرف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( خذها فإنما هي لك، أو لأخيك، أو للذئب )، فقال صلى الله عليه وسلم: ( لك أو لأخيك، أو للذئب )، فقوله: (لك) ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم تعريفه، فإما أن تأخذها أنت أو أن يأخذها الذئب، أو أن يأخذها أخوك، والذي يظهر والله وأعلم أن كلا القولين له قوة لكن الأبرأ للذمة والأحوط أنها تُعرف.

وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب ) هذا لبيان إباحة الالتقاط وأن الالتقاط مباح، بخلاف الإبل؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام سُئل عن الإبل فحرَّم التقاط الإبل، ثم بعد ذلك أباح الالتقاط، فالكلام هنا عن الالتقاط، لأن النبي سُئل عن التقاط الإبل، فقال: ( دعها )، ثم سُئل عن لقطة الشاة فقال: ( خذها ).

أما التعريف: فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يتكلم عن التعريف، والأحوط في هذه المسألة أن نقول: بأن هذه الحيوانات التي لا تمتنع من صغار السباع الأحوط فيها أنها تعرف، فيجوز أن تلتقط لكن نقول: بأنها تعرف، وهذا هو الأبرأ، وما الفرق بينها وبين خمسمائة ريال يجدها أو مائتي ريال يجدها؟ نقول هذه يجب أن تعرف، وهذه لا يجب أن تعرف، ويكون قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب ) المراد بذلك مقابل الإبل، لأن الإبل حرم النبي صلى الله عليه وسلم أن تلتقط.