شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [27]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله: [ فإن جمع في وقت الأولى اشترط نية الجمع عند إحرامها، ولا يفرق بينهما إلا بمقدار إقامة ووضوء خفيف، ويبطل براتبة بينهما، وأن يكون العذر موجوداً عند افتتاحهما وسلام الأولى.

وإن جمع في وقت الثانية اشترط نية الجمع في وقت الأولى إن لم يضق عن فعلها، واستمرار العذر إلى دخول وقت الثانية.

فصل: وصلاة الخوف صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم بصفات كلها جائزة، ويستحب أن يحمل معه في صلاتها من السلاح ما يدفع به عن نفسه، ولا يثقله كسيف ونحوه.

باب: صلاة الجمعة.

تلزم كل ذكر حر مكلف مسلم، مستوطنٍ ببناء اسمه واحد ولو تفرق، ليس بينه وبين المسجد أكثر من فرسخ، ولا تجب على مسافر سفر قصر، ولا عبد وامرأة، ومن حضرها منهم أجزأته ولا تنعقد به، ولم يصح أن يؤم فيها، ومن سقط عنه العذر وجبت عليه إذا حضرها وانعقدت به، ومن صلى الظهر ممن عليه حضور الجمعة قبل صلاة الإمام لم تصح، وتصح ممن لا تجب عليه، والأفضل حتى يصلي الإمام ].

تقدم لنا شيء من مباحث قصر الصلاة، وذكرنا من هذه المباحث ما يتعلق بحكم القصر، وأن العلماء رحمهم الله اختلفوا في ذلك على ثلاثة آراء:

الرأي الأول: أنه سنة.

والرأي الثاني: أنه واجب كما يقول أبو حنيفة.

والرأي الثالث: أنه سنة؛ لكن الإتمام مكروه كما يقوله شيخ الإسلام رحمه الله.

وتكلمنا أيضاً على ما إذا أحرم في الحضر ثم سافر أو أحرم في السفر ثم أقام، وكذلك أيضاً إذا ذكر صلاة حضر في سفر، أو ذكر صلاة سفر في حضر، أو ذكر صلاة سفر في سفر.. إلخ.

وكذلك أيضاً هل السفر مقيد بمدة أو ليس مقيداً بمدة؟

ثم بعد ذلك طرقنا باب الجمع، وذكرنا أن الحنابلة رحمهم الله هم أوسع الناس فيما يتعلق بجمع الصلاتين، وأن أضيق المذاهب هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى.

وذكرنا أن الجمع لا يخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن يكون في السفر، فالسفر علة الجمع.

والأمر الثاني: أن يكون في الحضر.

وذكرنا أن العلماء رحمهم الله لهم في الجمع في الحضر مسلكان:

المسلك الأول: مسلك العد، فيعددون جملة من الأعذار يسوغ فيها الجمع، وما عداها لا يسوغ فيه الجمع.

والمسلك الثاني: مسلك الحد، وأن الجمع في السفر محدود ومضبوط بضابط، متى وجد هذا الضابط فإنه يجمع.

اشتراط عقد نية الجمع عند الإحرام بالأولى في جمع التقديم

ثم بعد ذلك قال المؤلف رحمه الله تعالى: (فإذا جمع في وقت الأولى اشترط نية الجمع عند إحرامه).

أقول: الجمع إما أن يكون في وقت الأولى أو في وقت الثانية، فإذا جمع في وقت الأولى يقول المؤلف رحمه الله تعالى: يشترط لذلك شروط.

الشرط الأول: نية الجمع، وليس نية الصلاة، يعني: أن ينوي الجمع بين الصلاتين، وهذا هو المشهور من المذهب، وهو قول أكثر أهل العلم.

والرأي الثاني: أن نية الجمع ليست شرطاً، وهذا رأي المزني من أصحاب الشافعي رحمهم الله، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ لأنه لم يعهد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد أن يجمع أخبر أصحابه، ولو كانت نية الجمع شرطاً لعهد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو مرة واحدة, فلما لم يعهد دل ذلك على أنه لا يشترط.

ويترتب على هذا: لو أن المسافر صلى صلاة الظهر ولم ينو أن يجمع، وبعد أن انتهى من صلاة الظهر بدا له أن يجمع على كلام المؤلف رحمه الله ليس له أن يجمع؛ لأنه لم ينو الجمع عند إحرام الأولى. وعلى الرأي الثاني له أن يجمع.

ومثل ذلك أيضاً: لو أننا صلينا المغرب ثم حصلت أمطار ولم تكن هناك أمطار قبل الصلاة، ولم ننو الجمع، فبدا لنا أن نجمع لوجود العذر، على كلام المؤلف رحمه الله أننا لا نجمع. والرأي الثاني أننا نجمع. وهذا هو الصواب.

اشتراط عدم التفريق بين الفريضتين إلا بوقت يسير

قال رحمه الله: (ولا يفرق بينهما إلا بمقدار إقامة ووضوء خفيف، ويبطل براتبة بينهما).

الشرط الثاني من شروط صحة الجمع في الأولى: الموالاة بين المجموعتين، بألا يفرق بينهما إلا بمقدار إقامة الصلاة, ووضوء خفيف؛ لأن الجمع بمعنى المتابعة والمقارنة، وإذا حصل فاصل لم تحصل المتابعة والمقارنة، وما يتعلق بإقامة الصلاة والوضوء الخفيف هذه أمور يسيرة, واليسير مغتفر شرعاً.

واشتراط الموالاة هو رأي جماهير العلماء رحمهم الله.

الرأي الثاني: أن الفاصل الذي يحصل بين المجموعتين مرجعه إلى العرف، إن كان يسيراً عرفاً فإنه لا يضر، وإن كان طويلاً عرفاً فإنه يضر. وهذا مذهب الشافعي رحمه الله.

وعند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الموالاة ليست شرطاً؛ لأن اشتراط التوالي يبطل معنى الرخصة. وعلى كلام شيخ الإسلام رحمه الله -لو أن المسافر صلى الظهر وبعد ساعة بدا له أن يصلي العصر جاز له ذلك, أو صلى المغرب وبعد ساعة أراد أن يصلي العشاء جاز له ذلك، أو حصل مطر فصلى ثم بعد نصف الساعة وجد العذر فله ذلك.

والذي ينظر في سنة النبي صلى الله عليه وسلم يجد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى متوالياً، فالمحفوظ في جمع النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يوالي بين المجموعتين.

وعلى هذا نقول: الأحوط للمسلم أن يوالي بين المجموعتين، وأن لا يفصل بينهما, فإن فصل بينهما فكما قال الشافعي: إن كان الفاصل يسيراً عرفاً يعني: دقيقة .. دقيقتين .. ثلاث .. أربع .. خمس- فلا بأس.

وكلام شيخ الإسلام أيضاً قوي، فعلى كلامه أن المجموعتين مع العذر يصير وقتهما كالوقت الواحد، مع أن الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو مجرد فعل، فنقول: الأحوط للمسلم أن يوالي، ومع ذلك لا يشدد فيها.

وقوله رحمه الله: (ويبطل براتبة بينهما).

أي: لو صلى راتبة بين المجموعتين، كما إذا صلى الظهر لمرض ثم صلى الراتبة ثم صلى العصر يقول المؤلف رحمه الله: يبطل؛ لأنه فرق بين الصلاتين، ومن شروط الجمع أن يوالي بينهما.

اشتراط استمرار وجود العذر عند افتتاح الثانية

قال رحمه الله: (وأن يكون العذر موجوداً عند افتتاحهما وسلام الأولى).

هذا الشرط الثالث من شروط صحة الجمع، أن يكون العذر موجوداً عند افتتاحهما، يعني: عند تكبيرة الإحرام للأولى، وعند تكبيرة الإحرام للثانية، وعند سلام الأولى.

فلا بد أن يكون العذر موجوداً عند افتتاح الأولى؛ لأنه موضع النية، وعند افتتاح الثانية؛ لأنه موضع الجمع.

والصواب في ذلك: أنه لا يشترط أن يكون العذر موجوداً عند افتتاح الأولى، ولا عند سلام الأولى، وإنما يشترط أن يكون العذر موجوداً عن افتتاح الثانية؛ لأن افتتاح الثانية هو موضع الجمع.

وعلى هذا لو أننا صلينا المغرب وليس هناك عذر -كمطر مثلاً- عند افتتاح صلاة المغرب وانتهينا من صلاة المغرب وليس هناك عذر، وبعد نهاية صلاة المغرب جاءت الأمطار، فالعذر موجود عند افتتاح الثانية, فعلى كلام المؤلف لا يصح الجمع. لكن على الرأي الثاني أنه يصح الجمع؛ لأن هذا هو محل الجمع, وهنا وجد السبب.

إذاً تلخص لنا أنه إذا أراد أن يجمع في وقت الأولى فإنه يشترط لذلك شروط:

الشرط الأول: نية الجمع. وذكرنا أن الصواب أن نية الجمع ليست شرطاً.

والشرط الثاني: الموالاة, وتكلمنا عن الموالاة.

والشرط الثالث: وجود العذر عند افتتاح الصلاتين، والفراغ من الأولى, وذكرنا أن الصواب أنه يشترط وجود العذر عند افتتاح الثانية فقط.

ثم بعد ذلك قال المؤلف رحمه الله تعالى: (فإذا جمع في وقت الأولى اشترط نية الجمع عند إحرامه).

أقول: الجمع إما أن يكون في وقت الأولى أو في وقت الثانية، فإذا جمع في وقت الأولى يقول المؤلف رحمه الله تعالى: يشترط لذلك شروط.

الشرط الأول: نية الجمع، وليس نية الصلاة، يعني: أن ينوي الجمع بين الصلاتين، وهذا هو المشهور من المذهب، وهو قول أكثر أهل العلم.

والرأي الثاني: أن نية الجمع ليست شرطاً، وهذا رأي المزني من أصحاب الشافعي رحمهم الله، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ لأنه لم يعهد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد أن يجمع أخبر أصحابه، ولو كانت نية الجمع شرطاً لعهد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو مرة واحدة, فلما لم يعهد دل ذلك على أنه لا يشترط.

ويترتب على هذا: لو أن المسافر صلى صلاة الظهر ولم ينو أن يجمع، وبعد أن انتهى من صلاة الظهر بدا له أن يجمع على كلام المؤلف رحمه الله ليس له أن يجمع؛ لأنه لم ينو الجمع عند إحرام الأولى. وعلى الرأي الثاني له أن يجمع.

ومثل ذلك أيضاً: لو أننا صلينا المغرب ثم حصلت أمطار ولم تكن هناك أمطار قبل الصلاة، ولم ننو الجمع، فبدا لنا أن نجمع لوجود العذر، على كلام المؤلف رحمه الله أننا لا نجمع. والرأي الثاني أننا نجمع. وهذا هو الصواب.

قال رحمه الله: (ولا يفرق بينهما إلا بمقدار إقامة ووضوء خفيف، ويبطل براتبة بينهما).

الشرط الثاني من شروط صحة الجمع في الأولى: الموالاة بين المجموعتين، بألا يفرق بينهما إلا بمقدار إقامة الصلاة, ووضوء خفيف؛ لأن الجمع بمعنى المتابعة والمقارنة، وإذا حصل فاصل لم تحصل المتابعة والمقارنة، وما يتعلق بإقامة الصلاة والوضوء الخفيف هذه أمور يسيرة, واليسير مغتفر شرعاً.

واشتراط الموالاة هو رأي جماهير العلماء رحمهم الله.

الرأي الثاني: أن الفاصل الذي يحصل بين المجموعتين مرجعه إلى العرف، إن كان يسيراً عرفاً فإنه لا يضر، وإن كان طويلاً عرفاً فإنه يضر. وهذا مذهب الشافعي رحمه الله.

وعند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الموالاة ليست شرطاً؛ لأن اشتراط التوالي يبطل معنى الرخصة. وعلى كلام شيخ الإسلام رحمه الله -لو أن المسافر صلى الظهر وبعد ساعة بدا له أن يصلي العصر جاز له ذلك, أو صلى المغرب وبعد ساعة أراد أن يصلي العشاء جاز له ذلك، أو حصل مطر فصلى ثم بعد نصف الساعة وجد العذر فله ذلك.

والذي ينظر في سنة النبي صلى الله عليه وسلم يجد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى متوالياً، فالمحفوظ في جمع النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يوالي بين المجموعتين.

وعلى هذا نقول: الأحوط للمسلم أن يوالي بين المجموعتين، وأن لا يفصل بينهما, فإن فصل بينهما فكما قال الشافعي: إن كان الفاصل يسيراً عرفاً يعني: دقيقة .. دقيقتين .. ثلاث .. أربع .. خمس- فلا بأس.

وكلام شيخ الإسلام أيضاً قوي، فعلى كلامه أن المجموعتين مع العذر يصير وقتهما كالوقت الواحد، مع أن الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو مجرد فعل، فنقول: الأحوط للمسلم أن يوالي، ومع ذلك لا يشدد فيها.

وقوله رحمه الله: (ويبطل براتبة بينهما).

أي: لو صلى راتبة بين المجموعتين، كما إذا صلى الظهر لمرض ثم صلى الراتبة ثم صلى العصر يقول المؤلف رحمه الله: يبطل؛ لأنه فرق بين الصلاتين، ومن شروط الجمع أن يوالي بينهما.

قال رحمه الله: (وأن يكون العذر موجوداً عند افتتاحهما وسلام الأولى).

هذا الشرط الثالث من شروط صحة الجمع، أن يكون العذر موجوداً عند افتتاحهما، يعني: عند تكبيرة الإحرام للأولى، وعند تكبيرة الإحرام للثانية، وعند سلام الأولى.

فلا بد أن يكون العذر موجوداً عند افتتاح الأولى؛ لأنه موضع النية، وعند افتتاح الثانية؛ لأنه موضع الجمع.

والصواب في ذلك: أنه لا يشترط أن يكون العذر موجوداً عند افتتاح الأولى، ولا عند سلام الأولى، وإنما يشترط أن يكون العذر موجوداً عن افتتاح الثانية؛ لأن افتتاح الثانية هو موضع الجمع.

وعلى هذا لو أننا صلينا المغرب وليس هناك عذر -كمطر مثلاً- عند افتتاح صلاة المغرب وانتهينا من صلاة المغرب وليس هناك عذر، وبعد نهاية صلاة المغرب جاءت الأمطار، فالعذر موجود عند افتتاح الثانية, فعلى كلام المؤلف لا يصح الجمع. لكن على الرأي الثاني أنه يصح الجمع؛ لأن هذا هو محل الجمع, وهنا وجد السبب.

إذاً تلخص لنا أنه إذا أراد أن يجمع في وقت الأولى فإنه يشترط لذلك شروط:

الشرط الأول: نية الجمع. وذكرنا أن الصواب أن نية الجمع ليست شرطاً.

والشرط الثاني: الموالاة, وتكلمنا عن الموالاة.

والشرط الثالث: وجود العذر عند افتتاح الصلاتين، والفراغ من الأولى, وذكرنا أن الصواب أنه يشترط وجود العذر عند افتتاح الثانية فقط.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] 2818 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] 2731 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] 2678 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] 2645 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] 2640 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] 2558 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] 2555 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] 2528 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] 2521 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] 2498 استماع