أرشيف المقالات

أول من يعبر الصراط، وهل الصراط واسع أو ضيق؟

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
أول من يعبر الصراط
وهل الصراط واسع أو ضيق؟


أول من يعبر الصراط: من الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، ومن الأمم أمته.
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُهَا، وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا الرُّسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ»[1].
 
قال النووي رحمه الله: "«وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا الرُّسُلُ» معناها لشدة الأهوال، والمراد لا يتكلم في حال الإجازة، وإلا ففي يوم القيامة مواطن يتكلم الناس فيها، وتجادل كل نفس عن نفسها، ويسأل بعضهم بعضًا ويتلاومون، ويخاصم التابعون المتبوعين - والله أعلم -، قوله صلى الله عليه وسلم: " «وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ» هذا من كمال شفقتهم، ورحمتهم للخلق، وفيه أن الدعوات تكون بحسب المواطن، فيدعى في كل موطن بما يليق به، والله أعلم"[2].
 
والمرور على الصراط عام للمؤمنين، ومن ادّعى الإيمان (كالمنافقين) ولكن المنافقين لا يجاوزون الصراط، بل الصراط آخر محطة لهم إلى النار، والعياذ بالله.
هل الصراط واسع أو ضيق؟
اختُلف في سعة الصراط على قولين:
القول الأول: أن الصراط طريق واسع.
واستدلوا بـِ:
أ- أن الصراط في اللغة، هو: الطريق الواسع.
ب- وبقول النَّبي صلى الله عليه وسلم في صفة الصراط: «مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ، عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ، وَكَلَالِيبُ»[3].
ووجه الدلالة: أن الدحض، والمزلة، والكلاليب لا تكون إلا في طريق واسع.
 
والقول الثاني: أن الصراط طريق دقيق، ضيق جدًا.
واستدلوا بـِ: ما رواه مسلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: "بَلَغَنِي أَنَّ الْجِسْرَ أَدَقُّ مِنْ الشَّعْرَةِ، وَأَحَـدُّ مِنْ السَّيْفِ"[4].
وبنحوه عند أحمد جاء مرفوعًا من حديث عائشة - رضي الله عنها[5].
وجاء عند الحاكم من حديث سلمان مرفوعًا أنه كحد الموسى، والله أعلم بالراجح.
 
ومن خلال الخلاف السابق تبيَّن لنا صفة الصراط، وأنه ممدود فوق جهنم عليه كلاليب، وخطاطيف تخطف الناس بحسب أعمالهم - نسأل الله السَّلامة والتجاوز -.
 
يقول القرطبي رحمه الله مصورًا المرور على الصراط: "تفكر الآن فيما يحل بك من الفزع بفؤادك إذا رأيت الصراط ودقته، ثم وقع بصرك على سواد جهنم من تحته، ثم قرع سمعك شهيق النار وتغيظها، وقد كلفت أن تمشي على الصراط، مع ضعف حالك واضطراب قلبك، وتزلزل قدمك، وثقل ظهرك بالأوزار، المانعة لك من المشي على بساط الأرض، فضلًا عن حدة الصراط.
 
فكيف بك إذا وضعت عليه إحدى رجليك، فأحسست بحدته، واضطررت إلى أن ترفع قدمك الثاني، والخلائق بين يديك يزلون، ويعثرون، وتتناولهم زبانية النار بالخطاطيف، والكلاليب، وأنت تنظر إليهم كيف ينكسون إلى جهة النار رؤوسهم، وتعلوا أرجلهم فيا له من منظر ما أفظعه، ومرتقى ما أصعبه، ومجاز ما أضيقه".
 
نسأل الله تعالى حسن التجاوز، فيا رب امنُن علينا بهداية، وكثرة طاعة تجيزنا الصِّراط بسرعة فائقة، نبلغ بعدها المنازل العالـية.
 
مستلة من: "فقه الانتقال من دار الفرار إلى دار القرار"

[1] رواه البخاري برقم (7437).

[2] انظر: شرح النووي لمسلم المجلد الثاني، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية.


[3] رواه البخاري برقم (7439)، رواه مسلم برقم (183).
من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -.
، "ومدحضة مزلة ": أي زلق تزلق فيه الأقدام، "كلاليب ": جمع كلُّوب وهي حديدة معطوفة الرأس يعلق فيها اللحم، ويرسل إلى التنور، "خطاطيف": والخطف: استلاب الشيء، وأخذه بسرعة.

[4] رواه مسلم برقم (183).

[5] رواه أحمد برقم (24793).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣