شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [5]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله:

[فإن أحرم باجتهادٍ فبان قبله فنفلٌ وإلا ففرض، وإن أدرك مكلفٌ من وقتها قدر التحريمة، ثم زال تكليفه أو حاضت، ثم كُلف وطهرت قضوها، ومن صار أهلاً لوجوبها قبل خروج وقتها لزمته، وما يُجمع إليها قبلها، ويجب فوراً قضاء الفوائت مرتباً، ويسقط الترتيب بنسيانه، وبخشية خروج وقت اختيار الحاضرة.

ومنها ستر العورة، فيجب بما لا يصف بشرتها، وعورة رجلٍ وأمةٍ وأم ولدٍ ومعتق بعضها من السرة إلى الركبة، وكل الحرة عورةٌ إلا وجهها، وتستحب صلاته في ثوبين، ويكفي ستر عورته في النفل، ومع أحد عاتقيه في الفرض، وصلاتها في درعٍ وخمارٍ وملحفة، ويجزئ ستر عورتها، ومن انكشف بعض عورته وفحُش، أو صلى في ثوبٍ محرمٍ عليه، أو نجسٍ أعاد، لا من حُبس في محلٍ نجس، ومن وجد كفاية عورته سترها، وإلا فالفرجين، فإن لم يكفهما فالدبر، وإن أعير سترة لزمه قبولها، ويصلي العاري قاعداً بالإيماء استحباباً فيهما].

تقدم لنا ما يتعلق ببقية مواقيت الصلاة، وذكرنا وقت صلاة المغرب، وأن وقت صلاة المغرب يبدأ بغروب الشمس بإجماع العلماء رحمهم الله، وهل وقتها موسع، أو مضيق؟ ذكرنا أن مذهب الإمام مالك رحمه الله والشافعية أنه مضيق، وعند أبي حنيفة ، والحنابلة أنه موسع، وأن الصواب: أن وقتها يخرج بمغيب الشفق، وأن المراد بالشفق هو الحمرة، وأن وقت العشاء يبدأ من بعد مغيب الشفق الأحمر إلى منتصف الليل، وهل لها وقت ضرورة أو ليس لها وقت ضرورة؟ ذكرنا كلام أهل العلم رحمهم الله تعالى في هذه المسألة، وأيضاً ذكرنا وقت استحباب أداء صلاة المغرب، وذكرنا ما هو الوقت المستحب لأداء صلاة العشاء.

وبينا أيضاً وقت صلاة الفجر، وأنه يبدأ بطلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وأنه ليس لها إلا وقتٌ واحد، وأنه يستحب أن تُفعل في أول وقتها.

الصلاة خارج الوقت باجتهاد فتبين خلافه

قال المؤلف رحمه الله: (فإن أحرم باجتهادٍ).

يعني: كبر تكبيرة الإحرام، وقال: (باجتهاد) ولم يقل بيقين؛ لأنه إذا أحرم بيقين فلا يمكن أن يتبين أنه أحرم قبل الوقت، فلو أنه رأى الشمس غربت، ثم أحرم لصلاة المغرب، فهنا يتيقن أنه أحرم للصلاة في وقتها.

قال المؤلف رحمه الله: (فبان قبله فنفلٌ، وإلا ففرض).

إذا اجتهد فنظر في أدلة القبلة، واستدل بها على دخول الوقت، أو أنه كانت له حرفة، أو صنعة، ونحو ذلك، واستدل بها على دخول الوقت -المهم أنه لم يحرم بيقين، وإنما أحرم بظن- ثم تبين له بعد ذلك أنه أحرم قبل دخول وقت الصلاة، فيقول المؤلف رحمه لله: (فنفل)، أي: وقعت صلاته نافلة، وإن تبين أنه أحرم في الوقت، فصلاته وقعت فريضة.

والخلاصة في هذه المسألة: أن لها أقسامًا:

القسم الأول: أن يتبين أنه أحرم قبل دخول الوقت، وأنه كبر تكبيرة الإحرام قبل أن يدخل الوقت ولو بلحظة واحدة فصلاته نفل، وعلى هذا يُعيد الصلاة.

القسم الثاني: أن يتبين أنه أحرم في الوقت فنقول: صلاته فريضة؛ لأنه أدى هذه الفريضة حسب ما أُمر.

القسم الثالث: أن يتبين أنه أحرم بعد خروج الوقت، فأيضاً صلاته تكون فريضةً؛ لأنه أدى هذه الصلاة حسب ما أُمر، فهو مأمور أن يؤدي هذه الصلاة في وقتها، فإذا لم يتمكن من أدائها في وقتها، وفعلها بعد الوقت فإنها تكون قضاءً.

القسم الرابع: ألا يتبين له شيء، لا يدري هل أدى هذه الصلاة في الوقت، أو أداها قبل الوقت، أو بعد الوقت، فنقول: تكون فرضاً؛ لأنه قد أُذن له في الصلاة بالاجتهاد، وما ترتب على المأذون غير مظنون، فتكون صلاته فرضًا ومجزئة في ثلاثة أقسام، ولا تكون مجزئةً في قسمٍ واحدٍ فقط، وهو ما إذا فعل هذه الصلاة، أو كبر للإحرام قبل دخول الوقت.

حدوث المانع بعد إدراك جزء من وقت الصلاة

قال المؤلف رحمه الله: (وإن أدرك مكلفٌ من وقتها قدر التحريمة، ثم زال تكليفه أو حاضت، ثم كُلف وطهرت قضوها).

قوله: (وإن أدرك مكلف)، المكلف هو البالغ العاقل، و(قدر التحريمة)، يعنى: قدر تكبيرة الإحرام، بمعنى أنه دخل عليه وقت الصلاة وهو بالغٌ عاقل، ثم زال تكليفه بأن جُن، أو حاضت المرأة بعد أن أدركت من أول الوقت قدر تكبيرة الإحرام، ثم كُلف فرجع إليه عقله، وطهُرت المرأة فانقطع دم الحيض عنها، يقول المؤلف رحمه الله: (قضوها)، وعلى هذا إذا أدرك المكلف من أول الصلاة قدر تكبيرة الإحرام، ثم زال تكليفه، ثم رجع إليه تكليفه، أو وجد مانعٌ من موانع صحة الصلاة، كالحيض بعد أن أدركت المرأة من أول الوقت تكبيرة، ثم حاضت، ثم طهُرت، يقول المؤلف رحمه الله: يقضون هذه الصلاة، وعلى هذا فإن وقت الصلاة يُدرك بقدر تكبيرة الإحرام، ويعللون لذلك بأنه أدرك جزءًا من الصلاة فأشبه ما لو أدرك ركعة.

الرأي الثاني: أن أول الوقت لا يُدرك إلا بإدراك ركعة، لحديث أبي هريرة في الصحيحين، أن النبي صلي الله عليه وسلم، قال: ( من أدرك ركعةً من الصلاة فقد أدرك الصلاة )، وعلى هذا فالمكلف إذا أدرك من أول الصلاة قدر ركعة، وكذلك أيضاً المرأة إذا أدركت من أول الصلاة قدر ركعة ثم حاضت فإنها تقضي، أما إذا أدركوا أقل من ركعة فإنهم لا يقضون هذه الصلاة.

وسبق أن تكلمنا على هذه المسألة، وذكرنا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وأنه ذكر أن الحائض إذا حاضت في أثناء الوقت، فإنه لا يجب عليها أن تقضي الصلاة؛ لأن النساء كن يحضن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء الوقت، ومع ذلك لم يرد أنه عليه الصلاة والسلام كان يأمرهن بقضاء هذه الصلاة، اللهم إلا إذا أخرت الصلاة حتى تضايق وقتها ثم حاضت، فهذه تقضي.

والأقرب في ذلك، وهو الأحوط: ما دل له حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( من أدرك ركعةً من الصلاة، فقد أدرك الصلاة )، فنقول: إذا أدرك المكلف قدر ركعة، ثم زال تكليفه، ثم رجع إليه، أو المرأة أدركت قدر ركعة، ثم حاضت ثم طهرت، فنقول بأنها تقضي الصلاة، ومثل ذلك أيضاً النفساء.

حصول شرط الوجوب وزوال المانع قبل خروج الوقت

قال المؤلف رحمه الله: (ومن صار أهلاً لوجوبها قبل خروج وقتها لزمته، وما يُجمع إليها قبلها).

في المسألة السابقة تكلم المؤلف رحمه الله تعالى عن إدراك أول الوقت بم يكون، وفي هذه المسألة تكلم عن إدراك آخر الوقت بم يكون، وما يترتب عليه.

فمن صار أهلاً لوجوب الصلاة، إما بوجود شرط الوجوب، أو بزوال المانع، فوجود شرط الوجوب، مثل: صبي بلغ وكافرٍ أسلم، ومجنونٍ عقل، فإذا وجد شرط الوجوب، قبل خروج الوقت بمقدار تكبيرة، فإن هذه الصلاة تجب عليهم، وأيضاً يجب عليهم ما يُجمع إليها، فإذا كان ذلك في صلاة العصر، وقد بقي على غروب الشمس قدر تكبيرة -يعني لحظات- فتجب عليهم صلاة العصر، وتجب عليهم معها صلاة الظهر.

وإذا زال المانع، فطهرت الحائض أو النفساء قبل خروج الوقت بمقدار تكبيرة، فإنه يجب عليها أن تصلي العصر، وأيضاً يجب عليها أن تصلي الظهر، ومثل ذلك أيضاً لو وجد شرط الوجوب، أو زال المانع قبل طلوع الفجر، فيجب عليهما العشاء والمغرب.

هذا هو المشهور من المذهب، وسبق أن بينا أن الأقرب: أن آخر الوقت لا يُدرك إلا بقدر ركعة، كما هو قول الإمام مالك رحمه الله، واختاره شيخ الإسلام ، ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلي الله عليه وسلم، قال: ( من أدرك ركعةً من الصلاة، فقد أدرك الصلاة ).

وأما المسألة الثانية: وهي إذا أدرك هذه الصلاة إما بإدراك ركعة، أو بإدراك تكبيرة الإحرام على حسب الخلاف، فهل يجب على من أدرك ذلك هذه الصلاة فقط، أو يجب عليه أن يفعل هذه الصلاة وأيضاً الصلاة التي تُجمع إليها؟ كما لو أدرك العشاء، فهل يجب عليه أن يصلي المغرب، أو أدرك العصر فهل يجب عليه أن يصلي الظهر؟

المؤلف رحمه الله يقول بأنه يجب عليه أن يصلي الصلاتين، وهذا مذهب الشافعية، ويستدلون على هذا بورود ذلك عن ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف : أن المرأة إذا طهرت قبل طلوع الفجر الثاني، فإنه يجب عليها أن تصلي المغرب والعشاء، وكذلك أيضاً يقولون بأن الصلاتين المجموعتين في حال العذر يكون وقتهما واحداً، فما دام أنها أدركت أو أنه أدرك وقت هذه الصلاة، فهو مدرك لوقت الأولى؛ لأن المجموعتين حال العذر يكون وقتهما وقتًا واحداً.

والرأي الثاني رأي أبي حنيفة رحمه الله تعالى: أنه إذا وجد شرط الوجوب، أو زال المانع فلا يجب عليه إلا الصلاة التي أدرك وقتها، وهذا القول هو الصواب، وهو الذي دل له حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، أنها قالت: (كنا نؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة)، فصلاة المغرب مر وقتها وهي حائض، فكيف نقول: يجب أن تقضيها وهي لا تؤمر بقضائها؟! وصلاة الظهر مر وقتها وهي حائض، فكيف نقول: يجب أن تُقضى؟! فالصواب في ذلك أنه لا يجب أن تُقضى إلا الصلاة التي أدركت من وقتها قدر ركعة.

وأما الآثار الواردة عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم: أثر عبد الرحمن بن عوف ، وابن عباس ، وأبي هريرة فغير ثابتة.

المبادرة لقضاء الفوائت

قال المؤلف رحمه الله: (ويجب فوراً قضاء الفوائت).

لما تكلم المؤلف رحمه الله تعالى عن وقت الأداء، ووقت الاستحباب، ووقت الضرورة، وكذلك أيضاً بم يكون إدراك الوقت، شرع في بيان وقت القضاء.

والفائتة: هي التي خرج وقتها، فيجب على من فاتته أن يبادر بقضائها، وهذا ما عليه أكثر الأصوليين: أن الأمر المطلق المجرد عن القرائن يقتضي الفورية، والأدلة على هذا كثيرة، من ذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها في حجه الوداع: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر كل من لم يسق الهدي من الصحابة أن يُحل من إحرامه، وأن يجعل إحرامه بالحج عمرة، فتأخر الصحابة، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم)، ومثل ذلك أيضًا حديث أم سلمة في البخاري ، في صلح الحديبية لما تأخر الصحابة رضي الله تعالى عنهم عن حلق رءوسهم والإحلال، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم.

قال المؤلف رحمه الله: (مرتباً).

يعنى يقضي الفوائت مرتبة؛ لأن القضاء يحكي الأداء؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما شغله الكفار عن صلاة العصر في الخندق حتى خرج وقتها بدأ صلى الله عليه وسلم بصلاة العصر، ثم أتبعها بصلاة المغرب، فالقضاء يحكي الأداء.

قال المؤلف رحمه الله: (ويسقط الترتيب بنسيانه).

الأصل أن يُرتب المقضيات، فيبدأ بالفجر، ثم الظهر، ثم العصر، ثم المغرب، ثم العشاء، لكن هناك أحوال يسقط فيها الترتيب:

الحال الأولى: النسيان، فإذا نسي الترتيب فإنه يسقط، فلو أنه نسي وبدأ بالعصر قبل الظهر، أو بدأ بالمغرب قبل العصر والظهر، فنقول: هذا جائز ولا شيء عليه؛ لقول الله سبحانه وتعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، فإن قيل بأن الترتيب هذا من باب الأوامر، فكيف يسقط بالنسيان؟ والذي يسقط بالنسيان إنما هو ما كان من قبيل النواهي، أما من كان من قبيل الأوامر فلا يسقط بالنسيان.

ويُجاب عن هذا بأن الترتيب هذا لم يثبت بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ثبت بفعله صلى الله عليه وسلم، ولهذا تسامح فيه العلماء رحمهم الله تعالى فقالوا: يسقط بالنسيان.

قال المؤلف رحمه الله: (وبخشية خروج وقت الحاضرة).

ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لا يسقط بالجهل، فلو كان جاهلاً لا يدرى أن الترتيب واجب، فبدأ بالعصر قبل الظهر، فظاهر كلامه أنه لا يسقط بالجهل، ويجب عليه أن يرتب حتى مع الجهل، وهذا هو المذهب.

الرأي الثاني في المذهب: أنه يسقط بالجهل؛ لأن الجهل أخو النسيان، فكما أننا تسامحنا بالنسيان، فكذلك أيضاً نتسامح بالجهل، بل العفو بالجهل أقوى من العفو بالنسيان، ولهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرى أن العفو بالجهل يكون حتى في باب الأوامر؛ لأن الله سبحانه وتعالى، قال: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15]، وقال سبحانه: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165]، فدل ذلك على أن الحجة لا تقوم إلا بالعلم.

الحال الثالثة التي يسقط فيها الترتيب: إذا خشي خروج وقت الاختيار في الحاضرة، مثال ذلك: رجلٌ عليه صلاة الظهر، ونسي أن يصلي الظهر، وتذكر قبل خروج وقت العصر، يعني: قبل اصفرار الشمس بمقدار عشر دقائق، فنقول: يبدأ بالعصر؛ لأن الوقت الآن تعين للعصر، وأصبح مضيقاً، ثم بعد ذلك يقضي الظهر، ولو قلنا له: ابدأ بالظهر لأصبح عندنا مقضيتان، وإن قلنا: ابدأ بالعصر كان عندنا مقضية واحدة فقط؛ ولأن الوقت لما تضيق تعين للحاضرة، فإذا خشي خروج وقت اختيار الحاضرة فإنه يبدأ بها.

ذكر المؤلف رحمه الله ثلاث حالات يسقط بها الترتيب، وقد ورد عن الإمام أحمد رحمه الله حالتان يسقط بهما الترتيب:

الحال الرابعة: إذا خشي فوات الجمعة، فإنه يبادر ويصلي الجمعة، ثم بعد ذلك يقضي الفائتة، فمثلاً: رجلٌ جاء لصلاة الجمعة ثم تذكر أنه لم يصل العشاء، أو أنه صلى العشاء على غير طهارة، فلو قام الآن يقضي العشاء لترتب على ذلك فوات الجمعة، فنقول: يصلي الجمعة ثم بعد ذلك يقضى هذه الفائتة.

الحال الخامسة: إذا خشي فوات الجماعة فإن الترتيب يسقط، مثلاً: جاء لصلاة المغرب وهو لم يصل العصر نسياناً، فلو شرع في صلاة العصر فاتته جماعة المغرب، فيصلي المغرب، ثم بعد ذلك يقضى العصر.

وظاهر كلام المؤلف رحمه الله تعالى أنه يصلي الفوائت جميعاً ما لم يلحقه مشقة، فإذا كان عليه مثلاً عشر صلوات، أو عليه عشرون صلاة فإنه يبدأ ينوي اليوم الأول، مبتدئاً بالفجر، ثم الظهر، ثم العصر، ثم المغرب، ثم العشاء، ثم ينوى اليوم الثاني، وهكذا، إلى أن تلحقه مشقة، ثم يستريح، ثم بعد ذلك يعاود مرة أخرى، وهذا خلاف ما يفهمه بعض العامة من أن القضاء أنك تؤدي كل صلاة مع وقتها، فالفجر تؤديه مع الفجر، والظهر مع الظهر، والعصر مع العصر، والمغرب مع المغرب.. إلخ، هذا ليس له أصل لا في كتاب الله، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يذكره أكثر أهل العلم، فالصواب أن الفوائت تُقضى جميعاً؛ لأن هذا من باب المبادرة بها، ولا تُجعل كل فائتة مع الصلاة الأخرى.

قال المؤلف رحمه الله: (فإن أحرم باجتهادٍ).

يعني: كبر تكبيرة الإحرام، وقال: (باجتهاد) ولم يقل بيقين؛ لأنه إذا أحرم بيقين فلا يمكن أن يتبين أنه أحرم قبل الوقت، فلو أنه رأى الشمس غربت، ثم أحرم لصلاة المغرب، فهنا يتيقن أنه أحرم للصلاة في وقتها.

قال المؤلف رحمه الله: (فبان قبله فنفلٌ، وإلا ففرض).

إذا اجتهد فنظر في أدلة القبلة، واستدل بها على دخول الوقت، أو أنه كانت له حرفة، أو صنعة، ونحو ذلك، واستدل بها على دخول الوقت -المهم أنه لم يحرم بيقين، وإنما أحرم بظن- ثم تبين له بعد ذلك أنه أحرم قبل دخول وقت الصلاة، فيقول المؤلف رحمه لله: (فنفل)، أي: وقعت صلاته نافلة، وإن تبين أنه أحرم في الوقت، فصلاته وقعت فريضة.

والخلاصة في هذه المسألة: أن لها أقسامًا:

القسم الأول: أن يتبين أنه أحرم قبل دخول الوقت، وأنه كبر تكبيرة الإحرام قبل أن يدخل الوقت ولو بلحظة واحدة فصلاته نفل، وعلى هذا يُعيد الصلاة.

القسم الثاني: أن يتبين أنه أحرم في الوقت فنقول: صلاته فريضة؛ لأنه أدى هذه الفريضة حسب ما أُمر.

القسم الثالث: أن يتبين أنه أحرم بعد خروج الوقت، فأيضاً صلاته تكون فريضةً؛ لأنه أدى هذه الصلاة حسب ما أُمر، فهو مأمور أن يؤدي هذه الصلاة في وقتها، فإذا لم يتمكن من أدائها في وقتها، وفعلها بعد الوقت فإنها تكون قضاءً.

القسم الرابع: ألا يتبين له شيء، لا يدري هل أدى هذه الصلاة في الوقت، أو أداها قبل الوقت، أو بعد الوقت، فنقول: تكون فرضاً؛ لأنه قد أُذن له في الصلاة بالاجتهاد، وما ترتب على المأذون غير مظنون، فتكون صلاته فرضًا ومجزئة في ثلاثة أقسام، ولا تكون مجزئةً في قسمٍ واحدٍ فقط، وهو ما إذا فعل هذه الصلاة، أو كبر للإحرام قبل دخول الوقت.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] 2818 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] 2731 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] 2678 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] 2645 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] 2640 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] 2558 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] 2555 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] 2528 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] 2521 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] 2498 استماع