شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [16]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله: [وتقضي الحائض الصوم لا الصلاة ولا يصحان منها بل يحرمان ويحرم وطؤها في الفرج فإن فعل فعليه دينار أو نصفه كفارة... وإن نسيتها عملت بالتمييز الصالح].

تقدم لنا شيء من أحكام الحيض، فذكرنا من ذلك هل الحيض مقيد بالسنين، أو أنه ليس مقيداً؟ هل هو محدد بالأيام أو أنه ليس محدداً؟ وذكرنا أن الأظهر من أقوال أهل العلم أنه لا يتقيد بالسنين، فمتى رأت المرأة الدم المعروف عند النساء ولو بعد خمسين سنة، أو رأت الجارية الدم ولو قبل تسع سنوات فهو حيض شرعاً؛ تترتب عليه أحكام الحيض، وكذلك أيضاً بالنسبة لأقله وأكثره، بالنسبة للأيام، وأن الصواب: أنه لا يحد، وكذلك الحامل هل تحيض أو لا تحيض؟ ذكرنا كلام أهل العلم رحمهم الله في هذه المسألة.

وذكرنا ما يتعلق بالطهر بين الحيضتين هل هو محدد بأيام أو ليس محدداً؟ وأن المؤلف رحمه الله تعالى يرى أن أقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوماً، بمعنى: أن المرأة لو رأت الدم بعد طهرها بعشرة أيام فإن هذا الدم لا يكون حيضاً؛ لأنه لا بد أن يكون بين الحيضتين ثلاثة عشر يوماً.

وتكلم المؤلف رحمه الله عن أكثر الطهر بين الحيضتين وقال بأن هذا لا حد له، وهذا هو الصواب؛ لأن من النساء من لا تحيض مطلقاً، وأما ما يتعلق بغالب الحيض فقد ذكر المؤلف رحمه الله أن غالبه ستة أيام أو سبعة، وهذا صواب؛ لأن غالب النساء تحيض ستة أيام، ومنهن من تحيض سبعة أيام، وقد تزيد إلى ثمانية أيام أو تسعة وقد تنقص إلى خمسة.

قضاء الحائض للصوم

قال المؤلف رحمه الله: (وتقضي الحائض الصوم لا الصلاة).

وهذا بالإجماع، فالإجماع قائم على أن الحائض تقضي الصوم، فإذا حاضت في رمضان فإنها تفطر ولا يصح منها صومها أثناء دم الحيض، ويجب عليها أن تقضيه، أما كونها تفطر فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم )، فيجب عليها أن تفطر.

وأما كونها تقضي فلحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ( كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة )، والإجماع قائم على ذلك.

فإذا حاضت فإن صيامها غير صحيح، ولا يصح منها بالإجماع، ويجب عليها أن تفطر، وذكرنا دليل ذلك، ويجب عليها أن تقضي بالإجماع، وذكرنا دليل ذلك، هذا بالنسبة للصيام.

قضاء الحائض للصلاة

أما بالنسبة للصلاة فالأصل أنها لا تقضي الصلاة، لكن تقضي في حالتين:

الحالة الأولى: إذا طهرت قبل خروج الوقت بمقدار ركعة، ومن العلماء من يحده بمقدار تكبيرة كما هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، فإذا بقي على خروج الوقت مقدار ركعة -بقي مثلاً ثلاث دقائق فأكثر- ثم بعد ذلك طهرت فنقول: يجب عليها أن تقضي هذه الصلاة؛ لأنها أدركت وقتها، وفي حديث أبي هريرة في الصحيحين يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أدرك ركعةً من الصلاة فقد أدرك الصلاة )، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أدرك ركعةً من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ).

الموضع الثاني: إذا دخل عليها الوقت وهي طاهر ثم حاضت؛ فهذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله: هل يجب عليها أن تقضي الصلاة أو لا يجب؟ فقال بعض العلماء: إذا كانت طاهراً بمقدار ركعة ثم حاضت، ولنفرض أن وقت الظهر يدخل في الساعة الثانية عشرة فبعد أن مضى قدر ركعة حاضت، يعني بعد أن مضى دقيقتان أو ثلاث دقائق حاضت هذه المرأة، فيجب عليها أن تقضي هذه الصلاة؛ لأنها أدركت وقتها، والنبي صلى الله عليه وسلم كما سلف في حديث أبي هريرة يقول: ( من أدرك ركعةً من الصلاة فقد أدرك الصلاة )، والمشهور من المذهب: أنها إذا حاضت بعد مضي قدر تكبيرة، يعني: بعد مضي لحضات من دخول الوقت، ثم جاءها دم الحيض فيجب عليها أن تقضي هذه الصلاة.

الرأي الثاني: أنه لا يجب عليها أن تقضي؛ لأن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كن يحضن في الوقت ومع ذلك لم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرهن بقضاء الصلاة، وهذا اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والأحوط في هذه المسألة: أنها إن أدركت ركعة من الصلاة فإنها تقضي هذه الصلاة.

قال المؤلف رحمه الله: (وتقضي الحائض الصوم لا الصلاة).

وهذا بالإجماع، فالإجماع قائم على أن الحائض تقضي الصوم، فإذا حاضت في رمضان فإنها تفطر ولا يصح منها صومها أثناء دم الحيض، ويجب عليها أن تقضيه، أما كونها تفطر فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم )، فيجب عليها أن تفطر.

وأما كونها تقضي فلحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ( كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة )، والإجماع قائم على ذلك.

فإذا حاضت فإن صيامها غير صحيح، ولا يصح منها بالإجماع، ويجب عليها أن تفطر، وذكرنا دليل ذلك، ويجب عليها أن تقضي بالإجماع، وذكرنا دليل ذلك، هذا بالنسبة للصيام.

أما بالنسبة للصلاة فالأصل أنها لا تقضي الصلاة، لكن تقضي في حالتين:

الحالة الأولى: إذا طهرت قبل خروج الوقت بمقدار ركعة، ومن العلماء من يحده بمقدار تكبيرة كما هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، فإذا بقي على خروج الوقت مقدار ركعة -بقي مثلاً ثلاث دقائق فأكثر- ثم بعد ذلك طهرت فنقول: يجب عليها أن تقضي هذه الصلاة؛ لأنها أدركت وقتها، وفي حديث أبي هريرة في الصحيحين يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أدرك ركعةً من الصلاة فقد أدرك الصلاة )، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أدرك ركعةً من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ).

الموضع الثاني: إذا دخل عليها الوقت وهي طاهر ثم حاضت؛ فهذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله: هل يجب عليها أن تقضي الصلاة أو لا يجب؟ فقال بعض العلماء: إذا كانت طاهراً بمقدار ركعة ثم حاضت، ولنفرض أن وقت الظهر يدخل في الساعة الثانية عشرة فبعد أن مضى قدر ركعة حاضت، يعني بعد أن مضى دقيقتان أو ثلاث دقائق حاضت هذه المرأة، فيجب عليها أن تقضي هذه الصلاة؛ لأنها أدركت وقتها، والنبي صلى الله عليه وسلم كما سلف في حديث أبي هريرة يقول: ( من أدرك ركعةً من الصلاة فقد أدرك الصلاة )، والمشهور من المذهب: أنها إذا حاضت بعد مضي قدر تكبيرة، يعني: بعد مضي لحضات من دخول الوقت، ثم جاءها دم الحيض فيجب عليها أن تقضي هذه الصلاة.

الرأي الثاني: أنه لا يجب عليها أن تقضي؛ لأن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كن يحضن في الوقت ومع ذلك لم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرهن بقضاء الصلاة، وهذا اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والأحوط في هذه المسألة: أنها إن أدركت ركعة من الصلاة فإنها تقضي هذه الصلاة.

قال المؤلف رحمه الله: (ولا يصحان منها).

يعني: الصوم والصلاة.

قال المؤلف رحمه الله: (بل يحرمان).

يعني: يحرم عليها أن تصلي وهي حائض، ويحرم عليها أن تصوم وهي حائض؛ لوجود المنافي ووجود المانع، ولهذا في حديث عبد الله بن زيد : ( في الرجل يحدث في الصلاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً )، فدل ذلك على أنه إذا سمع الصوت أو وجد الريح فإنه ينصرف من صلاته، ولا يستمر فيها.

ومثل ذلك أيضاً: بقية العبادات التي لا تصح من الحائض فإنها تحرم عليه، فمثلاً الطواف لا يصح من الحائض، فيحرم عليها أن تطوف وهي حائض، ومثله أيضاً مس المصحف يحرم على الحائض، فيحرم عليها أن تمس المصحف وهي حائض.

قال المؤلف رحمه الله: (ويحرم وطؤها في الفرج).

هذه الجملة وما بعدها فيما يتعلق بالاستمتاع من الحائض: ما يباح للرجل من زوجته أو من أمته الحائض، وما يباح منها ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: الوطء في الفرج: وهذا محرم ولا يجوز؛ لقول الله عز وجل: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222] .

وحديث أنس في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح ).

واستثنى العلماء رحمهم الله من ذلك من به شبق، والشبق: هو شدة الشهوة، يقولون: من به شبق يجوز له أن يطأ زوجته الحائض بشروط:

الشرط الأول: ألا تندفع شهوته إلا بالوطء، فلا بد له من الوطء، ولا تندفع شهوته إلا بالوطء في الفرج.

الشرط الثاني: ألا يجد مباحةً، يعني: ألا يجد امرأةً مباحة غير الحائض، فليس عنده أمة ليست حائضاً، وليس عنده زوجة ليست حائضاً.

الشرط الثالث: أن يخشى من تشقق أنثياه إن لم يطأ.

الشرط الرابع: ألا يقدر على مهر حرة، ولا ثمن أمة.

قال المؤلف رحمه الله: (فإن فعل).

يعني: وطئ الزوجة أو الأمة في الفرج.

قال المؤلف رحمه الله: (فعليه دينار أو نصفه كفارة).

يعني: يجب عليه أن يخرج ديناراً أو نصف دينار كفارة، ويدل لذلك حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في الذي يطأ زوجته الحائض قال: (يتصدق بدينار أو نصفه)، رواه الإمام أحمد والترمذي وأبو داود ، لكنه لا يصح مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والصواب أنه موقوف على ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، فإذا كان عالماً ذاكراً مختاراً ووطئ فعليه دينار أو نصف دينار كفارة.

وهل هذا على سبيل التخيير أو أنه ليس على سبيل التخيير؟

للعلماء في ذلك آراء: فذهب بعض العلماء إلى أنه على سبيل التخيير، وقال بعض العلماء: إذا وطئ في إقبال الحيض فعليه دينار، وإن وطئ في إدباره فعليه نصف دينار، وقال بعض العلماء: إذا وطئ في الدم فعليه دينار، وإن وطئ في الكدرة أو الصفرة فعليه نصف دينار، لكن الصواب في هذه المسألة: أنه على سبيل التخيير فنقول له: أنت مخير بين أن تخرج ديناراً أو نصف دينار، والدينار وزنه مثقال، والمثقال أربعة غرامات وربع من الذهب، والآن الغرام الذهب إذا قلنا بأنه بمائة فيجب على من جامع زوجته أن يخرج أربعمائة وخمسةً وعشرين أو نصف ذلك، ويعطيه للفقراء والمساكين.

قال المؤلف رحمه الله: (ويستمتع منها بما دونه).

القسم الثاني: الاستمتاع من الزوجة والأمة الحائض بما فوق السرة وتحت الركبة، وهذا جائز بالإجماع، ويدل لذلك حديث أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح ).

القسم الثالث: الاستمتاع فيما بين السرة والركبة، وحديث أنس أيضاً يدل على أنه جائز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح )، فحتى لو استمتع بما بين السرة والركبة فإن هذا جائز، لكن السنة أن يستر مكان الحيض؛ لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرني فأتزر، فيباشرني وأنا حائض ).

قال المؤلف رحمه الله: (وإذا انقطع الدم ولم تغتسل لم يبح غير الصيام والطلاق).

يعني: المرأة إذا انقطع عنها دم الحيض، أو طهرت من دم النفاس، ولم تغتسل؛ فلا يباح من الأشياء التي تحرم عليها إلا شيئان:

الشيء الأول: الصيام.

والشيء الثاني: الطلاق.

فلا يجوز لزوجها أن يجامعها، ولا تصلي ولا تعتكف ولا تمس المصحف، ولا يباح إلا الشيئان المذكوران.

الشيء الأول: الصيام، فتصوم حتى وإن لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر، فإذا طهرت من الحيض قبل طلوع الفجر فيصح أن تصوم؛ تنوي الصيام ثم بعد ذلك تغتسل.

الشيء الثاني: الطلاق، فيجوز لزوجها أن يطلقها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر : ( فليطلقها طاهراً أو حاملاً )، وهي الآن طاهر، فيجوز لزوجها أن يطلقها في هذه الحالة.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] 2814 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] 2725 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] 2674 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] 2639 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] 2636 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] 2554 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] 2549 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] 2524 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] 2518 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] 2493 استماع