اعتداء الحوثيين في الجنوب


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم.

أما بعد:

أوصيكم عباد الله بتقوى الله عز وجل، فاتقوه حق التقوى، فهي الركن الأقوى، والذخر الأبقى، والطريق الأنقى، هي نعم المطية إلى جنات المأوى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

نحن الآن في أحد الأشهر الحرم التي قال الله عز وجل عنها في كتابه: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التوبة:36]، وفي الصحيحين من حديث أبي بكرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع، فقال في خطبته: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان)، والعرب في جاهليتهم يعظمونها، وإن تلاعبوا فيها فقدموا وأخروا، كما قال سبحانه: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [التوبة:37].

ألا وإن من الإيمان تعظيم ما حرم الله، وذلك بامتثال أمره، واجتناب نهيه، والانكفاف عن معصيته، ومن الفجور والفساد انتهاك المحرمات، والاعتداء على الحرمات، وترويع الآمنين، فكيف إذا بلغ الحال إلى قتل النفس المعصومة؟!

في الأيام الماضية سمعنا ما صنعه الرافضة الحوثيون في المناطق الجنوبية من بلادنا، من تسلل واعتداء وإزهاق للأنفس، ولا شك أن هذه جريمة لا تغتفر، وإفساد في الأرض واعتداء سافر، وقد نقل شهود عيان أن من هؤلاء الحوثيين من اتخذ من زي النساء وسيلة للتسلل، فالتاريخ يعيد نفسه، فالباطنية سوابق على هذه الشاكلة.

والحوثيون يختلفون عن أهل السنة والجماعة في أصول الدين وأركانه، وليس الخلاف معهم في الفروع والسنن فقط، فهم ينتسبون إلى الرافضة الإمامية الذين يعتقدون أن التوحيد هو نفي الصفات عن الله، وإنكار رؤيته تعالى في الجنة، ويقولون بخلق القرآن، ويعتقدون أن الإمامة محصورة في الاثني عشر من أئمتهم، وأنهم معصومون من الصغائر والكبائر، أشد من عصمة الأنبياء، ويعتقدون أن الإنسان تجب عليه التقية، بأن يظهر موافقته لأهل السنة إذا خاف، أو أراد أن يحقق مصلحة، وهم يترقبون خروج الإمام المهدي الذي سيخرج كما زعموا، والإيمان عندهم هو الإيمان بالأئمة الإثني عشرية، والشرك هو الإقرار بإمامة أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم من الأئمة والخلفاء.

عباد الله! إذا كان مدار قبول الأعمال عند أهل السنة هو التوحيد، فإن مدار قبول الأعمال عند الرافضة هو الإقرار بولاية أهل البيت، قالوا فيما رووه عن أئمتهم: من أقر بولايتنا ثم مات عليها، قبلت منه صلاته وصومه وزكاته وحجه، ومن لم يقر بولايتنا لم يقبل الله شيئاً من أعماله.

وجعلوا الأئمة هم الواسطة بين الله وخلقه في باب العبادات، فرأوا أن الأئمة الإثني عشر هم أبواب الله والسبل إليه، وهم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق.

ويروون عن أبي جعفر أحد أئمتهم أنه قال: بنا عبد لله، وبنا عرف الله، وبنا وحد الله.

بل الدعاء لا يقبل إلا بالدعاء بأسماء الأئمة، فيروون: من دعا بنا أفلح، ومن دعا بغيرنا هلك، وهذا هو عين الشرك، ولهذا صاروا يدعون أئمتهم كعلي والحسن والحسين في حال الشدائد.

عباد الله! هؤلاء الحوثيون هم ينتسبون إلى أولئك الرافضة الذين ذكرنا شيئاً من عقائدهم.

لقد اعتدوا على حدود بلادنا، وأفسدوا في أراضينا وأساءوا إلى الأمن، وعطلوا المساجد، فالتنديد بهم واجب شرعي، والدعاء عليهم بما كسبت أيديهم واجب شرعي أيضاً، كما ندعو بالتسديد والنصر لرجال الدفاع الذين تصدوا لهم ومنعوا شرهم.

ومن هنا فإننا نذكر رجال الدفاع أن يكون الإخلاص رائدهم، لتكون كلمة الله هي العليا، وأن يستشعروا أهمية وقيمة الدفاع عن الحرمات والمقدسات، وضرورة دفع الصائل المعتدي، ونذكر جنودنا وشبابنا بألا يستغلهم مستغل، أو تثيرهم جهة أو فئة لخلخلة الصف، وتفريق الكلمة، فلا بد من الوقوف جميعاً أمام هذا العدو وغيره، ممن يريد اجتماعنا ومقدساتنا، فمجتمعنا لحمة واحدة يجب أن نحافظ عليه، لا بد أن نساهم جميعاً في التوعية وتعرية أصحاب المذاهب والأفكار المنحرفة، فبلادنا قامت على التوحيد، ومجتمعنا محب للخير كارهٌ للشر، رافض للعقائد والأفكار التي تخالف هدي الإسلام، ومعتقد أهل السنة والجماعة.

هذه التوعية مسؤولية الآباء والأمهات مع أبنائهم وبناتهم، ومهمة المعلمين والمعلمات مع طلابهم وطالباتهم، ومهمة العلماء والإعلاميين، إنها مهمتنا جميعاً.

اللهم ادفع عن بلادنا وبلاد المسلمين كل بلاء، واصرف عن بلادنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اجعل كيد الكائدين في نحورهم، واقمع أهل الفتنة والزيغ والفساد، واحفظ على بلادنا أمنها وإيمانها، ووحد كلمتها على الحق والتوحيد.

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.

عباد الله! إن هؤلاء الرافضة الذين ينتسب الحوثيون إليهم يظهرون الرفض ويبطنون الكفر المحض، يسبون أبا بكر وعمر ويبغضونهما، ويعتقدون بغض سائر الصحابة، ويكفرونهم ويفسقونهم إلا قليلاً منهم؛ بضعة عشر.

وفي المقابل يغلون في علياً رضي الله عنه وعن أهل البيت، ويدعون لهم العصمة، ويدعون أن علياً رضي الله عنه هو الأحق بالأمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بذلك، وأن الصحابة كتموا الوصية، واغتصبوا حق علي في الخلافة، فجمعوا بين الغلو والجفاء، ثم اعتنقوا أصول المعتزلة في نفي الصفات والقدر، ثم أحدثوا بعد القرون المفضلة بناء المشاهد على قبور أئمتهم، فأحدثوا في الأمة شرك القبور وبدعها.

ويعتقدون أن زيارة أضرحتهم والحج إليها أفضل من الحج إلى بيت الله الحرام، ففي كتاب الكافي الذي هو عند الرافضة كصحيح البخاري يقولون فيه: إن زيارة قبر الحسين تعدل عشرين حجة، وأفضل من عشرين عمرة! بل بالغوا في ذلك حتى رووا عن أئمتهم أنهم قالوا: من زار قبر أبي عبد الله كتب له ثمانين حجة مبرورة.

وفي رواية: من أتى قبر الحسين عليه السلام عارفاً بحقه كان كمن حج مائة حجة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل رووا: من زار الحسين يوم عاشوراء حتى يظل عنده باكياً، لقي الله عز وجل يوم القيامة بثواب ألف ألف حجة، وثواب ألف ألف عمرة، وألف ألف غزوة، وثواب كل حجة وعمرة وغزوة كثواب من حج واعتمر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم!

يرون أن كربلاء أفضل من الكعبة، وأن الله جعلها حرماً آمناً، كما جعل الكعبة حرماً آمناً، ولهذا وضعوا مناسك كمناسك الحج، لأن زيارة الأضرحة فرض من الفرائض عندهم.

إنما حدث في الأيام الفاضلة الماضية من أولئك الحوثيين من محاولة الاعتداء على حدود بلادنا، لهو أمر منكر عظيم، أرادوا من خلاله إحداث الفوضى، وقتل الآمنين وترويعهم، وزعزعة أمن هذه البلاد، ولقد روعت هذه الفعلة النكراء الآمنين، وأقضت مضاجع المؤمنين، وكدرت ليل الخاشعين العابدين، كفانا الله شر هذه الجريمة النكراء بدعوات الراكعين والساجدين الذين يدعون لهذه البلاد وأهلها.

اللهم إنا ندرأ بك في نحور الظالمين، ونعوذ بك من شرورهم، اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا وأعراضنا وأموالنا وبلادنا، وصغيرنا وكبيرنا، ومقدساتنا وولاة أمرنا، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم وارض عن صحابة نبيك أجمعين، وأخص منهم الأئمة المهديين، والخلفاء الراشدين: أبا بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية العشرة المبشرين، وعن بقية صحابة نبيك أجمعين، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر، رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:286].

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعلهم محكمين لكتابك وسنة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق، اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد.