تعظيم البلد الحرام


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

فمن حكمة الله سبحانه أن اختار مكة لتكون منطلق خاتم الرسالات السماوية، فيكون لها من الشرف مع الشرف، ومن المكانة مع المكانة التي عليها قبل أن يخلق الله الخلق.

دلالة تعدد أسماء مكة

مكة عظمها الله على غيرها من البلاد، وزادها مهابة ورفعة وبراً، مكة شرفها الله عز وجل، ومن فضلها وتعظيمها وشرفها أن الله عز وجل في كتبه سماها بأسماء عديدة، فمن ذلك:

مكة، قال الله عز وجل: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ [الفتح:24].

ومن ذلك: بكة، قال سبحانه: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا [آل عمران:96-97].

ومن ذلك: المسجد الحرام، قال سبحانه: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ [الفتح:25].

ومن ذلك: أم القرى، قال سبحانه: وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا [الأنعام:92].

ومن ذلك: البلد، قال سبحانه: لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ [البلد:1].

ومن ذلك: البلد الأمين، قال سبحانه: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ [التين:1-3].

ومن فضلها أن الله سبحانه وتعالى أضاف بيتها لنفسه، فقال سبحانه: طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [البقرة:125].

ومن عظيم فضلها وشرفها أن الله خصها بالأمن والأمان: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ [العنكبوت:67].

أمن البلد الحرام لكل من فيه

ذكر بعض فضائل مكة المكرمة

ومن شرفها وفضلها: أنها أحب بلاد الله إلى الله ورسوله، فقد روى الترمذي بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت )، قال الترمذي : حسن غريب صحيح، وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما أطيبك من بلد، وأحبك إليّ؛ ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك ).

اللهم اجعل لنا بمكة قراراً وارزقنا حلالاً فيها، وجملنا بالأدب يا أرحم الراحمين.

ومن فضلها وعظيم شرفها: أن الله شرع الحج إليها، وجعل ذلك الركن الخامس من أركان الإسلام.

ومن عظيم حرمتها: أن جعلها مهبط وحيه، ومنبع الإسلام، ففضلها فضل كبير، وحرمتها عظيمة عند الله عز وجل، فحرمة هذا البلد شرع ودين، وطاعة لرب العالمين إلى قيام الساعة.

ومن فضلها: أنه اشترط الإحرام على من قصدها للحج أو العمرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس لما فرض المواقيت: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، ممن أراد الحج أو العمرة).

تحريم حمل السلاح في مكة

ومن فضل مكة وعظيم حرمتها: تحريم حمل السلاح فيها لغير ضرورة، فقد روى مسلم من حديث جابر أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يحل لأحدكم أن يحمل بمكة السلاح )؛ لأن من دخل مكة فهو آمن بتأمين الله له: وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا [آل عمران:97]، ويجب على المسلمين أن يؤمنوه، لكن من يستحق القتل شرعاً لقصاص أو حد فإنه يقام عليه ذلك القصاص وذلك الحد، كما قطع النبي صلى الله عليه وسلم يد المخزومية في مكة، وكما أذن في قتل ابن خطل في مكة.

حفظ الله عز وجل للبلد الحرام

عباد الله! وحرمة هذا البلد نافذة، وأمنه ومكانته دائمة، من لدن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، وقد حماه الله سبحانه من كل كيد، ورد دونه أعتى أيدي، غزوه بأضخم حيوان فأبادهم الله بحجارة من سجيل: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ [الفيل:1].

وهذا البلد الآمن بحمد الله لم يعل فيه صوت على صوت الحق، ولم تعل فيه راية غير راية التوحيد، منذ بعث محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يدن فيه بدين غير الإسلام، ولم يرتفع فيه شعار يناهض التوحيد، هذا الأمن الذي امتد مداه وعم أثره خاص بهذا البلد الحرام، من سوى الأرض أجمع، سابق لكل المحاولات البشرية في إيجاد منطقة حرام يعم فيها الأمن والسلام، ويلقى فيها السلاح، ويأمن فيها المتخاصمون، وتحقن الدماء، ويلوذ فيها كل ملهوف، ويأمن فيها كل خائف. تتساقط الشعارات وتتهاوى الحضارات، وتبقى مكة عبر التاريخ محفوظة بحفظ الله رمزاً للتوحيد وموئلاً للعقيدة، وهذا من آيات الله عز وجل.

مؤاخذة من يهم بمعصية في مكة

عباد الله! من عظيم حرمة مكة أن مجرد الهم بالمعصية فيها يؤاخذ الإنسان عليه بخلاف بقية البلاد، فإن من هم بمعصية لا يؤاخذ عليها حتى يفعلها، أما مكة فإذا هم فيها بالمعصية أخذ على ذلك، قال الله عز وجل: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25]، فكيف بفعل الذنوب في مكة وترك الواجبات؟!

عباد الله! تأسوا بمنهج السلف الكرام في تعظيم هذا البلد الحرام، يقول عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: كنا نعد: لا والله، وبلى والله إلحاداً في الحرم، وقال بعض السلف: إن احتكار الطعام وظلم الخادم إلحاد في الحرم.

ألا ما أروع هذا الأدب مع بلد الله الحرام، كم يستهويك موقرو هذه البقاع العظام، تالله إن ذلك لعنوان الصلاح والفلاح، وميسم التقوى: وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ [الحج:30].

مضاعفة الأجور والآثام في البلد الحرام

عباد الله! ومن فضل هذا البلد أن الله عز وجل ضاعف لهم فيه الصلوات، فالصلاة في الحرم تعدل مائة ألف صلاة فيما سواه، فقد أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام ).

وأما السيئات فإنها تعظم في هذا البلد الأمين، يقول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: لو أن رجلاً هم أن يقتل مؤمناً عند البيت وهو بعدن، أذاقه الله في الدنيا من عذاب أليم، بل ذهب بعض السلف إلى أن السيئات تضاعف في هذا البلد، قال مجاهد رحمه الله تعالى: تضاعف السيئات في مكة كما تضاعف الحسنات.

اللهم اجعلنا ممن يعظم بلدك وحرماتك وشعائرك، ويتقي الله في ذلك، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

مكة عظمها الله على غيرها من البلاد، وزادها مهابة ورفعة وبراً، مكة شرفها الله عز وجل، ومن فضلها وتعظيمها وشرفها أن الله عز وجل في كتبه سماها بأسماء عديدة، فمن ذلك:

مكة، قال الله عز وجل: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ [الفتح:24].

ومن ذلك: بكة، قال سبحانه: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا [آل عمران:96-97].

ومن ذلك: المسجد الحرام، قال سبحانه: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ [الفتح:25].

ومن ذلك: أم القرى، قال سبحانه: وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا [الأنعام:92].

ومن ذلك: البلد، قال سبحانه: لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ [البلد:1].

ومن ذلك: البلد الأمين، قال سبحانه: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ [التين:1-3].

ومن فضلها أن الله سبحانه وتعالى أضاف بيتها لنفسه، فقال سبحانه: طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [البقرة:125].

ومن عظيم فضلها وشرفها أن الله خصها بالأمن والأمان: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ [العنكبوت:67].


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحكام الصيام 2891 استماع
حقيقة الإيمان - تحريم التنجيم 2513 استماع
مداخل الشيطان على الإنسان 2493 استماع
الأمن مطلب الجميع [2] 2437 استماع
غزوة الأحزاب 2375 استماع
نصائح وتوجيهات لطلاب العلم 2364 استماع
دروس من قصة موسى مع فرعون 2352 استماع
دروس من الهجرة النبوية 2350 استماع
شهر الله المحرم وصوم عاشوراء 2209 استماع
حقوق الصحبة والرفقة 2179 استماع