خطب ومحاضرات
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
عناية الإسلام بالعلم والتعلم
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وارض اللهم عن صحابته أجمعين، أما بعد:
فاتقوا الله أيها المسلمون! يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
عباد الله! بعد بداية مواسم الدراسة يكثر الحديث عن التعليم ومناهجه، ويستنفر الجميع للمساهمة في ذلك الجانب، وما ذاك إلا لإدراك الناس ما للتربية والتعليم من أهمية بالغة وأثر فاعل في بناء الأجيال وإعداد المجتمعات، ولقد كانت عناية الإسلام فائقة في هذا المضمار، فأول حرف نزل به الوحي من القرآن: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ [العلق:1-2].
وتوافرت النصوص عن إمام المربين قولاً وتطبيقاً في جانب التربية، حتى إنه تغيرت حياة الأعراب الجفاة عبدة الأوثان في سنوات قليلة، فأصبحوا قدوة الدنيا وقادة العالم، وخلدوا سيراً لا زال شذى عطرها يفوح، ونور هداها يقتبس، ولا يخفى على عاقل فضل العلم المقرون بالتربية الصالحة، فبه يعبد المسلم ربه على بصيرة، وبه يعامل الناس بالحسنى، وبه يسعى في مناكب الأرض يبتغي عند الله الرزق، العلم يجلس صاحبه مجالس الملوك، وإذا اقترن العلم بالإيمان رفعه الله في الدنيا والآخرة، قال تعالى: يرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11].
وإذا كان العلم مجرداً من التربية خالياً من المبادئ فهو وبال، ولذا ارتبطت التربية بالتعليم، والعلم بالعمل، ففي القرآن آيات تتلى إلى يوم الدين فيها أدب الحديث، وأصول العلاقات الاجتماعية، من بر الوالدين، والعشرة الحسنة بين الزوجين، وحسن الجوار، وإكرام الضيف، والعلاقات الدولية بين السلم والحرب، بل فيها أدب الاستئذان وأدب النظر.
وأما السنة والسيرة فعالم مشرق بالمثل والتربية، ويكفي مثالاً حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:(كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: يا غلام! إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذ استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)، رواه أحمد والترمذي بسند صحيح.
إن أول ما ينبغي ترسيخه في قلوب الناشئة، وأول أصول التربية: عقيدة صحيحة، وربط للنشء بالله ومراقبته والتوكل عليه، وحسن الظن به والتعلق به رغبة ورهبة.
ثانياً: من أصول التربية أن يربى النشء على الخوف من الله عز وجل، وخشيته ومراقبته، وتعريفه بمعاني أسماء الله وصفاته، ومحبته والرغبة فيما عند الله عز وجل من الثواب والجنة، والترهيب من عذابه وناره، يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ [لقمان:16].
ثالثاً: من أصول التربية أن يربى النشء على المحافظة على أركان الإسلام، وعلى وقواعده وأصوله، (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت).
ومن أصول التربية: أن ينشأ على حسن الخلق، وآداب الإسلام كالصدق والعفاف، وبر الوالدين وحسن الجوار، وحسن المنطق، وبذل للندى، وكف للأذى، وطلاقة للوجه.
كذلك من أصول التربية: أن يربى النشء على الحذر مما يخالف هذه الأصول أو يخل بها، وعلى الحذر من الفتن التي تكون خارج المدرسة.
إن الأبوين المستحقين للدعاء هما من أحسن التربية، وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء:24].
وفي الحديث: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث، ومنها: أو ولد صالح يدعو له)، إن مهمة تربية الأولاد مهمة عظيمة خصوصاً في زمننا هذا الذي تلاطمت فيه أمواج الفتن، واشتدت غربة الدين، وكثرت فيه دواعي الفساد، حتى صار المربي مع من يربي كراعي غنم في أرض السباع الضارية إن غفل عنها أكلتها الذئاب.
أيها المربي! اعلم أن خير القلوب أوعاها للخير، وأولى ما عني به الناصحون ورغب في أجره الراغبون إيصال الخير إلى القلوب، وهذه هي وظيفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي: (إن الله وملائكته وأهل السموات وأهل الأرض ليصلون على معلم الناس الخير)، وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيء)، فهنيئاً لك أيها المربي إذا أخلصت نيتك واحتسبت أجرك عند ربك.
إن على المربين من المعلمين والوالدين العناية بجانب القدوة، فأثرها عظيم على المتربين، قال الله عز وجل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21].
إن التربية والتعليم عملية تكاملية، فما دور الآباء والأمهات في هذا التكامل؟ وما دور وسائل الإعلام في التربية والتوجيه، والنصح والتعليم؟ وهل أدى الأمانة من أيقظ ابنه للمدرسة، وأهمله في صلاة الفجر والعصر؟ وهل رعى المسئولية من جلب الفضائيات إلى بيته لتناقض صريح مقومات التربية التي تجاهد المدرسة في إرسائها وبنائها؟ إنها لم تعد التربية اليوم مقصورة على مقاعد الدراسة، فمع التطور الهائل والانفتاح لوسائل الاتصال، أصبحنا في وقت ينازعنا غيرنا في تربية أجيالنا، وسائل لهدم القيم والعقائد في حرب مع الدين والقيم، ليستنبت جيل في هذه المستنقعات، قد شرب من هذا الكدر.
إن على المربين على اختلاف طبقاتهم أن يدركوا مثل هذه المخاطر، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6]، والأمر بالوقاية للوجوب، ومن لم يق أهله فإنه سيسأل، ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ).
أيها المربون! أنتم مؤتمنون على تربية الأجيال، ومواكبة الجديد مع الأصالة والثبات المستمد من شريعة الإسلام، الهادف إلى تعبيد الناس لرب العالمين، والولاء لهذا الدين، وتنشئة الفرد الصالح المنتج الواعي السالم من مسالك الانحراف.
إن مبادئ الإسلام الثابتة كانت الانطلاقة الصحيحة للحضارة الإسلامية التي باركها الله على أهل الأرض جميعاً، وما ضعفت إلا حينما كانت المنطلقات غير شرعية في تنكر للدين، أو تحجر لا يتحمله الإسلام، فكل أمة تنشئ أفرادها وتربيهم على ما تريد أن يكونوا عليه في المستقبل.
إذاً فالتربية في حقيقتها صناعة الأجيال، وصياغة الفكر، وتشكيل المجتمع وتأهيله، ومن هنا ندرك أهمية التربية، وعظم المسئولية الملقاة على المربين، وندرك أيضاً أن استيراد التربية من أمة أخرى بكل عجرها وبجرها خطيئة كبيرة، وتبعية خطيرة، تعني نشأة جيل مغيب عن دينه، مقطوع الصلة بعقيدته، يسهل قياده واستعباده.
وهذا لا يعني هجر الإفادة من تجارب الآخرين، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى بها.
وفي قول الله عز وجل: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ [فاطر:28]، دليل على أن العلوم النافعة هي المقربة إلى الله عز وجل، ولو كانت من علوم الدنيا، وذلك باصطباغها بصبغة الإيمان، والتقرب بها إلى الله عز وجل، وخدمة الدين والبلاد وعمارة الأرض كما أراد الله، في توازن وشمول ووسطية واعتدال، فتعمر الدنيا والآخرة.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً يا عليم يا حكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله أوجدنا من العدم، وربانا بالنعم، وجعل الوحي لنا نوراً نهتدي به في حالك الظلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه الأقوم، أما بعد:
فإن العلم الشرعي الصافي ضمان بإذن الله من الانحرافات الفكرية والعقدية، فالواجب على ذوي الاختصاص مراعاة ذلك، وتبصير الأجيال بما يجب عليهم مع التفصيل والوضوح، النافي للخلط أو التضارب؛ لأن العقول أو القلوب أوعيه، إن لم تبادر وتملئ بالحق والصواب تسرب إليها الفهم المغلوط، وإنني أوصي طلاب العلم بإخلاص النية لله عز وجل في طلب العلم، والجد والمثابرة في التحصيل، واحترام المعلمين المربين وتوقيرهم، والقيام بحقهم، والحذر من رفقة السوء وضعاف الهمة، وقد قال الله عز وجل لنبيه يحيى: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ [مريم:12]، وقال لموسى عليه السلام لما آتاه الله الألواح فيها التوراة: فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ [الأعراف:145].
أوصيهم أن يرجعوا إلى كتاب ربهم، وأن يتدارسوه، وأن يحفظوه، وأن يلازموا حلق المدارس فهي أصل التربية وأساس التعليم، والله تعالى هو المسئول أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، وأن يعز دينه، وأن يعلي كلمته.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم عليك باليهود الظالمين، والنصارى الحاقدين، اللهم احفظ الإسلام والمسلمين، اللهم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهم احفظهم بحفظك التام، واحرسهم بعينك التي لا تنام، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعلهم محكمين لكتابك وسنة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم فرج كرب المكروبين، ونفس عسرة المعسرين، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا، وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، اللهم اشف مرضى المسلمين، اللهم عجل لهم بالشفاء العاجل، اللهم اجعل ما أصابهم كفارة لسيئاتهم ورفعة لدرجاتهم، اللهم اغفر لموتى المسلمين، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.