خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/317"> الشيخ عبد المحسن العباد . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/317?sub=65403"> شرح الأربعين النووية
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح الأربعين النووية [12]
الحلقة مفرغة
الحديث الخامس من الأحاديث الأربعين النووية:
عن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه البخاري و مسلم .
وفي رواية لـمسلم : (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
هذا حديث عظيم من جوامع الكلم التي أوتيها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وقد مر عند الكلام على الحديث الأول، وهو حديث: (إنما الأعمال بالنيات) أن هناك أحاديث قيل فيها إنه يدور عليها العلم، وهي من جوامع الكلم، وهذه الأحاديث قيل: هي حديثان، وقيل: ثلاثة، وقيل: أربعة، وقيل: أكثر، ولكن حديث: (إنما الأعمال بالنيات)، وحديث: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) يأتيان فيها، فالذي قال: إن الدين يرجع إلى حديثين ذكرهما، ومن قال: هي ثلاثة، ذكرهما، ومن قال: أربعة، ذكرهما، فهذان حديثان تكرر كلام العلماء في بيان أهميتهما، وأنهما من الأصول التي يبنى عليها هذا الدين.
وحديث عائشة هذا أصل في وزن الأعمال الظاهرة، وأن المعتبر منها ما كان وفقاً لما جاء به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأنه إذا كان على خلاف ما جاء به بأن كان مبنياً على بدع، وأمور محدثه، فإنه لا يعتبر، ولا يعول عليه، ولا يلتفت إليه، ويكون باطلاً حيث كان مبنياً على بدعة، وليس مبنياً على سنة.
وحديث: (إنما الأعمال بالنيات) أصل في وزن الأعمال الباطنة.
إذاً: الحديث الأول في الأمور الباطنة، وهذا الحديث في الأمور الظاهرة.
قوله عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) يعني: من أتى بشيء لم يكن مما كان عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومما جاءت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإنما هو من محدثات الأمور؛ فإنه مردود على صاحبه، ولا عبرة به ولا قيمة له.
كل عمل يتقرب به إلى الله عز وجل لا ينفع صاحبه إلا إذا توافر فيه شرطان:
أحدهما: أن يكون خالصاً لله.
الثاني: أن يكون مطابقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشرط الثاني هو مقتضى هذا الحديث، فكل عمل من الأعمال لابد فيه من إخلاص العمل لله، وأن يكون مطابقاً لسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإذا توافر هذان الشرطان فإن العمل يكون مقبولاً، وإذا اختل أحدهما فإن العمل لا عبرة به، ولا قيمة له.
فإذا كان العمل خالصاً لله، ولكنه مبني على بدعة، ولم يكن مبنياً على سنة فهو مردود؛ لقوله صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وإذا كان العمل مبنياً على سنة، ولكن أشرك مع الله غيره فيه، فإنه يكون مردوداً على صاحبه، وقد قال الله عز وجل: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23] وقال الله عز وجل في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه).
إذاً: لا بد من هذين الشرطين، وهما مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً رسول الله، فإن الإخلاص لله هو مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله؛ لأن معنى لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله، فالعبادة يجب أن تكون خالصة لله، وإذا أشرك مع الله غيره فيها فإنه لا عبرة بها، ولا قيمة لها، وترد على صاحبها، فلا بد أن يكون العمل خالصاً لله حتى يكون معتبراً، ومقتضى شهادة أن محمداً رسول الله عليه الصلاة والسلام: ألا يعبد الله إلا طبقاً لما جاء به عليه الصلاة والسلام، فلا يعبد بالبدع والمحدثات والمنكرات التي ما أنزل الله بها من سلطان، والتي هي مخالفة لما كان عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام؛ ولهذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر باتباع السنن، وحذر من البدع، كما في حديث العرباض بن سارية وهو الحديث الثامن والعشرون من الأربعين النووية، يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة).
هذه الشريعة متصفة بثلاث صفات:
الصفة الأولى: أنها عامة للثقلين:
فلا يسع أحداً من الجن والإنس الخروج عنها، من حين بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه: (والذي نفسي بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بالذي جئت به، إلا كان من أصحاب النار)، فإن اليهود والنصارى من أمة محمد عليه الصلاة والسلام أمة الدعوة، والدعوة موجهة للجن والإنس جميعاً، وكل إنسي وجني من حين بعثته صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة هو من أمة محمد عليه الصلاة والسلام، أعني من أمة الدعوة، فالدعوة موجهة للجميع، وكل يدعى إلى الدخول في هذا الدين.
الصفة الثانية: أنها خالدة وباقية ومستمرة.
فالشرائع السابقة كان لها أمد تنتهي إليه، وأما شريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام فإنها باقية ومستمرة؛ ولهذا كانت معجزته باقية ومستمرة، وهي القرآن الذي عجز الفصحاء والبلغاء عن أن يأتوا بشيء من مثله، فشريعته مستمرة، ومعجزته مستمرة، والتحدي مستمر وموجود، ولا يستطيع أحد أن يأتي بمثل القرآن، بخلاف الرسل السابقين فإن رسالاتهم لها أمد ولها وقت ثم تنسخ، ومعجزاتهم وقتية لا يشاهدها إلا من كان في زمانهم، وأما معجزة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام -وهي القرآن- فإنها باقية ومستمرة؛ لأن شريعته باقية ومستمرة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
الصفة الثالثة: الكمال.
فهي كاملة لا نقص فيها، ولا تحتاج إلى إضافات تلحق بها وتضم إليها، ولا تحتاج إلى ترقيع وإلى ترميم، بل هي في غاية الكمال والتمام، لا نقص فيها حتى يضاف إليها شيء، فالبدع التي تضاف إليها مردودة على صاحبها.
جاء عن الإمام مالك بن أنس رحمة الله عليه أنه قال: من قال إن في الإسلام بدعة حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة؛ لأن الله تعالى يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [المائدة:3].
ومعنى ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما بلغ هذه البدعة التي قالوا إنها تضاف إلى الشريعة، فالبدع ليست من سنته وليست من هديه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه عليه الصلاة والسلام بين للناس كل ما يحتاجون إليه، فلا تحتاج الشريعة إلى أمور تضاف إليها وتلحق بها، بل هي كاملة.
وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ترك أمراً يقرب إلى الله إلا ودل الأمة عليه، وما ترك أمراً يباعد من الله إلا وحذر منه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه؛ ولهذا قال الإمام مالك بعد ذلك: فما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم ديناً.
فالشيء الذي لم يكن ديناً في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يكون بعدهم ديناً، وهذا يبين لنا أن هذه الفرق التي حدثت بعده صلى الله عليه وسلم، وصار لها عقائد خاصة، ليست من دين الإسلام، بل دين الإسلام الحق هو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
يقول الإمام مالك رحمه الله: مالم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم ديناً، يعني: مالم يكن ديناً في زمان محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يكون بعد ذلك ديناً؛ لأن الدين هو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والعقائد التي أحدثت ونبتت وولدت بعد زمنه صلى الله عليه وسلم باطلة، فمنها ما كان في آخر عهد الصحابة، ومنها ما كان بعد ذلك، ولا شك أنها باطلة، و لا يمكن أن يعقل ولا أن يقبل أن يكون هناك حق حجب عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وادخر لأناس يجيئون بعدهم، بل هذه العقائد المحدثة داخلة تحت قوله صلى الله عليه وسلم: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً) يعني: اختلافاً كثيراً في الأهواء والبدع، وقد أرشدنا عليه الصلاة والسلام عند هذا الاختلاف والتفرق إلى المنهج القويم والصراط المستقيم في قوله: (فعليكم بسنتي) يعني أن طريق السلامة، وطريق النجاة أمام هذا الاختلاف كائن في سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي.
ويكفي في معرفة بطلان العقائد المحدثة أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ما كانوا يعتقدونها ولا كانوا يعرفونها، ولا يعقل أن يكون حق قد حجب عن الصحابة وخفي عليهم، وادخر لأناس يجيئون بعدهم، بل هذه المحدثات التي حصلت لهؤلاء الذين من بعدهم شر، وقد حمى الله أصحاب رسوله من الوقوع في ذلك الشر، ووفقهم لسلوك الصراط المستقيم الذي جاء به النبي الكريم عليه الصلاة والسلام؛ ولهذا يقول الله عز وجل: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153].
فالطريق إلى الله عز وجل واحد، وهو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والمناهج والطرق الأخرى مجانبة ومخالفة لهذا الطريق، وهي باطلة ومردودة على أصحابها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الذي معنا: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد).
الحديث يدل بعمومه على أن أي عمل يخالف السنة، ويكون مبنياً على بدعة؛ لا عبرة به ولو كان قصد صاحبه حسناً، فلا يكفي في العمل أن يكون قصد صاحبه حسناً، بل لا بد مع حسن القصد أن يكون على وفق السنة، وإلا كان مردوداً؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد).
وبيان ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما فصل ولا قال: من كان قصده حسناً فحكمه كذا، ومن ليس قصده حسناً فحكمه كذا، بل عمم وأطلق فقال: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد)، وكثير من الناس يقدمون على البدع وقصدهم حسن، ولكن حيل بينهم وبين التوفيق وصرفوا عنه، إذ ليس كل من يكون قصده حسناً يكون عمله مقبولاً، بل لا بد من توافر شرط القبول بأن يكون العمل على وفق السنة، وقد جاء في السنة ما يدل على ذلك:
وذلك أن أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح أضحيته قبل صلاة العيد، وكان يريد من وراء ذبحها في هذا الوقت أن تطبخ، ويكون اللحم عند الفراغ من صلاة العيد جاهزاً، فتكون أضحيته أول ما يأكله الناس وهم بحاجة إلى الطعام واللحم، فقصده طيب؛ لأنه يريد أن يكون أسبق من غيره في تقديم الطعام للمحتاجين، فلما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك قال له: (شاتك شاة لحم) يعني: ليست أضحية؛ لأنها لم تقع على وفق السنة، والعمل لا بد في اعتباره أن يكون على وفق السنة، فإذا ذبحت قبل صلاة العيد فمعناه أنها ذبحت في غير وقت الذبح، فلا تكون أضحية، بل تكون شاة لحم، أي من جنس الذبائح التي يذبحها الناس ليأكلوا اللحم، ولا يعتبر ذبحها أضحية وقربة وطاعة؛ لأن الذبح إنما يبدأ بعد صلاة العيد، ولا يكون قبل صلاة العيد؛ ولهذا روي أن صلاة العيد في الأضحى تعجل بعد دخول الوقت ليتسع للناس وقت الذبح، وصلاة عيد الفطر تؤخر شيئاً بعد دخول الوقت ليتسع للناس وقت إخراج زكاة الفطر؛ لأن أفضل وقت لإخراج زكاة الفطر يوم العيد قبل الصلاة، فإذا أخرت الصلاة شيئاً يسيراً بعد دخول وقتها اتسع للناس وقت إيتاء زكاة الفطر.
وقد نقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند شرح هذا الحديث عن بعض أهل العلم أنه قال: وفي هذا دليل على أن العمل لا يعتبر إلا إذا كان موافقاً للشرع، ولا يكفي حسن قصد الفاعل. يعني: إذا كان قصد صاحبه حسناً لا يكفي لقبوله؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لهذا الصحابي: (شاتك شاة لحم)، ولم يعتبر حسن قصده.
ومما يدل على ذلك أيضاً: أن أبا عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن أناساً متحلقون في المسجد، وبأيديهم حصى، وفي كل حلقة شخص يقول لهم: كبروا مائة، هللوا مائة، سبحوا مائة، احمدوا مائة، فإذا قال: كبروا مائة، صاروا يعدون بالحصى: الله أكبر، الله أكبر، مائة، ثم يقول: هللوا مائة، فيقولون: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، ويعدون بالحصى مائة، ثم يقول: سبحوا، فيقولون: سبحان الله، سبحان الله، ويعدون بالحصى مائة، وهكذا. فوقف على رءوسهم أبو عبد الرحمن رضي الله عنه وقال: ما هذا يا هؤلاء؟! عدوا سيئاتكم، فأنا ضامن ألا يضيع من حسناتكم شيء، إما أن تكونوا على طريقة أهدى مما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أو أنكم مفتتحو باب ضلالة!
يعني: إما أنكم أحسن من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وعندكم طريقة أحسن من طريقة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو أنكم مفتتحو باب ضلالة، ففهموا أن الطريقة الأولى لا سبيل لهم إليها، ولا يمكن أن يكونوا أحسن من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وبقيت الثانية، وهي أنهم مفتتحو باب ضلالة، فقالوا: سبحان الله! يا أبا عبد الرحمن ! ما أردنا إلا الخير، فقال رضي الله عنه: وكم من مريد للخير لم يصبه، كم من مريد للخير لم يصبه، كم من مريد للخير لم يصبه.
قال الإمام مالك : لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. ومعلوم أن أولها -وهم الصحابة- إنما صلحوا باتباع الرسول عليه الصلاة والسلام، والعمل وفقاً لسنته، مع حذرهم من البدع، ولا يمكن لغيرهم أن يصلح إلا بسلوك هذا المسلك الذي سلكوه، والمنهج القويم الذي طرقوه.
هذا الحديث جاء بالروايتين: رواية في الصحيحين وهي: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) ورواية في صحيح مسلم وهي: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
والرواية الثانية أعم من الأولى وأشمل؛ لأن الأولى مختصة بالإحداث، وأما الثانية فهي تتعلق بالعمل، وهي أعم من أن يكون الإنسان محدثاً للعمل أو متابعاً لغيره فيه ومسبوقاً إليه، فقوله (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) يعني سواء كان هو الذي أحدثه، أو أنه مسبوق إلى إحداثه ولكنه تابع من أحدثه قبله.
قوله: (رد) بمعنى مردود، فهو مصدر بمعنى اسم المفعول، فرد بمعنى مردود، كخلق بمعنى مخلوق، ونسخ بمعنى منسوخ. والمعنى أن ما بني على مخالفة السنة فإنه يرد، وإذا وجدت عقود مخالفة لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإنها مردودة على صاحبها، والعقد الذي بني على ذلك يكون فاسداً.
ومما يوضح هذا قصة العسيف الذي جاء أبوه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام ومعه خصمه الذي هو زوج المرأة، وقال: إن ابني كان عسيفاً على هذا -يعني: كان أجيراً عنده- فزنى بامرأته، وهذا يبين أن الشر يحصل بسبب المخالطة والاحتكاك من بعض الناس لبعض، فإن هذا العامل لاتصاله بالمرأة جرى الكلام معها، ووقع الشيطان بينهما حتى زنى بها، فقوله: (إن ابني كان عسيفاً) يعني أنه ما تسلق الجدران، وليس غريباً على البيت، وإنما زنى بها بسبب هذا الاختلاط وهذا الاحتكاك.
قال: وإنني أخبرت أن على ابني الرجم. يعني: أخبره بعض من لا علم عنده بأن ابنك سيقتل وسيرجم، قال: فذهبت إليه واصطلحت معه على مائة شاة ووليدة، يعني: أعطيه هذا حتى يسامح ابني، ولا يحصل الرجم، ولما جاء هذان الاثنان قال الزوج: يا رسول الله! اقض بيننا بكتاب الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لأقضين بينكما بكتاب الله)، فقال والد العسيف: (يا رسول الله! اقض بيننا بكتاب الله وائذن لي) يعني: ائذن لي في الحديث، وهذا فيه أدب، وحسن مخاطبة، ثم قال: إن ابني كان عسيفاً على هذا، وإنني أخبرت أن على ابني الرجم، فافتديته بمائة شاة ووليدة، وإنني سألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني الجلد وتغريب سنة، وأن على زوجة هذا الرجم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الوليدة والغنم رد عليك)، وهذا هو محل الشاهد، يعني مما يطابق الحديث الذي معنا أن العقود إذا كانت مبنية على أمر محرم وعلى مخالفة الشرع فإنها تنقض وترد، ولا تعتبر، وأن الصلح إذا كان مبنياً على أمر مبتدع محرم فإنه لا يجوز الوفاء به، بل يتعين إبطاله وإلغاؤه، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم أبطل هذا الصلح الذي جرى بينهما وقال: (الوليدة والغنم رد عليك) أي: مردودة عليك، وهذا يدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) فإن هذا عمل من الأعمال المخالفة لما جاء به رسول صلى الله عليه وسلم، وذلك الحكم أو ذلك الاتفاق يكون باطلاً ويكون لاغياً ولا عبرة به ولا قيمة له.
قوله: (الوليدة والغنم رد عليك) دليل على أن العقود إذا أبرمت وكانت مخالفة للسنة فإنها تلغى وتبطل، ويرجع إلى اتباع السنة، وإلى اتباع ما جاء به الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، أي: أنه لا يحصل الإنسان ثمرات العقد إذا كان مبنياً على باطل، بل يلغى ذلك العقد، ويرجع الأمر إلى الحكم الذي جاء في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن على ابنه جلد مائة وتغريب عام، وأن امرأة هذا عليها الرجم ثم قال: (واغد يا
ومحل الشاهد منه: أن الصلح الذي وقع بين والد العسيف وبين زوج المرأة لاغ وباطل، وبين النبي صلى الله عليه وسلم الحكم الشرعي وهو الرجم على المحصنة، والجلد مائة جلدة، والتغريب لمدة سنة على من كان بكراً ولم يكن محصناً.
ثم إن قوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) يدل بمنطوقه على أن كل ما أحدث مما هو خلاف الشرع فإنه مردود على صاحبه، ويدل بمفهومه على أن كل ما وقع مطابق للشرع فإنه معتبر يتعين العمل به.
طريقة الإمام النووي رحمه الله أنه عندما يذكر الصحابي يذكر كنيته، وهنا ذكر عن أم المؤمنين عائشة أنها أم عبد الله ، ولم يكن لها ولد، وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرها ثماني عشرة سنة، وإنما كنيت بكنية أختها أسماء أم عبد الله بن الزبير ، فإن عائشة خالته فكنيت به.
ووصفه لها بأنها أم المؤمنين هذا الوصف ثابت لزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، والله تعالى ذكر ذلك في كتابه فقال: وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6]، وهن رضي الله عنهن زوجاته في الدنيا والآخرة، ويكن معه في الجنة رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن.
ويطلق عليهن أمهات المؤمنين؛ لأنهن يحرمن على كل أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهن زوجاته في الدنيا والآخرة رضي الله عنهن وأرضاهن.
هناك بعض الفوائد كتبتها حول هذا الحديث، وهي كما يلي:
الحديث الخامس عن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه البخاري و مسلم ، وفي رواية لـمسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
1- هذا الحديث أصل في وزن الأعمال الظاهرة، وأنه لا يعتد بها إلا إذا كانت موافقة للشرع، كما أن حديث (إنما الأعمال بالنيات) أصل في الأعمال الباطنة، وأن كل عمل يتقرب فيه إلى الله لا بد أن يكون خالصاً لله، وأن يكون معتبراً بنيته.
2- إذا فعلت العبادات كالوضوء، والغسل من الجنابة، والصلاة، وغير ذلك على خلاف الشرع فإنها تكون مردودة على صاحبها غير معتبرة، وأن المأخوذ بالعقد الفاسد يجب رده على صاحبه ولا يملك، ويدل لذلك قصة العسيف الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبيه: (الوليدة والغنم رد عليك).
3- ويدل الحديث على أن من ابتدع بدعة ليس لها أصل في الشرع فهي مردودة، وصاحبها مستحق للوعيد، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة: (من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة أجمعين).
ولا يقال عمله مردود فقط، بل هو مع ذلك آثم؛ لأنه أحدث في دين الله ما ليس منه.
4- الرواية الثانية التي عند مسلم أعم من الرواية التي في الصحيحين، لأنها تشمل من عمل البدعة سواء كان هو المحدث لها أو كان مسبوقاً إلى إحداثها وتابعاً لمن أحدثها.
5- معنى قوله في الحديث (رد) أي: مردود عليه، وهو من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول مثل: خلق بمعنى مخلوق، ونسخ بمعنى منسوخ، والمعنى: أنه مردود باطل غير معتد به.
6- لا يدخل تحت الحديث ما كان من المصالح في حفظ الدين، أو موصلاً إلى فهمه ومعرفته، كجمع القرآن في المصاحف، وتدوين علوم اللغة والنحو، وغير ذلك.
فمثلاً: جمع القرآن في مصحف واحد عمله عثمان ، بعد زمنه صلى الله عليه وسلم ولم يكن منه صلى الله عليه وسلم، ولكنه من الأمور التي لا بد منها؛ لأن الله تعالى يقول: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] وهذا من حفظ القرآن، فلا يقال إنه من البدع غير الجائزة، حيث لم يكن موجوداً في زمنه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه احتيج إليه حتى لا يضيع القرآن، وحتى لا يذهب بذهاب حملته؛ ولهذا اعتبر جمع عثمان هذا من مناقبه وفضائله رضي الله عنه، لأنه حفظ على هذه الأمة القرآن الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك بجمعه في هذا المصحف، وفي ذلك تنفيذ وتطبيق وتحقيق لقوله الله عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] وبعض الناس يأتي بالبدعة ثم يستدل عليها بجمع القرآن!
والجواب: أن هذا إضافة في الدين مما ليس منه، فهو بدعة، وأما جمع القرآن فهو تنفيذ لما جاء في القرآن من حفظ الكتاب.
وكذلك تدوين العلوم التي فيها إعانة وتسهيل للوصول إلى معرفة الكتاب والسنة مثل علم اللغة وعلم النحو لا يقال: هذه من محدثات الأمور، بل هذه من الأمور التي توصل إلى غايات، وفيها تسهيل الوصول إلى معرفة كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لأن الكتاب والسنة جاءا بلغة العرب، ففي جمع اللغة وتدوينها تسهيل لمعرفتها، وكذلك علم النحو يدون حتى يعرف نظم الكلام ومعناه، فالمرفوع يرفع، والمكسور يكسر، والمفتوح يفتح، وهذا لا يعرف إلا عن طريق علم النحو.
قبل تدوين علم النحو كان الناس على السليقة يتكلمون على ما جبلوا عليه، لكن بعد ذلك حصل تغير الألسنة، وصار الناس بحاجة إلى أن يدون علم النحو، فلا يقال إن هذا من البدع التي لا تجوز، أو لا يقال إن البدع التي تحدث في الدين هي من جنس إحداث علم النحو وإحداث علم اللغة وما إلى ذلك، فإن هذا شيء وهذا شيء، فلا يقاس هذا على هذا، ولا يمنع هذا من أجل هذا.
7- الحديث يدل بإطلاقه على رد كل عمل مخالف للشرع ولو كان قصد صاحبه حسناً، ويدل له قصة الصحابي الذي ذبح أضحيته قبل صلاة العيد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (شاتك شاة لحم).
وكذلك أثر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي أشرت إليه، فإنه واضح أن المعتبر هو ما كان عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأن العمل إذا وقع على خلاف الشرع فإنه لا يسوغ.
8- هذا الحديث يدل بمنطوقه على أن كل عمل ليس عليه أمر الشارع فهو مردود، ويدل بمفهومه على أن كل عمل عليه أمره فهو غير مردود، والمعنى: أن من كان عمله جارياً تحت أحكام الشرع موافقاً لها فهو مقبول، ومن كان خارجاً عن ذلك فهو مردود.
يستفاد من الحديث ما يلي:
1- تحريم الابتداع في الدين.
2- أن العمل المبني على بدعة مردود على صاحبه.
3- أن النهي يقتضي الفساد، فقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الإحداث مردود، ومعنى ذلك أنه إذا وجد شيء مبني على ذلك فإن العقد يكون فاسداً إذا كان من قبيل العقود، وإن كان من قبيل الأعمال كالغسل من الجنابة، والصلاة وغير ذلك فإنه يكون فاسداً، ويكون لاغياً وباطلاً.
4- أن العمل الصالح إذا أتي به على غير الوجه المشروع كالتنفل في وقت النهي بغير سبب، وصيام يوم العيد ونحو ذلك فإنه باطل لا يعتد به.
فهناك أعمال هي في أصلها مشروعة مثل صلاة النافلة، لكن كون الإنسان يأتي به في وقت النهي وهو ليس من ذوات الأسباب، فهذا التنفل يعتبر مردوداً؛ لأنه مخالف لما جاءت به السنة، لأن السنة جاءت بالنهي عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وعن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس.
ومن جنس ذلك: قصة ابن مسعود المتقدمة، فإن كون كل رجل يذكر الله عز وجل مشروع، لكن كونه يؤتى به على هذه الطريقة الجماعية وبعد الحصى، وكون واحد منهم يقول: سبحوا مائة. فيعدون سبحان الله، سبحان الله... فهذه الهيئة وهذه الكيفية مبتدعة.
أما كون الإنسان يسبح ويكثر من التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد، ويكون لسانه رطباً من ذكر الله عز وجل؛ فهذا مشروع، ولكن إذا أتى به على وجه مخالف للشرع صار العمل بدعة، وإن كان في أصله جائزاً.
5- أن حكم الحاكم لا يغير ما في باطن الأمر لقوله: (ليس عليه أمرنا)، فإذا حكم الحاكم بشيء، والمحكوم له يعلم بأنه ليس محقاً في الشيء الذي حكم له به، بأن يكون مبنياً مثلاً على شهادة الزور، لم يجز له أن يأخذه، ولا أن يقول: ما دام قد حكم الحاكم فهذا المال يكون حلالاً لي، فنقول: ليس حلالاً لك، بل هو حرام وإن حكم به الحاكم، لأن الحاكم لا يعلم الغيب، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه، فإنما أقطع له قطعة من نار فليأخذها أو ليدعها) ومعنى ذلك أن حكم الحاكم لا يحل ما كان حراماً، وإذا حكم بشيء على وجه يعلم المحكوم له بأنه مبطل، وأنه ليس محقاً في ذلك، فإن ذلك الحكم لا يغير شيئاً، ولا يفيد الإنسان، وليس عذراً للإنسان في أكل الحرام.
6- أن الصلح الفاسد باطل، والمأخوذ عليه مسترد. ويوضح ذلك قصة العسيف التي ذكرناها.