خطب ومحاضرات
شرح الأربعين النووية [33]
الحلقة مفرغة
المراد بالكتابة في قوله: (كتب)
[ عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم -فيما يرويه عن ربه- أن الله عز وجل قال: (إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له حسنة كاملة، وإن عملها كتبها الله له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له حسنة كاملة، وإن عملها كتبها الله له سيئة واحدة) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما بهذه الحروف ].
هذا الحديث -حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما- فيه قوله: (إن الله كتب الحسنات والسيئات) وهذه الكتابة للحسنات والسيئات يحتمل أن تكون هي الكتابة القدرية، وأن الله تعالى كتب كل أعمال العباد وما يفعلونه في اللوح المحفوظ، فما يفعلونه من الخير والشر ومن الحسنات والسيئات كتبه الله في اللوح المحفوظ.
ويحتمل أن يكون المراد بالكتابة كتابة الملائكة الكتبة الذين يكتبون الحسنات والسيئات بأمر الله عز وجل.
ومما يدل على هذا ما جاء في بعض الأحاديث بهذا المعنى وفيه: (إذا هم بالسيئة فلم يعملها قال: ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة، إنما تركها من جرائي) ومعناه إذا أنه إذا هم بها ولم يعملها أنهم كتبوها حسنة، وإذا هم بالسيئة وعملها تكتب سيئة واحدة، قال: (وإن لم يعملها فاكتبوها حسنة، إنما تركها من جرائي) أي: إنما تركها من أجلي. وهذا فيه أن الملائكة هم الذين يتولون الكتابة، وعلى كل فليس هناك تنافي بين الكتابتين، فإن الكل حاصل، فالكتابة في اللوح المحفوظ حاصلة لكل ما هو كائن، والملائكة يكتبون كل ما يصدر عن العبد من الخير والشر.
ثم إن الإجمال في قوله: (إن الله كتب الحسنات والسيئات) بينه في الكلام الذي بعده، وذلك بالتفصيل فيما يتعلق بالحسنة والتفصيل فيما يتعلق بالسيئة، فالتفصيل الذي في الحسنة هو قوله: (فإذا هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله حسنة كاملة، وإن هم بها وعملها كتبها الله عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة) فإذا هم بالحسنة ولم يعملها كتبها الله حسنة كاملة من أجل نيته ومن أجل قصده، وهذا من فضل الله عز وجل وكرمه وإحسانه إلى عباده، وإذا عملها كتبت عشرًا إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والله تعالى يضاعف لمن يشاء.
ثواب طاعة الله وترك معصيته وفضل العمل
وإذا عملها كتبت له عشراً إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وفي هذا بيان الفرق بين كون الإنسان ينوي ولا يعمل، وكونه ينوي ويعمل، فإن الأول لا مضاعفة فيه، والثاني فيه المضاعفة إلى عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف وإلى أضعاف كثيرة، وهذا واضح.
وأما الحديث الذي فيه: (نية المؤمن خير من عمله) فهو يخالف ما جاء من التفصيل في هذا الحديث الذي معنا، فهو حديث ضعيف كما ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح.
وعلى هذا فلا شك أن الإنسان الذي ينوي ويعمل أفضل من الإنسان الذي ينوي فقط؛ لأن الإنسان بمجرد نيته يحصل على حسنة كاملة إذا لم يعمل، وإذا عمل فإنه يحصل على عشرٍ، أو يضاعف الله عز وجل له إلى سبعمائة ضعف وإلى أضعاف كثيرة.
وقوله: (وإذا هم بالسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة كاملة) وهذا فيما إذا كان تركها من أجل الله، ووصفت بأنها كاملة -أيضاً- لبيان فضل الله عز وجل ولئلا يتوهم نقصانها؛ لأنها ما حصلت في مقابل عمل، وإنما حصلت في مقابل ترك، وهو كون الإنسان هم بمعصية وتركها، فالله تعالى يكتبها حسنة.
وإن عملها كتبت سيئة واحدة، ووصفت بواحدة من أجل بيان أن السيئات لا تزاد، وأن الإنسان لا يخاف أن تزاد سيئاته، بل الأجر يضاعف، وأما السيئات فإن السيئة بمثلها ولا تضاعف، كما قال الله عز وجل: فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا [طه:112] لا يخاف هضماً أي: نقصاً من الحسنات، ولا ظلماً وذلك بالزيادة في السيئات، وإنما يحصل الفضل والجود والكرم بالثواب والجزاء على الحسنة بعشر أمثالها إلى أضعاف كثيرة، وأما السيئة فإنما تكتب بمثلها، فمن هم بالسيئة وتركها من أجل الله يجد عليها أجراً واحداً من أجل أنه تركها لله، وإن عملها كتبت سيئة واحدة.
حالات تارك المعاصي
الحالة الأولى: أن يتركها من أجل الله، فهذا يثاب عليها بالحسنة كما جاء في هذا الحديث.
الثانية: أن يتركها ذهولاً وغفلة عنها لكونها ما جاءت على باله، فهذه ليست له ولا عليه.
الثالثة: وإذا هم بها ولم يفعلها من أجل العجز أو أي مانع آخر مع حرصه عليها ورغبته الشديدة في الوقوع فيها، فإن هذا يكسب إثماً ولا يجد أجراً وثواباً؛ لأن تركه للسيئة إنما كان للعجز مع تصميمه وحرصه عليها وفعله الأسباب التي توصل إليها، ولكنه لم يقدر ولم يتمكن، فهذا مأزور غير مأجور.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى:
[ عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم -فيما يرويه عن ربه- أن الله عز وجل قال: (إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له حسنة كاملة، وإن عملها كتبها الله له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له حسنة كاملة، وإن عملها كتبها الله له سيئة واحدة) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما بهذه الحروف ].
هذا الحديث -حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما- فيه قوله: (إن الله كتب الحسنات والسيئات) وهذه الكتابة للحسنات والسيئات يحتمل أن تكون هي الكتابة القدرية، وأن الله تعالى كتب كل أعمال العباد وما يفعلونه في اللوح المحفوظ، فما يفعلونه من الخير والشر ومن الحسنات والسيئات كتبه الله في اللوح المحفوظ.
ويحتمل أن يكون المراد بالكتابة كتابة الملائكة الكتبة الذين يكتبون الحسنات والسيئات بأمر الله عز وجل.
ومما يدل على هذا ما جاء في بعض الأحاديث بهذا المعنى وفيه: (إذا هم بالسيئة فلم يعملها قال: ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة، إنما تركها من جرائي) ومعناه إذا أنه إذا هم بها ولم يعملها أنهم كتبوها حسنة، وإذا هم بالسيئة وعملها تكتب سيئة واحدة، قال: (وإن لم يعملها فاكتبوها حسنة، إنما تركها من جرائي) أي: إنما تركها من أجلي. وهذا فيه أن الملائكة هم الذين يتولون الكتابة، وعلى كل فليس هناك تنافي بين الكتابتين، فإن الكل حاصل، فالكتابة في اللوح المحفوظ حاصلة لكل ما هو كائن، والملائكة يكتبون كل ما يصدر عن العبد من الخير والشر.
ثم إن الإجمال في قوله: (إن الله كتب الحسنات والسيئات) بينه في الكلام الذي بعده، وذلك بالتفصيل فيما يتعلق بالحسنة والتفصيل فيما يتعلق بالسيئة، فالتفصيل الذي في الحسنة هو قوله: (فإذا هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله حسنة كاملة، وإن هم بها وعملها كتبها الله عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة) فإذا هم بالحسنة ولم يعملها كتبها الله حسنة كاملة من أجل نيته ومن أجل قصده، وهذا من فضل الله عز وجل وكرمه وإحسانه إلى عباده، وإذا عملها كتبت عشرًا إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والله تعالى يضاعف لمن يشاء.
وصفت الحسنة التي تحصل لكون الإنسان هم بالحسنة ولم يعملها بأنها كاملة لئلا يتوهم نقصانها، وذلك لأنها كانت بمجرد هم وليس هناك عمل، فمن فضل الله عز وجل أنه جعل الثواب على ذلك حسنة كاملة.
وإذا عملها كتبت له عشراً إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وفي هذا بيان الفرق بين كون الإنسان ينوي ولا يعمل، وكونه ينوي ويعمل، فإن الأول لا مضاعفة فيه، والثاني فيه المضاعفة إلى عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف وإلى أضعاف كثيرة، وهذا واضح.
وأما الحديث الذي فيه: (نية المؤمن خير من عمله) فهو يخالف ما جاء من التفصيل في هذا الحديث الذي معنا، فهو حديث ضعيف كما ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح.
وعلى هذا فلا شك أن الإنسان الذي ينوي ويعمل أفضل من الإنسان الذي ينوي فقط؛ لأن الإنسان بمجرد نيته يحصل على حسنة كاملة إذا لم يعمل، وإذا عمل فإنه يحصل على عشرٍ، أو يضاعف الله عز وجل له إلى سبعمائة ضعف وإلى أضعاف كثيرة.
وقوله: (وإذا هم بالسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة كاملة) وهذا فيما إذا كان تركها من أجل الله، ووصفت بأنها كاملة -أيضاً- لبيان فضل الله عز وجل ولئلا يتوهم نقصانها؛ لأنها ما حصلت في مقابل عمل، وإنما حصلت في مقابل ترك، وهو كون الإنسان هم بمعصية وتركها، فالله تعالى يكتبها حسنة.
وإن عملها كتبت سيئة واحدة، ووصفت بواحدة من أجل بيان أن السيئات لا تزاد، وأن الإنسان لا يخاف أن تزاد سيئاته، بل الأجر يضاعف، وأما السيئات فإن السيئة بمثلها ولا تضاعف، كما قال الله عز وجل: فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا [طه:112] لا يخاف هضماً أي: نقصاً من الحسنات، ولا ظلماً وذلك بالزيادة في السيئات، وإنما يحصل الفضل والجود والكرم بالثواب والجزاء على الحسنة بعشر أمثالها إلى أضعاف كثيرة، وأما السيئة فإنما تكتب بمثلها، فمن هم بالسيئة وتركها من أجل الله يجد عليها أجراً واحداً من أجل أنه تركها لله، وإن عملها كتبت سيئة واحدة.
استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح الأربعين النووية [30] | 2558 استماع |
شرح الأربعين النووية [17] | 2543 استماع |
شرح الأربعين النووية [32] | 2455 استماع |
شرح الأربعين النووية [25] | 2333 استماع |
شرح الأربعين النووية [11] | 2305 استماع |
شرح الأربعين النووية [23] | 2270 استماع |
شرح الأربعين النووية [5] | 2205 استماع |
شرح الأربعين النووية [31] | 2139 استماع |
شرح الأربعين النووية [20] | 2138 استماع |
شرح الأربعين النووية [21] | 2102 استماع |