أرشيف المقالات

الكثير جدا منا يعشقون النكد ويقيمون له طقوسا خاصة؛ منها تكشيرة غريبة تشبه ألواح الأبلاكاش لا تفارق وجوههم، ونظرات مريبة لكل وجه ضاحك.
وقالوا لنا أن الضحك بدون سبب قلة أدب، ثم منعوا كل أسباب الضحك.
هؤلاء موجودون في كل شارع؛ وعند كل زاوية وتحت كل حجر، أما لو تمّ ضبطك مبتسما وأنت ذاهب إلى عملك
فأنت إنسان سفيه لايقدر المسؤولية، ويجب عليك أن تلطم مرتين قبل أن تضع بصمتك في سجل الدخول.

ثم هناك حالات متقدمة من النكد.
لي صديق يرى أن زوجته تفعل المستحيل لتنكد عليه، فجأة تقول له أن الأستاذ حمدان وزوجته ذهبوا إلى بلطيم للتصييف.
- هذا جيد لعلهم ينعمون بيومين هادئين.
لكنها تحول دفة الحديث وتحكي عن بختها المائل وقلة حظها، وتتلو عليه نشرة أخبار يومية عن أسعار الطماطم والبامية وعن غش الجزارين وأنبوبة البوتجاز.
- عرفت الثوم بقي بكام دلوقتي؟
كل هذا يتم في إطار من النكد الأسري السعيد.
بعد هذا بدأ صديقي هذا ينكد علينا نحن، لقد تفوق التلميذ علي أستاذه.
أخباره كلها نكد، تحول إلى آلة تنتج نكد،
وحين لا يجد من ينكد عليه فإنه يجلس ينكد على نفسه.
لماذا فعلت هذا ولماذا لم أفعل هذا؟ ثم يمسك برأسه ويخبطها مرتين في الجدار ويقول بصوت مرتفع: أنا حماااااااااااااااااااار.
حين نجد ضجة وجلبة نعرف يقينا أن صاحبنا ينكد علي نفسه.
لذلك فإننا لا ننسي أصحاب الوجوه الضاحكة المشرقة بالإبتسامة، الذين يتخطون نكد الدنيا برِّقة وبدون ضجيج.
الذين نحبهم ونألفهم علي الفور ونستريح في الحديث معهم، لي صديق اختلف معه في مسائل كثيرة ولكنه بشوش ضاحك.
أقول بيني وبين نفسي لعله يتحلى بخلق وصى به الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وهو أن تبتسم في وجه الناس.
«تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ» (أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ).
_______________
محمد هيكل