أرشيف المقالات

هو حقك من الشقاوة

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
هو حقك من الشقاوة

من حقك أن تُبدي نوعًا من الشقاوة والترفيه عن نفسك بعد طول كفاح من غير استشارة من أحد، أوَلست أنت مَن صنع المجد لنفسه؟ أوَلست أنت من كابدت وسهرت وناضلت لأجل تحصيل مرتبة الرقي عند الله بداية بنصرته والصبر على ابتلائه؟ فمن حقك - إذًا - أن تفرح، وتغني، وتبتسم لمن عرَفت، ولمن لم تعرف، إنها فرصتك الآن لتتألق على النحو الذي يرضيك ما دمت في إطار طاعة الله، والتزام شرعه، هنيئًا بدءًا بانتصارك الرائع والممتع، فعلاً سلبت قلمي لأكتب عنك المزيد، وإليك البَدْء أيها البطل: قل لمن كاد لك بالأمس: شكرًا على أن كنتم سببًا للنجاح، وقل لمن تخلى عنك في ضيقك: شكرًا جزيلاً على حرمانك حاجتك، فقد كان سببًا في أن تتقوى بطاقتك الذاتية بشدة الألم والوحدة والغربة، وقل - أيها البطل - لمن سخر منك - ربما لفكرك، أو لهندامك، أو حتى لمشيتك -: شكرًا أن جعلتني أتألق بالتغيير في أسرع وقت؛ لأن شماتة الأعداء هي أقوى سلاح لاستعادة نشاط كان مفقودًا بالأمس، وبكثير من الاحتقار ممن لم يستحضروا خوف الله في نفوسهم.
 
أنت اليوم حر، وناجح، ومتغلب على ضعفك، أنت اليوم تفهم حركات البشر من عيونهم، أنت اليوم تدرك جيدًا أن ضريبة النجاح كلفتها غالية جدًّا، وكان عليك دفعها بكثير من الصبر، والرضا بما قسمه الله لك، ورتل هذه الآية على مسامعك وبصوتك: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155].

هو امتحان كنت فيه؛ لما ابتلاك الله بنقص في مالك، وأهلك، وثمراتِ ومال الدنيا، لكنه حرمك ليعطيك؛ لأنه أرحم من الأم على وليدها، كنت متحكمًا في زمام موجات الدنيا حينما كنت تركن للبكاء، ولم تكن تفقه أنك في ابتلاء، فتوالت عليك الأيام الثقال بهجرة الخلان والأقرباء، ونقص المال، لَكَم التزمت الزهد بصبر محمود، وتسبيح طوالَ وقت الأزمات، والآن أنت تشعر أن الفرج دنا منك؛ لأنك كنت متأكدًا، بل متيقنًا بأن الله لن يتركك من غير نصرة، فمن حقك الآن أن تعبر عن سعادتك بالسجود أولاً، سجود الشكر لمن كان أقرب منك وأرحم بك من جميع البشر، هذا السجود سيزرع فيك حبًّا عظيمًا لكل أوامر الله، ستشعر أن الدنيا وسعت أمام عينيك الآن، والآن طيف الهواء الذي تتنفسه أصبح يكفيك لتنتعش بطلاقة وليس بضيق، فلن تعطي قيمة أو أهمية لمن لا يستحقها، ما دام غيابه كان مسجلاً وقت طرقت أبوابه فأُوصدت كل الأبواب إلا باب السماء كان مفتوحًا لك، ولَكَم كنت نجيبًا وتقيًّا حينما كنت تستيقظ في الثلث الأخير لتلقي بحمل أتعابك إلى الواحد الأحد، صدقًا اتبعت الصراط المستقيم، ولم تنحرف بك الخطى إلى ما لا يرضي الله، من هنا ثابرت على ذاك النسق، حتى بدأت عُقَد الأزمات تنفك وحدها، والسبب في هذا الفرج الباهر هو استغفارك من عمق قلبك، كنت تتكلم حديثًا انفراديًّا لتشجع ذاتك، يا له من موقف يتشقق له الحجر لحجم أزماتك التي كانت ثقيلة المحمل، وعليه لك كل الحق أن تبدو إنسانًا آخر فرِحًا ومسرورًا في شقاوة تضفي بها على نفسك حقها من المزاح الخفيف، وإن لم تجد من يبادلك المزاح فيكفي أن تمر على من احتقرك، وأغلق بابه في وجهك؛ لتبتسم له ابتسامة هادئة توصل له رسالة أن العاصفة هدأت، وأنك في أمان مع الله، وبفضل الله اجتزت أزمة المرض والحرمان، والوحدة والألم، والحزن والأسى؛ لذلك اكتب ابتداعًا وصِف فيه لحظات العسر، ومن بعدها زينها بلحظات اليسر، وأرسل لكل من خدعك برْقية عاجلة تدعوه فيها لحضور حفلة التخرج من تربص الدنيا لتنتقل إلى مستوى عالٍ في التعامل مع مشاكل الحياة ومحنها، فلديك رصيد كافٍ من المعرفة والإتقان، وافهم جيدًا أنك الآن تعرف مقاس كل واحد مر من على طريقك ولم يحسن إليك ولو بكلمة طيبة تتشجع بها، فقط لا تنسَ حينما يكرمك الله من فضله أن تُهدي نسمات الخير لكل من أخطأ بحقك لتشعر أنك فعلاً كبير، واختر لك في كل مناسبة عيد أن ترسل باقة ورد منتقاة بأحلى الألوان، واكتب فيها عبارة فيها الكثير من الاحترام، تضفي على قارئها ذوبانًا واحتشامًا؛ ليتمنى العودة إلى لقائك مرة أخرى في فرصة ليصلح ما أفسده هواه، ثم اكتب اسمك وإمضاء يدك لتعرف جيدًا من وصفة السخاء عبر حروف الطيبة، هكذا تكون قد أتممت إنجاز النجاح بالكامل، ويبقى لك نسق تكمل فيه باقي مسيرة حياتك.
 
عش - إذًا - لحظات التفوق والنجاح، أفسح المجال لقلبك أن يبكي بكاء الفرح، واسمح لعيونك أن تتأمل الروعة من أفق نضالك، اسمح لنفسك أن ترتاح وأنت تمشي ولست تدري إلى أين بالضبط، لكنك لا تدري لأنك تركز على إحساس بالخفة أن ثقل الهموم قد ذهب وارتحل عنك، ومن حقك – إذًا - أن تقفز وترفع يدك عاليًا لتهتف بصوتك العالي أن حَمْدًا لك يا رب، فُرِجت، هكذا هو شعور الفرج واليسر، نعم إنه حقك، وليس يحرمك إياه أحد، إنها منحة من الله، فاستقبلها بأحضانك، وضمها إلى صدرك، واكتم دموعك إلا ما كان فرحًا، هو حقك المشروع شرعًا وقانونًا، إذًا تمتع واقضِ أحلى الأوقات في أن تجمع مِن حواليك مَن تحب، ومن تريده فعلاً أن يشاركك فرحتك، انثر ورودًا أمام مدخل بيتك إعلانًا عن حفلة بسيطة هي قائمة في الداخل، لكن الأناشيد تجعلها عرسًا، والابتسامة تُدوِّنها إنجازًا، و(النكت) تتخلل لحظات المرح، ويا ليت لو تُحضر بعض الحلوى بيدك؛ لتشعر أن الألم تخطيته بصبرك، والحلو صنعته بتفاؤلك، تعلَّم وعلِّمنا كيف نتقن فن الشقاوة حينما تفتح باب الفرن على الحلوى لتخرجها فتجدها احترقت من شدة نسيانك وانشغالك بالفرح، وقمة الروعة فيك حينما تعيد صنعها من جديد، لكن هذه المرة أنت جالس ترقبها عن قرب؛ حتى لا تحترق، وهذا ما تعودته من الإصرار وقت أزماتك حتى تُحقق مبتغاك، لا تخف، فأنا مطمئنة أنك تجيد صنع الحلوى، بل ماهر في تزيينها بمذاق النكهة الطيبة على اللسان وفي القلب.
 
فقط حذار حينما تقفز أن تكسر بعض لوازم البيت، فالشقاوة تنسيك أن لوازم البيت بأثمان غالية، حذار حينما تنشد أناشيد أن تصيبك بحة، فيسكن صوتك أيامًا لحين تسترجع عافيتك، حذار من أن تغفل عن ترتيب البيت من الفوضى التي ستحدثها حتمًا في انطلاقة منك للتحضير للفرحة والتعبير عن السعادة.
 
ما عساي أقول لك؟ لا تنسَ نصيبي من الحلوى، وهنيئًا لك النجاح، والعقبى لنجاحات أخرى وفي مستوى كبير من المسؤولية، لطفًا اختر لي قطعة كبيرة من الحلوى، ليس لأني أحب الحلويات كثيرًا، ولكن لأني أعرف أن فرص الفرحة هي قليلة في هذا الزمن، ثم إبداعي سيتطلب مني في كل فقرة تذوقًا للحلوى، فاتركني أنا الأخرى أتذوق الحلو من حلوى سأتلمس فيها سهولة في التعاطي مع الحياة، وأنا أتخيل لقطة النجاح، وهي تتحقق حقيقة، كما يذوب الرطب في الفم، سأتسلى بإعادة قراءة هذا المقال
 
الذي هو بين يديك الآن، وما أتمناه أن يعجبك عنوانه.
 
دمت مبدعًا بنجاحاتك وبشقاوتك، ودمت محافظًا على تواضعك بتذكر من مروا بنفس تجاربك، فلا تنسَ أن تشاركهم المواساة والتشجيع، وقدِّم لهم الإحسان حتى لو لم يطلبوا منك ذلك، وتذكر أنك يومًا ما تمنيت دعمًا ولم تجد مَن يقدِّمه لك، دمت كبيرًا بأخلاقك؛ لأكتب المزيد عن شخصك الرائع.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣