الرؤى والأحلام


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جلَّ عن الشبيه وعن المثيل وعن النظير ليس كمثله شيء وهو السميع العليم، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا عباد الله.. اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله لكم، وقد وعدكم بالثواب إن أتيتم بها على نحو ما أراده الله سبحانه وشرع، وقد أمركم بها في مواضع عدة من كتابه حيث قال جلَّ من قائل عليماً: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].

عباد الله.. إن من عجيب خلق الله وصنعه ما يراه النائم في عالم المنام من الرؤى والأحلام، وذلك مما يقف المؤمن أمامه مندهشاً مما يرى في نومه ويتحقق في يقظته بتأويل دقيق وبفراسة أو علم عميق، وكذلك ما يراه حقيقة بعد نومه من دون تأويل أو تفسير لظهور ووضوح رؤياه وعدم حاجتها إلى التأويل، وإن ذلك كله لما يقوي إيمان المؤمن بالوحي الإلهي والإلهام الرباني من الله جل وعلا لأنبيائه ورسله وأوليائه.

اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالرؤى

والرؤيا -يا عباد الله- من الأمور التي كان يهتم بها النبي صلى الله عليه وسلم ويسأل أصحابه بين حين وآخر بقوله: من رأى منكم رؤيا؟ ومن له أدنى اطلاع على تعبير الرؤى والمنامات مما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه فإنه يعرف مدى أهمية الرؤى.

والذي يهم المسلم بالدرجة الأولى في هذا الأمر أن يعلم أن الرؤى حق لا شك فيه، وأنها قد تكون دليلاً على حدوث أمور مستقبلية، خاصة إذا رآها من هو معروف بالاستقامة والصلاح، وعبرها من اشتهر وعرف بالعلم والفراسة، ومن تيقن هذا أدرك كذب وافتراء بعض الذين يدعون أو يسمون النفسانيين في تكذيبهم للرؤيا وعدم المبالاة بها على أي وجه ومن أي صفة وأي إنسان وقعت وكانت.

أيها الأحبة في الله.. الرؤيا الصالحة لا تخلو من بشارة أو نذارة في أمر دين أو أمر دنيا، وقد تكون مبشرة تحث من رآها على لزوم سبيل الاستقامة والثبات على الحق والدعوة إليه، أو تهديه إلى ما فيه خير له في آجله وعاجله.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ [يونس:64] قال أبو الدرداء: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية، فقال: (ما سألني عنها أحد غيرك منذ أنزلت، هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له) وقد تكون الرؤيا نذيراً لمن رآها عن الغفلة عن ربه، والتفريط في جنبه، ومن ثم تحمله وتجره إلى التوبة النصوح، وتبعثه على العمل الصالح، وتحذره مما فيه الشر والخسارة في أمر دينه ودنياه.

وحقيقة الرؤيا تكمن فيما يخلقه الله عز وجل في قلب النائم، فيرى أموراً كما لو كان يراها وهو في حال يقظته، فسبحان الذي يفعل ما يشاء بأفئدة عباده وعقولهم في حال نومهم ويقظتهم!

الفرق بين الرؤيا والحلم

روى البخاري ومسلم رحمهما الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان) وفي هذا دليل على ما ذكر، وهو أن الرؤيا من الله كلها خير، فقد تكون بشيراً بخير فيفرح المؤمن به، أو نذيراً عن شر فيتقيه ويبتعد عنه، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (الحلم من الشيطان) فليس معنى ذلك أن الشيطان يفعل شيئاً، ولكن معناه: أن خلق الرؤيا في قلب الإنسان في تلك الحال قد يكون بحضور شيطان وسروره بها فيما إذا كانت دليلاً على بلاء يحل بمسلم أو شرٍ يقع به.

فالرؤى الصالحة الصادقة هي من الله، وكثيراً ما وقعت لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه من بعده ومن تبعهم من الصالحين إلى يومنا هذا، والغالب منها يقع على وفق ما جاء في المنام، وحسبكم -يا عباد الله- من الرؤيا الصالحة فضلاً وشرفاً أنها من أول ما بُدئ به النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي، فكان لا يرى شيئاً إلا جاء كفلق الصبح، وإنها لمن المبشرات بالخير أو من النذر عن الشر، وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (لم يبق من النبوة إلا المبشرات قيل: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة) وصح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: (رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) ولا يمنع من كون الرؤيا الصالحة جزءاً من النبوة أن يراها الكافر أو الفاسق إذ أنهما تصدق رؤاهم في بعض الأوقات، ولكنها لا تعتبر وحياً ولا تعد من النبوة في ذلك، إذ ليس كل من صدق في حديث بغيب يكون خبره عن ذلك من النبوة.

رؤيا الأنبياء وما في حكمها

واعلموا -يا عباد الله- أن الرؤى لا تكون وحياً يعمل به إلا إذا رآها نبي، ودليل ذلك أن إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لما رأى في المنام أنه يذبح ولده إسماعيل، نفذ الرؤيا وطبقها وعمل بها، ولم يقل: أضغاث أحلام، يرى أنه يذبح فلذة كبده وولده بالشفرة والسكين كما تذبح البهيمة ومع ذلك لم يقل: هذه أضغاث أحلام؟ لأنها رؤيا نبي ورؤى الأنبياء حق، وقد وفّى بها وأراد ذبح ولده فلذة كبده ولكن الله افتداه بكبش سمين.

وتكون الرؤيا وحياً إذا رئُيت على عهد نبي وأقرها وأمر بالعمل بها، ومثال هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم اهتم للصلاة، وكيف يجمع الناس لها، فقيل له: خذ راية عند حضور الصلاة فإذا رأوها أعلم بعضهم بعضاً، فلم يعجبه ذلك وقال: (هو من أمر اليهود. فذكر له الناقوس فقال صلى الله عليه وسلم: هو من أمر النصارى) فانصرف عبد الله بن زيد رضي الله عنه وهو مهتم لهمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأُري الأذان في منامه، قال: طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً في يده، فقلت: يا عبد الله.. أتبيع هذا الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت: بلى. فقال: تقول: الله أكبر الله أكبر... وسرد عليه الأذان إلى آخره إلى أن علمه الأذان، ثم استأخر عنه غير بعيد، ثم قال لـعبد الله بن زيد: تعود إذا قمت إلى الصلاة تقول: الله أكبر الله أكبر، وعلمه الإقامة، فلما أصبح جاء عبد الله بن زيد وقص رؤياه على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال نبينا صلى الله عليه وسلم: (إنها لرؤيا حق إن شاء الله) وفي رواية قال: (قد سبقك بها الوحي، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتاً منك).

وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا اقترب الزمان -أي: قرب قيام الساعة- لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً) ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة.

ما يفعله من رأى ما يكرهه

والرؤيا ثلاثة أنواع: رؤياً صالحة هي بشرى من الله، ورؤيا تحذير من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء به نفسه؛ فإن رأى المسلم ما يكره فليقم وليصل ولا يحدث بها الناس، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان، فإذا حلم أحدكم الحلم الذي يكره فليبصق عن يساره، وليستعذ بالله منه فلن يضره).

وصح عنه صلى الله عليه وسلم -أيضاً-: (إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله وليتحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان، فليستعذ بالله من شرها، ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره).

فمن جملة هذه الأحاديث نعلم معاشر الأحبة أن الرؤيا من الأمور الممكن تحققها ووقوعها خلافاً لمن نفى ذلك وجحده، ومن جملة تلك الأحاديث ينبغي أن ننتبه إلى أمر مهم جداً، وهو أن بعض الناس يتشاءم من بعض الرؤى التي يراها، وقد تضطرب لها حاله وتشغله في مأكله ومشربه ومجلسه، وهذا من الخطأ البين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أرشدنا وبين لنا: إن كانت الرؤيا مما يكره العبد فليستعذ بالله، وليتفل عن يساره، وليقم فليصل فإنها لا تضره، وذلك يدفع شرها عنه بإذن لله وقدره، ومن اعتقد أن الرؤيا تضر بحالها أو تنفع بحالها ممن رآه فيها فقد أشرك مع الله عياذاً بالله من الشرك، إذا أن الذي يقدر القضاء على العباد هو الله، ولا يرفعه عنهم إلا هو سبحانه.

عن أبي سلمة رضي الله عنه قال: كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت أبا قتادة يقول: وأنا كنت لأرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول -وذكر الحديث الذي سقناه آنفاً- (إذا رأى أحدكم ما يكره فليتعوذ بالله من شرها، وليتفل ثلاثاً عن يساره، ولا يحدث بها فإنها لا تضره).

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ [يوسف:4-5].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم، التواب الرحيم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه غفور رحيم.

والرؤيا -يا عباد الله- من الأمور التي كان يهتم بها النبي صلى الله عليه وسلم ويسأل أصحابه بين حين وآخر بقوله: من رأى منكم رؤيا؟ ومن له أدنى اطلاع على تعبير الرؤى والمنامات مما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه فإنه يعرف مدى أهمية الرؤى.

والذي يهم المسلم بالدرجة الأولى في هذا الأمر أن يعلم أن الرؤى حق لا شك فيه، وأنها قد تكون دليلاً على حدوث أمور مستقبلية، خاصة إذا رآها من هو معروف بالاستقامة والصلاح، وعبرها من اشتهر وعرف بالعلم والفراسة، ومن تيقن هذا أدرك كذب وافتراء بعض الذين يدعون أو يسمون النفسانيين في تكذيبهم للرؤيا وعدم المبالاة بها على أي وجه ومن أي صفة وأي إنسان وقعت وكانت.

أيها الأحبة في الله.. الرؤيا الصالحة لا تخلو من بشارة أو نذارة في أمر دين أو أمر دنيا، وقد تكون مبشرة تحث من رآها على لزوم سبيل الاستقامة والثبات على الحق والدعوة إليه، أو تهديه إلى ما فيه خير له في آجله وعاجله.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ [يونس:64] قال أبو الدرداء: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية، فقال: (ما سألني عنها أحد غيرك منذ أنزلت، هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له) وقد تكون الرؤيا نذيراً لمن رآها عن الغفلة عن ربه، والتفريط في جنبه، ومن ثم تحمله وتجره إلى التوبة النصوح، وتبعثه على العمل الصالح، وتحذره مما فيه الشر والخسارة في أمر دينه ودنياه.

وحقيقة الرؤيا تكمن فيما يخلقه الله عز وجل في قلب النائم، فيرى أموراً كما لو كان يراها وهو في حال يقظته، فسبحان الذي يفعل ما يشاء بأفئدة عباده وعقولهم في حال نومهم ويقظتهم!

روى البخاري ومسلم رحمهما الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان) وفي هذا دليل على ما ذكر، وهو أن الرؤيا من الله كلها خير، فقد تكون بشيراً بخير فيفرح المؤمن به، أو نذيراً عن شر فيتقيه ويبتعد عنه، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (الحلم من الشيطان) فليس معنى ذلك أن الشيطان يفعل شيئاً، ولكن معناه: أن خلق الرؤيا في قلب الإنسان في تلك الحال قد يكون بحضور شيطان وسروره بها فيما إذا كانت دليلاً على بلاء يحل بمسلم أو شرٍ يقع به.

فالرؤى الصالحة الصادقة هي من الله، وكثيراً ما وقعت لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه من بعده ومن تبعهم من الصالحين إلى يومنا هذا، والغالب منها يقع على وفق ما جاء في المنام، وحسبكم -يا عباد الله- من الرؤيا الصالحة فضلاً وشرفاً أنها من أول ما بُدئ به النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي، فكان لا يرى شيئاً إلا جاء كفلق الصبح، وإنها لمن المبشرات بالخير أو من النذر عن الشر، وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (لم يبق من النبوة إلا المبشرات قيل: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة) وصح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: (رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) ولا يمنع من كون الرؤيا الصالحة جزءاً من النبوة أن يراها الكافر أو الفاسق إذ أنهما تصدق رؤاهم في بعض الأوقات، ولكنها لا تعتبر وحياً ولا تعد من النبوة في ذلك، إذ ليس كل من صدق في حديث بغيب يكون خبره عن ذلك من النبوة.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة اسٌتمع
أهمية الوقت في حياة المسلم 2802 استماع
حقوق ولاة الأمر 2664 استماع
المعوقون يتكلمون [2] 2652 استماع
توديع العام المنصرم 2647 استماع
فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [1] 2552 استماع
من هنا نبدأ 2495 استماع
أحوال المسلمين في كوسوفا [2] 2461 استماع
أنواع الجلساء 2460 استماع
الغفلة في حياة الناس 2437 استماع
إلى الله المشتكى 2436 استماع