القواعد لابن اللحام [6]


الحلقة مفرغة

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصبحه وسلم تسليماً كثيراً. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

القاعدة الخامسة من قواعد ابن اللحام : (في السكران هل هو مكلف أم لا؟) وهي إحدى القواعد الخمس من عوارض الأهلية, إذ إن العوارض الأهلية هي الجهل والنسيان والإكراه والسكر والإغماء والجنون, هذه عوارض الأهلية.

في قاعدة السكران الذي يظهر -والله تبارك وتعالى أعلم- أن تصرفات السكران لا تخلو من حالتين:

الحالة الأولى: تصرفاته من حيث إتلافه وضمانه, يعني: ما كان داخلاً من باب خطاب الوضع فهذا يضمن؛ لأنه لا علاقة له بالتكليف إذاً وهذه الحالة الأولى بلا إشكال عند العلماء.

الحالة الثانية: تصرفاته قولاً وفعلاً من غير إتلاف وضمان, كبيعه وشرائه وتبرعه وطلاقه ونحو ذلك, فـالحنابلة رحمهم الله ذهبوا إلى أن تصرفات السكران عليه من باب العقوبة, وأنتم تعلمون أن عقوبة السكران في الشرع ثابتة وهي الجلد, ولم يأت في لسان الشارع أن عاقبه بكلامه, فدل ذلك على أن هذه زيادة في العقوبة لم تثبت؛ ولهذا كان أصح القولين عن أحمد -وهي الرواية التي رجع عنها- أن طلاق السكران لا يقع, وأن بيع السكران لا يقع؛ لأنه داخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا طلاق في إغلاق ), وهذا منها, هذا هو الذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم.

وبعضهم يجعل تصرفات السكران فيما كان له لا يقع, وفيما كان عليه يقع, والذي يظهر أن الجميع لا يقع, والله أعلم.

مسألة وقوع طلاق السكران

الملقي: قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ إذا تقرر هذا فحكى صاحب المحرر في أفعاله وأقواله خمس روايات:

أحداها: أنه كالجنون.

والثانية: كالصاحي.

والثالثة: كالمجنون في أقواله وكالصاحي في أفعاله.

والرابعة: في الجدود كالصاحي وفي غيرها كالمجنون.

والخامسة: أنه فيما يستقل به مثل قتله وعتقه وغيرهما كالصاحي، وفيما لا يستقل به مثل بيعه ونكاحه ومعاوضاته كالمجنون حكاها ابن حامد .

واختار طائفة من أصحابنا أنه لا يقع طلاقه منهم أبو بكر و ابن عقيل و أبو محمد و أبو العباس ].

هذه الرواية التي رجحها أكثر محققي المذهب, وهي اختيار أبي بكر غلام الخلال , وكذلك ابن عقيل الحنبلي وكذلك أبي محمد بن قدامة في مغنيه, وكذلك أبي العباس بن تيمية رحمه الله تعالى, وهذا هو الذي ذكرناه في أصح الروايتين عن أحمد ؛ ولهذا قال الميموني في رواية عن أحمد .

ونقل الميموني عن أحمد كنت أقول يقع حتى تبينته فغلب علي أنه لا يقع, ونقل أبو طالب : الذي لا يأمر بالطلاق إنما أتى خصلة واحدة، والذي أمر به أتى بثنتين حرمها عليه وأحلها لغيره ].

تراجع طلاب العلم والعلماء المجتهدين عن اجتهاداتهم إذا تبين لهم أن الصواب في غيرها

الشيخ: انظروا إلى الفقه, الإمام أحمد رحمه الله قال في رواية الميموني: كنت أقول يقع ثم تبينته فغلب علي أنه لا يقع, ثم قال: (الذي لا يأمر بالطلاق), يعني: الذي لا يوقع الطلاق أتى بخصلة واحدة, ومعنى خصلة واحدة أي أنه أحلها للزوج, يعني: فيه إشكال واحد. (والذي أمر به), أي: يوقع الطلاق (أتى بثنتين), يعني: أتى بمحذورين, الأول: حرمها على زوجها الأول, والثاني: أباحها لشخص آخر مع أنها ما زالت زوجة للأول.

وهذا دليل لطالب العلم على أن مسائل الخلاف إذا وردت عليه فينبغي له أن يتأنى ويتروى, ولا يلزم من الأخذ بأحد القولين أن يرد على كل شبهة, هذه القاعدة مهمة لطالب العلم, لا يلزم في الأخذ بأحد القولين أن يرد على كل دليل أو على كل شبهة, فليس ذلك من وظيفة المجتهد, فضلاً عن المفتي.

ولهذا قال ابن القيم رحمه الله في شفاء العليل: وليس من وظيفة المجتهد أن يرد على كل شبهة؛ ولأجل هذا الخلل أخطأ بعض طلاب العلم وبعض الباحثين, حيث إنهم إذا جاءهم أحاديث هم يرونها تخالف قولهم فتجدونهم يتكلفون في الرد على هذه الأحاديث باحتمالات ليست مرادة لله وليست مرادة لرسوله صلى الله عليه وسلم, فيقعون في خطأ أعظم من وقوعهم في اختيار أحد القولين؛ لأنهم إذا اختاروا اجتهدوا فأصابوا فلهم أجران, وإن أخطئوا فلهم أجر.

بيد أنهم يأخذون أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ويفسرونها على غير مراد الله وغير مراد رسوله, وهذا أشد خطورة؛ ولهذا يقول ابن تيمية في المجلد السابع من مجموع فتاواه: وينبغي على المجتهد أن يحمل كلام الله وكلام رسوله على ما أراده الله وأراده رسوله, لا على ما أراده المجتهد، ولهذا تجدون في البحوث أحياناً يقول المشرف للباحث: رجح, فإذا كان في نيته أصلاً قبل أن يبحث اختيار ترجيح قول ابن تيمية, أو ترجيح أحد مشايخنا المعاصرين, إذا جاءه حديث, قال: وأما هذا الحديث فيحتمل كذا ويحتمل كذا، ويحتمل كذا، أحياناً يفترض عقلياً, ثم يدبج ذلك توقيعاً, والحديث إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال أعوذ بالله, وكأنه كلام أي أحد, وهذا لا يجوز, يجب أن نحمل كلام الله وكلام رسوله على ما أراده الله وأراده رسوله، وإذا لم يفقه يسكت؛ ولهذا يعجبني أن أحمد كثيراً ما إذا سأله أحد تلامذته: أرأيت أبا عبد الله كذا؟ يسكت, وأحياناً يقول: في مسألة المرأة إذا شرعت في الحج التطوع من غير إذن زوجها, أو في الحج الفرض من غير إذن زوجها, فقال لها زوجها: إما أن ترجعي وإلا فأنت طالق, قال: ما تقول فيها يا أبا عبد الله ؟ قال: الناس يقولون: تمضي, و عطاء يقول: ترجع, قال: وأنت ماذا ترى؟ قال: شددتم عليها, فقط هذه الكلمة: شددتم عليها, يعني: ما أحب أن يوافق عطاء في كل شيء, ولا أحب أن يخالف الجمهور, شددتم عليها وانتهت المسألة.

ولهذا كنت أناقش أحد القضاة وهو يتكلم عن سعة الأفق, قال: الذي يأخذ بقول الحنابلة ولا ينظر إلى أقوال الفقهاء لا تكون نظرته شاملة, قلت: إذا أخذ مذهب الحنابلة بجميع رواياته وفقهها فهو إمام من الأئمة؛ لأنه لا يكاد يخرج قول من أقوال السلف إلا ولـأحمد فيه رواية, وهذا دليل على تجرد الإمام أحمد, ودليل على أن العالم الكبير مهما بلغ من العلم فقد يرجح شيئاً ويلحظ ملحظاً يراه في زمن ما لا يراه في زمن آخر.

ولهذا تجد أنك ترجح قولاً، وكلما يكبر بك السن, وكلما تختلط بالناس وتعرف حاجاتهم, وتتأمل أمورهم يتبين لك أن ما كنت أخذت به وشددت به في زمن شبابك وفي زمن صباك ليس من الفقه, فترى قولاً آخر، فيظن طلابك أو يظن الناس أن الشيخ تغير والله المستعان, هكذا يقولون, وربما نقلوا بعض روايات الصحابة مما لم تثبت يقيناً، كما يقولون عن حذيفة رضي الله عنه عندما سئل: متى يعلم العالم أنه افتتن؟ قال: إذا قال اليوم بشيء حلال قد كان يقول بالأمس أنه حرام.

هذه الروايات ينبغي أن تؤخذ بطريقتها, وهو أنه يحكم بالحل وهو يعلم أنه حرام, يعني: مثل لو قال في النبيذ: حرام, وواضح أنه حرام, ثم جاءته شبهة أن النبيذ ما كان من خمر العنب دون خمر غيره, فيتشبث بأشياء ليست واضحة, أما وقد أتى كل عالم بدليل لا يجزم أحد أن يقول: هو قول الرسول وقول الله، فهذا لا ينبغي أن يكون طالب علم.

وهذه نقطة أخرى وهي فائدة: أحياناً طلاب العلم, وأحياناً العامة, وأحياناً الجمهور يؤثرون في العالم في اختياراته, في تصرفاته, في تصوراته، في أقواله وأفعاله, وكلما كان نظر الفقيه دقيقاً وملحظه دقيقاً كلما خفت وطأة الجمهور عليه؛ ولهذا عندما أشار الإمام الشوكاني في نيل الأوطار في مثل مسألة استعمال الذهب والفضة في غير الأكل والشرب, ابن القيم في زاد المعاد يقول: إنها محرمة بإجماع العلماء, والمسألة ليس فيها إجماع, وهذا دليل على أن العالم مهما بلغ قد ينسى, والمسألة معروف الخلاف فيها عند الحنابلة وعند الجمهور.

الإمام الشوكاني يجوز ذلك, ثم قال في نيل الأوطار كلمة عندما أراد أن يرجح: وأما وظيفة الفقيه الذي لم يضرب بسياط الجمهور فما عليه إلا أن يقول بالجواز, انظر كلمة بسياط الجمهور, أنا لا أقول: إن الإنسان يتسرع ويأخذ بأقوال, أو يكون ابتدأ الرأي فيها, لكني أقول أيضاً: لا ينبغي له أن يخالف الجمهور إذا ثبت أنه جمهور السلف, فإنني تأملت كثيراً من الأقوال فيظهر لي فيها رأي يخالف قول جمهور السلف, ثم أتأنى وأتئد وأجعل عقلي كأني مقلد لرأي الجمهور, وأحاول أن أبحث دليلاً لهم -وهذا جربته كثيراً- فألحظ أن قول الجمهور أقوى, لكنني أحياناً أؤسر بقول أحد الأئمة المحققين, حينما لحظ في هذه المسألة ملحظاً معين وترك ما سوى ذلك.

وأحياناً أجعل من المسألة كأنها لم تتضح لي بعد, وهذا كثير جداً, ولو كان الوقت يسمح لذكرت أمثلة في هذا، فإننا أحياناً نؤسر بقول ابن تيمية، أو نؤسر بقول بعض العلماء في حين أنك لو تأملت لوجدت أن قول الجمهور قوي, ولعلي أذكر صورة واحدة.

مثلاً: المسح على خف أعلى بعدما أدخلناه بطهارة مسح, فبعض مشايخنا يرى أنك لو لبست خفاً ثم مسحت عليه, تعلق المسح بالخف الأدنى, ثم أدخلت خفاً أعلى وأنت طاهر, قالوا: يجوز لك أن تمسح على الخف الأعلى.

والسؤال: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيحين من حديث المغيرة : ( دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين، ومسح عليهما ), أدخلهما طاهرتين طهارة غسل, فلا يمكن أن نستدل بهذا على هذه المسألة؛ ولهذا ذهب عامة أهل العلم إلى أن المسح على الفوقاني لا يصح إذا كان قد مسح على التحتاني, لكن له أن يلبس الفوقاني ولا يعلق به مسحاً.

ثم إنه يلزم على القول بجواز المسح على الفوقاني بعد أن أدخلها لطهارة أنه لو بقي عليه على مدة المسح خمس ساعات أو ثلاث ساعات وهو طاهر, قلنا له: أدخل الخف الفوقاني ويتعلق به المسح ويكون لك يوم وليلة أخرى.

فإن قالوا: نحن نقول: يمسح على الفوقاني ولا علاقة له بمدة, إنما علاقة المدة بالتحتاني, قلنا: كيف تمسح على الفوقاني وليست له مدة إنما مدته على التحتاني؟ هذا بعيد؛ ولهذا قول عامة أهل العلم أنه لا يصح وهو المذهب عند الحنابلة، وكنا في زمن نفتي به, لكن لو تأملناه كثيراً لوقعنا في إشكال كبير, وهذا من الأمثلة, والأمثلة في هذا الباب كثيرة.

ذكر الخلاف في مسألة طلاق النشوان والسكران

الملقي: [ قال أبو العباس : زعم طائفة من أصحاب مالك و الشافعي و أحمد أن النزاع في وقوع طلاقه إنما هو في النشوان, فأما الذي تم سكره بحيث لا يفهم ما يقول فإنه لا يقع به قولاً واحداً ].

الشيخ: انظر ابن تيمية يقول: (زعم طائفة من أصحاب مالك و الشافعي و أحمد أن النزاع في وقوع طلاقه إنما هو في النشوان), يعني: الذي إلى الآن لم يسكر؛ ولهذا جعله زعماً, ثم قال في مجموع الفتاوى أيضاً: ولهذا كان كثير من محققي مذهب مالك و الشافعي كـأبي الوليد الباجي , و أبي المعالي الجويني يجعلون الشرائع في النشوان, فأما الذي علم أنه لا يدري ما يقول فلا يقع به طلاق بلا ريب.

إذاً: ابن تيمية عندما قال: (وزعم طائفة من أصحاب مالك و الشافعي و أحمد أن النزاع في وقوع طلاقه إنما هو في النشوان), فيقصد من المالكية: أبا الوليد الباجي , ومن الشافعية: أبا المعالي الجويني , وهذا يدل على أن أبا العباس بن تيمية كان كثيراً ما يقرأ كتب غير المذهب, وهذا الذي جعله أكثر سعة في الأفق, وأكثر تحقيقاً في المسائل رحمه الله رحمة واسعة.

بل كان يقول مترجموه: إن أصحاب المذاهب إذا جلسوا استفادوا في مذهبهم أكثر مما يقرءون من كتب أصحابهم, الله أكبر!

الملقي: [ قال: الأئمة الكبار جعلوا النزاع في الجميع ].

الشيخ: هذا الكلام صحيح.

الحد المعين للسكر وضابطه

الملقي: [ تنبيه: حد السكر الذي يمنع ترتب هذه الأحكام على رواية.

قال القاضي وغيره: هو إذا كان يخلط في كلامه وقراءته أو يسقط تمييزه بين الأعيان, ولا يشترط فيه أن يكون بحيث لا يميز بين السماء والأرض, وبين الذكر والأنثى ].

الشيخ: هذا صحيح؛ لأن غالباً السكران يقود السيارة, ويعرف أنه ليل, ويعرف أنه نهار, وربما لم يخرج من البيت إلا في الليل خوفاً من سطوة الجمهور والناس والشرطة, فهو يدرك الليل والنهار, ويعرف أن هذه زوجته وأن هذه ليست زوجته؛ لكنه لا يميز تمييزاً عاقلاً؛ ولهذا لا يلزم أنه لا يعرف الذكر والأنثى, المقصود أنه لا يدرك كلامه، ولا يميز بين الأعيان, ويخلط في كلامه وقراءته.

الملقي: [ وقد أومأ أحمد إلى هذا في رواية حنبل فقال: السكران الذي إذا وضع ثيابه في ثياب غيره لم يعرفها, أو وضع نعله في نعالهم لم يعرفه, وإذا هذي فأكثر كلامه وكان معروفاً بغير ذلك ].

الشيخ: والله يا إخواني إنك تعرف أن الأئمة الكبار يدركون المسائل الواقعية أكثر مما يتصور بعض طلاب العلم, هذا الكلام دليل على أنهم كانوا يميزون ويدركون ويعرفون واقع وحال الناس.

الملقي: [ وضبطه بعضهم بأنه الذي يختل في كلامه المنظوم ويبيح بسره المكتوم, وقال جماعة: ولا تصح عبادته, قال أحمد : ولا تقبل صلاته أربعين يوماً حتى يتوب للخبر, وقاله أبو العباس ].

الشيخ: ما هو الخبر؟

الملقي: الخبر هو ما رواه ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من شرب الخمر ولم يتب لم تقبل منه صلاة أربعين صباحاً, فإن تاب تاب الله عليه, فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحاً, فإن تاب تاب الله عليه, فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه, فإن عاد الرابعة لم يقبل الله منه صلاة أربعين صباحاً، فإن تاب لم يتب الله عليه، وسقاه من نهر الخبال, قيل: يا أبا عبد الرحمن ! وما نهر الخبال؟ قال: نهر من صديد أهل النار ) أخرجه أحمد و الترمذي وحسنه واللفظ له، و النسائي ...

ورواه أيضاً عن عبد الله بن عمر ابن ماجه في سننه, والحاكم في المستدرك، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه, ووافقه الذهبي ورواه أيضاً الدارمي في سننه، وصححه الألباني في صحيح الجامع، وفي حديث آخر من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.

الشيخ: الحديث جاء مرفوعاً عن عبد الله بن عمر وتكلم فيه الترمذي وأشار إلى حسنه, والترمذي إذا قال: حديث حسن فهو إشارة إلى ضعفه, لكنهم قالوا: إنه موقوف على عبد الله بن عمر , و عبد الله بن عمر لا يأخذ من بني إسرائيل والعلم عند الله.

قياس من زال عقله بالبنج بالسكران

الملقي: [ هذا الكلام في السكران, قال في المحرر: فأما من تناول البنج فألحقه بعض أصحابنا بالسكران, وفرق الإمام أحمد بينهما فألحقه بالمجنون, وقال القاضي في الجامع الكبير: إن زال عقله بالبنج نظرت فإن تداوى به فهو معذور, ويكون الحكم فيه كالمجنون, وإن تناوله متلاعباً أو قصد ليزيل عقله ويصير مجنوناً فحكمه حكم السكران ].

الشيخ: لو تأملتم كلام الشافعي عندما قال الإمام أحمد عن الشافعي : وجدت السكران ليس بمرفوع عنه القلم, وقال الشافعي: إن المجنون مرفوع عنه القلم إذا ذهب عقله, وهذا يعني: أن السكران آثم مضروب على السكر غير مرفوع عنه القلم, فكيف يقاس من عليه العقاب بمن له الثواب؟ هكذا قال.

وعلى هذا فصاحب البنج بس عليه عقاب، فلا يقاس على السكران بناء على هذه القاعدة.

الملقي: [ وكذا قال ابن عقيل في الواضح ].

الشيخ: الواضح في أصول الفقه، وقد حقق، وهو من تحقيقات معالي الدكتور عبد الله التركي جزاه الله خيراً.

الإكراه على شرب الخمر

الملقي: [ وهو ظاهر كلام جماعة؛ لأنهم قالوا: ومن تناول ما يزيل عقله لغير حاجة حكمه كالسكران والتداوي حاجته, ومحل الخلاف في السكران عند جمهور أصحابنا إذا كان آثماً في سكره, فأما إن أكره على السكر فحكمه حكم المجنون ].

الشيخ: هذا الصحيح.

الملقي: [ وقال القاضي في الجامع الكبير في كتاب الطلاق: فأما إن أكره على شربها احتمل أن يكون حكمه حكم المختار لما فيه من اللذة ].

الشيخ: احتمل أن يكون حكمه حكم المختار؛ لأنه شعر باللذة التي شعر بها الذي يشرب متعمداً, واحتمل ألا يكون حكمه حكم المختار لسقوط المأثم عنه والحد, والله أعلم.

الملقي: [ قال: وإنما يخرج هذا على الرواية التي تقول: إن الإكراه يؤثر في شربها, فأما إن قلنا: لا يؤثر الإكراه فحكمه حكم المختار ].

الآن القاعدة السادسة لعلها تكون هي آخر قواعد عوارض الأهلية عند المؤلف, ثم ندخل في الكفار هل هم مخاطبون, وهي قواعد إلى العشر تقريباً, ثم نشرع في المسائل الدقيقة التي يستفيد منها طالب العلم, لكن هذه قواعد بلا شك يستفيد منها طالب العلم, وتصورها وذكر بعض الأمثلة يكفي لكن سماع طالب العلم لأقوال وأراء بعض العلماء تنمي عقله وتوسع إدراكه.

لعلنا نقف عند هذا الحد, والله أعلم, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
القواعد لابن اللحام [21] 2467 استماع
القواعد لابن اللحام [3] 2349 استماع
القواعد لابن اللحام [23] 2233 استماع
القواعد لابن اللحام [22] 2224 استماع
القواعد لابن اللحام [8] 2083 استماع
القواعد لابن اللحام [2] 1925 استماع
القواعد لابن اللحام [16] 1923 استماع
القواعد لابن اللحام [9] 1871 استماع
القواعد لابن اللحام [17] 1825 استماع
القواعد لابن اللحام [27] 1795 استماع