الروض المربع - كتاب الجنائز [3]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم ربي أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، وبعد:

فقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويشترط لغسله طهورية ماء وإباحته وإسلام غاسل إلا نائباً عن مسلم نواه وعقله، ولو مميزاً، أو حائضاً، أو جنباً. وإذا أخذ أي: شرع في غسله ستر عورته وجوباً، وهي ما بين سرته وركبته، وجرده ندباً؛ لأنه أمكن في تغسيله، وأبلغ في تطهيره، وغسل صلى الله عليه وسلم في قميص؛ لأن فضلاته طاهرة فلم يخش تنجيس قميصه، وستره عن العيون تحت ستر في خيمة أو بيت إن أمكن؛ لأنه أستر له، ويكره لغير معين في غسله حضوره؛ لأنه ربما كان في الميت ما لا يجب اطلاع أحد عليه، والحاجة غير داعية إلى حضوره بخلاف المعين، ثم يرفع رأسه أي: رأس الميت غير أنثى حامل إلى قرب جلوسه، بحيث يكون كالمحتضن في صدر غيره، ويعصر بطنه برفق؛ ليخرج ما هو مستعد للخروج، ويكون هناك بخور، ويكثر صب الماء حينئذٍ؛ ليدفع ما يخرج بالعصر، ثم يلف الغاسل على يده خرقة فينجيه، أي: يمسح فرجه بها. ولا يحل مس عورة من له سبع سنين بغير حائل كحال الحياة؛ لأن التطهير يمكن بدون ذلك، ويستحب ألا يمس سائره إلا بخرقة؛ لفعل علي مع النبي صلى الله عليه وسلم، فحينئذ يعد الغاسل خرقتين إحداهما للسبيلين والأخرى لبقية بدنه، ثم يوضئه ندباً كوضوئه للصلاة؛ لما روت أم عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غسل ابنته: ( ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ) رواه الجماعة، وكان ينبغي تأخيره عن نية الغسل كما في المنتهى وغيره ].

الشرط الأول: أن يكون الماء طهوراً

ذكر المؤلف رحمه الله ما يشترط لغسله، فذكر أول شرط وهو (طهورية ماء)، وهذا أمر ثابت؛ لأنه لما وجب على المسلمين غسل الميت فلا يحصل الغسل الشرعي إلا بطهارة الماء، إلا أن المؤلف قال: (بطهورية ماء)، فيقصد بالطهورية: الذي هو ليس بطاهر وليس بنجس، وقد قلنا سابقاً: إن الصحيح تقسيم المياه إلى قسمين: طهور ونجس، وأن الطهور يدخل فيه ما ألقي فيه الطاهر الذي لم يغير وصف المائية عنه، كما هو مذهب مالك في قول، ورواية عند الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله.

الشرط الثاني: أن يكون الماء مباحاً

المسألة الثانية: وهي قوله: (وإباحته) وذلك لأن الماء ربما يكون طاهراً أو طهورياً، لكنه يكون مغصوباً، والحنابلة لا يرون رفع الحدث بالماء المغصوب؛ لأنهم يقولون: إن هذا منهي عنه، والنهي يقتضي الفساد، وهو قول عند مالك .

وذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية، ورواية عند الإمام أحمد إلى أن الماء المغصوب يرفع الحدث، وإن كان ذلك محرماً، وذلك لأن هذا النهي ليس عائداً إلى ماهية العبادة، فالممنوع من استعمال الماء المغصوب شامل للوضوء وللأكل وللسقي ولغير ذلك، فلم يكن ذلك مخصوصاً في رفع الحدث، وعلى هذا فهذا هو الراجح، ولهذا فاشتراط ذلك محل نظر؛ لأن معنى الاشتراط: هو ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود، ولا عدم لذاته، والراجح والله أعلم أن ذلك على سبيل الوجوب، لكنه ليس على سبيل الشرطية، فلو تخلف فالطهارة رافعة للحدث ونافعة.

الشرط الثالث: أن يكون الغاسل مسلماً

قال المؤلف رحمه الله: (وإسلام غاسل).

قالوا: يشترط أن يكون الغاسل مسلماً؛ لأن الغسل لا بد فيه من نية، والكافر لا نية له، فالغاسل ينوي عن المغسول عنه؛ لأنه لما كان الميت لا نية له جبر ذلك الغاسل، فينوي عنه، والكافر لا نية له، وهذا هو مذهب الحنابلة، والمالكية، خلافاً للشافعي ، فإن الشافعي يقول: لا يشترط إسلام كافر، فيجوز أن يغسله كافر.

وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن الأصل ألا يغسل الميت إلا مسلم، لكن إذا لم يوجد إلا الكافر فإن الكافر يغسله، ولعل هذا القول وسط بين هذه الأقوال، فإن غسل المسلم الميت مقصود لأمرين:

المقصود الأول: طهارته، يعني: تنظفه بدليل أنك تصنع بالميت بأشياء لا علاقة لها برفع الحدث، وهذا هو الذي يظهر، وعلى هذا فتنظف الميت حاصل في حق الكافر، وفي حق المسلم؛ ولأنه لم يرد دليل بخصوصه.

وغسل المرأة للرجل أولى بالمنع من غسل الكافر للمسلم، وعليه فلو وجد رجل مسلم مع نساء مسلمات، ورجل كافر في سفر فمات المسلم، فإن الكافر هو الذي يقوم بغسله أولى من النساء؛ فربما يكشف عورته أمام النساء، وهذا مشكل، ولو قيل كما هو قول عند الحنابلة: أو يغسله الكافر بحضرة مسلم، فينوي المسلم، فإذا كان هناك نساء وكافر ومات المسلم فإن النساء يكن قريبات من هذا الميت فينوين عن غسله، كما سوف يأتي إن شاء الله.

قال المؤلف رحمه الله: (إلا نائباً عن مسلم نواه).

يعني: كافر قام بغسل مسلم والمسلم الحي حاضر ونوى عن الكافر؛ لأن الكافر لا نية له، فنقول: إذا وجد هذا فالأولى أن تقوم النساء بالنية عن المغسول.

وأما قول المؤلف رحمه الله: (إلا نائباً عن مسلم نواه) الذي يظهر والله أعلم أن ذلك لا يصح، أو لا ينبغي في حال وجود مسلم، كما هو مذهب أبي حنيفة ، وأما في حال العجز فنعم، أما أن يقوم كافر بغسل مسلم بحضرة مسلم ينويه فهذا لا ينبغي، وذلك لأن الأصل أن المسلم هو الذي يغسل المسلم، وعلى هذا فينبغي أن يعتنى في اختيار الغاسلين؛ لأنه يوجد في بعض المغاسل لا أقول في هذه البلاد لكن في بلاد أخرى، يوجد أناس مجوس من الوثنيين الذين لا يعبدون الله سبحانه وتعالى، يقومون بغسل الموتى فينبغي أن يتقى مثل هؤلاء، وألا يختار إلا المسلم.

الشرط الرابع: أن يكون الغاسل عاقلاً

قال المؤلف رحمه الله: (وعقله ولو مميزاً).

يعني: يشترط أن يكون عاقلاً؛ لأن المجنون لا نية له كما سبق معنا، ويقول المؤلف: (ولو مميزاً) لأن المميز له نية، ولهذا ذكر العلماء أن المميز تصح صلاته وتطوعه وصدقته؛ لأن له نية.

غسل الحائض أو الجنب للميت

قال المؤلف رحمه الله: (أو حائضاً أو جنباً).

يعني: أن الحائض لو قامت بغسل امرأة، أو الجنب لو قام بغسل امرأة، أو رجل فإن غسله صحيح، والجنب يطلق على الرجل والمرأة، تقول: رجل جنب وامرأة جنب، فالجنب إذا قام بغسل امرأة فإن الجنب يكون امرأة، وإذا كان جنباً وقام بغسل رجل فالجنب رجل، فهذا لفظ جامد يطلق على الذكر والأنثى، هذا هو الذي يظهر والله أعلم.

واستدل الحنابلة على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة : ( إن المؤمن لا ينجس )، ولما جاء في الصحيحين من حديث عائشة ، وعند مسلم من حديث أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـعائشة : ( إن حيضتك ليست في يدك ).

وذهب بعض أهل العلم وهم المالكية إلى أن الحائض يصح غسلها أما الجنب فلا؛ لأن الجنب يمكن رفع حدثه بنفسه بخلاف الحائض.

والقول الثالث بمنع الحائض والجنب.

والراجح والله أعلم هو جواز ذلك يعني: جواز أن يقوم الجنب بغسل الميت، أو أن تقوم الحائض بغسل الميت؛ لأنه لا دليل على المنع، ولا كراهة في ذلك، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

ذكر المؤلف رحمه الله ما يشترط لغسله، فذكر أول شرط وهو (طهورية ماء)، وهذا أمر ثابت؛ لأنه لما وجب على المسلمين غسل الميت فلا يحصل الغسل الشرعي إلا بطهارة الماء، إلا أن المؤلف قال: (بطهورية ماء)، فيقصد بالطهورية: الذي هو ليس بطاهر وليس بنجس، وقد قلنا سابقاً: إن الصحيح تقسيم المياه إلى قسمين: طهور ونجس، وأن الطهور يدخل فيه ما ألقي فيه الطاهر الذي لم يغير وصف المائية عنه، كما هو مذهب مالك في قول، ورواية عند الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله.

المسألة الثانية: وهي قوله: (وإباحته) وذلك لأن الماء ربما يكون طاهراً أو طهورياً، لكنه يكون مغصوباً، والحنابلة لا يرون رفع الحدث بالماء المغصوب؛ لأنهم يقولون: إن هذا منهي عنه، والنهي يقتضي الفساد، وهو قول عند مالك .

وذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية، ورواية عند الإمام أحمد إلى أن الماء المغصوب يرفع الحدث، وإن كان ذلك محرماً، وذلك لأن هذا النهي ليس عائداً إلى ماهية العبادة، فالممنوع من استعمال الماء المغصوب شامل للوضوء وللأكل وللسقي ولغير ذلك، فلم يكن ذلك مخصوصاً في رفع الحدث، وعلى هذا فهذا هو الراجح، ولهذا فاشتراط ذلك محل نظر؛ لأن معنى الاشتراط: هو ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود، ولا عدم لذاته، والراجح والله أعلم أن ذلك على سبيل الوجوب، لكنه ليس على سبيل الشرطية، فلو تخلف فالطهارة رافعة للحدث ونافعة.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
الروض المربع - كتاب الجنائز [8] 2631 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [78] 2589 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [42] 2547 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [45] 2544 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [34] 2525 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [22] 2453 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [44] 2388 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [20] 2375 استماع
الروض المربع - كتاب الطهارة [8] 2359 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [98] 2357 استماع