كتاب منهج السالكين - كتاب العدد والاستبراء


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته أحبتي في الله!

قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله تعالى: [ كتاب العدد والاستبراء

العدة: تربص من فارقها زوجها بموت أو طلاق، فالمفارقة بالموت إذا مات عنها تعتد على كل حال، فإن كانت حاملاً فعدتها وضعها جميع ما في بطنها؛ لقوله تعالى: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4]، وهذا عام في المفارقة بموت أو حياة، وإن لم تكن حاملاً فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام، ويلزم في هذه العدة أن تحد المرأة وتترك الزينة والطيب والحلي والتحسن بحناء ونحوه, وأن تلزم بيتها الذي مات زوجها وهي فيه، فلا تخرج منه إلا لحاجتها نهاراً؛ لقوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234] الآية ].

يقول المؤلف: (كتاب العدد) والعدة: هي الأيام التي تتربص بها من فارقها زوجها، سواء كان فارقها بموت أو فارقها بطلاق, والعدة هي الأيام كما مر، فالمفارقة بموت -إذا مات عنها زوجها- تعتد على كل حال، ومعنى تعتد على كل حال, أي: إن كانت حاملاً أو حائلاً، يعني: طاهراً، فهي تعتد, إلا أن عدة الحمل تختلف عن عدة غير الحمل, فالمفارقة بموت إن كانت حاملاً فعدتها بوضع الحمل, سواء كان الحمل طويلاً أم قصيراً، فلو أن رجلاً مات عن زوجتين كلاهما حاملتان، كأن كانت: واحدة في الشهر الأول من الحمل, والأخرى في الشهر التاسع، فلما بلغهما وفاة زوجهما التي في الشهر التاسع من شدة المصيبة وضعت الحمل، والأولى تمالكت نفسها, فنحن نقول: إن الأخرى التي عندما أخبرت بوفاة زوجها ووضعت حملها انتهت عدتها, وأما هذه فإن عدتها تستمر ثمانية أشهر أخرى، هذه التي تسمى: عدة الحمل, فلا أثر لطول العدة من قصرها إذا كان في بطنها حمل؛ لقول الله تعالى: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4]، وهذا يفيد على أنه سواء كان الحمل أكثر من أربعة أشهر وعشراً أو كان الحمل أقل من أربعة أشهر وعشراً، فالحكم بالحمل.

أما إذا لم تكن المرأة حاملاً فعدتها أربعة أشهر وعشراً, وسواء كانت هذه ممن تحيض أو ممن لا تحيض, مثل البنت الصغيرة أو المرأة العجوز أو التي تحيض, فعدتها أربعة أشهر وعشراً؛ لقول الله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234].

وإذا قلنا: إنها في العدة, سواء كانت حاملاً أو حائلاً, يعني: طاهراً، وقلنا: وجب عليها العدة, فإنها إذا كانت في العدة يلزمها أمور:

الأمر الأول: أن تحد على زوجها، والإحداد: أن تترك الزينة، وأن تترك الطيب، وأن تترك الحلي، وأن تترك الملابس الجميلة، وأن تترك الحناء, فإن كل ذلك ممنوعة منه المرأة, فالثوب الذي يسمونه الفستان أو ثوب السهرة ممنوعة منه، إذاً ماذا تلبس؟ تلبس الثياب العادية ولو كانت ملونة إذا كان لونها معتاداً, وما يسمونه الجلابية نوعان: جلابية منزل، وجلابية عيد، فجلابية العيد هذه نوع من الزينة, فلا يجوز للمرأة أن تلبسها، وإن كان اسمها جلابية, وأما الجلابية العادية ولو كان لونها أحمر أو أصفر أو أخضر فإنه لا بأس بها؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ولا تلبس ثوبا ًصبيغاً إلا ثوب عصب )، والثوب العصب: يعني الثوب العادي، أو الذي يكون لون ليس لون زينة.

وكذلك لا يجوز لها أن تحني يديها ولا أن تحني رأسها؛ لأن الحناء طيب ،كما جاء عند النسائي و أحمد بن حنبل , ولا يجوز لها أن تلبس الحلي, فتخلع ما بأذنيها من قرامط, وتخلع ما بيدها من أساور, وتخلع ما بأصابعها من ذهب؛ لأن ذلك نوع من الزينة, والمرأة لا يجوز لها أن تتزين إذا مات عنها زوجها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حق المرأة, قال: ( ولا تكتحل ولا تتطيب ولا تلبس ثوباً صبيغاً إلا ثوب عصب ولا تلبس الحلي )، والله أعلم.

الأمر الثاني: يلزمها أن تبقى في بيت زوجها الذي جاءها فيه نعيه, فإذا كانت تسكن في الرياض ومرض زوجها وهو في عمل في جده ومات وهي عنده, فإنها تعتد في جدة, ولّا تذهب إلى الرياض في البيت الذي هو فيه؟ تذهب إلى الرياض في البيت الذي هو فيه, وإذا كان زوجها له بيتان؛ ستة أشهر يسكن في الرياض وستة أشهر يسكن في الطائف مثلاً، فنقول: تعتد في البيت الذي يكون فيه أكثر, وإلا جاز لها أن تسكن في البيت الثاني, وإذا كان له بيوت كثيرة فإنها تسكن في البيت الذي هو مستقره, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم عند النسائي : ( اعتدي في البيت الذي جاءك فيه نعيه ).

الأمر الثالث: إذا بقيت المرأة في بيت زوجها فلا يجوز لها أن تخرج إلا لحاجة, ومن الحاجة أنها تزور مريضاً في النهار, إذا كانت موظفة كمدرسة مثلاً وهي مضطرة إلى العمل, فلا بأس أن تذهب نهاراً إلى العمل. وإذا كانت مريضة تذهب إلى الطبيب لا حرج في ذلك, وإذا احتاجت أن تروح عن نفسها لتزور أمها أو تزور أباها في النهار فلا حرج في ذلك, لكنها لا تبقى معهم في الليل تبيت عندهم؛ بل تبيت في البيت الذي فيها نعيه. ولا يجوز للأولياء أن يخرجوها من البيت بدعوى أن هذا مال الوارث, بل يجب أن يبقوها أربعة أشهر وعشراً.

وإذا كان الزوج الذي مات عنده شقة, فإنها تبقى في الشقة التي فيها نعيه, فإن انتهت مدة الإيجار يقول العلماء: يطلب من صاحب الأجرة أن يمدد بمقدار ذلك, فإن أبى صاحب الأجرة بعدم التجديد فإنها تعتد في أي مكان شاءت, أما إن كان ذلك من قبل الأولياء فلا يجوز لهم ذلك, فإن رضي صاحب الأجرة أن يمدد فيجب على الأولياء إن كان الميت عنده مال أن يأخذوا من ماله ويزيدوا في الأجرة لأجل بقائها في الشقة الذي جاء فيها نعي زوجها.

ومما يدل على أنه لا بأس أن تخرج للحاجة قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث جابر : ( أن امرأةً طلقها زوجها وأرادت أن تخرج فأبى وليها, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بلى فاخرجي فجدي نخلك، عسى أن تعملي خيراً أو تصنعي معروفاً )، ومن المعلوم أن المرأة المدرسة إذا كانت تدرس فإنها تصنع معروفاً, وإن كان ذلك نفع لها والله أعلم.

ثم شرع المؤلف في المفارقة في حال الحياة فقال رحمه الله تعالى: [ وأما المفارقة في حال الحياة فإذا طلقها قبل أن يدخل بها فلا عدة له عليها؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [الأحزاب:49] ].

يعني أن الرجل إذا تزوج المرأة وعقد عليها، لكنه لم يدخل بها ولم يخل بها, ثم صارت بينهم مكالمات, هي الآن زوجته، لكنه لم يدخل بها، ثم طلقها بعد ذلك؛ فإنها حينئذ ليس عليها عدة, فإن لها أن تتزوج من غد؛ لأنه لم يدخل بها، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [الأحزاب:49].

وإن كان قد دخل بها -والدخول: هو الوطء- أو خلا بها خلوةً يمكن معها الاستمتاع كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما عند سعيد بن منصور و البيهقي : ( إذا أرخيت الستور وجيف الباب فقد وجب المهر )، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وإن كان قد دخل بها أو خلا بها فإن المؤلف فصل في ذلك بين من كانت حاملاً أو لم تكن حاملاً، فقال: فإن كانت حاملاً فعدتها وضع حملها, يعني: إن تزوجها ودخل بها وحملت ثم طلقها وقت الحمل فما هي عدتها؟ هل هي ثلاثة قروء؟ لا، عدتها وضع الحمل, طالت المدة أم قصرت, وإن لم تكن حاملاً، يعني: التي نحن نسميها حائلاً, فإن كانت تحيض فعدتها ثلاث حيض كاملة كما قال تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]، وإن لم تكن تحيض إما لصغر أو كبر كالآيسة فعدتها ثلاثة أشهر؛ لقوله تعالى: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق:4]، يعني: اللائي لم يحضن من الصغيرات، والتي يئست يعني: أنه انقطع حيضها لكبر.

عدة من رفع عنها الحيض بسبب الرضاع

ثم بين المؤلف بعض النساء التي تختلف عدتها وعادتها فقال رحمه الله تعالى: [فإن كانت تحيض وارتفع حيضها لرضاع ونحوه انتظرت حتى يعود الحيض فتعتد به].

يعني: من المعلوم أن المرأة إذا بدأت ترضع ولدها ارتفع حيضها, فإن ولدت وانتهى نفاسها وهي ترضع طلقها زوجها, فهل عليها عدة وهي لا تحيض؟

لها عدة، قال العلماء: ارتفاع حيضها هنا يعلم سببه, وهو الرضاع، فإن ارتفع حيضها وتعلم سببه فإنها تنتظر حتى يعود الحيض فتعتد به, فلو كانت ترضع حولين ويرتفع حيضها حولين -كبعض النساء- فطلقها في أول الحول، فحينئذ تجلس سنتين وقت الرضاع إن كانت لا تحيض, فإن جاء الحيض تعتد بثلاثة قروء, فإن كانت تريد أن تنهي عدتها فعليها أن تنتهي من الرضاع كي يأتيها الحيض، والله أعلم.

ومثل ذلك ممن ارتفع حيضها وتعلم السبب المرأة التي تأخذ الإبر لترفع حيضها ثلاثة أشهر أو ستة أشهر أو سنة؛ فإنه إذا ضربت إبرة لستة أشهر ثم دخل بها زوجها في الشهر الأول ثم طلقها فإنها تنتظر إلى أن يأتيها الدم؛ لأنها تعلم السبب الذي رفع حيضها، والله أعلم.

عدة من رفع عنها الحيض ولا تدري ما رفعه

ثم قال رحمه الله: [وإن ارتفع ولا تدري ما رفعه انتظرت تسعة أشهر؛ احتياطاً للحمل, ثم اعتدت لثلاثة أشهر، وإذا ارتابت بعد انقضاء العدة؛ لظهور أمارات الحمل لم تتزوج حتى تزول الريبة].

يقول المؤلف: (وإن ارتفع ولا تدري ما رفعه) أي: لا تدري ما هو السبب، (انتظرت تسعة أشهر؛ احتياطاً للحمل)، فيمكن أن تكون حاملاً وهي لا تدري, ثم اعتدت بثلاثة أشهر ثانية, هذا قول عامة أهل العلم، وهو أحوط, وفي المسألة قول لكن الأقرب هذا, وبعضهم حكى الإجماع.

(وإن ارتابت بعد انقضاء العدة)، يعني: الشهر الأول جاءتها الدورة لكن الدم يتقطع، ثم الثاني والثالث، وهي شاكة تخشى أن يكون حملاً، يقول المؤلف: (وإن ارتابت بعد انقضاء العدة)، التي بعد ثلاثة قروء (لظهور أمارات الحمل) مثل نوع من التقيؤ، نوع من الوحم وغير ذلك؛ فإنها لا تتزوج حتى تزول الريبة, خوفاً أن يكون الدم الذي كان يأتيها ليس دم حيض والله أعلم.

عدة امرأة المفقود

ثم شرع المؤلف في مسألة امرأة المفقود فقال رحمه الله تعالى: [وامرأة المفقود تنتظر حتى يحكم بموته بحسب اجتهاد الحاكم ثم تعتد].

هذا كلام قوي، المؤلف يقول: (امرأة المفقود تنتظر حتى يحكم بموته بحسب اجتهاد الحاكم)؛ لأنه لم يقل: أربع سنين كما في قول، بل قال: باجتهاد الحاكم، تعرفون العبارة التي قطعت ما بين ضبا إلى مصر وصار فيها غرق، بعض الناس لا يعلم، لو أخذنا بقول أربعة أشهر، فهل يمكن أن يمكث إنسان في البحر أربعة أشهر، أو أربع سنين؟ لا، فقطعاً سيموت, فيجوز للحاكم أن يقضي بأن الرجل قد مات ولو بعد أربعة أشهر، على حسب ما يراه الحاكم والقاضي والله أعلم؛ فإن حكم القاضي بأنها انتهت عدتها فإنها تعتد على ما مضى, فإن كانت تحيض فبثلاثة قروء, وإن كانت لا تحيض -مثل: الآيسة- فبثلاثة أشهر, وإن كانت قد ارتفع حيضها وتعلم فتنتظر حتى يرجع, وإن كانت لا تعلم فتعتد بثلاثة شهور وتسعة شهور كما مر. والله أعلم.

ثم بين المؤلف بعض النساء التي تختلف عدتها وعادتها فقال رحمه الله تعالى: [فإن كانت تحيض وارتفع حيضها لرضاع ونحوه انتظرت حتى يعود الحيض فتعتد به].

يعني: من المعلوم أن المرأة إذا بدأت ترضع ولدها ارتفع حيضها, فإن ولدت وانتهى نفاسها وهي ترضع طلقها زوجها, فهل عليها عدة وهي لا تحيض؟

لها عدة، قال العلماء: ارتفاع حيضها هنا يعلم سببه, وهو الرضاع، فإن ارتفع حيضها وتعلم سببه فإنها تنتظر حتى يعود الحيض فتعتد به, فلو كانت ترضع حولين ويرتفع حيضها حولين -كبعض النساء- فطلقها في أول الحول، فحينئذ تجلس سنتين وقت الرضاع إن كانت لا تحيض, فإن جاء الحيض تعتد بثلاثة قروء, فإن كانت تريد أن تنهي عدتها فعليها أن تنتهي من الرضاع كي يأتيها الحيض، والله أعلم.

ومثل ذلك ممن ارتفع حيضها وتعلم السبب المرأة التي تأخذ الإبر لترفع حيضها ثلاثة أشهر أو ستة أشهر أو سنة؛ فإنه إذا ضربت إبرة لستة أشهر ثم دخل بها زوجها في الشهر الأول ثم طلقها فإنها تنتظر إلى أن يأتيها الدم؛ لأنها تعلم السبب الذي رفع حيضها، والله أعلم.

ثم قال رحمه الله: [وإن ارتفع ولا تدري ما رفعه انتظرت تسعة أشهر؛ احتياطاً للحمل, ثم اعتدت لثلاثة أشهر، وإذا ارتابت بعد انقضاء العدة؛ لظهور أمارات الحمل لم تتزوج حتى تزول الريبة].

يقول المؤلف: (وإن ارتفع ولا تدري ما رفعه) أي: لا تدري ما هو السبب، (انتظرت تسعة أشهر؛ احتياطاً للحمل)، فيمكن أن تكون حاملاً وهي لا تدري, ثم اعتدت بثلاثة أشهر ثانية, هذا قول عامة أهل العلم، وهو أحوط, وفي المسألة قول لكن الأقرب هذا, وبعضهم حكى الإجماع.

(وإن ارتابت بعد انقضاء العدة)، يعني: الشهر الأول جاءتها الدورة لكن الدم يتقطع، ثم الثاني والثالث، وهي شاكة تخشى أن يكون حملاً، يقول المؤلف: (وإن ارتابت بعد انقضاء العدة)، التي بعد ثلاثة قروء (لظهور أمارات الحمل) مثل نوع من التقيؤ، نوع من الوحم وغير ذلك؛ فإنها لا تتزوج حتى تزول الريبة, خوفاً أن يكون الدم الذي كان يأتيها ليس دم حيض والله أعلم.

ثم شرع المؤلف في مسألة امرأة المفقود فقال رحمه الله تعالى: [وامرأة المفقود تنتظر حتى يحكم بموته بحسب اجتهاد الحاكم ثم تعتد].

هذا كلام قوي، المؤلف يقول: (امرأة المفقود تنتظر حتى يحكم بموته بحسب اجتهاد الحاكم)؛ لأنه لم يقل: أربع سنين كما في قول، بل قال: باجتهاد الحاكم، تعرفون العبارة التي قطعت ما بين ضبا إلى مصر وصار فيها غرق، بعض الناس لا يعلم، لو أخذنا بقول أربعة أشهر، فهل يمكن أن يمكث إنسان في البحر أربعة أشهر، أو أربع سنين؟ لا، فقطعاً سيموت, فيجوز للحاكم أن يقضي بأن الرجل قد مات ولو بعد أربعة أشهر، على حسب ما يراه الحاكم والقاضي والله أعلم؛ فإن حكم القاضي بأنها انتهت عدتها فإنها تعتد على ما مضى, فإن كانت تحيض فبثلاثة قروء, وإن كانت لا تحيض -مثل: الآيسة- فبثلاثة أشهر, وإن كانت قد ارتفع حيضها وتعلم فتنتظر حتى يرجع, وإن كانت لا تعلم فتعتد بثلاثة شهور وتسعة شهور كما مر. والله أعلم.

قال رحمه الله تعالى: [ولا تجب النفقة إلا للمعتدة الرجعية، أو لمن فارقها زوجها في الحياة وهي حامل؛ لقوله تعالى: وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:6]].

يعني أن الرجل لا تجب عليه النفقة على زوجته المطلقة، إلا إذا كانت رجعية؛ لأن الرجعية زوجة كما مر معنا, (أو لمن فارقها زوجها في الحياة وهي حامل) يعني: طلقها آخر ثلاث تطليقات، كأن قال: أنت طالق ثم طالق وكانت حاملاً فطلقها الثالثة فتعتد بوضع الحمل، فيجب عليه أن ينفق عليها لأجل الحمل الذي هو يجب عليه نفقته، كما قال تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ثم قال: لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233].




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [11] 2192 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [12] 2045 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب الصداق [2] 2034 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب الأطعمة 1991 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [4] 1746 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [6] 1713 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب الجنايات والحدود 1671 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [7] 1614 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [9] 1607 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب الطلاق 1544 استماع