كتاب منهج السالكين - كتاب النكاح


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فعلماء المذاهب -رحمة الله تعالى عليهم- اعتادوا بعد بيان تأليفهم لمسائل كل مذهب أن صنفوا رءوس المسائل، والمقصود برءوس المسائل: هي المسائل التي يكثر السؤال عنها، والتي تتداول عن طريق الأئمة والعامة، وألف كل صاحب مذهب رءوس المسائل ورأي المذهب فيها، فألف الإمام الزمخشري رءوس المسائل على المذهب الحنفي، وألف الإمام العكبري الحنبلي رءوس المسائل، وألف الإمام عبد الوهاب المالكي : الإشراف في مسائل الخلاف على المذهب المالكي، فالحنفية ألفوا، وكذا الشافعية وكذا المالكية وكذا الحنابلة.

ثم تتابع الناس يذكرون المسائل المهمة في كل زمان ومكان، ولعل هذا الكتاب الذي بين أيدينا -وهو كتاب منهج السالكين للإمام الشيخ/ عبد الرحمن بن ناصر السعدي- على هذا المنوال، فقصد بهذا التأليف أن يذكر لطالب العلم أهم مسائل الباب، وهذه طريقة لو أن طالب العلم تفقه عليها وتأملها جيداً لسهل عليه الفقه والحديث.

وأنتم ترون أن بلوغ المرام ألفه الحافظ ابن حجر على أهم أصول الأحاديث التي تتداول، ولربما حفظ طالب العلم بلوغ المرام بإسناده فظن الناس أنه يحفظ الكتب الستة؛ لأن هذه عليها مدار الأسانيد، فكذلك لو أنه ضبط رءوس المسائل على أصول مذهب معين، ثم بعد ذلك قرأ أدلة أقوال المذاهب الأخرى لسهل عليه الفقه، وألان الله له الفقه كما ألان الحديد لداود عليه السلام.

وأنتم يا رعاكم ربي! هذه الدورة المقصود بها بيان دليل المؤلف لما ذهب إليه، ومقصد التشريع أو التأليف في هذا الباب، وليس مقصودنا أن نطيل، وقد جاءتني رسالة يطلب بعضهم عدم الإطالة.

يقول المؤلف الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى في كتابه: منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين: [كتاب النكاح

وهو من سنن المرسلين، وفي الحديث: ( يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: ( تنكح المرأة لأربع: لمالها وحسبها وجمالها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يمينك ) متفق عليه.

وينبغي أن يتخير ذات الدين والحسب الودود الولود الحسيبة. وإذا وقع في قلبه خطبة امرأة فله أن ينظر منها ما يدعوه إلى نكاحها. ولا يحل للرجل أن يخطب على خطبة أخيه المسلم حتى يأذن أو يترك، ولا يجوز التصريح بخطبة المعتدة مطلقاً].

تعريف النكاح

يقول المؤلف: ( كتاب النكاح ) والنكاح يطلق في اللغة والاصطلاح في الغالب على حقيقة العقد، ولا يطلق على الوطء، وكذلك في القرآن قيل: إلا في آية واحدة، وهي قوله تعالى: حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، يعني: حتى تطأ، والراجح والله أعلم أن تفسير: حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، أنه داخل أيضاً في ضمن حقيقة العقد، ولكن الذي فسر مراد العقد هنا بالوطء هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ( حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك )، وعلى هذا فالأقرب أن النكاح يطلق على حقيقة العقد، كما هو قول أكثر أهل العلم، ولا يطلق على الوطء إلا مجازاً كما أشار إلى ذلك غير واحد من أهل العلم.

مشروعية النكاح

يقول المؤلف: (وهو من سنن المرسلين)، ومن المعلوم أن النكاح ثابت في الشرع بالكتاب والسنة وإجماع سلف هذه الأمة.

فأما الكتاب فقد قال الله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً [الرعد:38]، ومن المعلوم أن الأتباع إنما يقتدون بالمرسلين.

ومن السنة: قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أنس الطويل قال: ( لقد بلغني أن رجالاً يقول أحدهم: أما أنا فلا أتزوج النساء، ويقول الآخر: أما أنا فلا آكل اللحم، فقال صلى الله عليه وسلم: أما أنا فأتزوج النساء وآكل اللحم وأنام، فمن رغب عن سنتي فليس مني )، فهذا يدل على أن الزواج من سنن المرسلين.

وقد قال صلى الله عليه وسلم كما عند الإمام أحمد وغيره: ( حبب إلي من دنياكم النساء والطيب )، فمن المعلوم أن الزهد في مثل هذا إن كان عن عدم تشوف فهذا جائز، وإن كان عن دعوى الزهد والعبادة والتقشف فهذا محرم؛ لأنه رغب عن شيء يحبه النبي صلى الله عليه وسلم.

يقول المؤلف: (وفي الحديث: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ) ) هذا الحديث رواه البخاري و مسلم من حديث ابن مسعود ، وله قصة: حيث إن عثمان رضي الله عنه لقي ابن مسعود وهو في المسعى، فرآه شيخاً كبيراً فقال: يا أبا عبد الرحمن -يريد أن يتلطف معه- ألا نزوجك جارية شابة لعلها تذكرك بعض ما مضى من زمانك، فضحك ابن مسعود وقال: أما وذاك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا ونحن شباب: ( يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (من استطاع منكم الباءة) الباءة تطلق على معنيين: المعنى الأول: القدرة المالية، فمن كان منكم قادراً بماله فليتزوج، هذا معنى الحديث.

والمعنى الثاني: قالوا: إن الباءة القدرة على إتيان النساء، وذهب الشافعية إلى أن المعنى لهذا الحديث هو المعنى الثاني، والذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم أن معنى الحديث: هو من استطاع منكم القدرة المالية وكذا القدرة البدنية فليتزوج؛ لأنه لو كان شخصاً قادراً بماله لكنه لا يستطيع أن يعف المرأة فإنه غير مخاطب، ويجب عليه أن يبين للمرأة ذلك وإلا لصار عيباً، فدل ذلك على أن مقصود الحديث هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد الباءة بمعنييها، والقاعدة عند علماء اللغة: أن اللفظ المشترك الذي يحتمل معنيين إذا أمكن حمل المعنيين عليه فإنه يصار إليه، وهو مذهب جمهور أهل الأصول من المالكية والشافعية والحنابلة، إلا إذا كان لا يمكن حمل المعنيين جميعاً في آن واحد مثل القرء، فالقرء لا يمكن حمله على الحيض ولا على الطهر في آن واحد، أما إذا أمكن حمله على جميع معانيه فإنه يصدق، ولعل هذا الحديث منها، من كان منكم قادراً على إتيان النساء ببدنه ومن كان قادراً بماله فليتزوج، (فإن لم يستطع) بمعنى لم يستطع بأحد المعنيين، (فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء).

وقوله: ( فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج )، هذا دليل على أنه يمكن أن تؤدى العبادة لمعنى دنيوي إذا لم يتمحض فيها، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالصوم لأجل عدم القدرة على إتيان النساء بالمال، فلأجل غض البصر وأن يخفف عليه أمر الشهوة أمر بالصيام، فهذا أمر دنيوي ولكنه صام لله وليعف دينه، فدل ذلك على أن من ذهب إلى أمر ديني وقصد منه أمر دنيوي فلا حرج، لما جاء في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله فليصل رحمه )، فإن وصل المرء رحمه من باب أنه ينسأ له في أجله فلا حرج، والكلام في هذا يطول. ‏

يقول المؤلف: ( كتاب النكاح ) والنكاح يطلق في اللغة والاصطلاح في الغالب على حقيقة العقد، ولا يطلق على الوطء، وكذلك في القرآن قيل: إلا في آية واحدة، وهي قوله تعالى: حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، يعني: حتى تطأ، والراجح والله أعلم أن تفسير: حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، أنه داخل أيضاً في ضمن حقيقة العقد، ولكن الذي فسر مراد العقد هنا بالوطء هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ( حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك )، وعلى هذا فالأقرب أن النكاح يطلق على حقيقة العقد، كما هو قول أكثر أهل العلم، ولا يطلق على الوطء إلا مجازاً كما أشار إلى ذلك غير واحد من أهل العلم.

يقول المؤلف: (وهو من سنن المرسلين)، ومن المعلوم أن النكاح ثابت في الشرع بالكتاب والسنة وإجماع سلف هذه الأمة.

فأما الكتاب فقد قال الله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً [الرعد:38]، ومن المعلوم أن الأتباع إنما يقتدون بالمرسلين.

ومن السنة: قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أنس الطويل قال: ( لقد بلغني أن رجالاً يقول أحدهم: أما أنا فلا أتزوج النساء، ويقول الآخر: أما أنا فلا آكل اللحم، فقال صلى الله عليه وسلم: أما أنا فأتزوج النساء وآكل اللحم وأنام، فمن رغب عن سنتي فليس مني )، فهذا يدل على أن الزواج من سنن المرسلين.

وقد قال صلى الله عليه وسلم كما عند الإمام أحمد وغيره: ( حبب إلي من دنياكم النساء والطيب )، فمن المعلوم أن الزهد في مثل هذا إن كان عن عدم تشوف فهذا جائز، وإن كان عن دعوى الزهد والعبادة والتقشف فهذا محرم؛ لأنه رغب عن شيء يحبه النبي صلى الله عليه وسلم.

يقول المؤلف: (وفي الحديث: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ) ) هذا الحديث رواه البخاري و مسلم من حديث ابن مسعود ، وله قصة: حيث إن عثمان رضي الله عنه لقي ابن مسعود وهو في المسعى، فرآه شيخاً كبيراً فقال: يا أبا عبد الرحمن -يريد أن يتلطف معه- ألا نزوجك جارية شابة لعلها تذكرك بعض ما مضى من زمانك، فضحك ابن مسعود وقال: أما وذاك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا ونحن شباب: ( يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (من استطاع منكم الباءة) الباءة تطلق على معنيين: المعنى الأول: القدرة المالية، فمن كان منكم قادراً بماله فليتزوج، هذا معنى الحديث.

والمعنى الثاني: قالوا: إن الباءة القدرة على إتيان النساء، وذهب الشافعية إلى أن المعنى لهذا الحديث هو المعنى الثاني، والذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم أن معنى الحديث: هو من استطاع منكم القدرة المالية وكذا القدرة البدنية فليتزوج؛ لأنه لو كان شخصاً قادراً بماله لكنه لا يستطيع أن يعف المرأة فإنه غير مخاطب، ويجب عليه أن يبين للمرأة ذلك وإلا لصار عيباً، فدل ذلك على أن مقصود الحديث هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد الباءة بمعنييها، والقاعدة عند علماء اللغة: أن اللفظ المشترك الذي يحتمل معنيين إذا أمكن حمل المعنيين عليه فإنه يصار إليه، وهو مذهب جمهور أهل الأصول من المالكية والشافعية والحنابلة، إلا إذا كان لا يمكن حمل المعنيين جميعاً في آن واحد مثل القرء، فالقرء لا يمكن حمله على الحيض ولا على الطهر في آن واحد، أما إذا أمكن حمله على جميع معانيه فإنه يصدق، ولعل هذا الحديث منها، من كان منكم قادراً على إتيان النساء ببدنه ومن كان قادراً بماله فليتزوج، (فإن لم يستطع) بمعنى لم يستطع بأحد المعنيين، (فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء).

وقوله: ( فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج )، هذا دليل على أنه يمكن أن تؤدى العبادة لمعنى دنيوي إذا لم يتمحض فيها، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالصوم لأجل عدم القدرة على إتيان النساء بالمال، فلأجل غض البصر وأن يخفف عليه أمر الشهوة أمر بالصيام، فهذا أمر دنيوي ولكنه صام لله وليعف دينه، فدل ذلك على أن من ذهب إلى أمر ديني وقصد منه أمر دنيوي فلا حرج، لما جاء في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله فليصل رحمه )، فإن وصل المرء رحمه من باب أنه ينسأ له في أجله فلا حرج، والكلام في هذا يطول. ‏

يقول المؤلف: ( وقال صلى الله عليه وسلم: ( تنكح المرأة لأربع، لمالها ولحسبها وجمالها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك ) ) الحديث رواه البخاري و مسلم ، وقد بين لك أن المرأة ترغب لأمور أربعة: إما لأجل مالها، وإما لأجل جمالها، وإما لأجل شرفها وحسبها، وإما لأجل دينها، هكذا أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يحصر أو أن يبين غالب ما يحمل الرجال على الزواج بالنساء، ثم قال بعد ذلك: ( فاظفر بذات الدين تربت يداك )، فكأنه أراد أن يبين أن الأولى أن يرغب الإنسان المرأة لدينها، كما قال صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم من حديث ابن عمر : ( الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة ).

قال المؤلف: ( وينبغي أن يتخير ذات الدين)؛ لحديث ( فاظفر بذات الدين تربت يداك ).

قال: (والحسب الودود الولود الحسيبة ) لأن المرأة إذا كانت عقيماً لا ينبغي الزواج منها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جاء في بعض رواياته كما عند أهل السنن أنه منع رجلاً أن يتزوج امرأة كانت عقيمة، فقال: ( يا رسول الله! إني خطبت امرأة وهي عقيم، فقال: دعها، ثم جاءه في اليوم الثاني فقال: دعها، ثم قال: تزوجوا الولود الودود؛ فإني مكاثر بكم الأمم )، وهذا الحديث يرويه أبو داود , وصححه بعض المتأخرين والحديث فيه كلام، وهو إلى التحسين أقرب، فهذا يدل على أن تكثير النسل مطلب شرعي؛ ولأجل هذا صار جمهور الفقهاء يرون أن التعدد أفضل؛ لأن به إكثار أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

النظر إلى المخطوبة

يقول المؤلف: (وإذا وقع في قلبه خطبة امرأة فله أن ينظر منها ما يدعوه الى نكاحها).

والمقصود بقوله: (وقع) هو أن يتخير أنه سوف يتزوج من فلانة، أما أنه يريد الزواج ويأخذ ألبوم الخطابات ويقلبه فهذا لا يجوز؛ لأنه لا يدري هل هذه المرأة التي يريدها أم لا، فإذا وقع في قلبه أنه يريد أن يخطب بنت فلان بن فلان، وهو راغب فيها في الجملة وأراد أن ينظر إليها فلا حرج أن ينظر إليها، إما وهي عالمة بأن يذهب إلى أبيها وتأتي إليه، أو تكون غير عالمة، لما جاء في الصحيح: أن جابر رضي الله عنه قال: ( فكنت أختبأ فأنظر إليها ) فهذا يدل على أنه لا بأس أن ينظر الرجل إلى مخطوبته سواء كانت عالمة أو غير عالمة، ومثل ذلك: ما يفعله بعض الإخوة إذا كان بعض الآباء كبير السن وهو لا يريد أن ينظر أحد إلى ابنته، فيقول الأخ الكبير لهذا الخاطب: تعال في بيتي وأنا سوف أحضر أختي وانظر إليها وهي لا ترى ولا تعلم، فهذا أيضاً لا بأس به ويفعله بعض الناس، ومثل ذلك أيضاً: أنه يدعو أخته إلى باحة المنزل والخاطب في المجلس فينظر إليها، كل ذلك لا حرج فيه إذا كانت البنت لا تريد أن ينظر إليها الخاطب؛ لأن هذا تطبيق لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولقوله صلى الله عليه وسلم كما عند أهل السنن من حديث المغيرة : ( انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ) .

الأشياء التي ينظر إليها الخاطب من مخطوبته

يقول المؤلف: (فله أن ينظر منها ما يدعوه الى نكاحها).

ما هو الشيء الذي ينظر إليه فيدعوه إلى نكاحها؟

الظاهر والله أعلم -وهو الذي عليه الجمهور وهو مذهب الحنابلة- أن الذي يظهر غالباً هو الرأس والرقبة والوجه واليدان إلى العضدين وأول الساقين، هذا الذي يظهر من المرأة غالباً في بيتها، فإذا أراد الرجل أن يخطب المرأة فلا حرج في ذلك، أما أن تأتي المرأة إلى الخاطب متبرجة وقد لبست لباساً فاضحاً عارياً فهذا لا يجوز؛ لأنها ما زالت أجنبية عنه، وليعلم أن المرأة إذا جاءت إلى الخاطب فإنه لا ينبغي لها أن تتجمل تجملاً يخبئ بعض عواري جسدها أو وجهها، بل تتجمل تجمل العادة كما قالت سبيعة الأسلمية : ( فلما وضعت وتجملت للخطاب دخل علي أبو السنابل بن بعكك، فقال: لعلك تريدين النكاح؟ والله ما أنت بناكح حتى يمر عليك أربعة أشهر وعشراً )، فهذا يدل على أن المرأة إذا جاءت للزوج فالخاطب ما زال أجنبياً عنها، فينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها، إلا إذا كان في بعض ما لا يظهر غالباً عيب، فحينئذ لا بأس أن ينظر، فلو كانت للمرأة شامة سوداء في فخذها أو في رجلها فأخبروه فقال: لا بد أن أرى، فلا حرج أن يرى حينئذ شريطة أن يتقي الله في ذلك الأمر، وأن يكون في الغالب قد أرادها، فحينئذ لا حرج في ذلك، وإلا فلا.

خطبة الرجل على خطبة أخيه

يقول المؤلف: (ولا يحل للرجل أن يخطب على خطبة أخيه المسلم حتى يأذن أو يترك) إذا خطب الخاطب ابنة قوم فإنه على حالين:

الحال الأول: أنهم يسألون عن حاله، وهو لم يعطوه كلمة كما يقولون، فإن بعض أهل العلم قال: يجوز للخاطب الآخر أن يخطب، لأنهم لم يعطوا الأول موافقة، والذي يظهر والله أعلم: أن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ولا يخطب أحدكم على خطبة أخيه ) واضح، فإذا عرض الخاطب الخطبة فإنه لا يجوز للخاطب الآخر أن يتقدم إذا علم أن الخاطب الأول لم يرد أو لم يأذن، وسواء أعطوه موافقة أم ما زالوا في موطن البحث، حتى يترك الخاطب، أو يأذن للخاطب الثاني؛ لما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يخطب الرجل على خطبة أخيه، إلا أن يأذن له ) متفق عليه واللفظ لـمسلم ، وزاد البخاري في رواية: ( حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب ) يعني حتى يترك الخاطب الخطبة ثم هو بعد ذلك يتقدم.

أما إذا كان لا يعلم -مثلما يكون الآن عندنا- ما يعلم الإنسان، فيخطبها فلان ثم يخطبها فلان ولم يعلم الثاني بخطبة الأول، فحينئذ نقول: لا بأس بذلك، كما جاء في الصحيحين: أن فاطمة بنت قيس خطبها أبو الجهم ، وخطبها معاوية ، وخطبها أسامة ، والذي يظهر والله أعلم أن هؤلاء الثلاثة حينما خطبوها لم يعلم كل واحد من الخطاب بحال أخيه المسلم، هذا الذي يظهر في توجيه هذا الحديث، وبعضهم قال: إنما خطبوها لأنهم لم يعطوا كل واحد منهم جواباً ابتداءً، ولهذا فاطمة لم تعط أحداً فاستشارت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الذي يظهر، والله أعلم هو المعنى الأول.

خطبة المعتدة

قال المؤلف رحمه الله: [ولا يجوز التصريح بخطبة المعتدة مطلقاً، ويجوز التعريض في خطبة البائن بموت أو غيره؛ لقوله تعالى: وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ [البقرة:235]، وصفة التعريض أن يقول: إني في مثلك لراغب، أو لا تفوتيني نفسك ونحوها].

يقول المؤلف: (ولا يجوز التصريح بخطبة المعتدة) المعتدة: هي التي تربصت في عدم الزواج إما لأنها ما زالت رجعية، وإما لأنها لم تنته عدتها بعد من وفاة أو طلاق بائن.

إذاً: المطلقة أو المعتدة إما أن تكون رجعية، وإما أن تكون بائناً، فالرجعية هي التي طلقها زوجها طلقة واحدة أو طلقتين وهي ما زالت في عدة الطلاق فهذه لا يجوز للخاطب أن يخطبها أو أن يصرح أو أن يعرض، كل ذلك لا يجوز؛ لأنها زوجة للزوج المطلق، فلا يجوز التعريض ولا التصريح.

خطبة البائن

أما المطلقة طلاقاً بائناً: وهي التي طُلقت ثلاث تطليقات واعتدت ثلاثة قروء، أو المرأة التي توفي عنها زوجها واعتدت أربعة أشهر وعشراً فلا يجوز أيضاً أن يصرح بخطبتها بأن يقول: إني أريد أن أتزوجك إذا انتهت عدتك، أو إني أريد أن أخطبك من أبيك إذا انتهت عدتك، لكن يجوز التعريض إذا كانت بائناً، مثل أن تكون قد طلقت ثلاث تطليقات، أو أن تكون متوفى عنها زوجها؛ لقوله تعالى: وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ [البقرة:235]، فهذا معنى قول المؤلف: ( ويجوز التعريض في خطبة البائن بموت أو غيره ) يعني أو طلاق أو فسخ، وعدة الخلع بحيضة على القول الراجح، فإذا لم تحض الحيضة الأولى فلا حرج أن يقول الرجل الخاطب للمرأة: إني لمثلك لراغب، وهذا نسميه التعريض، فلو أن رجلاً حضر في المحكمة ووجد امرأة فسخ القاضي نكاحها بالخلع فأعطت زوجها المهر، فقال القاضي: حكمت بفسخ نكاح فلان من فلانة بإرجاع المهر، فيجوز لهذا الرجل الحاضر بعد جلسة الحكم أن يقول: إني لمثلك لراغب؛ لأنه لا مانع إذا كان تعريضاً، للآية: وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [البقرة:235].

يقول المؤلف: ( وصفة التعريض أن يقول: إني في مثلك لراغب، أو لا تفوتيني نفسك، أو أنا أحب مثلك )، وهذه الألفاظ يسميها العلماء تعريضاً، والتصريح كأن يقول: إني أريدك، إني أريد أن أخطبك، إني أريد أن أتزوجك.

وبعضهم يقول: إن التعريض هو أن يقول: إني أريد أن أتزوج امرأة مثلك، وأما إني لمثلك لراغب فإن بعضهم يرى أنه من التصريح، والذي يظهر والله أعلم أن هذا من التعريض والتعريض أنواع، فكما يقول أبو علي النفطي : لسان الحال أخرس فصاحة المقال، أحياناً لسان الحال أقوى من فصاحة المقال.

يقول المؤلف: (وإذا وقع في قلبه خطبة امرأة فله أن ينظر منها ما يدعوه الى نكاحها).

والمقصود بقوله: (وقع) هو أن يتخير أنه سوف يتزوج من فلانة، أما أنه يريد الزواج ويأخذ ألبوم الخطابات ويقلبه فهذا لا يجوز؛ لأنه لا يدري هل هذه المرأة التي يريدها أم لا، فإذا وقع في قلبه أنه يريد أن يخطب بنت فلان بن فلان، وهو راغب فيها في الجملة وأراد أن ينظر إليها فلا حرج أن ينظر إليها، إما وهي عالمة بأن يذهب إلى أبيها وتأتي إليه، أو تكون غير عالمة، لما جاء في الصحيح: أن جابر رضي الله عنه قال: ( فكنت أختبأ فأنظر إليها ) فهذا يدل على أنه لا بأس أن ينظر الرجل إلى مخطوبته سواء كانت عالمة أو غير عالمة، ومثل ذلك: ما يفعله بعض الإخوة إذا كان بعض الآباء كبير السن وهو لا يريد أن ينظر أحد إلى ابنته، فيقول الأخ الكبير لهذا الخاطب: تعال في بيتي وأنا سوف أحضر أختي وانظر إليها وهي لا ترى ولا تعلم، فهذا أيضاً لا بأس به ويفعله بعض الناس، ومثل ذلك أيضاً: أنه يدعو أخته إلى باحة المنزل والخاطب في المجلس فينظر إليها، كل ذلك لا حرج فيه إذا كانت البنت لا تريد أن ينظر إليها الخاطب؛ لأن هذا تطبيق لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولقوله صلى الله عليه وسلم كما عند أهل السنن من حديث المغيرة : ( انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ) .

يقول المؤلف: (فله أن ينظر منها ما يدعوه الى نكاحها).

ما هو الشيء الذي ينظر إليه فيدعوه إلى نكاحها؟

الظاهر والله أعلم -وهو الذي عليه الجمهور وهو مذهب الحنابلة- أن الذي يظهر غالباً هو الرأس والرقبة والوجه واليدان إلى العضدين وأول الساقين، هذا الذي يظهر من المرأة غالباً في بيتها، فإذا أراد الرجل أن يخطب المرأة فلا حرج في ذلك، أما أن تأتي المرأة إلى الخاطب متبرجة وقد لبست لباساً فاضحاً عارياً فهذا لا يجوز؛ لأنها ما زالت أجنبية عنه، وليعلم أن المرأة إذا جاءت إلى الخاطب فإنه لا ينبغي لها أن تتجمل تجملاً يخبئ بعض عواري جسدها أو وجهها، بل تتجمل تجمل العادة كما قالت سبيعة الأسلمية : ( فلما وضعت وتجملت للخطاب دخل علي أبو السنابل بن بعكك، فقال: لعلك تريدين النكاح؟ والله ما أنت بناكح حتى يمر عليك أربعة أشهر وعشراً )، فهذا يدل على أن المرأة إذا جاءت للزوج فالخاطب ما زال أجنبياً عنها، فينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها، إلا إذا كان في بعض ما لا يظهر غالباً عيب، فحينئذ لا بأس أن ينظر، فلو كانت للمرأة شامة سوداء في فخذها أو في رجلها فأخبروه فقال: لا بد أن أرى، فلا حرج أن يرى حينئذ شريطة أن يتقي الله في ذلك الأمر، وأن يكون في الغالب قد أرادها، فحينئذ لا حرج في ذلك، وإلا فلا.

يقول المؤلف: (ولا يحل للرجل أن يخطب على خطبة أخيه المسلم حتى يأذن أو يترك) إذا خطب الخاطب ابنة قوم فإنه على حالين:

الحال الأول: أنهم يسألون عن حاله، وهو لم يعطوه كلمة كما يقولون، فإن بعض أهل العلم قال: يجوز للخاطب الآخر أن يخطب، لأنهم لم يعطوا الأول موافقة، والذي يظهر والله أعلم: أن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ولا يخطب أحدكم على خطبة أخيه ) واضح، فإذا عرض الخاطب الخطبة فإنه لا يجوز للخاطب الآخر أن يتقدم إذا علم أن الخاطب الأول لم يرد أو لم يأذن، وسواء أعطوه موافقة أم ما زالوا في موطن البحث، حتى يترك الخاطب، أو يأذن للخاطب الثاني؛ لما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يخطب الرجل على خطبة أخيه، إلا أن يأذن له ) متفق عليه واللفظ لـمسلم ، وزاد البخاري في رواية: ( حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب ) يعني حتى يترك الخاطب الخطبة ثم هو بعد ذلك يتقدم.

أما إذا كان لا يعلم -مثلما يكون الآن عندنا- ما يعلم الإنسان، فيخطبها فلان ثم يخطبها فلان ولم يعلم الثاني بخطبة الأول، فحينئذ نقول: لا بأس بذلك، كما جاء في الصحيحين: أن فاطمة بنت قيس خطبها أبو الجهم ، وخطبها معاوية ، وخطبها أسامة ، والذي يظهر والله أعلم أن هؤلاء الثلاثة حينما خطبوها لم يعلم كل واحد من الخطاب بحال أخيه المسلم، هذا الذي يظهر في توجيه هذا الحديث، وبعضهم قال: إنما خطبوها لأنهم لم يعطوا كل واحد منهم جواباً ابتداءً، ولهذا فاطمة لم تعط أحداً فاستشارت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الذي يظهر، والله أعلم هو المعنى الأول.

قال المؤلف رحمه الله: [ولا يجوز التصريح بخطبة المعتدة مطلقاً، ويجوز التعريض في خطبة البائن بموت أو غيره؛ لقوله تعالى: وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ [البقرة:235]، وصفة التعريض أن يقول: إني في مثلك لراغب، أو لا تفوتيني نفسك ونحوها].

يقول المؤلف: (ولا يجوز التصريح بخطبة المعتدة) المعتدة: هي التي تربصت في عدم الزواج إما لأنها ما زالت رجعية، وإما لأنها لم تنته عدتها بعد من وفاة أو طلاق بائن.

إذاً: المطلقة أو المعتدة إما أن تكون رجعية، وإما أن تكون بائناً، فالرجعية هي التي طلقها زوجها طلقة واحدة أو طلقتين وهي ما زالت في عدة الطلاق فهذه لا يجوز للخاطب أن يخطبها أو أن يصرح أو أن يعرض، كل ذلك لا يجوز؛ لأنها زوجة للزوج المطلق، فلا يجوز التعريض ولا التصريح.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [11] 2188 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [12] 2041 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب الصداق [2] 2031 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب الأطعمة 1982 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [4] 1738 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [6] 1708 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب الجنايات والحدود 1668 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [7] 1611 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [9] 1605 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب الطلاق 1539 استماع