مختصر صحيح مسلم - كتاب الصلاة [6]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

وبعد:

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: بين كل أذانين صلاة.

عن عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( بين كل أذانين صلاة -قالها ثلاثاً- قال فى الثالثة: لمن شاء )].

الحديث متفق عليه.

وقد استدل بهذا الحديث الشافعي وهي رواية عند الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله: على أن الصلاة بعد طلوع الفجر وقبل صلاة الفجر لا بأس بها، استدلالاً بحديث عبد الله بن المغفل : ( بين كل أذانين صلاة )، وصلاة نكرة في سياق الإثبات، والنكرة في سياق الإثبات تفيد الإطلاق، وأما النكرة في سياق النفي فتفيد العموم، وقالوا: إنه لم يثبت حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه المنع من الصلاة، وإنما هو فعله، وفعله وهو الترك يدل على الاستحباب والجواز؛ لحديث عبد الله بن المغفل وحديث عمرو بن عبسة كما عند أبي داود : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الليل أسمع؟ قال: جوف الليل، فصل فإن الصلاة مشهودة حتى تصلي الصبح )، وأما حديث ( إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا سجدتي الفجر )، فهذا جاء من حديث ابن عمر ومن حديث عائشة ، ولا يصح في الباب حديث بالمنع، وعلى هذا فالذي يظهر والله أعلم جواز الصلاة من غير استحباب.

قال المؤلف: [ باب: في التنفل بالليل والنهار.

عن عبد الله بن شقيق قال: ( سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تطوعه، فقالت: كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعًا ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يدخل فيصلي ركعتين، وكان يصلي بالناس المغرب ثم يدخل فيصلي ركعتين، ويصلي بالناس العشاء ويدخل بيتي فيصلي ركعتين، وكان يصلي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر، وكان يصلي ليلًا طويلًا قائمًا وليلًا طويلًا قاعدًا، وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ قاعدًا ركع وسجد وهو قاعد، وكان إذا طلع الفجر صلى ركعتين ) ].

هذا الحديث رواه مسلم.

الحث على صلاة النافلة في البيت

والحديث يفيد أن صلاة الراتبة القبلية في الظهر تصلى أربعاً، وهذه إحدى السنن، واستدل بهذا الحديث على أن الأفضل الصلاة في البيت ما عدا الفريضة؛ لحديث عائشة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل بيتها فيصلي ركعتين )، وقد قال صلى الله عليه وسلم من حديث زيد بن ثابت المتفق عليه: ( فإن صلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة ) فهذا يفيد أن الصلاة المكتوبة في المسجد أفضل، وقد قال صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم من حديث جابر كما سوف يأتي: ( إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل في بيته من صلاته، فإن الله جاعل في صلاته من بيته خيرًا )، وقال في حديث جرير : ( لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ).

سجود التلاوة لمن يقرأ القرآن وهو جالس

والحديث قد استدل به جمهور الفقهاء على أن القارئ إذا قرأ سجود التلاوة وهو جالس فإنه يسجد من غير قيام، وأما الحديث الوارد عن أم سلمة الذي رواه البيهقي وغيره وفي سنده جهالة، حيث أن الراوي عن أم سلمة مجهول، وهي كانت تروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه كان إذا قرأ آية فيها سجدة فإذا أراد أن يسجد قام )، وقد رجح ذلك أبو العباس بن تيمية واستحبه، وقال: إن ذلك هو ظاهر القرآن؛ لأن الله يقول: وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ [الإسراء:109]، والخرور من الأعلى أفضل من الخرور من الأسفل، والذي يظهر والله أعلم أنه إن قام فهذا حسن، لكن الاستحباب لا يثبت إلا بدليل.

وقول عائشة رضي الله عنها: ( وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ قاعدًا ركع وسجد وهو قاعد ) فهذا يفيد أنه على حسب حاله، والله أعلم.

والحديث يفيد أن صلاة الراتبة القبلية في الظهر تصلى أربعاً، وهذه إحدى السنن، واستدل بهذا الحديث على أن الأفضل الصلاة في البيت ما عدا الفريضة؛ لحديث عائشة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل بيتها فيصلي ركعتين )، وقد قال صلى الله عليه وسلم من حديث زيد بن ثابت المتفق عليه: ( فإن صلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة ) فهذا يفيد أن الصلاة المكتوبة في المسجد أفضل، وقد قال صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم من حديث جابر كما سوف يأتي: ( إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل في بيته من صلاته، فإن الله جاعل في صلاته من بيته خيرًا )، وقال في حديث جرير : ( لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ).

والحديث قد استدل به جمهور الفقهاء على أن القارئ إذا قرأ سجود التلاوة وهو جالس فإنه يسجد من غير قيام، وأما الحديث الوارد عن أم سلمة الذي رواه البيهقي وغيره وفي سنده جهالة، حيث أن الراوي عن أم سلمة مجهول، وهي كانت تروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه كان إذا قرأ آية فيها سجدة فإذا أراد أن يسجد قام )، وقد رجح ذلك أبو العباس بن تيمية واستحبه، وقال: إن ذلك هو ظاهر القرآن؛ لأن الله يقول: وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ [الإسراء:109]، والخرور من الأعلى أفضل من الخرور من الأسفل، والذي يظهر والله أعلم أنه إن قام فهذا حسن، لكن الاستحباب لا يثبت إلا بدليل.

وقول عائشة رضي الله عنها: ( وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ قاعدًا ركع وسجد وهو قاعد ) فهذا يفيد أنه على حسب حاله، والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: صلاة النافلة في المسجد.

عن زيد بن ثابت قال: ( احتجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حجيرةً بخصفة أو حصير، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيها، قال: فتتبع إليه رجال وجاءوا يصلون بصلاته قال: ثم جاءوا ليلةً فحضروا وأبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، قال: فلم يخرج إليهم فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبًا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة ) وفي رواية: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرةً في المسجد من حصير ) ].

الحديث متفق عليه.

لكن في البخاري نص صريح أن ذلك في رمضان.

هذا الحديث فيه فائدة وهي أن العالم يجب أن يكون حليماً مع أهل الخير، فإن أهل الخير أحياناً يشددون على أنفسهم، ويرغبون في الخير ويبالغون فيه، فلربما تصرف تصرفات ليس فيها من الحكمة، حيث إن بعض الصحابة وليسوا من كبارهم بدءوا يحصبون الباب، ويضربون الباب، يريدون أن يخرج النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فكان صلى الله عليه وسلم يتأبى خوفاً من أن تفرض، وكان صلى الله عليه وسلم معهم حليماً؛ ولهذا ينبغي للعالم والداعية أن يترفق بمتبوعيه أكثر من ترفقه بغيرهم، إلا إذا كانوا من أشداء متابعيه وأشداء أهل الخير فإنه لا حرج أن يغلظ عليهم، كما أغلظ على معاذ بن جبل وغيره، والمشاهد من بعض الدعاة أنهم يبالغون في النقد على مريد الخير والراغب فيه، وإن أخطئوا فينبغي أن يكون ذلك همساً لا رفعاً وعلواً.

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: صلاة النافلة في البيوت.

عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبًا من صلاته، فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرًا ) ].

هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.

وهو يفيد أن صلاة المرء في بيته فيها فضيلة كبيرة، ولا ينبغي للإنسان أن يجعل سننه في المسجد بل يجعل سننه في البيت، وإذا كان يقول: أنا لو لم أتسنن وأسبح بعد الصلاة فأنا قدوة، فلربما رآني الناس أخرج فيظنون أني لا أصلي، فنقول: لا حرج وهذا حسن منك، فتصلي تطوعاً من التطوعات المطلقة، وتجعل السنة الراتبة في البيت. فبهذا تجمع بين خيري الخيرين.

فإن كان يخاف أن ينسى فالأولى به أن يكون حازماً مع نفسه فيصلي، لكن لو أن شخصاً قال: أنا أريد أن أصلي في البيت وقادر، فنقول: صل هذا التطوع المطلق، فإذا رجعت إلى بيتك صل السنة الراتبة، فإذا كنت تقول هذه فروض نفسك، فإذا وصلت بيتك ونسيت فعاهد نفسك أن تصلي في المسجد.

وأما ما جاء عند الإمام أحمد من حديث حذيفة رضي الله عنه أنه قال: ( صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب، ثم أخذ ناحية من المسجد فلم يزل يصلي حتى أذن العشاء ) فهذا يفيد على أنه صلى الله عليه وسلم أحياناً يصليها في المسجد، وهذا الحديث إسناده جيد، والله أعلم.

وقد ذهب الحسن البصري وغيره إلى تفسير قوله تعالى: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ [المزمل:6] قال: هي الصلاة ما بين المغرب والعشاء.

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: ليصل أحدكم نشاطه, فإذا فتر فليقعد.

عن أنس رضي الله عنه قال: ( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وحبل ممدود بين ساريتين، فقال: ما هذا؟ قالوا: لـزينب تصلي، فإذا كسلت أو فترت أمسكت به، فقال: حلوه، ليصل أحدكم نشاطه فإذا كسل أو فتر قعد ) ].

هذا الحديث متفق عليه.

الحديث يفيد أن الإنسان لا ينبغي له أن يشدد على نفسه، فإنه يكون كالمنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( ليصل أحدكم نشاطه ).

ومن المسائل: أن الإنسان ينبغي له أن يعرف نفسه، فيكون فقيه البدن قبل فقيه الشرع؛ لأن فقه الشرع لا يتأتى إلا مع فقه البدن، فلا ينبغي له أن يشدد على نفسه ولا يشدد على الناس.

ومن جميل ما يروى في الأثر أن البراء عندما ذكر: ( أربع لا تجوز في الأضاحي. فقال له الراوي: إني أكره كسيرة القرن، قال: فما كرهته فاجعله على نفسك، ولا تجعله عذاباً على الناس ).

وهذا يفيد أن بعض المفتين هداهم الله إذا كانوا لا يرون شيئاً من الأشياء المستحدثة ويجدون غضاضة، وليس عندهم شيء يحرمه، فيقول: لا يمنعون، لكن ينبغي له أن يقول: إن نفسي تعافه، إن نفسي تكرهه، وليس فيه ما يدل على المنع، فهذا أفضل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الضب: ( إني أجد نفسي تعافه، وليس هو بأرض قومي ) فينبغي أن يفرق بين كراهية نفسه لما تربى عليه، وكراهيته لما فقهه من الشرع. والله أعلم.

قال المؤلف: [ باب: أحب الأعمال إلى الله أدومها.

عن علقمة قال: ( سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قال: قلت: يا أم المؤمنين! كيف كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل كان يخص شيئًا من الأيام؟ قالت: لا، كان عمله ديمةً، وأيكم يستطيع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع؟! ) ].

هذا الحديث متفق عليه.

قد أخذ من هذا الحديث بعض العلماء فائدة وهي أن المداومة على الطاعة وإن قلت أفضل من العبادة الكثيرة المتقطعة؛ ولهذا كان عمله ديمة، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم اختص على هذه الأمة أنه ما من عمل يعمله إلا يداوم عليه، ( وكان إذا صلى صلاة أثبتها )، يعني: داوم عليها، فلما صلى بعد العصر ركعتين كان قد شغل عنها بعد الظهر أثبتها، فكان ذلك من خصوصياته.

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: خذوا من العمل ما تطيقون.

عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم: ( أخبرته أن الحولاء بنت تويت بن حبيب بن أسد بن عبد العزى مرت بها وعندها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: هذه الحولاء بنت تويت ، وزعموا أنها لا تنام الليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تنام الليل! خذوا من العمل ما تطيقون، فوالله لا يسأم الله حتى تسأموا ) ].

الحديث متفق عليه.

أهمية الإخلاص والعناية بأعمال القلوب

وهذا الحديث يدل على أن العبرة ليست بكثرة العبادة، وإنما العبرة بالإخلاص والمتابعة، وما أشدها منه شروط، فأم المؤمنين رضي الله عنها عجزت أن تصنع مثل الحولاء بنت تويت ، ومع ذلك فإن أهل السنة والجماعة يعلمون أن أم المؤمنين أفضل من الحولاء هذه، فكثرة العبادة ليست بأفضل من الإخلاص والمتابعة، ومن هنا قال ابن مسعود لأصحابه: إنكم لتعملون كثيراً أكثر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإنهم لخير منكم، قالوا: لم؟ قال: لأنهم أزهد فيما عندهم من الدنيا وأرغب في الآخرة. وهذا كله عبادة قلبية؛ ولهذا ينبغي للجاد في سيره بطلب رضا الله -خاصة طالب العلم- أن ينظر إلى أعمال القلوب، الله الله في أعمال القلوب.

والغريب أن الإنسان يجاهد نفسه على أعمال الجوارح ولا يجاهد نفسه على أعمال القلب، من ترك الغل وترك الحسد وترك البغضاء وعفة اللسان ومحاولة تطهير القلب من الغل والحقد والحسد، عليه أن يجاهد نفسه في ذلك، ولقد ذكر ابن حزم في مداواة النفوس وهو كتاب عظيم في بابه أنه ربما جاهد نفسه فكان رقيد الفراش من شدة المجاهدة! وهذا الذي ينبغي أن يكون.

معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يسأم الله حتى تسأموا)

قوله صلى الله عليه وسلم: ( خذوا من العمل ما تطيقون، فوالله لا يسأم الله حتى تسأموا )، هل معنى هذا الحديث أن الله يسأم، تعالى الله عن ذلك؟

اختلف أهل العلم في هذا، فبعضهم قال: تمر كما جاءت، وهذا ليس صحيحاً بأن يقال: تمر كما جاءت، وإنما تمر كما جاءت عند العوام الذين لا يعرفون، أو عند الذي لا يدرك، فإنه من المعلوم أن من عقائد السلف أن بعض الآيات المتشابهة التي لا يفهم أنها من الصفات أم لا في حقه سبحانه وتعالى؟ يقال: أمروها كما جاءت، كما نقل عن الثوري و سفيان ، وأما أهل العلم فإنهم يعلمون، فليس ثمة في الصفات شيء متشابه، وإنما المتشابه هو الذي لا يعلم تأويله إلا الله، ولهذا يقول الراسخون: آمنا به كل من عند الله، وأننا لا نكيف شيئاً لم نره ولم يدركه العقل ولم يأتنا بمثال.

القول الثاني: إن ذلك من باب المقابلة، فقوله: ( فإن الله لا يسأم حتى تسأموا )، كما يقال: فإن فلاناً لا ينقطع عن حجته حتى ينقطع الخصم، فبانقطاع الخصم يقف العالم، لكنه لم تنقطع حجته، فكان ذلك من باب المقابلة، كما قالوا: في وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ [آل عمران:54].

وقال بعضهم: إن هذا على سبيل المجاز، بمعنى: أن الله لا ينقطع عن الثواب حتى تنقطعوا عن العمل، والذي يظهر والله أعلم هو المعنى الثاني، ( فوالله لا يسأم الله حتى تسأموا ) يعني: لا ينقطع حتى تتوقفوا، ويكون القول الثاني من باب اللازم، والله أعلم، فليس هذا إثبات للسآمة، تعالى الله عن ذلك؛ ولهذا قال الله تعالى: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:255] وقال: الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] فالحي القيوم هو القائم على أعمال الناس لا يمل، بل هو صمد تصمد له الخلائق تبارك وتعالى وجل في علاه.

وهذا الحديث يدل على أن العبرة ليست بكثرة العبادة، وإنما العبرة بالإخلاص والمتابعة، وما أشدها منه شروط، فأم المؤمنين رضي الله عنها عجزت أن تصنع مثل الحولاء بنت تويت ، ومع ذلك فإن أهل السنة والجماعة يعلمون أن أم المؤمنين أفضل من الحولاء هذه، فكثرة العبادة ليست بأفضل من الإخلاص والمتابعة، ومن هنا قال ابن مسعود لأصحابه: إنكم لتعملون كثيراً أكثر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإنهم لخير منكم، قالوا: لم؟ قال: لأنهم أزهد فيما عندهم من الدنيا وأرغب في الآخرة. وهذا كله عبادة قلبية؛ ولهذا ينبغي للجاد في سيره بطلب رضا الله -خاصة طالب العلم- أن ينظر إلى أعمال القلوب، الله الله في أعمال القلوب.

والغريب أن الإنسان يجاهد نفسه على أعمال الجوارح ولا يجاهد نفسه على أعمال القلب، من ترك الغل وترك الحسد وترك البغضاء وعفة اللسان ومحاولة تطهير القلب من الغل والحقد والحسد، عليه أن يجاهد نفسه في ذلك، ولقد ذكر ابن حزم في مداواة النفوس وهو كتاب عظيم في بابه أنه ربما جاهد نفسه فكان رقيد الفراش من شدة المجاهدة! وهذا الذي ينبغي أن يكون.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
مختصر صحيح مسلم - كتاب الصلاة [1] 2405 استماع
مختصر صحيح مسلم - كتاب الصلاة [2] 2044 استماع
مختصر صحيح مسلم - كتاب الحيض 2027 استماع
مختصر صحيح مسلم - كتاب الصلاة [7] 2025 استماع
مختصر صحيح مسلم - كتاب الصلاة [8] 1885 استماع
مختصر صحيح مسلم - كتاب الصلاة [5] 1883 استماع
مختصر صحيح مسلم - كتاب الصلاة [11] 1845 استماع
مختصر صحيح مسلم - كتاب الصلاة [9] 1701 استماع
مختصر صحيح مسلم - كتاب الجنائز 1587 استماع
مختصر صحيح مسلم - كتاب الوضوء 1558 استماع