كتاب الزكاة [3]


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده, اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد وسلم تسليما ًكثيراً , وبعد:

قال المصنف رحمه الله: [ وأما المسألة الأولى:

وهي زكاة الثمار المحبسة الأصول ], يعني: إذا كانت هذه الأشجار موقوفة, وثمارها تصرف لجهة مخصوصة, فما حكم وجوب الزكاة لهذه الثمار؟ [ فإن مالكاً و الشافعي , كانا يوجبان فيها الزكاة وكان مكحول و طاوس يقولان: لا زكاة فيها.

وفرق قوم بين أن تكون محبسة على المساكين, وبين أن تكون على قوم بأعيانهم ] كأن تكون هذه الأشجار لإنسان وقفها على أولاده, فحكمها وجوب الزكاة فيها؛ لأنها محبوسة على جهة مخصوصة, لكن إذا كان أوقف هذه الأشجار التي تستغل ثمارها على الفقراء والمساكين, والفقراء والمساكين هم ممن تصرف عليهم الزكاة, فكيف تؤخذ منهم الزكاة؟!

[ فأوجبوا فيها الصدقة إذا كانت على قوم بأعيانهم, ولم يوجبوا فيها الصدقة إذا كانت على المساكين, ولا معنى لمن أوجبها على المساكين ] يعني: ليس هناك دليل, بل هذا القول مخالف للقياس؛ لأن الصدقة تصرف على المساكين، فكيف تؤخذ منهم وتصرف عليهم؟!

[ لأنه يجتمع في ذلك شيئان اثنان: ]، وهما: الأخذ من المساكين والصرف عليهم.

الراجح في زكاة الثمار المحبسة على المساكين

الراجح عدم وجوب الزكاة في الأشجار أو الأموال المحبوسة الأصول على المساكين والفقراء, وذلك لما علل به المؤلف، وهو أنه يجمع بين شيئين اثنين, وهو الأخذ من الفقراء والإعطاء لهم.

[ أحدهما: أنها ملك ناقص.

والثاني: أنها على قوم غير معينين ] يقول: إن الوقف على المساكين وقف على قوم غير معينين من الصنف الذي تصرف له الزكاة، فيتعذر مطالبة الجميع، وهم من الأصناف الذين تصرف لهم الزكاة فهم ناقصوا الملكية.

الراجح عدم وجوب الزكاة في الأشجار أو الأموال المحبوسة الأصول على المساكين والفقراء, وذلك لما علل به المؤلف، وهو أنه يجمع بين شيئين اثنين, وهو الأخذ من الفقراء والإعطاء لهم.

[ أحدهما: أنها ملك ناقص.

والثاني: أنها على قوم غير معينين ] يقول: إن الوقف على المساكين وقف على قوم غير معينين من الصنف الذي تصرف له الزكاة، فيتعذر مطالبة الجميع، وهم من الأصناف الذين تصرف لهم الزكاة فهم ناقصوا الملكية.

قال المصنف رحمه الله: [ وأما المسألة الثانية: وهي الأرض المستأجرة على من تجب زكاة ما تخرجه؟ ] يعني: الإنسان إذا استأجر أرضاً فزكاتها على صاحب الأرض, زكاة الغلة, أو على الزارع [ فإن قوماً قالوا: الزكاة على صاحب الزرع وبه قال مالك و الشافعي ] و أحمد ، [ و الثوري و ابن المبارك و أبو ثور وجماعة.

وقال أبو حنيفة وأصحابه: الزكاة على رب الأرض, وليس على المستأجر منه شيء ] يعني: أن الذي يزرع الأرض ما عليه زكاة, ولكن صاحب الأرض الذي أكراها هو الذي يخرج الزكاة.

الراجح في زكاة الأرض المستأجرة

أقول: الراجح أنه إذا أكريت الأرض ببعض ما يخرج منها؛ فالزكاة على صاحب الأرض والزارع لها, بنسبة ما اتفقا عليه، فتوزع على الاتفاق، فمثلاً إذا كان صاحب الأرض يأخذ النصف والزارع يأخذ النصف, فتكون الزكاة بينهم نصفين, على حسب ما اتفقوا, أو أحدهما يأخذ الربع, فعليه ربع الزكاة وهكذا، وتأخذ من الغلة.

أما إذا أكريت بالعملة، أعني: بالنقد؛ فعلى الزارع الزكاة، لم يكرها صاحب الأرض بما يخرج منها, بل أكراها بألف ريال، أو بثلاثة آلاف ريال على المعاد, فعلى الزارع الزكاة بعد أن يخصم منها مقابل ما دفعه لصاحب الأرض؛ وذلك بأن يقول: العشرة آلاف ريال كم يقابلها من هذه الغلة؟ قالوا: يقابلها مثلاً خمسة أكياس أو ستة أكياس أو عشرة أكياس من الحب، فهذه لا زكاة فيها, ويزكي على الباقي, هذا حكم صاحب الزرع الذي زرع، وعلى صاحب الأرض, زكاة ما أخذه من أجرة الأرض؛ ونحن اتفقنا على أن هذا المال الذي صرف لصاحب الأرض أنه يساوي عشرة أكياس من الحنطة, فنقول: إذاً عليه زكاتها؛ يزكي من هذا المال مقابل زكاة عشرة أكياس, وبعد ذلك إن كانت الزراعة على المطر؛ فيخرج العشر, وإن كانت على المضخات فيخرج نصف العشر.

إذا بلغ نصيب كل واحد نصاباً في المسألتين: مسألة إذا أكريت ببعض ما يخرج منها أو كريت بالنقد, وإن لم يبلغ نصيب كل واحد منهم نصاباً, فعلى من بلغ نصيبه نصاباً, والأجرة تقوم بنصاب الزرع الخارج منها, انظر فقه الزكاة للقرضاوي (1/400، 403).

سبب اختلاف العلماء في زكاة الأرض المستأجرة

قال رحمه الله: [ والسبب في اختلافهم هل العشر حق الأرض أو حق الزرع؟ أو حق مجموعهما؟ ] إذاً نحن رجحنا على أنه حق لمجموعهما، [ إلا أنه لم يقل أحد: أنه حق لمجموعهما وهو في الحقيقة حق مجموعهما ] على ما رجحنا [ فلما كان عندهم أنه حق لأحد الأمرين اختلفوا في أيهما هو أولى أن ينسب إلى الموضع الذي فيه الاتفاق وهو كون الزرع والأرض لمالك واحد؟ ] يعني إذا كان الزرع والأرض لمالك واحد فهذا معروف أنه يخرجها الزارع، [ فذهب الجمهور إلى أنه للشيء الذي تجب فيه الزكاة وهو الحب ] فتكون على صاحب الزرع.

[ وذهب أبو حنيفة إلى أنه للشيء الذي هو أصل الوجوب وهو الأرض ].

أقول: الراجح أنه إذا أكريت الأرض ببعض ما يخرج منها؛ فالزكاة على صاحب الأرض والزارع لها, بنسبة ما اتفقا عليه، فتوزع على الاتفاق، فمثلاً إذا كان صاحب الأرض يأخذ النصف والزارع يأخذ النصف, فتكون الزكاة بينهم نصفين, على حسب ما اتفقوا, أو أحدهما يأخذ الربع, فعليه ربع الزكاة وهكذا، وتأخذ من الغلة.

أما إذا أكريت بالعملة، أعني: بالنقد؛ فعلى الزارع الزكاة، لم يكرها صاحب الأرض بما يخرج منها, بل أكراها بألف ريال، أو بثلاثة آلاف ريال على المعاد, فعلى الزارع الزكاة بعد أن يخصم منها مقابل ما دفعه لصاحب الأرض؛ وذلك بأن يقول: العشرة آلاف ريال كم يقابلها من هذه الغلة؟ قالوا: يقابلها مثلاً خمسة أكياس أو ستة أكياس أو عشرة أكياس من الحب، فهذه لا زكاة فيها, ويزكي على الباقي, هذا حكم صاحب الزرع الذي زرع، وعلى صاحب الأرض, زكاة ما أخذه من أجرة الأرض؛ ونحن اتفقنا على أن هذا المال الذي صرف لصاحب الأرض أنه يساوي عشرة أكياس من الحنطة, فنقول: إذاً عليه زكاتها؛ يزكي من هذا المال مقابل زكاة عشرة أكياس, وبعد ذلك إن كانت الزراعة على المطر؛ فيخرج العشر, وإن كانت على المضخات فيخرج نصف العشر.

إذا بلغ نصيب كل واحد نصاباً في المسألتين: مسألة إذا أكريت ببعض ما يخرج منها أو كريت بالنقد, وإن لم يبلغ نصيب كل واحد منهم نصاباً, فعلى من بلغ نصيبه نصاباً, والأجرة تقوم بنصاب الزرع الخارج منها, انظر فقه الزكاة للقرضاوي (1/400، 403).

قال رحمه الله: [ والسبب في اختلافهم هل العشر حق الأرض أو حق الزرع؟ أو حق مجموعهما؟ ] إذاً نحن رجحنا على أنه حق لمجموعهما، [ إلا أنه لم يقل أحد: أنه حق لمجموعهما وهو في الحقيقة حق مجموعهما ] على ما رجحنا [ فلما كان عندهم أنه حق لأحد الأمرين اختلفوا في أيهما هو أولى أن ينسب إلى الموضع الذي فيه الاتفاق وهو كون الزرع والأرض لمالك واحد؟ ] يعني إذا كان الزرع والأرض لمالك واحد فهذا معروف أنه يخرجها الزارع، [ فذهب الجمهور إلى أنه للشيء الذي تجب فيه الزكاة وهو الحب ] فتكون على صاحب الزرع.

[ وذهب أبو حنيفة إلى أنه للشيء الذي هو أصل الوجوب وهو الأرض ].

قال المصنف رحمه الله: [ وأما اختلافهم في أرض الخراج ] وهي الأرض التي أعطيت للمشركين بالخراج [ إذا انتقلت إلى المسلمين هل فيها عشر مع الخراج أم ليس فيها عشر؟ ] يعني: يخرج عشر الخراج أولاً, وبعد ذلك يخرج العشر.

[ فإن الجمهور على أن فيها العشر، أعني: الزكاة, وقال أبو حنيفة وأصحابه: ليس فيها عشر ].

ونسبة الخراج حسب الاتفاق مع الحكومة، مثلاً: في بلد فتحها المسلمون، وبعد ذلك أعطوهم هذه الأرض, على أن يزرعها الكفار ويدفعوا ربع الغلة, فإذا أخذها المسلمون تكون أرض خراج، يدفعون للحكومة ربع الغلة, فـالشافعي والجمهور قالوا: على المسلم أولاً ربع الغلة وهو الخراج، فتبقى ثلاثة أرباع يخرجون فيها الزكاة, في الثلاثة الأرباع؛ وذلك نظراً إلى أصولهم؛ لأن الجمهور يقولون: الزكاة حق الزرع؛ فأوجبوا الزكاة, والخراج حق الأرض, فليس هناك حقان متعارضان.

وأما تعليل أبي حنيفة فيقول: لما كان الخراج حق الأرض والزكاة حق الأرض؛ فلا يجب فيها حقان في آن واحد.

سبب اختلاف العلماء في زكاة أرض الخراج إذا انتقلت إلى المسلمين

[ وسبب اختلافهم -كما قلنا- هل الزكاة حق الأرض أو حق الحب؟ فإن قلنا: إنه حق الأرض, لم يجتمع فيها حقان ] وهذا رأي أبي حنيفة [ وهما العشر والخراج, وإن قلنا: الزكاة حق الحب كان الخراج حق الأرض والزكاة حق الحب, وإنما يجيء هذا الخلاف فيها؛ لأنها ملك ناقص كما قلنا؛ ولذلك اختلف العلماء في جواز بيع أرض الخراج ].

الراجح فيما يجب في أرض الخراج إذا انتقلت إلى المسلمين

الراجح أن فيها العشر بعد إخراج ما يقابل ما دفعه من الخراج, يعني: يخرج الربع الذي دفعه خراجاً ولا يزكيه؛ لأن الخراج حق الأرض, والعشر حق الزرع, فهما حقان واجبان؛ لا يمنع أحدهما الآخر.

إذاً لما قال: إن ملك أرض الخراج وإنما يجيء هذا الخلاف فيها لأنها ملك ناقص -كما قلنا- وذلك لأن أرض الخراج وقع الخلاف فيها، هل تباع وتورث أم لا.

فبعضهم يقول: لا تباع ولا تورث؛ ولذا اختلف العلماء في جواز بيع الخراج, هل تباع أو لا تباع.

وأرض الخراج التي أجتهد فيها عمر بن الخطاب في العراق، وحبس أصولها فكانت أرض خراج, ولم توزع على الغانمين, وكانت في العراق ولكنها الآن انتهت، الأصل أنها غنيمة للمقاتلين، ومن شأن الغنيمة أن توزع, لكن عمر لم يوزعها, بل حبس أصولها وقال: تصرف ثمراتها للمجاهدين في سبيل الله, فهذه تسمى أرض الخراج، وقد يقاس عليها أملاك الدولة، وأما الأوقاف فليست بأرض خراج, بل هي المحبوسة الأصول على جهات, فالأوقاف منها ما هو محبوس على الفقراء، ومنها ما هو محبوس على المساجد.

[ وسبب اختلافهم -كما قلنا- هل الزكاة حق الأرض أو حق الحب؟ فإن قلنا: إنه حق الأرض, لم يجتمع فيها حقان ] وهذا رأي أبي حنيفة [ وهما العشر والخراج, وإن قلنا: الزكاة حق الحب كان الخراج حق الأرض والزكاة حق الحب, وإنما يجيء هذا الخلاف فيها؛ لأنها ملك ناقص كما قلنا؛ ولذلك اختلف العلماء في جواز بيع أرض الخراج ].




استمع المزيد من الشيخ محمد يوسف حربة - عنوان الحلقة اسٌتمع
كتاب الزكاة [9] 2956 استماع
كتاب الزكاة [1] 2912 استماع
كتاب الطهارة [15] 2904 استماع
كتاب الطهارة [3] 2617 استماع
كتاب الصلاة [33] 2565 استماع
كتاب الصلاة [29] 2414 استماع
كتاب الطهارة [6] 2396 استماع
كتاب أحكام الميت [3] 2387 استماع
كتاب الطهارة [2] 2364 استماع
كتاب الصلاة [1] 2327 استماع