كتاب الصلاة [26]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

أقوال العلماء في رد السلام في الصلاة

قال المصنف رحمه الله: [ المسألة السادسة: اختلفوا في رد سلام المصلي على من سلم عليه، فرخصت فيه طائفة منهم سعيد بن المسيب ، و الحسن بن أبي الحسن البصري و قتادة ]، قالوا: لا مانع من رد السلام؛ لأنه ليس بكلام، [ ومنع ذلك قوم بالقول، وأجازوا الرد بالإشارة ]، يعني: لا مانع أن ترفع يدك، أما القول فهو كلام [ وهو مذهب مالك و الشافعي ] و أحمد كذلك [ ومنع آخرون رده بالقول والإشارة، وهو مذهب النعمان ]، و النعمان هو أبو حنيفة رحمه الله.

قال الناظم:

والشافعي ومالك ونعمان وأحمد بن حنبل وسفيان

وغيرهم من سائر الأئمة على هدىً والاختلاف رحمة

وهذا الكلام لا يعني أن حديث: ( اختلاف أمتي رحمة ) أنه حديث صحيح، بل هو حديث ضعيف، ولكن معنى ذلك أن اختلاف الأئمة في الفروع من باب رحمة الله سبحانه وتعالى في التوسعة على الناس، إذ لم يضيق عليهم في الاختلاف، فمن رحمته سبحانه وتعالى في اختلافهم قال: ( من أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر )، أما حديث: ( اختلاف أمتي رحمة ) فهذا حديث ليس بصحيح، ولكن قال عمر بن عبد العزيز : والله! ما أحب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اتفقوا؛ لأنهم لو اتفقوا لكان صعباً علينا الاختلاف، ولكنهم اختلفوا، فالاختلاف في الفروع من حيث هو توسعة ورحمة.

ويجب على المجتهد أن يعمل باجتهاده، فاجتهاده إن أصاب الحق فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد، فهكذا يجب علينا أن نعتقد، لا أن نصب الناس كلهم في قالب واحد، ونقول: لا بد أن تكون أقوالهم واحدة؛ لأن هذا يخالف أصل الفطرة: فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ [الروم:30] فالملائكة اختلفوا، والأنبياء اختلفوا، والصحابة اختلفوا، ونحن نقول الآن: لا يكون إمامنا إلا فلان الحادث في القرن الرابع العشر، وهو مفتي اليمن! ويجب علينا أن نتبعه! ومن خالفه فهو من الفرقة غير الناجية ليس بصحيح، بل نقول: إن من اجتهد وأصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد، ولدينا في اليمن علماء، لا ننكر اختلافهم ولا نتشدد. وتجد بعض الناس لو كان لديه قول يريد من كل الناس أن يقولوا بقوله، أقول: أنا عندي قول، وعندي اعتقاد، وعندي أدلة، يأتيني واحد ويقول لي: هذا القول صحيح، فإن قلته وأنا مقتنع بغيره لكنت منافقاً؛ لأن إظهار القول خلاف الاعتقاد.

معناه النفاق بعينه، ولكن أقول قولي، وأظن أنه الصواب ويحتمل الخطأ، ولا أقول قولي فقط، أو أنه خطأ ويحتمل الصواب، ومع ذلك لا أدعو إلى قولي ولا إلى قوله، فمن اقتنع بقولي فليأخذ به، ومن اقتنع بقوله فليأخذ به؛ لأن المسألة من أصلها اجتهادية، ولا إنكار في مسائل الاجتهاد، وإنما الإنكار في مسائل الاتفاق.

[ وأجاز قوم الرد في نفسه ] أي: من غير أن يتكلم؛ لأن حديث النفس لا يؤاخذ به الإنسان، [ وقوم قالوا: يرد إذا فرغ من الصلاة ] هذا لا بأس به، إذا فرغ من الصلاة على قولهم.

السبب في اختلافهم في رد السلام على المصلي

قال المصنف رحمه الله: [ والسبب في اختلافهم: هل رد السلام من نوع التكلم في الصلاة المنهي عنه أم لا؟ ] أي: إذا نظرنا أن فيه خطاباً فهو من السلام، [ فمن رأى أنه من نوع الكلام المنهي عنه، وخصص الأمر برد السلام في قوله تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا [النساء:86] ] الآية، بأحاديث النهي عن الكلام في الصلاة ]، أي قال: الآية عامة وقد خصت بأحاديث النهي عن الصلاة، فلا يتكلم في الصلاة، [ قال: لا يجوز الرد في الصلاة. ومن رأى أنه ليس داخلاً في الكلام المنهي عنه ] قال: لأنه دعاء، ليس داخلاً في الكلام المنهي عنه أو قال: إنه ذكر، بدليل: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرد السلام إلا على طهارة، فدل على أنه من جنس الذكر.

[ أو خصص أحاديث النهي بالأمر برد السلام أجازه في الصلاة ] يعني قال: هناك أحاديث في النهي عن الكلام في الصلاة عامة، فخصصها بالأحاديث الآمرة برد السلام، فأجاز الرد في الصلاة.

[ قال أبو بكر بن المنذر : ومن قال لا يرد ولا يشير فقد خالف السنة، فإنه قد أخبر صهيب ]، كما أخرجه أبو داود وقال الترمذي : حديث حسن، وصححه الألباني قال: [ أن النبي عليه الصلاة والسلام رد على الذين سلموا عليه، وهو في الصلاة بإشارة ].

والراجح من هذه الأقوال مشروعية رد السلام بالإشارة؛ لحديث صهيب .

قال المصنف رحمه الله: [ المسألة السادسة: اختلفوا في رد سلام المصلي على من سلم عليه، فرخصت فيه طائفة منهم سعيد بن المسيب ، و الحسن بن أبي الحسن البصري و قتادة ]، قالوا: لا مانع من رد السلام؛ لأنه ليس بكلام، [ ومنع ذلك قوم بالقول، وأجازوا الرد بالإشارة ]، يعني: لا مانع أن ترفع يدك، أما القول فهو كلام [ وهو مذهب مالك و الشافعي ] و أحمد كذلك [ ومنع آخرون رده بالقول والإشارة، وهو مذهب النعمان ]، و النعمان هو أبو حنيفة رحمه الله.

قال الناظم:

والشافعي ومالك ونعمان وأحمد بن حنبل وسفيان

وغيرهم من سائر الأئمة على هدىً والاختلاف رحمة

وهذا الكلام لا يعني أن حديث: ( اختلاف أمتي رحمة ) أنه حديث صحيح، بل هو حديث ضعيف، ولكن معنى ذلك أن اختلاف الأئمة في الفروع من باب رحمة الله سبحانه وتعالى في التوسعة على الناس، إذ لم يضيق عليهم في الاختلاف، فمن رحمته سبحانه وتعالى في اختلافهم قال: ( من أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر )، أما حديث: ( اختلاف أمتي رحمة ) فهذا حديث ليس بصحيح، ولكن قال عمر بن عبد العزيز : والله! ما أحب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اتفقوا؛ لأنهم لو اتفقوا لكان صعباً علينا الاختلاف، ولكنهم اختلفوا، فالاختلاف في الفروع من حيث هو توسعة ورحمة.

ويجب على المجتهد أن يعمل باجتهاده، فاجتهاده إن أصاب الحق فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد، فهكذا يجب علينا أن نعتقد، لا أن نصب الناس كلهم في قالب واحد، ونقول: لا بد أن تكون أقوالهم واحدة؛ لأن هذا يخالف أصل الفطرة: فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ [الروم:30] فالملائكة اختلفوا، والأنبياء اختلفوا، والصحابة اختلفوا، ونحن نقول الآن: لا يكون إمامنا إلا فلان الحادث في القرن الرابع العشر، وهو مفتي اليمن! ويجب علينا أن نتبعه! ومن خالفه فهو من الفرقة غير الناجية ليس بصحيح، بل نقول: إن من اجتهد وأصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد، ولدينا في اليمن علماء، لا ننكر اختلافهم ولا نتشدد. وتجد بعض الناس لو كان لديه قول يريد من كل الناس أن يقولوا بقوله، أقول: أنا عندي قول، وعندي اعتقاد، وعندي أدلة، يأتيني واحد ويقول لي: هذا القول صحيح، فإن قلته وأنا مقتنع بغيره لكنت منافقاً؛ لأن إظهار القول خلاف الاعتقاد.

معناه النفاق بعينه، ولكن أقول قولي، وأظن أنه الصواب ويحتمل الخطأ، ولا أقول قولي فقط، أو أنه خطأ ويحتمل الصواب، ومع ذلك لا أدعو إلى قولي ولا إلى قوله، فمن اقتنع بقولي فليأخذ به، ومن اقتنع بقوله فليأخذ به؛ لأن المسألة من أصلها اجتهادية، ولا إنكار في مسائل الاجتهاد، وإنما الإنكار في مسائل الاتفاق.

[ وأجاز قوم الرد في نفسه ] أي: من غير أن يتكلم؛ لأن حديث النفس لا يؤاخذ به الإنسان، [ وقوم قالوا: يرد إذا فرغ من الصلاة ] هذا لا بأس به، إذا فرغ من الصلاة على قولهم.

قال المصنف رحمه الله: [ والسبب في اختلافهم: هل رد السلام من نوع التكلم في الصلاة المنهي عنه أم لا؟ ] أي: إذا نظرنا أن فيه خطاباً فهو من السلام، [ فمن رأى أنه من نوع الكلام المنهي عنه، وخصص الأمر برد السلام في قوله تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا [النساء:86] ] الآية، بأحاديث النهي عن الكلام في الصلاة ]، أي قال: الآية عامة وقد خصت بأحاديث النهي عن الصلاة، فلا يتكلم في الصلاة، [ قال: لا يجوز الرد في الصلاة. ومن رأى أنه ليس داخلاً في الكلام المنهي عنه ] قال: لأنه دعاء، ليس داخلاً في الكلام المنهي عنه أو قال: إنه ذكر، بدليل: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرد السلام إلا على طهارة، فدل على أنه من جنس الذكر.

[ أو خصص أحاديث النهي بالأمر برد السلام أجازه في الصلاة ] يعني قال: هناك أحاديث في النهي عن الكلام في الصلاة عامة، فخصصها بالأحاديث الآمرة برد السلام، فأجاز الرد في الصلاة.

[ قال أبو بكر بن المنذر : ومن قال لا يرد ولا يشير فقد خالف السنة، فإنه قد أخبر صهيب ]، كما أخرجه أبو داود وقال الترمذي : حديث حسن، وصححه الألباني قال: [ أن النبي عليه الصلاة والسلام رد على الذين سلموا عليه، وهو في الصلاة بإشارة ].

والراجح من هذه الأقوال مشروعية رد السلام بالإشارة؛ لحديث صهيب .

قال المصنف رحمه الله: [ الباب الثاني: في القضاء.

والكلام في هذا الباب على من يجب القضاء، وفي صفة أنواع القضاء، وفي شروطه ] أي: قضاء الصلاة، [ فأما على من يجب القضاء: فاتفق المسلمون على أنه يجب على الناسي والنائم ] أي: الذي ينسى الصلاة أو ينام عنها، فينتبه من النوم أو يذكرها فيجب عليه القضاء إذا ذكر أو استيقظ.

[ واختلفوا في العامد والمغمى عليه ] العامد: الذي ترك الصلاة بدون عذر؟ كمن ظل يمضغ القات وترك الظهر والعصر والمغرب والعشاء! ثم قام في نصف الليل مضطرباً كالذي يتخبطه الشيطان وصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء دفعة واحدة، فهذا لا تصح صلاته، وهؤلاء أناس خذلهم القات عن طاعة الله! فمنهم من لا يصلي مطلقاً سواء كان وقت مضغ القات أو غير وقته، ومنهم من يصلي، ولكنه يؤخر الصلاة عن أوقاتها، ومنهم من يسيء الأدب مع ربه، نعوذ بالله من الذي يسيئ الأدب مع الله! فيقوم للصلاة وفمه ممتلئ بالقات، هذه ليست صلاة الله يقول: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2].

فهذا ليس بمفلح ولا تصح صلاته، قال الناظم:

يخشى على ختام من تكلماً حال الأذان أو أساء مسلما

أو عق أصلاً أو تعاطى الخمر أو في صلاته استخف الأمر

فالذي يستخف الأمر في الصلاة يخشى عليه أن يموت على غير حسن الختام، فالذين يمضغون القات في الصلاة مستخفون بأمر الله سبحانه وتعالى وقد هان والعياذ بالله! عليهم خشية الله وإجلال الله؛ لأنه لا يتصور أن يدخل وفمه ممتلئاً بالقات على رئيس الدولة بل يدخل متواضعاً إذا كان يريد حاجة منه لا يدخل إلا بطريقة حسنة بخلاف الذين هم في مرتبته وحاشيته.

وقوله:

يخشى على ختام من تكلم حال الأذان..

هذا الجزء غير صحيح؛ لأنه قد ورد الكلام في الأذان فليس فيه مخالفة، (أو أساء مسلما) هذا صحيح، الذي يسيء إلى المسلمين يخشى عليه سوء الخاتمة (أو عق أصلاً أو تعاطى الخمر) يعني: داوم على شرب الخمر.

.... أو في صلاته استخف الأمر

[ وإنما اتفق المسلمون على وجوب القضاء على الناسي والنائم لثبوت قوله عليه الصلاة والسلام وفعله، وأعني بقوله عليه الصلاة والسلام: ( رفع القلم عن ثلاث.. ) فذكر النائم ] أي قوله: ( والنائم حتى يستيقظ )، وأما فعله فكما ورد في صحيح البخاري : ( لما نام الرسول صلى الله عليه وسلم وقال لـبلال قبل النوم: من يحرس لنا الفجر؟ فقال بلال : أنا، ولكنه وقعت عليه نومة، فما قام الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلا من حر الشمس، فصلوها )، فهذا فعله، [ وقوله: ( إذا نام أحدكم عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ) ] أخرجه البخاري و مسلم [ وما روي عنه: ( أنه من نام عن الصلاة حتى خرج وقتها فقضاها ) ]، أخرجه مسلم وأصله في البخاري .

اختلاف الفقهاء في قضاء العامد

قال المصنف رحمه الله: [ وأما تاركها عمداً حتى يخرج الوقت، فإن الجمهور على أنه آثم، وأن القضاء عليه واجب ]، قال الجمهور: إن هذا من باب فحوى الخطاب، فهو من مفهوم الموافقة أو القياس في معنى الأصل، قالوا: فإذا وجب القضاء على الناسي والنائم، فمن باب أولى أن يجب على العامد، هذا ما استدل به الجمهور، فقالوا: إنه من باب فحوى الخطاب [ وذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه لا يقضي وأنه آثم، وأحد من ذهب إلى ذلك أبو محمد بن حزم ] وبه قال الإمام ابن تيمية وتبعه ابن القيم في كتابه: الصلاة، ومال إلى ذلك شيخنا ناصر الدين الألباني فقال: لا قضاء ولا يصح القضاء.

سبب اختلاف الفقهاء في قضاء العامد

قال المصنف رحمه الله: [ وسبب اختلافهم: اختلافهم في شيئين:

أحدهما: في جواز القياس في الشرع ] وهذا ما قاله الإمام ابن حزم ، فقال: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً [مريم:64]، فلا قياس في الشرع. فسبب اختلافهم في هذه المسألة شيئان أحدهما: في جواز القياس في الشرع وهذا مذهب ابن حزم ، فهو لا يجيز القياس مطلقاً.

[ والثاني: في قياس العامد ] أي: إذا قلنا بالقياس وهو قول الجمهور، [ على الناسي إن سلم جواز القياس ] فالجمهور قالوا بقياس العامد على الناسي من باب مفهوم الموافقة ومن باب فحوى الخطاب، فهل يجوز قياس العامد على الناسي بهذا، أي بأنه من باب فحوى الخطاب؟

[ فمن رأى أنه إذا وجب القضاء على الناسي الذي قد عذره الشرع في أشياء كثيرة، فالمتعمد أحرى أن يجب عليه; لأنه غير معذور ] فهذا من باب قياس الأولى وفحوى الخطاب، [ أوجب القضاء عليه.

ومن رأى أن الناسي والعامد ضدان ] أي: فرق بينهما ذلك ناسي وهذا عامد، [ والأضداد لا يقاس بعضها على بعض، إذ أحكامها مختلفة، وإنما تقاس الأشباه، لم يجز قياس العامد على الناسي.

والحق في هذا أنه إذا جعل الوجوب من باب التغليظ كان القياس سائغا ] أي: من باب فحوى الخطاب.

[ وأما إن جعل من باب الرفق بالناسي والعذر له وألا يفوته ذلك الخير، فالعامد في هذا ضد الناسي ] وهذا الأخير كأنه أقرب أي أن هذا من باب الرفق لا من باب التغليظ.

[ والقياس غير سائغ; لأن الناسي معذور والعامد غير معذور، والأصل أن القضاء لا يجب بأمر الأداء ]، وفهم هذا من الصحابة أن القضاء لا يجب إلا بأمر الأداء عائشة رضي الله عنها فقالت: ( كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة )، يعني: أن القضاء لا يجب بأمر الأداء وإنما يجب بأمر جديد.

[ وإنما يجب بأمر مجدد على ما قال المتكلمون ]، وفهمت ذلك عائشة رضي الله عنها، [ لأن القاضي قد فاته أحد شروط التمكن من وقوع الفعل على صحته، وهو: الوقت، إذ كان شرطاً من شروط الصحة، والتأخير عن الوقت في قياس التقديم عليه ] إذا قلنا: يجوز لك أن تؤخر، أي لا مانع أن تصلي الظهر بعدما يخرج وقت الظهر، كذلك يقال: لا مانع أن تصلي الظهر مع الضحى، فالتقديم والتأخير سواء، وهذا لا يجوز اتفاقاً.

[ لكن قد ورد الأثر في الناسي والنائم ] قلنا: فيكون قد أخرجه من التوقيت، وجعل له وقتاً آخر، يسمى: وقت الانتباه والذكر، فإذا انتبه النائم فوقته ذلك الوقت مضيقاً عليه، يذهب فيتوضأ ويستر عورته ويستقبل القبلة ويصلي، ومثله الناسي، لا يقول: أنا قمت بعد شروق الشمس، من الآن إلى بعد الظهر، لما أتوضأ للظهر وأصليها سواء، نقول: لا، ليس وقتك وقت الظهر، وقتك وقت الانتباه، فإذا قمت من النوم بعد شروق الشمس، فعليك أن تصلي ذاك الوقت ولو أخرتها إلى صلاة الظهر، ولا يصح هذا عند من يقول: إن وقتها إذا ذكرها؛ تبعاً لظاهر الحديث، فهذا يقول: إن العامد لا يصح منه القضاء. ولكن من يقول: إن العامد يصح منه القضاء، فيقول أيضاً: يجوز للنائم أن يصليها في وقت صلاة الظهر، أي: صلاة الصبح، ولكن القول الأول هو الصحيح، أي: أنه يصليها عند الانتباه من النوم وعند الذكر، والقول بجواز تأخيرها إلى الظهر للناسي أو النائم.

قال به الجمهور، الذين قالوا بوجوب القضاء على العامد، فقالوا: ويجب القضاء على العامد على الفور؛ لأنه عاص في التأخير، أما الناسي والنائم فيجب القضاء عليه ولكن لا على الفور؛ لأنه غير عاص في التأخير، والراجح كما بينا أنه يجب عليه أن يصليها فوراً، لحديث: ( فوقتها إذا ذكرها ).

[ لكن قد ورد الأثر بالناسي والنائم، وتردد العامد بين أن يكون شبيها أو غير شبيه، والله الموفق للحق ].

والراجح أن العامد لا يصح منه القضاء؛ لأن أمره أكبر من أن نقول بصحة القضاء منه، بل تجب عليه التوبة النصوح بشروطها، فلو صلى ما صلى لا ينفعه! إلا أن يتوب توبة نصوحاً، فلا يعود مرة أخرى لترك الصلاة، فيترك مضغ القات، إذا كان سبب تركه للصلاة هو القات، فمن كان القات يدعوه إلى ترك الصلاة وترك الجماعة، فعليه تركه.

أسباب عدم صحة القضاء من العامد

وسبب عدم صحة القضاء من العامد ما يأتي:

أولاً: أن الصلاة لها وقت مخصوص.. له أول وآخر، وتأخيرها عن وقتها كتقديمها عليه، فلا يصح أن شخصاً يقول: أنا أغتنم الفرصة. لأن موسم الحج يكثر فيه الناس ويتعبون، فأنا أغتنم الفرصة وأذهب أحج الآن والأماكن فارغة وأتمتع بها لا يصح هذا الكلام، بل يقال له: الحج له وقت مخصوص، ليس من جاء في أي وقت حج! فكذلك الصلاة لها وقت مخصوص وتأخيرها عن وقتها كتقديمها عليه، فكما لا يصح تقديمها على وقتها في غير الجمع، فلا يصح تأخيرها عن وقتها. وقلنا: غير الجمع؛ لأن الجمع يجوز فيه التقديم والتأخير.

وما فائدة التوقيت إذا قلنا بصحة صلاتها بعد الوقت؟! يكون لا فائدة في التوقيت ومن أخرها عن وقتها فهو آثم لا يصح تأخيره، ولو صلاها بعد الوقت، لا ينتهي إثمه ولم تكن له كفارة عن التأخير، حتى الجمهور يقولون: يسقط عليه إثم الأداء، ويبقى عليه إثم التأخير، فعليه التوبة من التأخير فلا يؤخر الصلاة عن وقتها.

ثانياً: أن النائم والناسي ورد أن للصلاة في حقهما وقتاً آخر عند الانتباه وعند الذكر؛ رفقاً بهما للعذر.

ثالثاً: أن قياس العامد على الناسي قياس مع الفارق، فالعامد ضد الناسي تماماً، الناسي معذور والعامد بخلافه.

اختلاف الفقهاء في قضاء المغمى عليه

قال المصنف رحمه الله: [ وأما المغمى عليه فإن قوماً أسقطوا عنه القضاء فيما ذهب وقته، وقوم أوجبوا عليه القضاء، ومن هؤلاء من اشترط القضاء في عدد معلوم ] يعني: في خمس صلوات، [ وقالوا: يقضي في الخمس فما دونها ] إذا أغمي عليه يوم فيقضي، أما إذا كان أكثر من يوم فلا يقضي.

السبب في اختلاف الفقهاء في قضاء المغمى عليه

قال المصنف رحمه الله: [ والسبب في اختلافهم: تردده بين النائم والمجنون ] هل يلحق المغمى عليه بالنائم أم بالمجنون؟ [ فمن شبهه بالنائم أوجب عليه القضاء، ومن شبهه بالمجنون أسقط عنه الوجوب ] والأقرب أنه كالمجنون بل هذا أشد من الجنون، فالذي فيه جنون يأكل ويمشي ويشرب وهذا لا يأكل ولا يمشي.

الراجح عدم تكليفه، وأنه أشبه بالمجنون؛ لزوال شعوره، وهذا له تعليق صفحة 246، في المسألة الثالثة (حدود أوقات الضرورة والعذر) ومما قلنا فيه: أما حكم المغمى عليه إذا أفاق من إغمائه، فذهب أحمد إلى أنه كالنائم يجب عليه قضاء جميع الصلوات، وذهب مالك و الشافعي إلى أنه كالمجنون، لا يلزمه قضاء الصلاة، إلا أن يفيق في جزء من وقتها على ما سبق تفصيله في حق المجنون، وقال أبو حنيفة : إن أغمي عليه خمس صلوات قضاها وإن زاد سقط فرض القضاء في الكل، وحكمه حكم المجنون، والأقرب ما ذهب إليه مالك و الشافعي .