أمثل هذا يبارك الله له؟! - أم سارة
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان:14].أخذ ميراث إخوته وعق أمه وقاطع إخوته، وعاش في الدنيا يرتع فيها ويزيده الله غنى وأراضٍ، وأموال وبنين وبنات..
لكن أمثل هذا يبارك له الله؟!
تبدأ القصة بوفاة الأب إثر مرض خطير، تاركًا زوجة شابة لم تتعد الخامسة والثلاثين، وأولاد (ذكور، وبنات).
يتوفى الأب وتترمل الزوجة وهي الشابة الجميلة..
أكبر الأبناء لم يلتحق بالتعليم فقد كان يباشر أرض أبيه..
يتقدم لها العديد ممن تعهدوا برعايتها ورعاية أبنائها، فترفض الزواج مهما كانت مغريات المتقدمين، وتؤثر أبنائها فهم قرة عينيها..
تساعد ولدها الكبير في زراعة الأر ض، عوضًا عن إخوته أثناء انشغالهم بالدراسة..
أما في الأجازة فهم يعاونون أخاهم..
ويتزوج ولدها الأكبر وهو ابن سبعة عشر عامًا كي تقوم زوجته برعاية المنزل أثناء تواجدهم بالأرض..
يكبر الأبناء وينهوا تعليمهم، ويريد كل واحد منهم أن يشق طريقه، وبالتالي يجب تقسيم الأرض..
وهنا المفاجأة..
يرفض الأخ الأكبر التقسيم ويستولي على الأرض، وينهر أمه ويرى أنها تظلمه..
فهو لم يتعلم كما تعلم إخوته..
وبالتالي فهو أحق بالأرض ويكفي أنهم أتموا تعليمهم منها..
ونسي هذا الابن تعب الأم معه في الأرض وأنه تزوج من تلك الأرض وأسس منزلاً وكان ينفق على زوجته وأبناءه من تلك الأرض..
ويترك الابن المنزل ويأخذ زوجته وأبنائه ليعيشوا في منزل آخر..
وقاطع أمه وإخوته مقاطعة تامة..
تبكي الأم من موقف الابن ومن عقوقه إياها..
لكن بقية الأبناء قاموا جاهدين على إرضاء أمهم وعدم تركها للحزن..
وكانت زوجة ذلك الابن تبر حماتها ولم تقاطعها أبدًا، فما كان جزاؤها إلا أن تركها وتزوج بغيرها!
تمر الأيام وكل ابن يشق طريقه من العدم ويبارك الله لهم في حياتهم، وتستقر الأم مع الابن الأوسط..
وبالرغم من محاولات أصحاب القلوب الخيرة التوفيق بين هذا الابن العاق وبين الأم والإخوة إلا أن كل المحاولات تبوء بالفشل!
تتعب الأم وتهلكها الشيخوخة والابن على قلبه الحجر، لم يفكر أن يقوم بزيارتها ولو مرة..
ليلة الوفاة تنادي الأم على ولدها المتواجد معها في المنزل وتقول له: "أنا حاسة إني هموت".
فيقول لها الابن: "تموتي إيه بس دا أنت صحتك أحسن مني"، وأخذ يفرج عنها، ولكنها قالت له: "اسمعني واعمل اللي هقولك عليه"، وأخذت توصيه بما تريد..
ثم أخذت تدعو على ابنها الأكبر بأن لا يبارك الله له، وقالت باللفظ: "رب يحرمه كد عياله"! ثم قالت لابنها: "اتركني الآن أريد أن أستريح قليلاً"..
يتركها ولدها كما طلبت، ولم يدر في خلده أنها آخر مرة يتحدث إلى أمه فيها..
في الصباح يدخل الابن ليطمئن على الأم فيجدها قد فارقت الحياة..
رحمها الله رحمة واسعة.
فهل هذا الابن الأكبر الذي ختمت أمه حياتها بالدعاء عليه، وذهبت لربها وهي غاضبة عليه، مهما أعطاه الله سيبارك الله له في شيء؟ هذا هو الميراث الحقيقي الذي ورثه!
هذه القصة حقيقية وليست مستوحاة أو محض خيال..
أحببت أن أكتبها لكم لعل الله يهدي بها قلوب تحجرت على أبويها، قبل أن يدركهم الموت وهم غاضبون عليهم.
يقول تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً .
وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:23-24].
وكفى بكلام المولى عز وجل رسالة وحجة إما علينا أو لنا.
أسأل الله أن يحفظ والدينا ويرزقنا برهم، ويرحم من مات منهم رحمة واسعة، وأن يجعل تلك القصة عبرة لمن يعتبر، فالأعمار قصيرة وإن طالت..!