بمناسبة الذكرى
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
في حضرة سعد
للأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي
لما قصدت القاهرة سنة (1343) لأقول (كلمتي في اللغة العربية) تقدم سعد (رضي الله عنه) إلى الأستاذ الكبير حافظ بك عوض بأن يلاقيني ويقول لي: (إن سعداً يحب أن يراني فهل أحب أن أراه؟!) فلما قيل لي ذلك قلت: يا شيخ، قل: يأمره، إنما هو الآمر المطاع. وهل أنا في هذا البلد إلا في حمى عمرو بن العاص وحماه؟ ثم يممنا في اليوم الثاني ذاك العرين: بيت الأمة، وعرجنا إلى عليّة فيه، وكان الزعيم يومئذ موعوكا فإن تك قد نالتك أطراف وعكة ...
فلا عجب أن يوعك الأسد الورد وطلع علينا سعد ومشى إلينا فسارعنا إليه فلم أر قبلي من مشي البحر نحوه ...
ولا رجلا قامت تعانقه الأسد ومكثت والأستاذ حافظ عوض في تلك الحضرة ذات الجلال وذات الهيبة حيناً، وكانت أحاديث جمة أروى منها حديثين: ذكر الزعيم سعد جمال الدين الأفغاني (رضي الله عنهما) وأياديه البيض في هذه اليقظة العربية الأدبية، وأفاض في هذا المعنى، فقلت: يا مولاي، إنه لم ينتبه من أمم الشرق في ذاك الوقت إلا أمتان لا ثالثة معهما: الأمة اليابانية وجمال الدين.
فابتهج البطل الخالد بهذا القول في بطل مثله، وقال: حقاً إن جمال الدين أمة وحده.
ثم قلت له قبل توديعه: يا مولاي، من دأب الطبيعة عند ارتقاء أمة أن تلخصها في رجل، ومصر لم تبرح تتقدم وتعلو حين طويل، وقد لخصها الله في سعد.
فأجاب جواب الأبطال العظماء المتواضعين، وهل يكون العظيم إلا متواضعاً؟ وهل يستعير رداء الكبر يلبسه إلا الصغير؟ ثم قبلنا تلك اليد الطاهرة المباركة مودعين.
ولما عدت إلى مصر سنة (1346)، وكان أمر الله وقضاؤه ذهبت إلى (القبر) وسلمت على صاحبه طاف الكأس بساقي أمة ...
من رحيق الوطنيات سقاها عطلت آذانها من وتر ...
ساحررنّ مليّا فشجاها وقرأت فاتحة (الكتاب) لقائدين من قواد محمد: عمرو أبن العاص، وسعد زغلول النشاشيبي