إياك والذنوب
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
أربعـون كلمـة دعويـة(بطريقة مختصرة عصرية)
الكلمة الثانية
إياك والذنوب
لما دخلوا على عبدالله بن مسعود رضي الله عنه في مرض موته قالوا له: ماذا تشتكي؟ قال: اشتكي ذنوبي!، ثم قالوا له: وماذا تشتهي؟ قال اشتهي رحمة ربي.
أبو عبدالرحمن الإمام العلم الفقيه، من السابقين إلى الإسلام كان يقول: لقد رأيتني سادس ستة وما على ظهر الأرض مسلم غيرنا، وهو ممن شهد بدرًا.
وزكاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "يرحمك الله إنك غُلِّيَمٌ معلَّم"[1].
وفي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد[2]: أنه لما صَعَد على شجرة فضحك بعض الصحابة من دقة ساقيه، فقال صلى الله عليه وسلم: "أتضحكون من دقة ساقيه إنها في الميزان عند الله أثقل من جبل أحد".
فمع هذه الفضائل وهذا الشرف وغيرها من الفضائل التي لم أذكرها، هو يخاف من الذنوب، بل جاء عنه رضي الله عنه أنه لما تبعه بعض تلاميذه قال لهم: عودوا والله لو تعلمون ما عندي من الذنوب لحثوتم التراب على رأسي.
وفي صحيح البخاري[3] يقول رضي الله عنه: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه قال به هكذا" وأشار بيده على أنفه.
فيصور لنا عبدالله بن مسعود حال المؤمن مع الذنوب تصويرًا دقيقًا فالمؤمن لشدة خوفه من الله لا يأمن على نفسه يرى ذنبه كالجبل الذي لو وقع عليه لأهلكه فهو خائف غير آمن من سوء عاقبة الذنب بينما الفاجر المقصر والعاصي قليل المعرفة بالله يستهين بالذنب ولا يأبه له ولا يراه شيئًا يذكر، بل يراه كأنه ذباب وقع على أنفه فأبعده غير مبالٍ من سوء العاقبة نسأل الله العفو والعافية.
قيل للحسن البصري: "ألا يستحي أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود، ثم يستغفر ثم يعود، قال ودّ الشيطان لو ظفر منكم بهذا، فلا تملوا الاستغفار".
وقال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: "أيها الناس من ألم بذنب فليستغفر الله وليتب، فإن عاد فليستغفر الله وليتب، فإن عاد فليستغفر الله وليتب، فإنما هي خطايا مطوقة في أعناق الرجال، وإن الهلاك كل الهلاك في الإصرار عليها".
قال سعيد بن المسيب في قول الله تعالى: ﴿ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَْوَّابِينَ غَفُورًا ﴾[4] قال: هو الذي يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب.
أتفرح بالذنوب وبالمعاصي
وتنسى يوم يؤخذ بالنواصي
وتأتي الذنب عمدًا لا تبالي
ورب العالمين عليك حاصي
اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، وآمن روعاتنا.
[1] رواه الإمام أحمد 1 /379.
انظر سيرته في: سير أعلام النبلاء 1 /461.
[2] المسند 1 /114.
[3] رقم 6308.
[4] سورة الإسراء، آية (25).