خطب ومحاضرات
كتاب الصلاة [15]
الحلقة مفرغة
الحمد لله نحمده، ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد, وسلم تسليماً كثيراً. وبعد:
أقوال العلماء في القنوت
قال المصنف رحمه الله: [ المسألة التاسعة: القنوت؛ اختلفوا في القنوت، فذهب مالك إلى أن القنوت في صلاة الصبح مستحب، وذهب الشافعي إلى أنه سنة ].
ومعنى مستحب عند الإمام مالك أي: أنه أقل من السنة. [ وذهب أبو حنيفة ]. و أحمد [ إلى أنه لا يجوز القنوت في صلاة الصبح، وأن القنوت إنما موضعه الوتر، وقال قوم: بل يقنت في كل صلاة. وقال قوم: لا قنوت إلا في رمضان، وقال قوم: بل في النصف الأخير منه ]. أي: ليس القنوت في رمضان كله، بل في النصف الأخير منه.
[ وقال قوم: بل في النصف الأول منه ].
سبب اختلاف العلماء في القنوت
قال المصنف رحمه الله: [ والسبب في ذلك: اختلاف الآثار المنقولة في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقياس بعض الصلوات في ذلك على بعض: (أعني: التي قنت فيها على التي لم يقنت فيها)، قال أبو عمر بن عبد البر : والقنوت بلعن الكفرة في رمضان مستفيض في الصدر الأول؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم في دعائه على رعل وذكوان، والنفر الذين قتلوا أصحاب بئر معونة. وقال الليث بن سعد : ما قنت منذ أربعين عاماً أو خمسة وأربعين عاماً إلا وراء إمام يقنت ].
يعني: أن الليث ما كان يرى القنوت, ولكن الإمام إذا كان يقنت، وهو مقتدٍ به فإنه يقنت وراءه؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ), فالإمام حاكم, فإذا قنت الإمام تابعه المأموم في القنوت, فلا يخالف الإمام بحجة أنه يعتقد خلاف ما يرى الإمام، فإذا كنت مقتدياً فعليك أن تتبع الإمام ولو رأيت أنه يخالف ما تراه, فلهذا كان الليث لا يقنت بمفرده, ولكن إذا كان الإمام يقنت قنت معه.
[ قال الليث : وأخذت في ذلك بالحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت شهراً أو قال: أربعين يدعو لقوم ويدعو على آخرين، حتى أنزل الله تبارك وتعالى عليه معاتباً: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ[آل عمران:128], فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم القنوت، فما قنت بعدها حتى لقي الله ].
وهذا الذي أخذ به الليث . [ قال: فمنذ حملت هذا الحديث لم أقنت، وهو مذهب يحيى بن يحيى ] من المالكية [ قال القاضي ]. يعني به: المؤلف. [ ولقد حدثني الأشياخ: أنه كان العمل عليه بمسجده عندنا بقرطبة ]. يعني: كأنه ما يقنت.
[ وأنه استمر إلى زماننا أو قريب من زماننا ].
[ وخرج مسلم عن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في صلاة الصبح، ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزلت: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ [آل عمران:128] ) ] وهذا الحديث أخرجه مسلم .
[ وخرج عن أبي هريرة أنه قنت في الظهر، والعشاء الأخيرة وصلاة الصبح ]. يعني: في صلوات السفر.
[ وكذلك مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه قنت شهراً في صلاة الصبح يدعو على بني عصية ].
إذاً فالقنوت مختلف، في محله في الصلاة, وسيأتي الكلام في الاختلاف فيما هي الألفاظ التي يقنت بها.
بيان ما يقنت به
قال المصنف رحمه الله: [ واختلفوا فيما يقنت به، فاستحب مالك القنوت بـ ( اللهم إنا نستعينك، ونستغفرك، ونستهديك، ونؤمن بك، ونخنع لك، ونخلع ونترك من يكفرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخاف عذابك إن عذابك بالكفار ملحق )] وهذا الدعاء استحبه مالك [ ويسميها أهل العراق السورتين ] يقولوا: أنها سورتان. [ ويروى أنها في مصحف أبي بن كعب ] قال هذا بعضهم ولكنه لم يثبت؛ لأن القرآن لا يثبت إلا بتواتر.
[ وقال الشافعي ، و إسحاق : بل يقنت بـ ( اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وقنا شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، تباركت ربنا وتعاليت ), وهذا يرويه الحسن بن علي من طرق ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ].
وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد و الدارمي و أبو داود و الترمذي و النسائي ، وصححه الألباني وهو حديث صحيح, قال الترمذي : إنه حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه, ولكن الحديث صحيح.
[ وقال عبد الله بن داود : من لم يقنت به بالسورتين فلا يصلى خلفه ]. وهذا القول فيه تشدد. [ وقال قوم: ليس في القنوت شيء موقوت ].
وبعضهم يقول: تقنت بأي دعاء تريد أن تدعو به وتحتاجه؛ لأنه إذا كان للحاجة فيكون مناسباً للحاجة التي نزلت بك, فتدعو بها وهو كذلك, يعني: إذا كنت تدعو في القنوت لنازلة نزلت بك, فيناسبه القنوت في النازلة التي نزلت بك فتقنت وتدعو فيها أو لها.
ولم يأتِ في شيء من الأحاديث ما يدل على استمرار القنوت عند نزول النوازل، وعند عدمها, إلا حديث أنس عند البيهقي و الدارقطني عن الربيع بن أنس قال: ( كنت جالساً عند أنس -يعني: أن الربيع هذا ولد- فقيل له: إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً, فقال: ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الغداة حتى فارق الدنيا ), صححه الحاكم في كتاب القنوت, و النووي في المجموع. وقد أعل الحديث بعلل منها: أن في سنده أبا جعفر الرازي واختلف فيه, فوثقه غير واحد, منهم: ابن المديني و الموصلي و أبو حاتم و ابن عدي و ابن سعد و الحاكم , و ابن عبد البر , فهؤلاء كلهم قالوا: إنه صحيح وهذا وجه قوي من النظر للشافعية، فلا نقول كما يقول بعض الذي لا يعرفون من العلم إلا رسمه, يدرس شهرين وقال: أنا شيخ، يقول: إن هذا بدعة، ولا نصلي بعد الشافعية؛ لأنهم مبتدعون, إذا عرفنا هذا علمنا أن الخلاف له وجه قوي من النظر؛ لأنه يدور حول تصحيح هذا الحديث أو تضعيفه, فمن صح عنده هذا الرجل ووثقه، فإنه يعمل بذلك.
وقال فيه جماعة: إنه ثقة سيء الحفظ, يعني: حتى اللمز فيه قليل ليس بالقوي, وقال فيه جماعة: إنه ثقة سيء الحفظ, منهم: أبو زرعة و عمرو بن علي و ابن خراش و النسائي و ابن حبان , وقال الحافظ في التقرب: صدوق سيء الحفظ, ومما أعل به الحديث: أنه قد روي عن أنس التصريح بكذب من زعم استمراره صلى الله عليه وسلم على القنوت, إلا أن فيه: قيس بن عاصم وهو ضعيف, وفي هذه الرواية قيل لـأنس : رووا أنك قلت: إن الرسول صلى الله عليه وسلم استمر في القنوت, قال: كاذب الذي يقول: إني قلت, ولكن الحديث فيه قيس بن عاصم وهو ضعيف, واتفقوا على ضعفه, إذاً ما يعارض صلة الحديث الذي اختلفوا فيه.
فـقيس بن عاصم ضعيف, قال الحافظ في التلخيص: وروى ابن خزيمة في صحيحه عن أنس : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم ), قال: فاختلفت الأحاديث عن أنس يعني: مرة قال: (استمر) ومرة قال: (كذاب), ومرة قال: (لم يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم), فالأحاديث عن أنس مضطربة, فلا يقوم بمثل هذا حجة. هذا كلام الحافظ.
قلت: وسائر أحاديث الباب قاضية بأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعله عند أن ينزل بالمسلمين نازلة, فإذا ارتفعت تركه, من غير تخصيص لبعض الصلوات دون بعض, بل كان يفعله عند النوازل في جميع الصلوات, فتارةً يدعو لجماعة من المسلمين, وتارةً يدعو على جماعة من المشركين, وتارة يفعله قبل الركوع وتارةً يفعله بعد الركوع.
فالحاصل: أنه مشروع في النوازل غير مشروع مع عدمها, من غير فرق بين صلاة الفجر وغيرها, انظر المجموع (3/484-485)، والتلخيص (1/245)، ووبل الغمام (1/285)، والتهذيب (4/583)، والتقريب (2/406).
قال المصنف رحمه الله: [ المسألة التاسعة: القنوت؛ اختلفوا في القنوت، فذهب مالك إلى أن القنوت في صلاة الصبح مستحب، وذهب الشافعي إلى أنه سنة ].
ومعنى مستحب عند الإمام مالك أي: أنه أقل من السنة. [ وذهب أبو حنيفة ]. و أحمد [ إلى أنه لا يجوز القنوت في صلاة الصبح، وأن القنوت إنما موضعه الوتر، وقال قوم: بل يقنت في كل صلاة. وقال قوم: لا قنوت إلا في رمضان، وقال قوم: بل في النصف الأخير منه ]. أي: ليس القنوت في رمضان كله، بل في النصف الأخير منه.
[ وقال قوم: بل في النصف الأول منه ].
قال المصنف رحمه الله: [ والسبب في ذلك: اختلاف الآثار المنقولة في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقياس بعض الصلوات في ذلك على بعض: (أعني: التي قنت فيها على التي لم يقنت فيها)، قال أبو عمر بن عبد البر : والقنوت بلعن الكفرة في رمضان مستفيض في الصدر الأول؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم في دعائه على رعل وذكوان، والنفر الذين قتلوا أصحاب بئر معونة. وقال الليث بن سعد : ما قنت منذ أربعين عاماً أو خمسة وأربعين عاماً إلا وراء إمام يقنت ].
يعني: أن الليث ما كان يرى القنوت, ولكن الإمام إذا كان يقنت، وهو مقتدٍ به فإنه يقنت وراءه؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ), فالإمام حاكم, فإذا قنت الإمام تابعه المأموم في القنوت, فلا يخالف الإمام بحجة أنه يعتقد خلاف ما يرى الإمام، فإذا كنت مقتدياً فعليك أن تتبع الإمام ولو رأيت أنه يخالف ما تراه, فلهذا كان الليث لا يقنت بمفرده, ولكن إذا كان الإمام يقنت قنت معه.
[ قال الليث : وأخذت في ذلك بالحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت شهراً أو قال: أربعين يدعو لقوم ويدعو على آخرين، حتى أنزل الله تبارك وتعالى عليه معاتباً: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ[آل عمران:128], فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم القنوت، فما قنت بعدها حتى لقي الله ].
وهذا الذي أخذ به الليث . [ قال: فمنذ حملت هذا الحديث لم أقنت، وهو مذهب يحيى بن يحيى ] من المالكية [ قال القاضي ]. يعني به: المؤلف. [ ولقد حدثني الأشياخ: أنه كان العمل عليه بمسجده عندنا بقرطبة ]. يعني: كأنه ما يقنت.
[ وأنه استمر إلى زماننا أو قريب من زماننا ].
[ وخرج مسلم عن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في صلاة الصبح، ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزلت: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ [آل عمران:128] ) ] وهذا الحديث أخرجه مسلم .
[ وخرج عن أبي هريرة أنه قنت في الظهر، والعشاء الأخيرة وصلاة الصبح ]. يعني: في صلوات السفر.
[ وكذلك مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه قنت شهراً في صلاة الصبح يدعو على بني عصية ].
إذاً فالقنوت مختلف، في محله في الصلاة, وسيأتي الكلام في الاختلاف فيما هي الألفاظ التي يقنت بها.
استمع المزيد من الشيخ محمد يوسف حربة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
كتاب الزكاة [9] | 2957 استماع |
كتاب الزكاة [1] | 2913 استماع |
كتاب الطهارة [15] | 2906 استماع |
كتاب الطهارة [3] | 2619 استماع |
كتاب الصلاة [33] | 2567 استماع |
كتاب الصلاة [29] | 2416 استماع |
كتاب الطهارة [6] | 2397 استماع |
كتاب أحكام الميت [3] | 2389 استماع |
كتاب الطهارة [2] | 2365 استماع |
كتاب الصلاة [1] | 2328 استماع |