كتاب الصلاة [12]


الحلقة مفرغة

الحمد لله نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً.

قال المصنف رحمه الله: [ الباب الثامن في معرفة النية، وكيفية اشتراطها في الصلاة ]

أقوال العلماء في حكم النية في الصلاة

قال رحمه الله: [ وأما النية فاتفق العلماء على كونها شرطاً ]، وقال الشافعي : هي ركن.

والفرق بين قول الأئمة الثلاثة: من قال: إن النية شرط فيجوز أن تتقدم على تكبيرة الإحرام، وقول الشافعي: إنها ركن فلا بد أن تقترن النية بتكبيرة الإحرام.

[ في صحة الصلاة؛ لكون الصلاة هي رأس العبادات التي وردت في الشرع لغير مصلحة معقولة ]، بل المصلحة معقولة أخبر عنها الشرع وهي أول ما ينظر فيه من أعمال ابن آدم الصلاة، فإن وجدت تامة قبلت وقبل سائر عمله، وإن وجدت ناقصة ردت ورد سائر عمله.

[ أعني: من المصالح المحسوسة.

واختلفوا: هل من شرط نية المأموم أن توافق نية الإمام في تعيين الصلاة؟ ]، يعني: فلا يصلي ظهراً إلا وراء إمام يصلي ظهراً، فلا تصح صلاة الظهر خلف العصر، ولا تصح النافلة خلف الفريضة، ولا الفريضة خلف النافلة.

[ وفي الوجوب ]، وفي أنها تكون واجبة. [ حتى لا يجوز أن يصلي المأموم ظهراً بإمام يصلي عصراً؟ ولا يجوز أن يصلي الإمام ظهراً يكون في حقه نفلاً، وفي حق المأموم فرضاً.

فذهب مالك و أبو حنيفة إلى أنه يجب أن توافق نية المأموم نية الإمام ].

وقالوا: إذا صلى خلفه ولم توافق صلاة المأموم صلاة إمامه فصلاة المأموم باطلة.

[ وذهب الشافعي إلى أنه ليس يجب ]. وأنه لا يجب اتفاق النية، وعن أحمد الروايتان كالمذهبين.

سبب اختلاف العلماء في اختلاف نية الإمام والمأموم في الصلاة

قال رحمه الله: [ والسبب في اختلافهم معارضة مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ) ]، والحديث أخرجه البخاري و مسلم .

[ لما جاء في حديث معاذ ] عند البخاري و مسلم [ من أنه ( كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يصلي بقومه ).

فمن رأى ذلك خاصاً لـمعاذ ، وأن عموم قوله عليه الصلاة والسلام: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به )، يتناول النية، اشترط موافقة الإمام للمأموم ]. وقال: هذه القضية خاصة بـمعاذ .

[ ومن رأى أن الإباحة لـمعاذ في ذلك هي إباحة لغيره ] لا سيما وقد كان مستمراً على ذلك. [ من سائر المكلفين، وهو الأصل قال: لا يخلو الأمر في ذلك الحديث الثاني من أحد أمرين ]، يعني حديث: ( إنما جعل الإمام )، [ إما أن يكون ذلك العموم الذي فيه لا يتناول النية; لأن ظاهره إنما هو في الأفعال ]؛ لأنه قال: ( فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا )، وكلها أفعال، [ فلا يكون بهذا الوجه معارضاً لحديث معاذ ]، فيكون هذا في الأفعال. [ وإما أن يكون يتناولها فيكون حديث معاذ قد خصص من ذلك العموم.

وفي النية مسائل ليس لها تعلق بالمنطوق به من الشرع رأينا تركها؛ إذ كان غرضنا على القصد الأول إنما هو الكلام في المسائل التي تتعلق بالمنطوق به من الشرع ].

القول الراجح في موافقة المأموم لإمامه

أقول: الراجح في هذا اختصاص الموافقة بين الإمام والمأموم في الأفعال التي لا يمكن مراعاتها في الصلاة، فمثلاً لا تصح صلاة الكسوف والجنازة مع غيرهما من الصلوات وتصح الصلاة الثلاثية والثنائية خلف الرباعية، والعكس فرضاً أو نفلاً. وإذا انتهى فعل المأموم قبل الإمام انتظره أو فارقه. فلو كان المأموم يصلي صلاة المغرب بعد من يصلي العشاء، فعندما يقوم الإمام للرابعة يجلس المأموم، وهو مخير بين أن ينوي مفارقة الإمام فيتشهد ويسلم، وبين أن ينتظر في التشهد حتى يأتي الإمام في الرابعة ويجلس ويتشهد ويسلم.

كذلك إذا صلى الصبح بعد من يصلي الظهر، أو يصلي نافلة ثنائية، فإنه عندما يجلس للتشهد يجلس معه للتشهد، فإذا قام الإمام ليكمل فهو مخير بين أن ينوي المفارقة ويسلم، أو ينتظر إلى أن يكمل الإمام الصلاة ويسلم معه. ولا تكون مخالفة لحديث ( إنما جعل الإمام ليؤتم به )، فنية المفارقة تكفي، وإذا انتهى فعل الإمام قبل المأموم قام المأموم بعد فراغ الإمام ليتم ما بقي كالمسبوق بركعة أو ركعتين أو ثلاث، وكالمقيم بعد المسافر.

أما المسافر بعد المقيم فمن السنة أن يتم لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا اقتدى المسافر بمقيم أن يتم )، حديث صحيح. كما يصح النفل خلف الفرض والعكس لعدم وجود دليل ظاهر يدل على المنع، وحديث معاذ ظاهره الدلالة على عدم المنع، ومثله، الحديث الصحيح ( هل من رجل يتصدق على هذا فيصلي معه؟ ).

أما الدليل على جواز المفارقة فحديث الرجل الذي صلى بعد معاذ فأطال معاذ فتركه وأتم صلاته منفرداً. ( كان معاذ يصلي مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ويأتي في خالفة من الليل فيصلي بقومه، وكان يطيل القراءة، وكان شاب يأتي ويصلي معه، فلما رآه يطيل القراءة فارقه وصلى لنفسه، فقال معاذ : إن هذا الشاب منافق، فلما سمع ذلك الشاب قال: والله لأشكونه إلى رسول الله، فجاء وشكاه إلى رسول الله، وقال: يا رسول الله! إنا أصحاب زرع وماشية، نذهب النهار في زرعنا وماشيتنا، وإن معاذاً يأتي في خالفة من الليل، فيطيل بنا الصلاة، ففارقته وصليت لنفسي، فقال: إني منافق، فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً، وقال: أفتان أنت يا معاذ ؟ أفتان أنت يا معاذ ؟ أفتان أنت يا معاذ ؟ ) يعني: مفتن بين الناس، ( إذا صليت بالناس فصل بـ (سبح اسم ربك الأعلى)، (والشمس وضحاها)، و(هل أتاك حديث الغاشية) )، عين له سوراً، ثم قال: ما تقول أنت يا أيها الشاب؟ قال: أنا لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ ، ما أحسن هذا الكلام الكثير، وإنما أقرأ فاتحة الكتاب، وأسأل الله الجنة، واستعيذ من النار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حول هذا ندندن، ثم إنه جاء جيش، فخرج معاذ ، وخرج الصحابة لملاقاة ذلك الجيش الكافر الذي يريد غزو المدينة، فمر ذلك الشاب على معاذ وهو ذاهب يتبختر إلى المعركة، وقال لـمعاذ: ستعرف اليوم أني منافق أو مؤمن، وانغمس في الجهاد وقاتل قتالاً شديداً حتى قتل، وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقضية الشاب وأنه قتل شهيداً، فجاء معاذ ، فلما جاء معاذ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما فعل صاحبك؟ الذي قلت: إنه منافق؟ قال: لقد صدق وكذبت, لا إله إلا الله، قال: لقد صدق صاحبي في أنه مؤمن، وكذبت عليه بأنه منافق.

فسكوت الرسول صلى الله عليه وسلم على مفارقة الشاب المأموم إمامه معاذ إقرار له على ذلك الفعل، أما لو اقتدى مسافر بمقيم في التشهد الأخير فيجب على المسافر الإتمام، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ).

قال رحمه الله: [ وأما النية فاتفق العلماء على كونها شرطاً ]، وقال الشافعي : هي ركن.

والفرق بين قول الأئمة الثلاثة: من قال: إن النية شرط فيجوز أن تتقدم على تكبيرة الإحرام، وقول الشافعي: إنها ركن فلا بد أن تقترن النية بتكبيرة الإحرام.

[ في صحة الصلاة؛ لكون الصلاة هي رأس العبادات التي وردت في الشرع لغير مصلحة معقولة ]، بل المصلحة معقولة أخبر عنها الشرع وهي أول ما ينظر فيه من أعمال ابن آدم الصلاة، فإن وجدت تامة قبلت وقبل سائر عمله، وإن وجدت ناقصة ردت ورد سائر عمله.

[ أعني: من المصالح المحسوسة.

واختلفوا: هل من شرط نية المأموم أن توافق نية الإمام في تعيين الصلاة؟ ]، يعني: فلا يصلي ظهراً إلا وراء إمام يصلي ظهراً، فلا تصح صلاة الظهر خلف العصر، ولا تصح النافلة خلف الفريضة، ولا الفريضة خلف النافلة.

[ وفي الوجوب ]، وفي أنها تكون واجبة. [ حتى لا يجوز أن يصلي المأموم ظهراً بإمام يصلي عصراً؟ ولا يجوز أن يصلي الإمام ظهراً يكون في حقه نفلاً، وفي حق المأموم فرضاً.

فذهب مالك و أبو حنيفة إلى أنه يجب أن توافق نية المأموم نية الإمام ].

وقالوا: إذا صلى خلفه ولم توافق صلاة المأموم صلاة إمامه فصلاة المأموم باطلة.

[ وذهب الشافعي إلى أنه ليس يجب ]. وأنه لا يجب اتفاق النية، وعن أحمد الروايتان كالمذهبين.

قال رحمه الله: [ والسبب في اختلافهم معارضة مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ) ]، والحديث أخرجه البخاري و مسلم .

[ لما جاء في حديث معاذ ] عند البخاري و مسلم [ من أنه ( كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يصلي بقومه ).

فمن رأى ذلك خاصاً لـمعاذ ، وأن عموم قوله عليه الصلاة والسلام: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به )، يتناول النية، اشترط موافقة الإمام للمأموم ]. وقال: هذه القضية خاصة بـمعاذ .

[ ومن رأى أن الإباحة لـمعاذ في ذلك هي إباحة لغيره ] لا سيما وقد كان مستمراً على ذلك. [ من سائر المكلفين، وهو الأصل قال: لا يخلو الأمر في ذلك الحديث الثاني من أحد أمرين ]، يعني حديث: ( إنما جعل الإمام )، [ إما أن يكون ذلك العموم الذي فيه لا يتناول النية; لأن ظاهره إنما هو في الأفعال ]؛ لأنه قال: ( فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا )، وكلها أفعال، [ فلا يكون بهذا الوجه معارضاً لحديث معاذ ]، فيكون هذا في الأفعال. [ وإما أن يكون يتناولها فيكون حديث معاذ قد خصص من ذلك العموم.

وفي النية مسائل ليس لها تعلق بالمنطوق به من الشرع رأينا تركها؛ إذ كان غرضنا على القصد الأول إنما هو الكلام في المسائل التي تتعلق بالمنطوق به من الشرع ].


استمع المزيد من الشيخ محمد يوسف حربة - عنوان الحلقة اسٌتمع
كتاب الزكاة [9] 2957 استماع
كتاب الزكاة [1] 2913 استماع
كتاب الطهارة [15] 2906 استماع
كتاب الطهارة [3] 2619 استماع
كتاب الصلاة [33] 2567 استماع
كتاب الصلاة [29] 2416 استماع
كتاب الطهارة [6] 2397 استماع
كتاب أحكام الميت [3] 2389 استماع
كتاب الطهارة [2] 2365 استماع
كتاب الصلاة [1] 2329 استماع