كتاب الصلاة [11]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:

قال المصنف رحمه الله: [ الباب السادس ] في هذا الباب سيتكلم المصنف عن المواضع التي لا يصلى فيها، أي: أن هناك مواضع تكره الصلاة فيها، وما عداها تجوز الصلاة فيها، فهو سيذكر المواضع التي يجوز الصلاة فيها، ثم سيأتي بالمواضع التي تكره الصلاة فيها، والخلاف في ذلك، وبيان الراجح.

[ وأما المواضع التي يصلى فيها: فإن من الناس من أجاز الصلاة في كل موضع لا تكون فيه نجاسة. ومنهم من استثنى من ذلك سبعة مواضع: المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، والحمام، ومعاطن الإبل، وفوق ظهر بيت الله.

ومنهم من استثنى من ذلك المقبرة فقط. ومنهم من استثنى المقبرة والحمام. ومنهم من كره الصلاة في هذه المواضع المنهي عنها، ولم يبطلها ]، والأمر كذلك، فإن الصلاة في هذه المواضع لا تبطل.

[ وهو أحد ما روي عن مالك ، وقد روي عنه الجواز، وهذه رواية ابن القاسم ].

روي عنه الأمرين: الكراهة والجواز.

سبب اختلاف العلماء في المواضع التي لا يصلى فيها

قال المصنف رحمه الله: [ وسبب اختلافهم تعارض ظواهر الآثار في هذا الباب، وذلك أن ها هنا حديثين متفق على صحتهما، وحديثين مختلف فيهما. فأما المتفق عليهما فقوله عليه الصلاة والسلام: ( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي، وذكر فيها: وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأينما أدركتني الصلاة صليت ) ]، وهذا الحديث أخرجه البخاري و مسلم .

وقوله: (أينما) من ألفاظ العموم، فهي تشمل كل المواضع.

[ وقوله عليه الصلاة والسلام: ( اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبوراً ) ].

وهذا الحديث أخرجه البخاري و مسلم ، وفيه استثناء للقبور، وبما أن الحديث صحيح؛ فإن استثناء القبور من عموم الحديث الأول صحيح.

[ وأما غير المتفق عليهما ]، أي: الأحاديث الغير المتفق عليها، لم يروها البخاري و مسلم [ فأحدهما ما روي: ( أنه عليه الصلاة والسلام نهى أن يصلى في سبعة مواطن: في المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، وفي الحمام، وفي معاطن الإبل، وفوق ظهر بيت الله الحرام ) خرجه الترمذي ] وكذلك أخرجه ابن ماجه ، ولكن الحديث ضعيف، فليس كل ما فيه صحيح، إنما الصحيح فيه ثلاثة.

قال: [ والثاني ما روي أنه قال عليه الصلاة والسلام: ( صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإبل ) ].

وهذا الحديث صحيح. فيكون استثناء مرابض الإبل صحيح، وكذلك الصلاة في المقبرة والحمام، لأن الحديث الوارد في ذلك صحيح؛ في النهي عن الصلاة في الحمام والمقبرة.

مذاهب العلماء في الأحاديث المتعارضة الواردة في المواضع التي لا يصلى فيها والتي يصلى فيها

قال: [ فذهب الناس في هذه الأحاديث ثلاثة مذاهب:

أحدها: مذهب الترجيح والنسخ. والثاني: مذهب البناء، أعني: بناء الخاص على العام ]، وهؤلاء انقسموا، فقال بعضهم: نستثني من الحديث ما صح، وقال آخرون: نستثني السبعة، [ والثالث: مذهب الجمع. فأما من ذهب مذهب الترجيح والنسخ؛ فأخذ بالحديث المشهور، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً )، وقال: هذا ناسخ لغيره ]، فكل موضع عند هؤلاء تصح فيه الصلاة [ لأن هذه هي فضائل له عليه الصلاة والسلام، وذلك مما لا يجوز نسخه ]؛ وإذا قلنا: إنها فضيلة، فلا يجوز حينئذ نسخها.

[ وأما من ذهب مذهب بناء الخاص على العام؛ فقال: حديث الإباحة عام، وحديث النهي خاص، فيجب أن يبنى الخاص على العام. فمن هؤلاء من استثنى السبعة مواضع ]، لكن هذا الحديث ضعيف.

قال: [ ومنهم من استثنى الحمام والمقبرة، وقال: هذا هو الثابت عنه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه قد روي أيضاً النهي عنهما مفردين ]، يعني: في الحمام والمقبرة، من حديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الأرض كلها مسجد إلا الحمام والمقبرة )، وهو حديث صحيح أخرجه أبو داود ، وهو موجود في الإرواء للألباني .

فتكون المستثنيات الصحيحة ثلاثة: الحمام، والمقبرة، ومعاطن الإبل.

قال: [ ومنهم من استثنى المقبرة فقط؛ للحديث المتقدم.

فأما من ذهب مذهب الجمع ولم يستثن خاصاً من عام، فقال: أحاديث النهي محمولة على الكراهة، والأولى على الجواز ].

الراجح في المواضع التي لا يصلى فيها وما يدل عليه

المقصود أنه: قد صح النهي ألّا يصلى في ثلاثة مواضع: في المقبرة، والحمام، ومعاطن الإبل. فتستثنى هذه الثلاثة من عموم حديث ( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً )، وأما باقي السبعة فلا تستثنى من عموم الحديث؛ لضعف الحديث الذي وردت فيه، وكذلك فإنه لم يرد فيها أثر، والأصل فيها الإباحة.

والقول: بالكراهة حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل، ولا دليل فيما عدا الثلاثة، في كل ما ذكر في الباب. والمصنف قد ذكر أكثر من سبعة مواضع ستأتي.

قال رحمه الله: [ واختلفوا في الصلاة في البيع والكنائس ] وهذه لم تذكر في الحديث، فتبقى على الأصل وهو الإباحة، إلا أن يكون هناك تشبه بالكفار، فتكره حينها لأجل التشبه. وقوله: (في البيع والكنائس)، البيع: لليهود، والكنائس: للنصارى.

[ فكرهها قوم، وأجازها قوم، وفرق قوم بين أن يكون فيها صور أو لا يكون، وهو مذهب ابن عباس ؛ لقول عمر : لا تدخلوا كنائسهم من أجل التماثيل. والعلة فيمن كرهها لا من أجل التصاوير، حملها على النجاسة ]، يقول: أن من منع الصلاة في البيع والكنائس علته نجاستها.

قال: [ واتفقوا على الصلاة على الأرض ]، قوله: (الصلاة على الأرض) أي: على غير التراب. [ واختلفوا في الصلاة على الطنافس ]، والسجادة منها، [ وغير ذلك مما يقعد عليه على الأرض ]، كالموكيت مثلاً. وهذا هو الذي اختلفوا في الصلاة عليه.

[ والجمهور على إباحة السجود على الحصير ].

الحصير: هو الذي يكون مصنوعاً من النخل.

وهو لا يدخل في الطنافس؛ لأن الطنافس تصنع من غير الحصير.

[ وما يشبهه مما تنبته الأرض ]، أي أنهم اتفقوا على إباحة الصلاة على ما تنبته الأرض.

[ والكراهية بعد ذلك، وهو مذهب مالك بن أنس ]، قال الإمام مالك : كل ما لا تنبته الأرض فلا يشرع مثلاً الصلاة على الجلود؛ لأن الجلود لا تنبتها الأرض، وكذلك المصنوع من غير القطن فإنه مكروه في مذهب مالك بن أنس ، ولكن الراجح الجواز في كل ما ذكر في الباب، كما ذكرنا سابقاً: وكذلك ما لم يرد فيه أثر فالأصل فيه الإباحة، والقول بالكراهة حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل، ولا دليل فيما عدا الثلاثة، لكل ما ذكر في الباب.

والذي تكره فيه الصلاة ثلاثة أشياء: معاطن الإبل، والمقبرة، والحمام. وهذه الكراهة كراهة تنزيه لا تحريم.

وأما الكنائس فتكره إذا كانت فيها تماثيل، أو كانت فيها صور، أو خوف من التشبه، أما أنه ورد فيها حديث فلا.

قال المصنف رحمه الله: [ وسبب اختلافهم تعارض ظواهر الآثار في هذا الباب، وذلك أن ها هنا حديثين متفق على صحتهما، وحديثين مختلف فيهما. فأما المتفق عليهما فقوله عليه الصلاة والسلام: ( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي، وذكر فيها: وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأينما أدركتني الصلاة صليت ) ]، وهذا الحديث أخرجه البخاري و مسلم .

وقوله: (أينما) من ألفاظ العموم، فهي تشمل كل المواضع.

[ وقوله عليه الصلاة والسلام: ( اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبوراً ) ].

وهذا الحديث أخرجه البخاري و مسلم ، وفيه استثناء للقبور، وبما أن الحديث صحيح؛ فإن استثناء القبور من عموم الحديث الأول صحيح.

[ وأما غير المتفق عليهما ]، أي: الأحاديث الغير المتفق عليها، لم يروها البخاري و مسلم [ فأحدهما ما روي: ( أنه عليه الصلاة والسلام نهى أن يصلى في سبعة مواطن: في المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، وفي الحمام، وفي معاطن الإبل، وفوق ظهر بيت الله الحرام ) خرجه الترمذي ] وكذلك أخرجه ابن ماجه ، ولكن الحديث ضعيف، فليس كل ما فيه صحيح، إنما الصحيح فيه ثلاثة.

قال: [ والثاني ما روي أنه قال عليه الصلاة والسلام: ( صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإبل ) ].

وهذا الحديث صحيح. فيكون استثناء مرابض الإبل صحيح، وكذلك الصلاة في المقبرة والحمام، لأن الحديث الوارد في ذلك صحيح؛ في النهي عن الصلاة في الحمام والمقبرة.

قال: [ فذهب الناس في هذه الأحاديث ثلاثة مذاهب:

أحدها: مذهب الترجيح والنسخ. والثاني: مذهب البناء، أعني: بناء الخاص على العام ]، وهؤلاء انقسموا، فقال بعضهم: نستثني من الحديث ما صح، وقال آخرون: نستثني السبعة، [ والثالث: مذهب الجمع. فأما من ذهب مذهب الترجيح والنسخ؛ فأخذ بالحديث المشهور، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً )، وقال: هذا ناسخ لغيره ]، فكل موضع عند هؤلاء تصح فيه الصلاة [ لأن هذه هي فضائل له عليه الصلاة والسلام، وذلك مما لا يجوز نسخه ]؛ وإذا قلنا: إنها فضيلة، فلا يجوز حينئذ نسخها.

[ وأما من ذهب مذهب بناء الخاص على العام؛ فقال: حديث الإباحة عام، وحديث النهي خاص، فيجب أن يبنى الخاص على العام. فمن هؤلاء من استثنى السبعة مواضع ]، لكن هذا الحديث ضعيف.

قال: [ ومنهم من استثنى الحمام والمقبرة، وقال: هذا هو الثابت عنه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه قد روي أيضاً النهي عنهما مفردين ]، يعني: في الحمام والمقبرة، من حديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الأرض كلها مسجد إلا الحمام والمقبرة )، وهو حديث صحيح أخرجه أبو داود ، وهو موجود في الإرواء للألباني .

فتكون المستثنيات الصحيحة ثلاثة: الحمام، والمقبرة، ومعاطن الإبل.

قال: [ ومنهم من استثنى المقبرة فقط؛ للحديث المتقدم.

فأما من ذهب مذهب الجمع ولم يستثن خاصاً من عام، فقال: أحاديث النهي محمولة على الكراهة، والأولى على الجواز ].




استمع المزيد من الشيخ محمد يوسف حربة - عنوان الحلقة اسٌتمع
كتاب الزكاة [9] 2956 استماع
كتاب الزكاة [1] 2915 استماع
كتاب الطهارة [15] 2908 استماع
كتاب الطهارة [3] 2620 استماع
كتاب الصلاة [33] 2567 استماع
كتاب الصلاة [29] 2417 استماع
كتاب الطهارة [6] 2397 استماع
كتاب أحكام الميت [3] 2388 استماع
كتاب الطهارة [2] 2366 استماع
كتاب الصلاة [1] 2328 استماع