كتاب الصلاة [4]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الفصل الثاني من الباب الأول: في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها.

وهذه الأوقات اختلف العلماء منها في موضعين: أحدهما: في عددها. والثاني: في الصلوات التي يتعلق النهي عن فعلها فيها.

المسألة الأولى: عدد الأوقات المنهي عن الصلاة فيها.

اتفق العلماء على أن ثلاثة من الأوقات منهي عن الصلاة فيها، وهي: وقت طلوع الشمس، ووقت غروبها، ومن لدن تصلى صلاة الصبح حتى تطلع الشمس ].

فعند طلوع الشمس، وعند الغروب، وبعد صلاة الصبح، هذا محل اتفاق بين العلماء: على أن الصلاة منهي عنها.

أقوال العلماء في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها

قال المصنف رحمه الله: [ واختلفوا في وقتين: في وقت الزوال، وفي الصلاة بعد العصر; فذهب مالك وأصحابه إلى أن الأوقات المنهي عنها هي أربعة: الطلوع، والغروب، وبعد الصبح، وبعد العصر، وأجاز الصلاة عند الزوال ].

فأوقات النهي عند مالك أربعة، واستثنى من الأوقات الخمسة الزوال.

[ وذهب الشافعي إلى أن هذه الأوقات خمسة كلها منهي عنها، إلا وقت الزوال يوم الجمعة، فإنه أجاز فيه الصلاة، واستثنى قوم من ذلك الصلاة بعد العصر ].

فقالوا: تجوز، يعني: ما دامت الشمس مرتفعة، أما أبو حنيفة و أحمد فقالوا: إن الصلاة منهي عنها في الخمسة الأوقات من غير استثناء جمعة ولا غيرها.

سبب اختلاف العلماء في أوقات النهي

قال المصنف رحمه الله: [ وسبب الخلاف في ذلك أحد شيئين: إما معارضة أثر لأثر وإما معارضة الأثر للعمل ].

يعني: إما أن الآثار تعارض بعضها بعضاً أو تتعارض مع عمل أهل المدينة.

[ عند من راعى العمل ].

وهو مالك .

[ أعني: عمل أهل المدينة، وهو مالك بن أنس ، فحيث ورد النهي ولم يكن هناك معارض لا من قول ولا من عمل اتفقوا عليه، وحيث ورد المعارض] من القول أو العمل [ اختلفوا.

أما اختلافهم في وقت الزوال ].

فـمالك لا يقول بالنهي عن الصلاة في وقت الزوال مطلقاً.

[ فلمعارضة العمل فيه للأثر ].

يعني: عمل أهل المدينة، فأنهم كانوا يصلون وقت الزوال في كل يوم، فهذا العمل أخذ به مالك .

[ وذلك أنه ثبت من حديث عقبة بن عامر الجهني أنه قال: ( ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيها، أو أن نقبر فيها موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل، وحين تضيف الشمس للغروب ). خرجه مسلم ].

نهى عن هذه الخمسة الأوقات.

[ وحديث أبي عبد الله الصنابحي في معناه، ولكنه منقطع ].

والحديث الأول صحيح.

[ خرجه مالك في موطئه] وهو حديث صحيح.

[ فمن الناس من ذهب إلى منع الصلاة في هذه الأوقات الثلاثة كلها، ومن الناس من استثنى من ذلك وقت الزوال ].

إما بإطلاق وهو مالك ، وإما في يوم الجمعة فقط وهو الشافعي ].

أما أبو حنيفة و أحمد فلم يستثنوا شيئاً.

[ أما مالك فلأن العمل عنده بالمدينة لما وجده على الوقتين فقط ولم يجده على الوقت الثالث، أعني: الزوال، أباح الصلاة فيه، واعتقد أن ذلك النهي منسوخ بالعمل ].

ليس النسخ بعمل أهل المدينة إنما المراد بحديث كان يحفظه أهل المدينة فعملوا به؛ لأن عمل المدينة المجرد لا ينسخ النصوص.

[ وأما من لم ير للعمل تأثيراً، فبقي على أصله في المنع ].

وهما كما قلنا أحمد و أبو حنيفة .

[ وقد تكلمنا في العمل وقوته في كتابنا في الكلام الفقهي، وهو الذي يدعى بأصول الفقه].

منها: منهاج الأدلة في علم الأصول، قال: تكلم عن عمل أهل المدينة هل يقوى على معارضة الحديث أم لا يقوى؟ الراجح عند أهل الأصول: أن عمل أهل المدينة لا يقوى على معارضة الآثار.

[ وأما الشافعي ].

الذي استثنى يوم الجمعة.

[ فلما صح عنده ما روى ابن شهاب عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنهم كانوا في زمن عمر بن الخطاب يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر ، ومعلوم أن خروج عمر كان بعد الزوال على ما صح ذلك من حديث الطنفسة التي كانت تطرح على جدار المسجد الغربي، فإذا غشي الطنفسة كلها ظل الجدار خرج عمر بن الخطاب ].

يقول: إنهم كانوا يصلون.

كذلك ما ورد من الأمر بالتبكير إلى صلاة الجمعة، والحث على الصلاة فيها حتى يخرج الإمام، فهذا يدل على أن الصلاة مستثناة في وقت الاستواء يوم الجمعة.

[ مع ما رواه أيضاً عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة ) ].

وهذا نص في المسألة وقد أخرجه الشافعي ، لكن لو كان هذا الحديث صحيحاً لكان نصاً يحتج به على الأئمة أبي حنيفة و أحمد ، ولكن الحديث ضعيف فإن فيه إبراهيم بن محمد بن يحيى وهو كذاب رافضي، ومع هذا فقد كان الإمام الشافعي لا يعرف عنه أنه كذاب فكان يأخذ عنه.

[ استثنى من ذلك النهي يوم الجمعة ].

يعني: الشافعي .

[ وقوى هذا الأثر عنده العمل في أيام عمر بذلك].

وقال الحافظ : إن العمل كان في وقت الرسول صلى الله عليه وسلم.

[ وإن كان الأثر عنده ضعيفاً.

وأما من رجح الأثر الثابت في ذلك، فبقي على أصله في النهي ].

من غير استثناء.

[ وأما اختلافهم في الصلاة بعد صلاة العصر؛ فسببه تعارض الآثار الثابتة في ذلك ].

آثار فيها أنه صلى، وآثار أنه نهى.

[ وذلك أن في ذلك حديثين متعارضين: أحدهما: حديث أبي هريرة المتفق على صحته ] الذي أخرجه البخاري و مسلم .

[ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ) ].

وهذا الحديث ظاهر.

[ والثاني: حديث عائشة قالت: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاتين في بيتي قط سراً ولا علانية: ركعتين قبل الفجر، وركعتين بعد العصر ] فهذا يدل على أنه داوم عليها حتى توفي.

[ فمن رجح حديث أبي هريرة قال بالمنع، ومن رجح حديث عائشة أو رآه ناسخاً; لأنه العمل الذي مات عليه صلى الله عليه وسلم قال بالجواز. وحديث أم سلمة ].

الذي رواه البخاري و مسلم [ يعارض حديث عائشة ] لأنه يقول: أنه قضاء.

[ وفيه: أنها رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين بعد العصر، فسألته عن ذلك فقال: ( إنه أتاني ناس من عبد القيس، فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر وهما هاتان)].

إذاً: هذا الحديث يدل على جواز القضاء، وقوله صلى الله عليه وسلم في الركعتين بعد العصر (هاتان): قال الحافظ في الفتح: وأجاب من أطلق الكراهة بأن فعله صلى الله عليه وسلم هذا يدل على جواز استدراك ما فات من الرواتب من غير كراهة، وأما مواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك فهو من خصائصه، والدليل عليه ما رواه ذكوان مولى عائشة : ( أنها حدثته أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر وينهى عنها ). رواه أبو داود ، ورواية أبي سلمة عن عائشة نحو هذه القصة، وفي آخرها: ( وكان إذا صلى صلاة أثبتها ). رواه مسلم ، فقوله: (أثبتها)، يدل أن المداومة كانت من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم، ويدل على جواز قضاء النوافل بعد العصر، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً في وقت لا يتركه، فالمداومة في هذه الوقت من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن قضاء الفوائت جائز.

الراجح في عدد الأوقات المنهي عن الصلاة فيها

الراجح أن الذي يتحصل من الأخبار أن الأوقات المنهي عن الصلاة فيها خمسة: عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وبعد الصبح، وبعد صلاة العصر، وعند الاستواء إلا يوم الجمعة، وذلك لما رواه البخاري وغيره في الأوقات الأربعة: عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يتحرَ أحدكم فيصلي عند غروب الشمس ولا عند طلوعها )، وعن أبي سعيد الخدري كذلك رواه البخاري و مسلم قال: وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس ).

وأما وقت الاستواء فلما رواه مسلم من حديث عقبة بن عامر ، ولفظه: ( وحين يقوم قائم الظهيرة حتى ترتفع )، ورواه أيضاً من حديث ابن أبزى ولفظه: ( حتى .... قيد رمح فإذا أقبل الليل فصل ) وهذا مذهب الأئمة الثلاثة: أن الصلاة في هذه الأوقات منهي عنها، أبو حنيفة و الشافعي و أحمد ، وقال مالك : ما أدركت أهل الفضل إلا وهم يجتهدون ويصلون نصف النهار، وأما استثناء الشافعية يوم الجمعة، فحجته أن النبي صلى الله عليه وسلم ندب الناس إلى التبكير في يوم الجمعة، ورغب في الصلاة إلى خروج الإمام، وجعل الغاية خروج الإمام وهو لا يخرج إلا بعد الزوال، فدل على عدم الكراهة، أما أبو حنيفة و أحمد : فلم يستثنيا يوم الجمعة، وقالا: هو كبقية الأيام في كراهية الصلاة، وذهب ابن عمر و علي إلى جواز الصلاة بعد العصر مطلقاً ما دامت الشمس مرتفعة حية، وتبعهما ابن حزم وشيخنا الألباني ، واستدلوا بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن الصلاة بعد العصر والشمس مرتفعة )، رواه أبو داود و النسائي وغيرهما، وصححه ابن حزم و العراقي و الحافظ وشيخنا، هذه في ثلاث ظاهرة: على أنه ما دامت الشمس حية فهو يصلي.

قال المصنف رحمه الله: [ واختلفوا في وقتين: في وقت الزوال، وفي الصلاة بعد العصر; فذهب مالك وأصحابه إلى أن الأوقات المنهي عنها هي أربعة: الطلوع، والغروب، وبعد الصبح، وبعد العصر، وأجاز الصلاة عند الزوال ].

فأوقات النهي عند مالك أربعة، واستثنى من الأوقات الخمسة الزوال.

[ وذهب الشافعي إلى أن هذه الأوقات خمسة كلها منهي عنها، إلا وقت الزوال يوم الجمعة، فإنه أجاز فيه الصلاة، واستثنى قوم من ذلك الصلاة بعد العصر ].

فقالوا: تجوز، يعني: ما دامت الشمس مرتفعة، أما أبو حنيفة و أحمد فقالوا: إن الصلاة منهي عنها في الخمسة الأوقات من غير استثناء جمعة ولا غيرها.




استمع المزيد من الشيخ محمد يوسف حربة - عنوان الحلقة اسٌتمع
كتاب الزكاة [9] 2956 استماع
كتاب الزكاة [1] 2912 استماع
كتاب الطهارة [15] 2904 استماع
كتاب الطهارة [3] 2617 استماع
كتاب الصلاة [33] 2565 استماع
كتاب الصلاة [29] 2414 استماع
كتاب الطهارة [6] 2396 استماع
كتاب أحكام الميت [3] 2387 استماع
كتاب الطهارة [2] 2364 استماع
كتاب الصلاة [1] 2327 استماع