خطب ومحاضرات
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب آداب قضاء الحاجة - حديث 97-100
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، البشير النذير والسراج المنير، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
فيما يتعلق بالحديث الأول وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اتقوا اللعانين. قالوا: وما اللعانان؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم ).
تخريج الحديث
ورواه أيضاً ابن الجارود في المنتقى ولفظه: ( ومجالسهم )، بدل قوله: ( وظلهم ) أو ( وأفنيتهم ) قال: ( ومجالسهم ).
معنى اللعانين
الوجه الأول: أن يكون المقصود الأماكن التي يلعن الناس من تبول أو تغوط فيها، فيكون سبباً للعن الناس له؛ لأنه آذاهم بهذا.
وعلى هذا المعنى يكون الذي تبول أو تغوط في هذه الأماكن قد تسبب لنفسه وللناس.
فأما أنه تسبب لنفسه فإن الناس لعنوه، واللعن دعاء كما هو معروف، فإن كان مستحقاً له فقد وقع في إثم عظيم استحق أن يلعن من أجله، وإن لم يكن مستحقاً له فقد تعرض لسخط المسلمين وغضبهم ودعائهم عليه، وتسبب في تأثيمهم حيث لعنوه.
فهو لا يخرج عن الإضرار من هاتين الجهتين: إما أن يكون مستحقاً للعن، أو لا يكون مستحقاً له، فيكون تسبب في تأثيم الناس حين لعنوه، وربما كان هذا مستحقاً للعن؛ لما رواه الطبراني في الكبير من حديث حذيفة بن أسيد بسند حسن -كما قاله عدد من الحفاظ- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من تخلى في طريق المسلمين فقد وجبت عليه لعنتهم )، ومعنى (وجبت) يعني: حقت.
وله شاهد وإن كان ضعيفاً عند الحاكم والبيهقي وغيرهما بلفظ: ( من سل سخيمته في طريق عامرة من طرق المسلمين، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ).
وهذا الحديث في سنده ضعف كما ذكر الحافظ في التلخيص وغيره.
والمقصود بقوله: (سل سخيمته)، يعني: قضى حاجته، يعني: تبرز في طريق الناس، وهذا لا يعارض النهي عن لعن المسلم بعينه؛ لأن الناس حين يلعنونه يلعنون من فعل هذا دون أن يسموه باسمه، بل دون أن يعرفوه أحياناً، هذا المعنى الأول في قوله: (اللعانين)، يعني: المتسببين في اللعن.
أما المعنى الثاني الذي ذكره الخطابي وغيره من الشراح أيضاً، فإن المقصود باللعانين أي: أن صاحبهما يستحق اللعن، يلعن عليهما.
فعلى المعنى الثاني يكون التبرز في الأماكن المذكورة في الحديث يكون كبيرة من كبائر الذنوب؛ لأن من ضابط الكبيرة ما توعد عليه بلعن أو غضب، أو عقوبة في الآخرة، أو حد في الدنيا، فهذا توعد عليه باللعن؛ ولذلك كان كبيرة من كبائر الذنوب.
والمعنى الثاني قوي، أن يكون المقصود أنه ملعون من فعل ذلك؛ لأنه يشهد له حديث حذيفة بن أسيد، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فقد وجبت عليه لعنتهم )، فلا يبعد أن يكون هذا الفعل كبيرة، وأن يكون فاعله متوعداً باللعن وهو الطرد عن رحمة الله تعالى.
وفسر اللعانين حين سألوه بقوله: ( الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم )، أما التخلي فقد سبق والمقصود منه: التغوط وقضاء الحاجة، والطريق معروفة وهذا يشمل الطريق كلها، وعليه يحمل ما ورد في قول النبي صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى: ( أو قارعة الطريق )، فإن هذا اللفظ الذي عندنا في صحيح مسلم عام قال: (الطريق)، فيشمل قارعة الطريق وجوانبه وأعلاه وأدناه، وأن التغوط فيها محرم.
(أو ظلهم)، أما الظل فإن المقصود به هاهنا: الظل الذي ينتفع به، ولذلك قيده الفقهاء بقولهم: أو ظل نافع، وجاء في رواية الإمام أحمد الآتية عن ابن عباس : ( أو ظل يستظل به )، فقيد الظل بكونه يستظل به، أما الظل الذي لا ينتفع الناس به ولا يحتاجون إليه فإن قضاء الحاجة عنده جائز، يدل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن جعفر قال: ( وكان أحب ما استتر به النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته هدف، أو حائش نخل -وفي رواية- أو حائط نخل ).
والهدف هو الشيء المرتفع، والحائش والحائط معروف.
الأحكام المستفادة من الحديث
فدل الحديث على تحريم التغوط وقضاء الحاجة في طريق الناس المطروقة وفي ظلهم.
ودل برواية ابن حبان على تحريم قضاء الحاجة في أفنيتهم، والفناء هو: الفضاء الواسع على جوانب الدار، وليس المقصود بالدار فقط البيت، بل حتى الحي مثلاً أو مجموعة البيوت المسكونة التي يكون هناك فناء واسع حولها، يستفاد منه في مناسبات معينة، هذا يوجد في عدد من الأماكن، يكون حول البيوت فضاء واسع غير معمور يستفيد منه أهل الحي في الزواجات، وفي الأعياد، والمناسبات الكبيرة، وقد يلعب فيه الأطفال وما أشبه ذلك، هذه الأفنية تدخل في قوله: (وأفتيتهم)، فيكون التغوط فيها محرماً أيضاً.
ودل الحديث رابعاً -من رواية ابن الجارود - على تحريم البول في مجالس الناس، يعني: أماكنهم التي يجلسون فيها، وهذه المجالس ليس بالضرورة أنها ظل، فالناس مثلاً في أوقات الشتاء يجلسون في الشمس ويفضلون ذلك، فيكون قضاء الحاجة في الأماكن التي يرتادها الناس للجلوس فيها محرماً ملعوناً فاعله ولو لم تكن ظلاً، وبذلك علم من حديث أبي هريرة أنه توعد باللعن على أربعة أشياء:
الأول: الذي يتخلى في طريق الناس.
الثاني: أن يتخلى بالأفنية.
والثالث: المجالس.
والرابع: الظل.
فهذه أربعة أشياء يحرم قضاء الحاجة فيها، وكلها وردت في حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
والتخلي إذا أطلق فإن المقصود به -والله أعلم- البَراز .. الغائط، وكذلك البَراز المقصود به الغائط، ولكن حتى البول يمنع للعلة نفسها، لأن الناس يتقونه كما يتقون البراز.
الأوجه الدالة على تحريم قضاء الحاجة في الأماكن التي ينتفع بها الناس
والقول بالتحريم هو المتجه عقلاً ونقلاً.
فأما من حيث النقل: فإن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وأمر باتقائه فقال: (اتقوا)، وهذا يدل على التحريم كما سبق تقريره مراراً، الأمر يدل على الوجوب والنهي يدل على التحريم، فقوله: (اتقوا) يدل على وجوب اتقاء هذه الأماكن.
والوجه الثاني الدال على التحريم: أنه سماه باللعان، فإن كان معنى اللعان أي: الملعون فاعله كما سبق فلا إشكال حينئذ، وإن كان المعنى: الذي يلعن الناس من فعله، فيكون تسبب في تأثيم الناس باللعن كما مضى، وهذا لا يجوز، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحديث في الصحيح المعروف: ( لما أثنوا على رجل خيراً قال: وجبت له الجنة، ولما أثنوا على آخر شراً قال: وجبت له النار، ثم قال: أنتم شهداء الله في أرضه )، كما في المتفق عليه، فدل على أن الناس حين يلعنون إنساناً ويطبقون على ذلك -وخاصة المقصود أهل الخير والإسلام- أنهم محقون في ذلك وأنه مستحق لهذا.
أما من حيث النظر والعقل فإن في قضاء الحاجة في هذه الأماكن إساءة إلى الناس بالرائحة الكريهة، وبتنجيس بعضهم حيث قد لا يدرون بهذه الأشياء فيقعون فيها، وبحرمانهم من الانتفاع بهذه المرافق العامة، التي هي ملك للمسلمين جميعاً، ولا يجوز لأحد أن يحرم الناس منها، وباستقذار هذه الأماكن واستخباثها، وكذلك بإيجاد العداوة والفرقة بين المسلمين التي أشار إليها بلعن من فعل ذلك.
إذاً: جمهور العلماء على التحريم، والنووي نقل عن بعض الشافعية أنهم قالوا: بأنه مكروه كراهة تنزيه، وصرح صاحب المغني وغيره والخطابي والنووي بأن المقصود التحريم.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم فيه: ( اتقوا اللعانين ) اللعانان: تثنية لعان، وهي تحتمل وجهين كما ذكر الخطابي وغيره.
الوجه الأول: أن يكون المقصود الأماكن التي يلعن الناس من تبول أو تغوط فيها، فيكون سبباً للعن الناس له؛ لأنه آذاهم بهذا.
وعلى هذا المعنى يكون الذي تبول أو تغوط في هذه الأماكن قد تسبب لنفسه وللناس.
فأما أنه تسبب لنفسه فإن الناس لعنوه، واللعن دعاء كما هو معروف، فإن كان مستحقاً له فقد وقع في إثم عظيم استحق أن يلعن من أجله، وإن لم يكن مستحقاً له فقد تعرض لسخط المسلمين وغضبهم ودعائهم عليه، وتسبب في تأثيمهم حيث لعنوه.
فهو لا يخرج عن الإضرار من هاتين الجهتين: إما أن يكون مستحقاً للعن، أو لا يكون مستحقاً له، فيكون تسبب في تأثيم الناس حين لعنوه، وربما كان هذا مستحقاً للعن؛ لما رواه الطبراني في الكبير من حديث حذيفة بن أسيد بسند حسن -كما قاله عدد من الحفاظ- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من تخلى في طريق المسلمين فقد وجبت عليه لعنتهم )، ومعنى (وجبت) يعني: حقت.
وله شاهد وإن كان ضعيفاً عند الحاكم والبيهقي وغيرهما بلفظ: ( من سل سخيمته في طريق عامرة من طرق المسلمين، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ).
وهذا الحديث في سنده ضعف كما ذكر الحافظ في التلخيص وغيره.
والمقصود بقوله: (سل سخيمته)، يعني: قضى حاجته، يعني: تبرز في طريق الناس، وهذا لا يعارض النهي عن لعن المسلم بعينه؛ لأن الناس حين يلعنونه يلعنون من فعل هذا دون أن يسموه باسمه، بل دون أن يعرفوه أحياناً، هذا المعنى الأول في قوله: (اللعانين)، يعني: المتسببين في اللعن.
أما المعنى الثاني الذي ذكره الخطابي وغيره من الشراح أيضاً، فإن المقصود باللعانين أي: أن صاحبهما يستحق اللعن، يلعن عليهما.
فعلى المعنى الثاني يكون التبرز في الأماكن المذكورة في الحديث يكون كبيرة من كبائر الذنوب؛ لأن من ضابط الكبيرة ما توعد عليه بلعن أو غضب، أو عقوبة في الآخرة، أو حد في الدنيا، فهذا توعد عليه باللعن؛ ولذلك كان كبيرة من كبائر الذنوب.
والمعنى الثاني قوي، أن يكون المقصود أنه ملعون من فعل ذلك؛ لأنه يشهد له حديث حذيفة بن أسيد، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فقد وجبت عليه لعنتهم )، فلا يبعد أن يكون هذا الفعل كبيرة، وأن يكون فاعله متوعداً باللعن وهو الطرد عن رحمة الله تعالى.
وفسر اللعانين حين سألوه بقوله: ( الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم )، أما التخلي فقد سبق والمقصود منه: التغوط وقضاء الحاجة، والطريق معروفة وهذا يشمل الطريق كلها، وعليه يحمل ما ورد في قول النبي صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى: ( أو قارعة الطريق )، فإن هذا اللفظ الذي عندنا في صحيح مسلم عام قال: (الطريق)، فيشمل قارعة الطريق وجوانبه وأعلاه وأدناه، وأن التغوط فيها محرم.
(أو ظلهم)، أما الظل فإن المقصود به هاهنا: الظل الذي ينتفع به، ولذلك قيده الفقهاء بقولهم: أو ظل نافع، وجاء في رواية الإمام أحمد الآتية عن ابن عباس : ( أو ظل يستظل به )، فقيد الظل بكونه يستظل به، أما الظل الذي لا ينتفع الناس به ولا يحتاجون إليه فإن قضاء الحاجة عنده جائز، يدل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن جعفر قال: ( وكان أحب ما استتر به النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته هدف، أو حائش نخل -وفي رواية- أو حائط نخل ).
والهدف هو الشيء المرتفع، والحائش والحائط معروف.
دل هذا على أنه يجوز قضاء الحاجة في الظل الذي لا يحتاج إليه ؛ لأن الحائط أو الجدار من المعلوم أنه يكون له ظل، فكونه عليه الصلاة والسلام قضى حاجته تحته واستتر به، دليل على أن الظل الذي يلعن من تغوط وقضى حاجته فيه هو الظل الذي يحتاج إليه.
فدل الحديث على تحريم التغوط وقضاء الحاجة في طريق الناس المطروقة وفي ظلهم.
ودل برواية ابن حبان على تحريم قضاء الحاجة في أفنيتهم، والفناء هو: الفضاء الواسع على جوانب الدار، وليس المقصود بالدار فقط البيت، بل حتى الحي مثلاً أو مجموعة البيوت المسكونة التي يكون هناك فناء واسع حولها، يستفاد منه في مناسبات معينة، هذا يوجد في عدد من الأماكن، يكون حول البيوت فضاء واسع غير معمور يستفيد منه أهل الحي في الزواجات، وفي الأعياد، والمناسبات الكبيرة، وقد يلعب فيه الأطفال وما أشبه ذلك، هذه الأفنية تدخل في قوله: (وأفتيتهم)، فيكون التغوط فيها محرماً أيضاً.
ودل الحديث رابعاً -من رواية ابن الجارود - على تحريم البول في مجالس الناس، يعني: أماكنهم التي يجلسون فيها، وهذه المجالس ليس بالضرورة أنها ظل، فالناس مثلاً في أوقات الشتاء يجلسون في الشمس ويفضلون ذلك، فيكون قضاء الحاجة في الأماكن التي يرتادها الناس للجلوس فيها محرماً ملعوناً فاعله ولو لم تكن ظلاً، وبذلك علم من حديث أبي هريرة أنه توعد باللعن على أربعة أشياء:
الأول: الذي يتخلى في طريق الناس.
الثاني: أن يتخلى بالأفنية.
والثالث: المجالس.
والرابع: الظل.
فهذه أربعة أشياء يحرم قضاء الحاجة فيها، وكلها وردت في حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
والتخلي إذا أطلق فإن المقصود به -والله أعلم- البَراز .. الغائط، وكذلك البَراز المقصود به الغائط، ولكن حتى البول يمنع للعلة نفسها، لأن الناس يتقونه كما يتقون البراز.
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 38-40 | 4784 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجماعة والإمامة - حديث 442 | 4394 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 57-62 | 4213 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 282-285 | 4095 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 727-728 | 4047 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 405-408 | 4021 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 313-316 | 3974 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 36 | 3917 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب المياه - حديث 2-4 | 3900 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 734-739 | 3879 استماع |