كتاب الطهارة [26]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، نحمده، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً.

وبعد:

أقوال الفقهاء في مباشرة الحائض وما يستباح منها

قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الأولى: اختلف الفقهاء في مباشرة الحائض وما يستباح منها، فقال مالك و الشافعي و أبو حنيفة : له ما فوق الإزار فقط ] يعني: ما أعلى من السرة وأسفل من الركبة، بمعنى: أن تكون متزرة، ولا يباشرها من داخل الإزار.

قال: [ وقال سفيان الثوري و داود الظاهري و أحمد : إنما يجب عليه أن يجتنب موضع الدم فقط ] أي الفرج.

إذاً هنا قولان.

سبب اختلاف العلماء في مباشرة الحائض وما يستباح منها

قال: [ سبب اختلافهم: ظواهر الأحاديث الواردة في ذلك ] فمن الأحاديث ما ورد بإباحة ما تحت الإزار، ومنها ما ورد بمنع ذلك والاحتمال الذي في مفهوم آية الحيض ] وذلك أن آية الحيض فيها احتمالين كما سنبينه.

قال: [ وذلك أنه ورد في الأحاديث الصحاح عن عائشة ] أخرجه البخاري [ و ميمونة ] وهذا أيضاً أخرجه البخاري و مسلم ، [ و أم سلمة ] وهذا أخرجه الطبراني [ أنه عليه الصلاة والسلام كان يأمر إذا كانت إحداهن حائضاً أن تشد عليها إزارها ثم يباشرها ]، وهذا الحديث صحيح؛ فقد ورد في البخاري و مسلم من رواية عائشة رضي الله عنها.

[ وورد أيضاً من حديث ثابت بن قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( اصنعوا كل شيء بالحائض إلا النكاح ) ] وهذا الحديث أخرجه مسلم .

[ وذكر أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها وهي حائض: ( اكشفي عن فخذك، قالت: فكشفت، فوضع خده وصدره على فخذي، وحنيت عليه حتى دفئ، وكان قد أوجعه البرد ) ]، وهذا الحديث فيه ضعف.

[ وأما الاحتمال الذي في آية الحيض فهو تردد قوله تعالى: قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222]، بين أن يحمل على عمومه إلا ما خصصه الدليل. أو أن يكون من باب العام أريد به الخاص ] يعني: في المحيض في الفرج؛ [ بدليل قوله: قُلْ هُوَ أَذًى[البقرة:222] ]، فهذه الآية تكون من العام الذي يراد به الخاص. كما في قوله تعالى: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ [آل عمران:173]، فالناس هنا هم أبو سفيان وأصحابه، وهذا عام أريد به الخاص.

أما العام الذي أريد به العام، فكما في قوله تعالى: خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ[الأنعام:102].

ولذلك في هذه المسألة هنا من قال: أنه عام أريد به العام قال: إذاً لا يخص إلا ما يخرجه الدليل، ثم جاء بالتخصيص وهو حديث: ( أنه عليه الصلاة والسلام كان يأمر إذا كانت إحداهن حائضاً أن تشد عليها إزارها ثم يباشرها ).

وأما قوله: ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح )، فهذا كما يقولون أنه معارض للآية، فتقدم الآية عليه.

ومن قال: إنه عام أريد به الخاص قال: إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح )، يؤيد الآية، وهذا معنى كلامه.

وهناك من الناس من قال: نجمع بين الأحاديث التي تقول: ما فوق الإزار، والأحاديث التي تدل على ما تحت الإزار، فنحمل الأحاديث التي وردت بالاقتصار على ما فوق الإزار على أن ما تحت الإزار مكروه، وما فوق الإزار يباح؛ وذلك لأن من الناس شاباً لا يملك إربه، بل إذا كشفت الإزار سيقع في الحرام، فهذا لا تكشف الإزار، ومنهم كبير السن يملك إربه فلا مانع أن يباشرها فيما فوق الإزار، فهذا هو الذي يحمل عليه حديث ما تحت الإزار.

الراجح في مسألة مباشرة الحائض

والذي نرجحه الجواز؛ لأنا نقول أن الحديث الذي كان يأمرها تعتزل فعل، وحديث: ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح )، هذا قول، وإذا تعارض القول مع الفعل فإنه يقدم القول، وكذلك هذا القول معه فعل من أحد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أنه كان يأمرهن أن تضع على فرجها الثوب ويباشرها.

ومعناه أن من تجعل لها على فرجها سروالاً صغيراً قصيراً، فلا مانع أن يباشرها فيما بين الفخذين وينزل ويغتسل ويذهب عنه ما به من تعب.

وهل هذا سيصبح عزلاً؟!

لا، ليس هنا عزل، والعزل سيأتي الكلام عليه، وهو أن يباشر المرأة في فرجها حتى يعرف أنه سيقذف وعند ذلك يخرج ذكره من فرجها ويقذف خارج الفرج، فهذا يسمى العزل وله حكمه.

ولمزيد من التوضيح لو افترضنا أن الزوجة قد تكون متعبة وهي غير حائض، وزوجها يريد النكاح وهي متعبة ما تريد، فأذنت له على أن يلصق الختان بالختان، حتى يخرج المني منه ولا يخرج منها شيء، فهذا قد يسمى عزلاً، وهذا جائز يجب على الزوج الغسل دون أن يجب عليها؛ لأن وجوب الغسل على الجميع بأحد شيئين: إذا أولج الحشفة في الفرج وجب الغسل على الجميع وإن لم ينزل، أما إذا ماسس الختان الختان، فمن أنزل منهما وجب عليه الغسل فإن أنزل الرجل دون المرأة وجب عليه الغسل، وإن أنزلا معاً وجب الغسل على الجميع، والغالب أن المرأة لا تنزل.

أقول: الراجح: أنه يجوز أن يتمتع بما دون الفرج؛ وذلك لما رواه مسلم من حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح )؛ ولما رواه بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم: ( كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها ثوباً، ثم صنع ما أراد )، أخرجه أبو داود ، وقال شيخنا في آداب الزفاف (ص47): وسنده على شرط مسلم ، وقواه الحافظ .

قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الأولى: اختلف الفقهاء في مباشرة الحائض وما يستباح منها، فقال مالك و الشافعي و أبو حنيفة : له ما فوق الإزار فقط ] يعني: ما أعلى من السرة وأسفل من الركبة، بمعنى: أن تكون متزرة، ولا يباشرها من داخل الإزار.

قال: [ وقال سفيان الثوري و داود الظاهري و أحمد : إنما يجب عليه أن يجتنب موضع الدم فقط ] أي الفرج.

إذاً هنا قولان.

قال: [ سبب اختلافهم: ظواهر الأحاديث الواردة في ذلك ] فمن الأحاديث ما ورد بإباحة ما تحت الإزار، ومنها ما ورد بمنع ذلك والاحتمال الذي في مفهوم آية الحيض ] وذلك أن آية الحيض فيها احتمالين كما سنبينه.

قال: [ وذلك أنه ورد في الأحاديث الصحاح عن عائشة ] أخرجه البخاري [ و ميمونة ] وهذا أيضاً أخرجه البخاري و مسلم ، [ و أم سلمة ] وهذا أخرجه الطبراني [ أنه عليه الصلاة والسلام كان يأمر إذا كانت إحداهن حائضاً أن تشد عليها إزارها ثم يباشرها ]، وهذا الحديث صحيح؛ فقد ورد في البخاري و مسلم من رواية عائشة رضي الله عنها.

[ وورد أيضاً من حديث ثابت بن قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( اصنعوا كل شيء بالحائض إلا النكاح ) ] وهذا الحديث أخرجه مسلم .

[ وذكر أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها وهي حائض: ( اكشفي عن فخذك، قالت: فكشفت، فوضع خده وصدره على فخذي، وحنيت عليه حتى دفئ، وكان قد أوجعه البرد ) ]، وهذا الحديث فيه ضعف.

[ وأما الاحتمال الذي في آية الحيض فهو تردد قوله تعالى: قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222]، بين أن يحمل على عمومه إلا ما خصصه الدليل. أو أن يكون من باب العام أريد به الخاص ] يعني: في المحيض في الفرج؛ [ بدليل قوله: قُلْ هُوَ أَذًى[البقرة:222] ]، فهذه الآية تكون من العام الذي يراد به الخاص. كما في قوله تعالى: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ [آل عمران:173]، فالناس هنا هم أبو سفيان وأصحابه، وهذا عام أريد به الخاص.

أما العام الذي أريد به العام، فكما في قوله تعالى: خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ[الأنعام:102].

ولذلك في هذه المسألة هنا من قال: أنه عام أريد به العام قال: إذاً لا يخص إلا ما يخرجه الدليل، ثم جاء بالتخصيص وهو حديث: ( أنه عليه الصلاة والسلام كان يأمر إذا كانت إحداهن حائضاً أن تشد عليها إزارها ثم يباشرها ).

وأما قوله: ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح )، فهذا كما يقولون أنه معارض للآية، فتقدم الآية عليه.

ومن قال: إنه عام أريد به الخاص قال: إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح )، يؤيد الآية، وهذا معنى كلامه.

وهناك من الناس من قال: نجمع بين الأحاديث التي تقول: ما فوق الإزار، والأحاديث التي تدل على ما تحت الإزار، فنحمل الأحاديث التي وردت بالاقتصار على ما فوق الإزار على أن ما تحت الإزار مكروه، وما فوق الإزار يباح؛ وذلك لأن من الناس شاباً لا يملك إربه، بل إذا كشفت الإزار سيقع في الحرام، فهذا لا تكشف الإزار، ومنهم كبير السن يملك إربه فلا مانع أن يباشرها فيما فوق الإزار، فهذا هو الذي يحمل عليه حديث ما تحت الإزار.




استمع المزيد من الشيخ محمد يوسف حربة - عنوان الحلقة اسٌتمع
كتاب الزكاة [9] 2956 استماع
كتاب الزكاة [1] 2912 استماع
كتاب الطهارة [15] 2904 استماع
كتاب الطهارة [3] 2617 استماع
كتاب الصلاة [33] 2565 استماع
كتاب الصلاة [29] 2414 استماع
كتاب الطهارة [6] 2396 استماع
كتاب أحكام الميت [3] 2387 استماع
كتاب الطهارة [2] 2364 استماع
كتاب الصلاة [1] 2327 استماع