كتاب الطهارة [13]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً.

وبعد:

قال المصنف رحمه الله: [ الباب الرابع:

في نواقض الوضوء:

والأصل في هذا الباب ] يعني: الدليل [ قوله تعالى: أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يقبل الله صلاة من أحدث؛ حتى يتوضأ ) ].

المسائل المتفق عليها في نواقض الوضوء

وفي هذا الباب مسائل اتفقوا عليها ذكرها المصنف.

قال: [ اتفقوا في هذا الباب على انتقاض الوضوء من البول والغائط، والريح والمذي والودي؛ لصحة الآثار في ذلك، إذا كان خروجها على وجه الصحة ].

يقول: إن هذه المسائل التي اتفقوا عليها، لكل منها حديث؛ فأما انتقاضه من البول، والغائط فهو من حديث ابن عسال ، حيث قال: ( كنا في سفر، فأمرنا ألا ننزع خفافنا من غائط، وبول ونوم ).

واتفقوا كذلك على انتقاض الوضوء بالريح؛ لقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حديث عبد الله بن زيد : ( أنه شكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يخيل عليه أنه يجد شيئًا في الصلاة، فقال: لا ينفتل أو لا ينفصل؛ حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً )، أخرجه البخاري و مسلم .

أما المذي: فلحديث علي رضي الله عنه قال: ( كنت رجلاً مذاءً، فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته؛ فأمرت المقداد فسأله؟ فقال: يغسل ذكره ويتوضأ )، والحديث أخرجه البخاري و مسلم .

وأما الودي: فهو يتبع البول في النجاسة، ولكن لم يرد فيه أثر.

وفي هذا الباب مسائل اتفقوا عليها ذكرها المصنف.

قال: [ اتفقوا في هذا الباب على انتقاض الوضوء من البول والغائط، والريح والمذي والودي؛ لصحة الآثار في ذلك، إذا كان خروجها على وجه الصحة ].

يقول: إن هذه المسائل التي اتفقوا عليها، لكل منها حديث؛ فأما انتقاضه من البول، والغائط فهو من حديث ابن عسال ، حيث قال: ( كنا في سفر، فأمرنا ألا ننزع خفافنا من غائط، وبول ونوم ).

واتفقوا كذلك على انتقاض الوضوء بالريح؛ لقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حديث عبد الله بن زيد : ( أنه شكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يخيل عليه أنه يجد شيئًا في الصلاة، فقال: لا ينفتل أو لا ينفصل؛ حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً )، أخرجه البخاري و مسلم .

أما المذي: فلحديث علي رضي الله عنه قال: ( كنت رجلاً مذاءً، فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته؛ فأمرت المقداد فسأله؟ فقال: يغسل ذكره ويتوضأ )، والحديث أخرجه البخاري و مسلم .

وأما الودي: فهو يتبع البول في النجاسة، ولكن لم يرد فيه أثر.

النواقض المختلف فيها:

[ ويتعلق بهذا الباب مما اختلفوا فيه سبع مسائل تجري منه مجرى القواعد لهذا الباب:

المسألة الأولى: الوضوء مما يخرج من الإنسان:

مذاهب العلماء في انتقاض الوضوء بالخارج من الإنسان

اختلف علماء الأمصار في انتقاض الوضوء مما يخرج من الجسد من النجس على ثلاثة مذاهب: فاعتبر قوم في ذلك الخارج وحده، من أي موضع خرج، وعلى أي جهة خرج ] بمعنى أن هؤلاء قالوا: إذا خرج نجس من الإنسان، من أي موضع خرج، سواءً من القبل أو من الدبر، أو من البدن صار وضوءه باطلاً، [ وهو: أبو حنيفة وأصحابه، و الثوري و أحمد ف، وجماعة ] يقول: وهؤلاء الذين اعتبروا الخارج من أي موضع كان، حتى ولو من البدن هم: أبو حنيفة وأصحابه، و الثوري و أحمد .

ولكن نسبة هذا إلى أحمد غير صحيح، بل مذهب أحمد موافق لمذهب الشافعي كما في المغني.

قال: [ ولهم ] أي: لـأبي حنيفة وهؤلاء الجماعة [ سلف من الصحابة، فقالوا: كل نجاسة تسيل من الجسد، وتخرج منه يجب منها الوضوء، كالدم والرعاف الكثير، والفصد والحجامة، والقيء إلا البلغم عند أبي حنيفة ، وقال أبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة : إنه إذا ملأ الفم ] يعني: البلغم [ ففيه الوضوء.

ولم يعتبر أحد من هؤلاء اليسير من الدم إلا مجاهد ] يعني: إذا كان يسيراً من الدم، لا يسيل فإنه لا ينقض الوضوء عند كل هؤلاء، عدا مجاهد .

[ واعتبر قوم آخرون المخرجين: الذكر والدبر ] فقال هؤلاء: كل ما خرج من الذكر والدبر ناقض، وما خرج من غير هذين المخرجين فلا ينقض.

[ فقالوا: كل ما خرج من هذين السبيلين فهو ناقض للوضوء، من أي شيء خرج، من دم أو حصا، أو بلغم وعلى أي وجه خرج، كان خروجه على سبيل الصحة، أو على سبيل المرض ] كالسلس والاستحاضة [ وممن قال بهذا القول الشافعي وأصحابه ] وكذلك أحمد [ و محمد بن عبد الحكم من أصحاب مالك ] وهذا هو المذهب الثاني.

[ واعتبر قوم آخرون الخارج والمخرج، وصفة الخروج ] الخارج يعني: الذي نص عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، والمخرج: من السبيلين، وصفة الخروج: أنه خرج على سبيل الصحة لا المرض.

[ فقالوا: كل ما خرج من السبيلين مما هو معتاد خروجه وهو: البول، والغائط، والمذي، والودي، والريح، إذا كان خروجه على وجه الصحة فهو ينقض الوضوء، فلم يروا في الدم والحصاة والدود وضوءاً، ولا في السلس، وممن قال بهذا القول مالك وجل أصحابه ] يعني هؤلاء يقولون: إذا خرج من الإنسان خارج؛ فلا ينقض الوضوء، إذا كان على سبيل المرض، ولهم التفصيل في هذه المسألة في المدونة، حتى أنهم قالوا: لو أحس شيئاً خرج بعد البول ولم يتعرض له فلا ينقض الوضوء، ويستمر في الصلاة، فجعلوه كالذي يبتلى بسلس البول، فهذا عند مالك لا ينقض الوضوء، بل يعفى عنه ويستمر في صلاته.

سبب اختلاف العلماء في انتقاض الوضوء بخروج نجس من الجسد

[ والسبب في اختلافهم: أنه لما أجمع المسلمون على انتقاض الوضوء مما يخرج من السبيلين من غائط وبول وريح ومذي لظاهر الكتاب، ولتظاهر الآثار بذلك، تطرق إلى ذلك ثلاثة احتمالات:

أحدها: أن يكون الحكم إنما علق بأعيان هذه الأشياء فقط، المتفق عليها على ما رآه مالك ، رحمه الله تعالى.

الاحتمال الثاني:

أن يكون الحكم إنما علق بهذه من جهة أنها أنجاس خارجة من البدن لكون الوضوء طهارة، والطهارة إنما يؤثر فيها النجس ] وهذا مذهب أبي حنيفة .

ثم قال: [ والاحتمال الثالث:

أن يكون الحكم أيضاً إنما علق بها من جهة أنها خارجة من هذين السبيلين، فيكون على هذين القولين.. ] أبي حنيفة و الشافعي [ الأخيرين، وورود الأمر بالوضوء من تلك الأحداث المجمع عليها، إنما هو من باب الخاص أريد به العام، ويكون عند مالك وأصحابه إنما هو من باب الخاص المحمول على خصوصه ] أي: ما يتعداها.

قال: [ فـالشافعي و أبو حنيفة اتفقا على أن الأمر بها هو من باب الخاص أريد به العام، واختلفا أي عام هو؟ ] بمعنى: هل هو كل ما خرج؟ فقال ذاك: عام في كل ما خرج من الجسد، وقال هذا: عام في كل ما خرج من السبيلين.

قال: [ فـمالك يرجح مذهبه: بأن الأصل هو أن يحمل الخاص على خصوصه؛ حتى يدل الدليل على غير ذلك، و الشافعي يحتج بأن المراد به المخرج لا الخارج، باتفاقهم على إيجاب الوضوء من الريح الذي يخرج من أسفل، وعدم إيجاب الوضوء منه إذا خرج من فوق ] فالجشاء لا يجب الوضوء منه.

[ وكلاهما ذات واحدة، والفرق بينهما اختلاف المخرجين، فكان هذا تنبيهاً على أن الحكم للمخرج، وهو ضعيف; لأن الريحين مختلفان في الصفة والرائحة ] ولكن قوله: (وهو ضعيف) غير صحيح، فالمراد به الريح، فمثلاً إذا أكلت شيئاً كريهًا، تخرج رائحة من الفم كريهة.

[ و أبو حنيفة يحتج بأن المقصود بذلك: هو الخارج النجس؛ لكون النجاسة مؤثرة في الطهارة، وهذه الطهارة وإن كانت طهارة حكمية، فإن فيها شبهاً من الطهارة المعنوية، أعني: طهارة النجس ] فهو يستدل بهذا، [ وبحديث ثوبان ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ )] وهذا الحديث أخرجه البخاري ، ولكن لفظ الحديث عند غيره: ( استقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفطر ) لم يقل: فتوضأ، ( فأتي بماء فتوضأ )، وهو حديث صحيح، صححه الألباني في الإرواء، وهذا الحديث لا يدل على أنه انتقض وضوءه بالقيء، وإنما يدل على أنه بطل صومه.

ويستدل كذلك أبو حنيفة : [ وبما روي عن عمر و ابن عمر رضي الله عنهما من إيجابهما الوضوء من الرعاف ] وهذا أثر صحيح، ولكنه لا يعتبر دليلاً؛ لأنه اجتهاد من الصحابة.

[ وبما روي من أمره صلى الله عليه وسلم المستحاضة بالوضوء لكل صلاة فكان المفهوم من هذا كله عند أبي حنيفة الخارج النجس ] يقول: هذا يستدل به أبو حنيفة ، ولكن لا دليل فيه عليه؛ لأنه خارج من المخرجين؛ فهو دليل للشافعية، سواءً كان عن صحة أو عن مرض.

وأما حديث: ( أنه أمرها بالوضوء لكل صلاة )فقال عليه: الحديث صحيح بشواهده.

ثم قال: [ وإنما اتفق الشافعي و أبو حنيفة على إيجاب الوضوء من الأحداث المتفق عليها، وإن خرجت على جهة المرض؛ لأمره صلى الله عليه وسلم بالوضوء عند كل صلاة المستحاضة، والاستحاضة: مرض.

وأما مالك : فرأى أن المرض له هاهنا تأثير في الرخصة قياساً أيضاً على ما روي من أن المستحاضة لم تؤمر إلا بالغسل ] وهذا ثابت كما في البخاري أنها لم تؤمر إلا بالغسل فقط [ وذلك أن حديث فاطمة بنت أبي حبيش هذا متفق على صحته ] أخرجه البخاري و مسلم وفيه: أنه أمرها بالغسل عند انقطاع الدم.

إذا عرفت المستحاضة انقطاع الحيض، وبدأت في الاستحاضة تغتسل، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمرها أن تتوضأ لكل صلاة، ولم يأمرها أن تغتسل لكل صلاة، ولكنها كانت تغتسل لكل صلاة من نفسها.

فالإمام مالك يقول: إن دم الاستحاضة غير ناقض؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرها أن تتوضأ لكل صلاة، وإنما أمرها بأن تغتسل عند رؤية انقطاع الدم.

[ ويختلف في هذه الزيادة فيه أعني الأمر بالوضوء لكل صلاة، ولكن صححها أبو عمر بن عبد البر ] اختلفوا في هذه الزيادة: (أمرها بالوضوء)، فبعضهم صححها، وبعضهم لم يصححها، وممن صححها أبو عمر بن عبد البر ، وسبق أيضاً أنها صحيحة بشواهدها.

[ قياساً على من يغلبه الدم من جرح ولا ينقطع، مثل ما روي ( أن عمر رضي الله عنه صلى وجرحه يثعب دماً) ].

فالإمام مالك يرى: أنه دليل على أنه لا ينقض الوضوء، إلا ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم في النواقض، وأما ما خرج من السبيلين، ومن غير النواقض كالاستحاضة، فلم يصح عنده حديث عمر في الأمر بالوضوء.

وأما ما خرج من النجاسات من غير السبيلين، فحديث عمر : (صلى وجرحه يثعب دماً) وكلام الإمام مالك جيد في هذا.

الراجح في انتقاض الوضوء بما خرج من السبيلين

لكن الراجح من المذاهب الثلاثة: ما ذهب إليه الإمام الشافعي و أحمد : بأن كل ما خرج من السبيلين ناقض، وممن رجح هذا القول: الإمام الشوكاني في السيل الجرار، فقال: (أما انتقاضه بالبول والغائط فبالضرورة الدينية، وأما ما عداهما - أي: البول والغائط - فما وقع النص عليه كما في حديث: (حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً )، وهو في الصحيح، فهو ناقض بالنص.

وأما مالم يقع النص عليه فهو لاحق بالريح، إما بفحوى الخطاب أو بلحن الخطاب، ولا يحتاج مع هذا إلى الاستدلال على تعميم الخارج بما لم يثبت ففي هذا كفاية، وهو يشمل ما قل أو ندر ).

يقول الإمام الشوكاني : أنه ورد في المسائل التي اتفقوا عليها نص شرعي، وأدناها الريح، وهناك ما يسمى: بفحوى الخطاب، ولحن الخطاب؛ ويكون في الخاص الذي أريد به العموم، مثل قوله تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [الإسراء:23]، فالضرب يكون من باب أولى، ولحن الخطاب: هو ما يكون المسكوت عنه مساوياً للمنطوق؛ إذاً ننظر إلى ما يخرج من السبيلين، ونوازنه بالريح؛ فسنجد منه ما هو داخل في فحوى الخطاب، فالدم مثلاً أكبر من الريح.

فيكون داخل في الريح بفحوى الخطاب، وداخل في البول بلحن الخطاب، فهو داخل فيه بفحوى الخطاب، ولحن الخطاب بالمنصوص عليها، فلا نحتاج إذاً أن نقول: أعطنا دليلاً على أن الدم ناقض للوضوء؛ لأنه لو أن إنساناً مثلاً ضرب والده وسبه، وقال: لا يوجد في الآية القرآنية، دليل على منعه، فنقول له: إنه داخل في التأفيف بفحوى الخطاب فكذلك الحال في الدم الخارج من مخرج البول، فقد ثبت في السنة أن الريح ناقض للوضوء، فالدم ناقض من باب أولى، وهذا هو الراجح.

وأما لحن الفحوى: فيكون أكبر؛ فالدم مثلاً يساوي للبول، فيسمى: لحن الخطاب، وكذلك مثلاً النهي عن أكل مال اليتيم، لو قال قائل: إن الله نهانا عن أكله، وأنا أريد أن أحرقه، فهذا يسمى لحن الخطاب.


استمع المزيد من الشيخ محمد يوسف حربة - عنوان الحلقة اسٌتمع
كتاب الزكاة [9] 2956 استماع
كتاب الزكاة [1] 2913 استماع
كتاب الطهارة [15] 2905 استماع
كتاب الطهارة [3] 2618 استماع
كتاب الصلاة [33] 2566 استماع
كتاب الصلاة [29] 2416 استماع
كتاب الطهارة [6] 2396 استماع
كتاب أحكام الميت [3] 2388 استماع
كتاب الطهارة [2] 2364 استماع
كتاب الصلاة [1] 2327 استماع